الصفحات

الأحد، 23 أكتوبر 2011

نشأة علم التخريج وأطواره


المقدمة:
إن الحمدلله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}[1] {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَْرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}[2] {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا *يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}[3].

أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
إن علم التخريج من العلوم التي شرفها الله؛ لكونه وسيلة من وسائل الوصول إلى السنة وتيسير التعامل معها، وهو من المعارف المهمة للأمة؛ لأنه به يمكن التعامل والإفادة من دواوين السنة – التي هي المصدر الثاني للشرع – وإلا أصبح هناك فجوة كبيرة بين المسلم وذلك المصدر العظيم، فدواوين السنة كثيرة جداً، ومناهجها مختلفة، والأحاديث والآثار ضرورية لمن أراد فهم مراد الله في هذا الشرع الذي أنزله، كما أنه الطريق الأبرز لمن أراد خدمة السنة والذب عن حياضها، وبه يتحقق من الزيف والصحيح، ويعرف الغث من السمين.

والتخريج أيضاً حاله حال بقية الفنون نشأ عند الحاجة إليه، ثم مر بأطوار حتى وصل إلينا بهذه الصورة، ولا شك أن معرفة تاريخ الفن ومراحل نشأته وأطواره أمر مهم لطالب العلم والمتخصص فيه، وأهل السنة وفرسان الحديث والغواصون في بحاره يحتاجون للتدلي بحبال التخريج، كي يصلوا إلى الدرر في أعماقه وصدفه، ولابد أن تستشرف نفوسهم لمعرفة من نسج تلك الحبال، وكيف نسجها، وهذا بلا ريب يحدث في النفس طمأنينة ويقيناً لا يستغني عنهما ذلك الباحث، فإذا ما عرف القواعد التي وضعها أولئك الأئمة، وكيف نقدوها وطبقوها عملياً في مصنفاتهم، وكيف أن اللاحق يستدرك على السابق، ويكمل نقصه، أدرك أن هذا البناء لم يكن وليد اجتهاد معاصر، بل كان المتأخرون قاطفي ثمرة وحسب، لموّا شتاتها، ورصوا بنيانها، ونسقوا صفوفها، ومع ذلك فلا يزال في هذه المحاولات بعض الثغرات التي تحتاج إلى سد، ومنها موضوع هذا البحث حيث لم أر من اعتنى به استقلالاً، وبشكل مفصل، مع أهميته وشدة الحاجة إليه، حيث ذكره المصنفون –حديثاً- في قواعد التخريج وأصوله عرضاً، وغالباً ما يوردونه باختصار في مطالع كتبهم[4]، أو يختلط الكلام فيه بمناهج المحدثين وتاريخ السنة النبوية عموماً، فيكاد تاريخ علم التخريج أن يتلاشى، أو يصعب تمييزه عنهما[5]، أو حتى لا يكون له ذكر واضح في الكتاب عموماً[6].

لأجل ذلك كله رأيت من الأهمية بمكان أن أفرد هذا الموضوع بالبحث، وأسطر للمعنيين بعلم الحديث خصوصاً، ولطلاب العلم عموماً هذه الورقات، مشاركة مني في خدمة السنة النبوية، فهي الشجرة المباركة التي ما خاب من استظل بظلها ناهيك عن من سقاها واعتنى بها وحماها.

وينبغي أن يعلم أن مما شجعني على الكتابة في هذا الموضوع أيضاً أني كنت على علاقة مباشرة وطويلة بالتخريج نظرياً وعملياً، حيث قضيت في أثناء ذلك ما يزيد عن خمسة عشر عاماً، منها ما يزيد عن ثماني سنوات وأنا أدرس هذه المادة لطلبة كلية أصول الدين، فكنت أجمع بعض الملاحظات، وأحدد بعض الثغرات التي تحتاج إلى تعاون لسدها ومعالجتها، فكان هذا البحث بفضل الله باكورة ما رغبت في إبرازه لإخواني، وما قصدت به المشاركة في هذا الميدان، هادفاً بإذن الله إلى تحقيق التكامل، والمساعدة في تشييد البناء، مع الاعتراف بفضل السابقين من مشايخي الفضلاء، وأساتذتي النبلاء، وبتقصيري عما أتمناه وأرجوه، وقد سرت في هذا البحث وفق الخطة التالية:

