الأحد، 4 أكتوبر 2015

الوعظ وحده لا يكفي

الصحف لدينا مليئة بتحذيرات مكررة، ومواعظ معلبة، حفظناها عن ظهر قلب، تؤكد أن بلادنا مستهدفة، وأن هناك من يسعى لإثارة الفتنة داخليا وخلق النزاع وشق الصف الداخلي بين مواطني هذه البلاد. لا جديد في تلك التحذيرات والمواعظ التي نلوكها منذ سنوات. هذا على مستوى الإعلام، أما على المستوى الشعبي وفي أحاديث الناس فيما بينهم، فالتأكيدات تتكرر على أن تماسك هذا البلد وأمنه أمران لا مساومة عليهما. وفي الوقت نفسه فإن التحذيرات، تتكرر أيضاً، أن هذه البلاد بمكوناتها الاجتماعية والمذهبية ومساحتها الجغرافية الشاسعة لا تحتمل من يسعى إلى إحداث شرخ قد يصعب لملمة آثاره. ومع أهمية هذه الخطب والمواعظ، الا ان ما يجب الالتفات إليه والقناعة به، هو أنها وحدها تقف محدودة الأثر والتأثير، إذ ليس شرطاً أن يكون الجميع على مستوى من الوعي والإدراك لاستيعاب ما ترمي إليه تلك الخطب والمواعظ ومن ثم يستجيب لها ويتفاعل معها.
التجارب قديمها وحديثها، تؤكد أن الدول لا تستقيم، وأن الشعوب لا تنسجم في منظوماتها الاجتماعية، إلا بوجود الأنظمة التي تقرر ما يجب أن يكون وما لا يكون، إلا بوجود القوانين التي تحدد حقوق المواطنين وواجباتهم، وما عليهم فعله وما يجب عليهم تجنبه في علاقاتهم وتصرفاتهم وتعاملاتهم مع بعضهم البعض.
للأسف الشديد أننا لم نلتفت بعد إلى هذا الموضوع بالدرجة التي يستحقها، ولم نوله ما هو أهل له من عناية واهتمام، حيث نبدو وكأننا نعتقد أن الزمن كفيل بعلاج ذلك، أو أن المواعظ والخطب والتحذيرات قد تؤتي أكلها يوماً ما. الأسوأ من ذلك أننا في الكثير من ممارساتنا نخالف ما تدعو إليه تلك الخطب والمواعظ والشواهد على ذلك كثيرة.
الأمر لم يعد يحتمل التأجيل، فالبلد صحيح مستهدف من الأعداء في الخارج ومن أذنابهم في الداخل، ولكن تقوية اللحمة الوطنية والتماسك الاجتماعي لا يفيد معهما الحديث فقط، اذ هما منظومة متكاملة تؤطرها النظم التي تردع كل من يتسبب في اثارة النعرات والخلافات الاجتماعية أو المذهبية أو غيرها سواء أكان ذلك من خلال الحديث أم الكتابة أم الممارسة، والأهم أن تكون هذه الأنظمة مصحوبة بنظرة شاملة تنظر إلى الوطن كخريطة واحدة وليس نظرة قاصرة مجزأة كما يحلو للبعض.

د. محمد الكثيري
الأربعاء 9 شعبان 1436 هـ - 27 مايو 2015م - العدد 17138, صفحة رقم ( 29 )


مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..