الصفحات

الجمعة، 14 سبتمبر 2012

رسالة إلى إخوتي أعضاء مجلس الشورى

يعلم الله إني افتقدت مشاركتي معكم ومع الذين من قبلكم في هذا المجلس والتي استمرت مدة 12 سنة، افتقدت مصاحبتكم وصراحتكم ومداخلاتكم التي تنم عن مواطنة خالصة ووضوح مواقفكم نحو المواطن وحاجياته، وإنتاجيتكم ودوركم الرائد في مساعدة حكومتنا في تحقيق خططها التنموية. لا يعلم إلا القليل من المواطنين أن أغلب القرارات الإصلاحية والتنموية سواء المتعلقة بالاقتصاد، أو التعليم، أو القوى البشرية والتي اعتمدتها حكومتنا قد بدأت أو طورت تحت قبة هذا المجلس حتى أصبحت قوانين وقرارات حكومية.
إخوتي:
أتوجه إليكم اليوم بعد أن علمت أن نظام الزكاة الجديد والمطور حسب أفضل الأنظمة المتوقعة يدرس من قبلكم ومن قبل اللجنة المالية استعداداً لعرضه على مجلسكم الموقر.. وأعلم أن ما يميز هذا النظام في هذه اللحظة الحرجة من تنميتنا ومحاربتنا للفقر هو النص الواضح والمتوقع في إحداث مادة أساسية والمتعلقة بوجوب تحصيل زكاة الأراضي وهي الأراضي التي تتعدى حاجة المواطن وسكن أبنائه.
لقد أشبع المجلس في دوراته المتعددة مناقشة أهمية زكاة الأراضي وفرضها، وأصدر عدة توصيات بذلك ولا داعي لمضيعة الوقت وخاصة أن هناك قناعة واضحة من القيادة بأهمية تضمينها في هذا النظام لمجتمعنا الذي مع الأسف يشتكي من قلة المساكن للمواطنين في أكبر دولة في الشرق الأوسط بسبب ظاهرة غلاء وتجميد مساحات شاسعة من الأراضي.
إخوتي...
إنني لن أتطرق للأمور الشرعية فبينكم من هم أعلم وأفقه مني بذلك، ولكن أود أن أذكركم فقط أن الزكاة هي الركن الثالث في الإسلام بعد الشهادتين والصلاة، والزكاة فضلها عظيم وثوابها جزيل ومنافعها للمجتمع كثيرة، وأهمها مساعدة الفقراء والمساكين ونشر المحبة بين أفراد المجتمع وطبقاته المختلفة. وهي تؤدي إلى نماء حقيقي لثروة الأمة، ولا ننسى أن التوجيهات السامية تؤكد تضمين جباية الزكاة على الأراضي البيضاء في النظام المقترح.
إخوتي...
أود أن أذكركم أن القطاعات الإنتاجية من صناعة وزارعة وتجارة وعقار مطور والخدمات، حتى المواشي في الصحاري كلها تدفع الزكاة للدولة. ومن المتوقع أن تصل زكاة القطاع الخاص هذا العام 2012 نحو 20 مليار ريال، وكلها موجهة للضمان الاجتماعي والتي تساعد نحو 750 ألف عائلة فقيرة بعدد أفرادها 3.5 مليون سعودي يقدم لكل عائلة من 15 إلى 30 ألف ريال سنوياً، وهذا أقل مما يدفع برنامج حافز للعاطلين عن العمل وهو شهرياً ألفان للعامل أي 24 ألف ريال للسنة. في حين أن العائلة الفقيرة كلها والمكونة من ستة أشخاص 30 ألف ريال فقط وأنني على يقين أن تحصيل زكاة الأراضي البيضاء سيزيد حصيلة الزكاة إلى أضعاف هذا المبلغ مما قد يزيد الدفعات المقدمة للعائلة الواحدة إلى 45 ألف ريال.
إخوتي أعضاء المجلس...
قد يقول قائل منكم إننا ناقشنا رجال الأعمال فأبدوا معارضتهم بحجة أن التكلفة سيتحملها المستهلك وهذه المقولة تدحضها كل النظريات الاقتصادية، فمع الزكاة يزداد عرض الأراضي وتنتهي ظاهرة الاحتكار وتنخفض الأسعار لأن كل مالك أرض سواء كان فرداً أو شركة يجب عليه أن يوفر النقد لدفعها لمصلحة الزكاة وإلا انطبقت عليه العقوبات.