أولاً: المقدمة وتشتمل على أهمية البحث وسبب اختياره وخطتي فيه.
ثانياً: التمهيد. ويشتمل على عنصرين:
1- تعريف التخريج لغة واصطلاحاً.
2- موضوع علم التخريج وأهميته وفائدته.
وبينت هناك أن علم التخريج ينقسم إلى قسمين: نظري وتطبيقي، وألقيت الضوء على جانب من جهود العلماء في هذا المجال، وأنها حققت بفضل الله حماية وصيانة السنة، وكذلك تيسيراً وتقريباً لها بين يدي الأمة.

ثالثاً: المبحث الأول: المراحل التاريخية لعلم التخريج، وأطواره.
وقد تحدثت فيه عن المراحل التي مر بها الجانب النظري منه، ثم الجانب التطبيقي، وبينت أن الاصطلاح الذي استقر عليه المحدثون بأن المراد بالتخريج هو "عزو الحديث والدلالة على موضعه في مصادره الأصلية التي أخرجته بسنده". هذا المعنى قد نشأ مبكراً، وأن الإمام البيهقي – رحمه الله – من أوائل من استخدمه، وأن هذا الاصطلاح مر بأطوار، كل واحد أيسر وأوضح من سابقه، حتى وصل إلينا الآن. ثم بينت الأسباب الإجمالية لهذا التغير.

رابعاً: المبحث الثاني: أنواع التخريج.
وبينت فيه أن أنواع التخريج ثلاثة: مختصر، ومتوسط، وموسع: لأن البعض قد يجهل هذا التقسيم، ويستغرب، وربما ينتقد عمل ذلك المحدث وتطويله في استيعاب الطرق والمخارج، وبيان اختلاف الروايات، أو ذلك المحدث الذي اختصر تخريجه جداً، واقتصر على ذكر المخرج فقط، وكأن الأول زاد عن الحاجة، والثاني قصر دونها، وما علموا أن هذا منهج معتبر عند أهل الفن، يراعون فيه الحال والمقام، ولذا يقول الحافظ العراقي-رحمه الله- في تخريجه لأحاديث إحياء علوم الدين المسمى "المغني عن حمل الأسفار في الأسفار": لكني اختصرته في غاية الاختصار، ليسهل تحصيله وحمله في الأسفار[7].
وذكرت هناك أمثلة للكتب التي نهجت في تخريجها الأنواع الثلاثة التي ذكرتها آنفاً، ونماذج منها يتبين للقارئ الفرق بينها.

خامساً: تصور إجمالي للتخريج:
وبينت فيه أن التخريج إجمالاً يرجع إلى إحدى طريقتين هما:
1 - تخريج الحديث بواسطة إسناده.
2 - تخريج الحديث بواسطة متنه. 
وذكرت في آخر المبحث بعض الأسباب المهمة التي تعين على التمكن في هذا الفن.

سادساً: المبحث الرابع: أقسام المصادر التي يخرج منها.
وفيه بينت أن المصادر تنقسم إلى قسمين: أصلية، وغير أصلية-وتسمى أحياناً "فرعية"-، وبيان المقصود من كل قسم وكيفية التعامل معها، والعزو إليها، ومتى يصح التخريج من المصادر غير الأصلية، واصطلاح المحدثين في الصيغ المختصرة في وصف المتن أثناء التخريج.

