الخميس، 21 أغسطس 2014

وتذكرتُ ديكتاتورا !!

 ليس ذلك الدكتاتور فقط،بل تذكرت مجلسا ما .. حدث ذلك وأنا أطالع مذكرات شاعر تشيلي
المعروف بابلو نيرودا.
تذكرت مجلسا ما وأنا أقر أ هذه الأسطر :
(كانت المرارات التي أنا ورفاقي كنا نمثلها،لا تصل إلى المجلس إلا في صعوبة جمة. تلك القاعات المريحة البرلمانية كانت مثل سرير وثير لا تنعكس عليه جلبة الجماهير غير المرتاحة ولا تجد لها صدى في مجلس الشيوخ. وزملائي في العصبة المضادة كانوا أكاديميين خبراء في فن الخطابة الوطنية الرنانة،وتحت هذا الستار الحريري المزيف كانوا يبسطون ويسهبون في كلامهم،فكنت أشعر بالاختناق.) {ص 21 }
هذا ما يتعلق بالمجلس أما ما يتعلق بالدكتاتور .. فقد ذكرني به حديث "نيرودا"عن الدكتاتور "غونثاليث بيديلا" ..( فجأة تجدد الأمل،إذ أن أحد المرشحين إلى الرئاسة وهو "غونثاليث بيديلا"أقسم أن يعمل في سبيل العدالة،فجلبت له بلاغته الفعالة سمعة حسنة،وأنا كنت قد عينت رئيسا للدعاية في حملته الانتخابية فحملت إلى أنحاء أرض تشيلي كلها هذه البشرى الجديدة عن مرشحنا هذا.
فاختاره الشعب بأكثرية كاسحة من الأصوات رئيسا للجمهورية.
لكن رؤساء الجمهوريات في قارتنا الأمريكية (..) كانوا يعانون من مسخ وتغير في الخلق والخليقة مرات كثيرة،في حالة هذا الذي أروى حكايته الآن،فإنه غير من أصدقائه في سرعة واستبدل بهم آخرين وأقحم أسرته في الطبقة الأرستقراطية (..) الحقيقة هي أن "غونثاليث بيديلا"لا يدخل في إطار الديكتاتوريين النموذجيين التقليديين في أمريكا الجنوبية،إذ أن في "ملغاريجو"{ في الهامش : ميلغاريخو : عقيد قام بانقلاب عسكري في بوليفيا وحكمها ديكتاتوريا (1818 – 1871 )} ديكتاتور بوليفيا،وفي الجنرال "غوميث"ديكتاتور فينزويلا،أعراقا أرضية وطبقات معدنية يمكن معرفتها،ولهما إشارات تنمي ببعض العظمة،ويبدو عليهما كأنهما يتحركان بدافع قوى مدمرة،ولكن هذا لا ينفي عنهما أنهما سفاحان،غير أنهما كانا قائدين جابها المعارك والنيران.
بينما "غونثاليث بيديلا"كان،على العكس من ذلك،نتاج الطبخ السياسي،تافها متماديا في غيه ضعيفا يحاول أن تبدو عليه ملامح القوة والجبروت.
في حديقة حيوانات أمريكا،كان الديكتاتوريون هم العظائيات العملاقة،بقايا إقطاعية هائلة في أرض ما زالت كما كانت قبل التاريخ. إن يهوذا تشيلي ما كان إلا تلميذا في الطغيان وفي درجات العظائيات ومراتبها لا يمكن له أن يتعدى كونه ضبا ساما،بيد أنه فعل ما فيه الكفاية من أذى لتشيلي،فهو على الأقل أعاد تاريخ البلد إلى الوراء. كان التشيليون في عهده المبارك ينظر بعضهم إلى بعض في خجل دون أن يفهموا كيف جرى ذلك وكيف يجري هذا الأمر المخجل.
كان هذا الرجل من دعاة الاعتدالية،بهلوان مجلس. توصل إلى أن تموضع في يسارية مشهدية. في"ملهاة الأكاذيب"هذه كان بطلا مكثارا خبيثا. في هذا لا أحد يجادل. في بلد حيث السياسيون فيه،عموما،جادّون جدا أو هكذا يبدون،ارتاح الناس لظهور التفاهة والسخافة والطيش والخفة والبطلان،ولكن حين،راقص "الـ كونغا"هذا خرج من الأم { في الهامش : خرج من الأم : تعبير إسباني يشبه التعبير العربي،فاض عن الحد} كان الوقت متأخرا جدا : كانت السجون مليئة بالمعتقلين السياسيين إلى درجة أنه أنشئت معتقلات مثل معتقل"ييساغو". وتركزت الدولة البوليسية إذاك،كتجديد قومي في وضع البلاد. فلم يكن ثمة سبيل غير الجلد والصبر والصراع بشكل سري للعودة إلى الحشمة والجدية.