إخوتي... أتوجه لمسؤوليتكم الشرعية (وهي الآن في رقبتكم) بعد أن أحالها ولي الأمر لكم والقانونية والأخلاقية بأن تكونوا في مستوى المسؤولية المتوقعة منكم من قبل شعبنا الطيب. وعليكم أن تقاوموا أي ضغوط خارجية من أصحاب المصالح سواء عليكم كأفراد أو على أعضاء اللجنة المالية المسؤولة عن دراسة النظام من أي جهة خارجية، فعليكم اعتماد مادة محددة وواضحة بوجوب تحصيل الزكاة على الأراضي البيضاء ورفع النظام للملك ــــ أطال الله في عمره ــــ، وأستطيع أن أؤكد لكم أيضاً أن هذا الملك الطيب والمحارب الأول للفقر لن يتردد باعتماد النظام حسب توصيتكم.
إخوتي.. أعطونا كرجال أعمال وعقاريين الفرصة لمشاركة حكومتنا في محاربة الفقر. فخروج الأموال من الإنسان لهو أمر صعب وإصدار مثل هذا النظام سيساعدنا كبشر أن نطيع الله ثم ولي الأمر بإخراج الزكاة. وإنني على يقين أن كثيراً من رجال الأعمال العقاريين هم من أهل الخير ولن يترددوا في تقديم زكاة الأراضي لأنهم بالفعل يوزعون زكواتهم على من يعتقدون أنهم مستحقين، والأفضل توجيهها من خلال ولي الأمر الذي يوجهها للضمان الاجتماعي في المملكة. ولا ننسى أن العقاريين الذين يستثمرون المليارات في عقارات وأوروبا وأمريكا والدول العربية متعودين على دفع ضرائب تحصل عليهم أكثر من نسبة الزكاة المطلوبة في بلد، وكلهم يدفعون برغبتهم وأحياناً سنوياً.
إخوتي..
لعلي أذكركم بقصة حصلت معي منذ عدة سنوات ولها علاقة بالزكاة.. فمنذ عدة سنوات كانت الدولة تحصل نصف الزكاة الشرعية وتترك النصف الآخر للتصرف فيه لرجل الأعمال، ثم قرر ولي الأمر بتحصيل كل الزكاة الشرعية وهي 2.5 في المائة، فاشتكى رجال الأعمال لأنهم تعودوا على صرف النسبة على المحتاجين من أقاربهم وجيرانهم وطلبوا مني أن أذهب معهم للملك ـــ يرحمه الله ــــ لإقناعه بتغيير الأمر.. فطلبت منهم مهلة أربعة أيام، حيث كنت مخططا للذهاب إلى عنيزة لزيارة بعض الأصدقاء، وهناك اجتمعت مع سماحة الشيخ محمد بن عثيمين ـــ يرحمه الله ــــ وطرحت الموضوع عليه طالباً نصيحته. فقال لي بالحرف الواحد (عندما يطلب ولي الأمر الزكاة تعطى له كاملة وبذلك تنتقل من ذمة رجل الأعمال إلى ذمة ولي الأمر وهو الأفضل لكم). واقتنعت برأيه وأقنعت الإخوة رجال الأعمال.. وها هي أصبحت الزكاة حقيقة واقعة بكاملها وأصبحت بنداً واضحاً في كل الميزانيات، ولم تؤثر في دخل رجال الأعمال ولم تزعجهم، وإنني على يقين أن إخوتي العقاريين السعوديين والذين يعلم الله ونعرف أكثرهم لا يترددون في دفع الزكاة الآن وهم سيمرون بالتجربة نفسها وتصبح الزكاة عنصراً أساسياً في ميزانياتهم ويشعرون بالسعادة.
رسالة أخيرة لإخوتي رجال الأعمال.. احمدوا ربكم أنكم في السعودية التي لا تفرض علينا إلا ما فرضه الله علينا وهذا حق من حقوق الفقراء، قال تعالى (والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم). صدق الله العظيم، ''المعارج'' وإنني على قناعة أنه لولا توفيق الله ثم الفقراء وذوي الطبقات المتوسطة لما نما مال الأغنياء في المجتمع.. فهل ننكر هذه الحقيقة؟
هل تعلمون أن كل الدول الناجحة اقتصاديا تفرض الضرائب على كل ثروات رجال الأعمال في الداخل والخارج سواءً كانت نقداً أو عقاراً أو استثمارا في أي قطاع آخر.. ونحمد الله كثيراً أنه حمانا من هذه الخطوة.
والله الموفق،،،

د. عبد الرحمن بن عبد الله الزامل

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..