سابعاً: أبرز المؤلفات في طرق التخريج وقواعده.
وذكرت فيه أن التصنيف في قواعد التخريج وأسسه في كتابٍ مستقل قد تأخر إلى عصرنا الحاضر، ومع ذلك حاولت ترتيب هذه المصنفات التي ذكرتها زمنياً، لما في ذلك من الفوائد التي لا تخفى، وليس هذا موضع ذكرها.
ثم ختمت بخاتمة بينت فيها أبرز النتائج التي وصلت إليها.
وقد سلكت في استخراج المادة العلمية للبحث جمع قواعده النظرية من مباحث علوم الحديث ومقدمات كتب التخريج، وربط ذلك بالواقع العملي في مصنفات الحديث، وخصوصاً كتب التخريج العملي كنصب الراية والتلخيص الجبير، مع مقارنة ذلك بما كتبه المؤلفون في قواعد التخريج، وبيان مواطن الاتفاق والاختلاف، والترجيح إذا دعت الحاجة.
أسأل الله التوفيق والسداد، وحسن القصد في القول والعمل، وأن يجعل ما سطرته نافعاً ومباركاً في كل زمان ومكان، وأن يكون مصباحاً يستضيء به السالكون دروب السنة؛ إنه جواد بر رؤوف رحيم. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

التمهيد: ويشتمل على عنصرين:
أولاً: تعريف التخريج لغة واصطلاحاً:
لما كان معنى التخريج له ارتباط بأطوار هذا العلم والمراحل التاريخية التي مرب بها –كما سيأتي في المبحث الأول[8]. إن شاء الله – كان لابد من تعريف القارئ به، سواء في الجانب اللغوي أو الاصطلاحي، فلذا أقول:

أ - المعنى اللغوي:
أصل كلمة التخريج تعود إلى كلمة "خرج" وهي نقيض دخل، وهي تعني البروز والظهور، يقول تعالى: {وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً}[9]. وقال سبحانه: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ}[10]. وأخرج الترمذي وابن ماجه والدارمي[11].عن عبد الله بن عدي بن الحمراء الزهري، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم واقفاً على الحزورة[12]. فقال: "والله إنك لخير أرض الله، وأحب أرض الله إلى الله –وفي رواية ابن ماجه: إليّّ "ولولا أني أُخرجت منك ما خرجت" قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.
قال الفيروزأبادي[13]: أرض مخرجة –كمنقشة- نبتها في مكان دون مكان، وعام فيه تخريج: خصب وجدب، وتخريج الراعية المرعى أن تأكل بعضاً وتترك بعضاً، والاستخراج والاختراج: الاستنباط. وخرجه في الأدب، فتخرج، وهو خرّيج –كعنين- بمعنى: مفعول، وخرج اللوح تخريجاً: كتب بعضاً وترك بعضاً.
وقد استوفى الكلام على هذه المعاني للتخريج والإخراج ابن منظور في لسان العرب[14]، فلينظر.
وقال الراغب الأصبهاني في المفردات في غريب القرآن[15]:
والتخريج أكثر ما يقال في العلوم والصناعات.

ب - المعنى الاصطلاحي:
يأتي التخريج والإخراج عند المحدثين بعدة معان، من أبرزها ما يلي:
1 - جمع الأحاديث من صدور الرواة في مختلف الأمصار، وتصنيفها في الكتب، وإبرازها وإظهارها للناس، وهذا ما قام به المحدثون في القرون الأولى، ولذا اصطلحوا على التعبير عما أسنده أولئك المصنفون في كتبهم من أحاديث بقولهم: أخرجه البخاري، وأخرجه الشيخان وأحمد. وهكذا.
وقد يكون عملهم مقصوداً به المعنى الثاني الذي سأذكره قريباً.
قال العلامة السيوطي[16] في معرض تفضيله لصحيح البخاري على صحيح مسلم: وبيان ذلك من وجوه:
أحدها: أن الذين انفرد البخاري بالإخراج لهم دون مسلم أربعمائة وبضعة وثلاثون رجلاً، المتكلم فيهم بالضعف منهم ثمانون رجلاً، والذين انفرد مسلم بالإخراج لهم دون البخاري ستمائة وعشرون، المتكلم فيهم بالضعف منهم مائة وستون.
ولا شك أن التخريج عمن لم يتكلم فيه أصلاً أولى من التخريج عمن تكلم فيه، إن لم يكن ذلك الكلام قادحاً، إلى آخر كلامه رحمه الله.