إن الكثيرين من أصدقاء"غونثاليث بيديلا"الذين رافقوه حتى النهاية في نشاطاته الانتخابية قد سيقوا إلى السجون في سلسلة الجبال العالية أو في الصحراء بسبب انشقاقهم عن مسخه ومخالفتهم لتغيره وتبدله. (..) لقد تحول رئيس الجمهورية الذي اخترناه بأصواتنا،تحت حماية ورعاية الولايات المتحدة،إلى وطواط خسيس دنيئ حقير سافل لئيم رذيل بخس تافه شرس عنيف دموي. إنه لأكيد أن تأنيب ضميره له لم يكن يدعه ينام (..) لقد كان لهذا التعيس عقلية تافهة بيد أنها ملتوية،ففي الليلة نفسها التي بدأ فيها القمع واضطهاد الشيوعية والشيوعيين،دعا اثنين أو ثلاثة من القادة العمال إلى العشاء معه،بعد انتهاء الوليمة نزل معهم من على درج القصر الجمهوري،ثم أخرج من عينيه بعض الدموع فعانقهم وقال لهم : "إني أبكي لأني أمرت بسجنكم،فحين تخرجون من هنا سوف يعتقلونكم،ولست أدري فيما إذا سيشاهد بعضنا بعضا بعد هذه اللحظة) {ص 21 – 258 ( مذكرات بابلو نيرودا : أعترف بأنني قد عشت ) / ترجمة : د. محمود صبح / المؤسسة العربية للدراسات والنشر / الطبعة الثانية / 1978}..
وتذكرتُ ديكتاتورا آخر!!
هنا أتحول إلى كتاب آخر .. وما نقله مؤلفه عن (التجربة المرة) للدكتور منيف الرزاز الأمين العام لحزب البعث السوري .. ( إني أكتب هذه الصفحات،وأوضاع سورية ليس لها مثيل في تاريخها. إن الذي يجري في سورية الآن لم يجر مثله إلا في العراق . في عهد عبد الكريم قاسم،حين تولت كتائب الشيوعيين المسلحة عمليات الضرب والقتل والسجن في الشوارع،وجعلت من نفسها قانونا فوق القانون،وقوة فوق الحكومة نفسها،وضد نفس الذين تستهدفهم الحملة في سورية الآن ضد مئات القوميين من البعثيين وغيرهم،الذين حملوا عبء النضال السلبي ضد الحكومات الإقطاعية والرجعية في العهود السابقة. والذين لم يقبلوا التحريف الواضح لمبادئ حزبهم ورسالة شعبهم وبما في ذلك العراقيين والأردنيين والسودانيين واللبنانيين والسعوديين والتونسيين الذين لم يظهروا لهم فروض الطاعة والاحترام والخضوع التام .){ص 88 - 89}.
يقف القلم حائرا أمام عبارة الرزاز"أوضاع سورية ليس لها مثيل في تاريخها. إن الذي يجري في سورية الآن لم يجر مثله إلا في العراق"!!
ويقول الدكتور الرزاز أيضا .. بما يذكر بالديكتاتورين معا :
(الثورة النابعة من قلب الجماهير،والمنطلقة إلى كسب الجماهير لا إلى إخضاعها فحسب،تجعل اللجوء إلى العنف وسيلتها الاستثنائية،وتجعل المحبة والإخاء والانفتاح والثقة،بل العفو والرحمة عند المقدرة سياستها اليومية لأنها تدرك أن العنف والغربة عن الشعب متلازمان في طريق لولبي متصاعد. فكلما ازداد عنف الحكم وإرهابه ازدادت غربته،وكلما ازدادت غربته ازدادت حاجته إلى العنف){ص 89 ( الحركات القومية الحديثة في ميزان الإسلام) / منير محمد نجيب / مكتبة الحرمين / الطبعة الأولى / 1401هـ - 1981}.
نعم. هذا بالضبط ما نراه في سلوك الديكتاتوريين .. "كلما ازداد عنف الحكم وإرهابه ازدادت غربته،وكلما ازدادت غربته ازدادت حاجته إلى العنف".
أبو أشرف : محمود المختار الشنقيطي المدني
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..