2 - التفتيش والتنقيب عن الأحاديث، قال الشيخ زكريا الأنصاري في كتابه فتح الباقي على ألفية العراقي[17]: وأن يخرج للرواة الذين ليسوا أهلاً للمعرفة بالحديث وعلله واختلاف طرقه أو أهلاً لذلك لكنهم عجزوا عن التخريج والتفتيش، لكبر سن أو ضعف بدن، متقن من حفاظ وقتهم، مجالس الإملاء التي يريدون إملاءها قبل يوم مجلسهم، إما بسؤال منهم له، أو ابتداء، فهو حسن، وقد كان جماعة يستعينون بمن يخرج لهم.
وقال السيوطي في تدريب الراوي[18]: وإذا قصر المحدث عن تخريج الإملاء، لقصوره عن المعرفة بالحديث وعلله واختلاف وجوهه، أو اشتغل عن تخريج الإملاء، استعان ببعض الحفاظ في تخريج الأحاديث التي يريد إملاءها قبل يوم مجلسه، فقد فعله جماعة كأبي الحسين ابن بشران، وأبي القاسم السرَّاج، وخلائق.
ولذا قد يكون من قبيل المعنى الثاني فعل قدامى المحدثين في مصنفاتهم كالجوامع والسنن والمسانيد وغيرها، باعتبار أنهم قاموا بالتفتيش والتنقيب والكشف عن طرق الأحاديث وعللها من خلال تلك الكتب التي دونَّوها.
وكتب المستخرجات كمستخرج الإسماعيلي (ت371هـ) على البخاري. ومستخرج أبى عوانة الإسفراييني (ت316هـ) على مسلم، ومستخرج أبي نعيم الأصبهاني (ت430هـ) على الصحيحين جميعاً، مترددة بين المعنيين، لأن فيها تفتيشاً وتنقيباً عن الأحاديث في الكتب، ومن صدور الرجال، لجمع طرق الأحاديث المستخرج عليه، ثم إبرازها للناس وإظهارها في هذه الكتب المرسومة بالمستخرجات، وكم من حديث معلق في البخاري تبين للناس إسناده وصحته من خلال هذه المستخرجات.
قال الإمام النووي[19] -رحمه الله-: الكتب المخرجة على الصحيحين لم يلتزم فيها موافقتهما في الألفاظ، فحصل فيها تفاوت في اللفظ والمعنى، وكذا ما رواه البيهقي في السنن، والبغوي في شرح السنة وغيرها، وقالوا فيه: رواه البخاري ومسلم أو أحدهما وقع فيه أيضاً تفاوت في اللفظ، وفي بعضه في المعنى، فمرادهم أن البخاري ومسلماً أخرجا أصله فليس لأحد أن ينقل منها حديثاً ويقول: هو هكذا في الصحيحين إلا أن يقابله بالصحيحين أو يكون صاحب الكتاب قال: أخرجاه بلفظه.
وقال السخاوي في فتح المغيث[20]: والتخريج: إخراج المحدِّث الحديث من بطون الأجزاء والمشيخات والكتب ونحوها، وسياقها من مرويات نفسه، أو بعض شيوخه وأقرانه، أو نحو ذلك والكلام عليها، وعزوها لمن رواها من أصحاب الكتب والدواوين، مع بيان البدل والموافقة ونحوهما، مما سيأتي تعريفه، وقد يتوسع في إطلاقه على مجرد الإخراج.

3 - عزو الحديث إلى مصادره الأصلية -وسيأتي بيان المراد بها[21] - التي أخرجته بسنده، والدلالة على موضعه فيها.
وهذا هو المشهور في معنى التخريج في العصور المتأخرة، وعليه استقر العمل، وأصبح هو المقصود عند الإطلاق، واستعمال التخريج بهذا المعنى متقدم، استعمله الأئمة في القرن الخامس وربما قبل ذلك، وسيأتي إيضاحه في الكلام عن المراحل التاريخية لعلم التخريج وأطواره[22].
قال المناوي[23] في شرح قول السيوطي "وبالغت في تحرير التخريج":أي تهذيب المروي وتخليصه وتلخيصه، بمعنى اجتهدت في تهذيب عزو الأحاديث إلى مخرجيها من أئمة الحديث، من الجوامع والسنن والمسانيد، فلا أعزو إلى شيء منها إلا بعد التفتيش عن حاله وحال مخرجه، ولا أكتفي بعزوه إلى من ليس من أهله وإن جلّ كعظماء المفسرين.
ومن أمثلة الكتب التي تخصصت في تخريج الأحاديث، كتاب نصب الراية للإمام الزيلعي (ت762هـ)، وهو في تخريج كتاب الهداية لبرهان الدين المرغيناني الحنفي (ت593هـ)، وهو من أشهر المتون الفقهية عند الحنفية.
وكذلك البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير، للعلامة ابن الملقّن (ت804هـ)، كتاب "الشرح الكبير" هو للإمام أبي القاسم عبد الكريم ابن محمد الرافعي (ت623هـ)، وهو عبارة عن شرح لكتاب "الوجيز" للإمام أبي حامد محمد بن محمد الغزالي (ت 505هـ) وهو من أمهات الفقه عند الشافعية.
ومن الكتب أيضاً كتاب التلخيص الحبير في تخريج أحاديث شرح الرافعي الكبير -المذكور آنفاً- للحافظ ابن حجر العسقلاني (ت 852هـ)، وهو بكتابه هذا قد لخص كتاب شيخه العلامة ابن الملقّن المسمى بالبدر المنير، يقول ابن حجر في مقدَّمة كتابه[24]:

أما بعد، فقد وقفت على تخريج أحاديث شرح الوجيز، للإمام أبي القاسم الرافعي -شكر الله سعيه- لجماعة من المتأخرين، منهم القاضي عز الدين ابن جماعة، والإمام أبو أمامة ابن النقاش، والعلامة سراج الدين عمر بن علي الأنصاري – يعني ابن الملقن- والمفتي بدر الدين محمد بن عبد الله الزركشي، وعند كل منهم ما ليس عند الآخر من الفوائد والزوائد.. الخ.
وقد تخصص ابن حجر -رحمه الله- في التخريج، حتى أصبح فارساً لا يشق له غبار، فمن مؤلفاته في ذلك: الدراية في تخريج أحاديث الهداية، وتخريج أحاديث تفسير الكشاف للزمخشري، وتخريج الأذكار والأربعين النووية، وكلاهما للنووي، وتخريج أحاديث مختصر ابن الحاجب، والاستدراك على العراقي في تخريج أحاديث إحياء علوم الدين.
ومن الكتب أيضاً كتاب إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل للعلامة الألباني، وهو تحريج موسع، خرج فيه كتاب منار السبيل للشيخ إبراهيم بن محمد بن ضويان (ت1353هـ)، وكتاب منار السبيل عبارة عن شرح لكتاب دليل الطالب لمرعي الحنبلي (ت1033هـ) الذي يعتبر من المتون المهمة في الفقه الحنبلي.
والشيخ الألباني صاحب القدم الراسخة في التخريج قد تصدى له، وصرف جل وقته فيه، وصنف فيه عشرات المصنفات الواسعة النافعة، بل التخريج هو الطابع العام لكتبه، ومن أشهرها وأوسعها السلسلة الصحيحة، والسلسلة الضعيفة، وصحيح سنن أبي داود –ولا يزال الأصل المهم مخطوطاً-، وتمام المنة في تخريج أحاديث فقه السنة للسيد سابق، ونيل المرام بتخريج أحاديث الحلال والحرام للقرضاوي، وغيرها.

وهكذا أصبح اصطلاح التخريج فيما بعد القرن السادس وإلى يومنا هذا علماً على عزو الأحاديث إلى مصادرها الأصلية وبيان موضعها فيها، وقد تم –بفضل الله- تخريج أكثر كتب السنة المنشورة، وهذا –إن شاء الله- من أسباب حفظ السنة وتقريبها بين يدي الأمة، بيد أن هذه الساحة لم تسلم من غثاء ربما كدر نفوس الغيورين على سنة النبي صلى الله عليه وسلم، لكن الجهود في جملتها طيبة ونافعة، وربما كان هذا الخلل فيه من الفوائد بقاء تعلق طلاب العلم بتلك الكتب، نقداً واستدراكاً وتعليقاً، حتى يبقى لللاحق بعد السابق شيء يشارك فيه.

ثانيا: موضوع علم التخريج وأهميته وفائدته:
علم التخريج ككثير من العلوم له وجهان هما:
أ - نظري: وهو يتصل بالأسس والقواعد التي يقوم عليها هذا الفن، والوسائل والطرق التي بينها أئمة المحدثين نظرياً وعملياً لمن أراد الوصول إلى موضع الحديث في مصادره الأصلية وغير الأصلية –وسيأتي بيان المراد منهما[25] -فمثلاً طرق التخريج التي سيأتي ذكرها[26]، والمصنفات التي يتم التخريج منها بواسطتها وكيفية التعامل مع هذه المصادر، وصيغ العزو إليها، ووصف الأسانيد والمتون، ثم كيفية تدوين هذا الحديث الذي تم تخريجه وما الذي يلزم كتابته ويستحسن، كل ذلك وغيره من هذا القبيل.

ب - تطبيقي: وهو البحث والتفتيش في مصادر السنة عن الحديث المراد تخريجه، ثم صياغة ما نصل إليه وفق القواعد والأسس المذكورة في الوجه النظري. 
ومن المعلوم أن المصنفات في القواعد والأسس النظرية لعلم التخريج قليلة ومتأخرة، وسيأتي الحديث عنها في المبحث الخامس من المباحث –إن شاء الله تعالى[27]- أما تطبيق التخريج فقد ازدانت به جل كتب المتون في السنة، بل قلما وجد محدث أو طالب حديث في القديم والحديث إلا مارس التخريج يوماً ما، لكن ما بين مقل ومكثر.
فهو في الحقيقة يتكون من مجموعة الوسائل والطرق التي يسلكها الباحث للوصول إلى موضع الحديث والأثر في المصنفات الحديثية، ثم صياغة ما وصل إليه صياغة صحيحة تدل القارئ بيسر إلى ذلك الموضع.
وشرف العلم بشرف المعلوم فحيث كانت السنة النبوية عظيمة ومهمة في حياة الأمة، أصبح فن التخريج مهماً وخطيراً لأجل ذلك، لأنه أصل أصيل في خدمتها والحفاظ عليها، ومسلك رئيس للتعامل معها والاستفادة منها، فقلما وجد صاحب فن –وإن لم يكن محدثاً كالمفسرين والفقهاء والمؤرخين واللغويين وغيرهم- احتاج لحديث لمعرفة من رواه أو درجة ثبوته، أو ليستنبط حكماً أو يستوضح معنى، أو غير ذلك من المقاصد، إلا كان التخريج دليله وهاديه إلى مطلوبه ومبتغاه ولا شك، وبغير ذلك قد يتعب في الوصول إليه، أو يخسر بعد الوصول لو دونه بشكل غير صحيح.

يقول الحافظ العراقي رحمه الله[28]: لكني اختصرته –يعني كتابه المغني عن حمل الأسفار- في غاية الاختصار، ليسهل تحصيله وحمله في الأسفار- فاقتصرت فيه على ذكر طرف الحديث وصاحبيه ومخرجه، وبيان صحته أو حسنه أو ضعف مخرجه، فإن ذلك هو المقصود الأعظم عند أبناء الآخرة، بل وعند كثير من المحدثين عند المذاكرة والمناظرة، وأبين ما ليس له أصل في كتب الأصول، والله أسأل أن ينفع به إنه خير مسؤول.

وقال الحافظ ابن حجر –رحمه الله تعالى- في التلخيص الحبير[29]: ثم رأيته –يعني شيخه ابن الملقن- لخصه –يعني كتابه البدر المنير- في مجلدة لطيفة، أخل فيها بكثير من مقاصد المطول وتنبيهاته، فرأيت تلخيصه في قدر ثلث حجمه مع الالتزام بتحصيل مقاصده، فمن الله بذلك، ثم تتبعت عليه الفوائد الزوائد من تخاريج المذكورين معه، ومن تخريج أحاديث الهداية في فقه الحنفية للإمام جمال الدين الزيلعي، لأنه ينبه فيه على ما يحتج به مخالفوه، وأرجو الله إن تم هذا التتبع أن يكون حاوياً لجل ما يستدل به الفقهاء في مصنفاتهم في الفروع، وهذا مقصد جليل.

وقال الألباني –رحمه الله[30]-: فهذا تخريج وضعته لأحاديث كتاب الحلال والحرام، للشيخ الفاضل الدكتور يوسف القرضاوي، خرجت فيه أحاديثه تخريجاً علمياً، وبينت فيه مرتبة كل حديث من صحة أو ضعف، حسبما تقتضيه قواعد علم الحديث وتراجم رجاله، ونصوص أئمته، ليكون الواقف على كتابه على بينة من حال أحاديثه، لاسيما وأكثرها في الأحكام كما هو ظاهر للعيان.
وبالجملة فيمكن القول: بأن أهمية التخريج وفائدته تكمن فيما يلي:

1- لما كانت أجزاء الشرع من العقائد والأحكام والفضائل والآداب وغيرها مبنية على الأحاديث والآثار، وهي ليست كالقرآن محفوظة في كتاب، مصونة عن الزيادة والنقصان والتحريف، بل هي مبثوثة في آلاف المصنفات، ذات المناهج المختلفة في ترتيبها وتبويبها، كان التخريج –بشقيه النظري والعملي- أقوى المطايا لتذليل هذه الصعاب، وتحقيق الطلاب.
يقول المناوي[31] شارحاً كلام السيوطي: "بمعنى اجتهدت في تهذيب عزو الأحاديث إلى مخرجيها من أئمة الحديث من الجوامع والسنن والمسانيد، فلا أعزو إلى شيء منها إلا بعد التفتيش عن حاله وحال مخرجه، ولا أكتفي بعزوه إلى من ليس من أهله وإن جل كعظماء المفسرين، قال ابن الكمال: كتب التفسير مشحونة بالأحاديث الموضوعة، (وكأكابر الفقهاء) فإن الصدر الأول من أتباع المجتهدين لم يعتنوا بضبط التخريج، تمييز الصحيح من غيره، فوقعوا في الجزم بنسبة أحاديث كثيرة إلى النبي، وفرعوا عليها كثيراً من الأحكام، مع ضعفها، بل ربما دخل عليهم الموضوع.
وبكل حال فإن جهود العلماء في التخريج، وثمرة تلك الجهود، تعتبر بحق سياجاً منيعاً حفظت به السنة النبوية، نصبوا فوقه أعلام الحق لطالبيه، ونثروا سهام الموت حوله لتمنع كل زائغ وجاهل أن يقذف شراً بساحته.
قال الخطيب البغدادي[32] -رحمه الله-: فقد جعل رب العالمين الطائفة المنصورة، حراس الدين، وصرف عنهم كيد المعاندين لتمسكهم بالشرع المتين، واقتفائهم آثار الصحابة التابعين، فشأنهم حفظ الآثار، وقطع المفاوز والقفار، وركوب البراري والبحار، في اقتباس ما شرع الرسول المصطفى، لا يعرجون عنه إلى رأي ولا هوى، قبلوا شريعته قولاً وفعلاً، وحرسوا سنته حفظاً ونقلاً، حتى ثبتوا بذلك أصلها، وكانوا أحق بها وأهلها، وكم من ملحد يروم أن يخلط بالشريعة ما ليس منها، والله تعالى يذب بأصحاب الحديث عنها، فهم الحفاظ لأركانها، والقوامون بأمرها وشأنها، إذا صدف عن الدفاع عنها فهم دونها يناضلون، أولئك حزب الله، ألا إن حزب الله هم المفلحون.

2- توثيق النصوص بعزوها إلى مصادرها الأصلية، وهذا يزيدنا طمأنينة بسلامتها، وثبوتها عن المنقولة عنه، فمن المسلمات أن متوناً كثيرة شاعت ودرجت بين الناس على اعتبارها أحاديث، وإذا هي ما بين حكمة، وجزء من بيت شعر، وفي أحيان كثيرة يتضح أنها لا هذا ولا ذاك، بل هي أحاديث مكذوبة لا أصل لها، ولم يتبين زيف تلك المتون من صحيحها إلا بالتخريج، بعد التحري والتفتيش عنها في دواوين السنة، فألفت لأجل ذلك كتب الأحاديث المشتهرة على ألسنة الناس، مثل المقاصد الحسنة للسخاوي (ت902هـ)، وكشف الخفا ومزيل الإلباس للعجلوني (ت1162هـ)، وتمييز الطيب من الخبيث لابن الدبيع الشيباني (ت944هـ).

3- بيان أيسر الطرق للوصول إلى مصدر النص في مصادره، لأن المصنفات في السنة تعد بالآلاف، والرسالة المستطرفة للكتاني (ت1345هـ) –مع أنه لم يذكر كتباً كثيرة- ذكر ما يزيد عن ألف وسبعمائة مصنف.
 هذا العدد الهائل من الدواوين له مناهج مختلفة في الترتيب والتبويب، ومسالك بعضها وعر حتى على المتخصصين في الحديث، ولذا احتاجت إلى إعادة ترتيب، فمثلاً صحيح ابن حبان (ت354هـ) المسمى بـ"التقاسيم والأنواع" انبرى له ابن بلبان الفارسي (ت739هـ) فأعاد ترتيبه في كتاب سماه "الإحسان في تقريب ابن حبان" كما قام الهيثمي (ت807هـ) باستخراج زوائد معجمي الطبراني (ت360هـ) الأوسط الصغير –والذين رتبهما مؤلفهما على أسماء شيوخه، فأصبح استخراج الحديث منهما عسيراً –ورتبها- أي الزوائد- على الأبواب الفقهية، وسماه "مجمع البحرين بزوائد المعجمين".

وبهذا اتضح أن قواعد التخريج وطرقه أبانت للباحث أقرب الطرق وأيسرها للوصول إلى النص في مصادره التي أخرجته أو ذكرته، فوفرت جهداً كبيراً ووقتاً كثيراً ولله الحمد والمنة، فهذه الفهارس المرتبة للأحاديث بحسب أول اللفظ قد تصل من خلالها إلى موضع النص في دقائق وبدونها قد تحتاج إلى أيام، وقد تحتاج إلى أسابيع –من غير مبالغة كما يدرك ذلك من جرب- وربما أصابك اليأس والإحباط في أثناء البحث، فتوقفت عن المواصلة.

4- تدريب الباحث على الوصول إلى طلبه بنفسه، دون أن يكون عالة على غيره، فتصبح أسس التخريج وقواعده كالمفاتيح التي يفتح بها أبواب تلك الدواوين، ومن ثم يصل إلى موضع النص في ثناياه وزواياه مهما كانت خفية. وهذا أمر ثمرته عظيمة؛ لأن فيه تحبيباً وتقريباً للسنة لجمهور طلاب العلم، فالإنسان عدو ما جهل.

5- أنه يوفر على الباحث نفسه وكذلك على المتخصصين وقتاً كثيراً، سببه السؤال وانتظار الجواب، الذي قد يتأخر.

6- أنه يوسع القنوات التي يطلع من خلالها عموم الأمة على الأحاديث والآثار بحيث تناسب الأحوال والمستويات.

7- وأخيراً فقواعد التخريج وأسسه من أهم القواعد في تحقيق التراث وتوثيق النصوص، والدقة في ضبط المصنفات حتى تسلم من التحريف والنقص والزيادة.
فمثلاً من أصول التخريج: أنه لابد من العودة بالنص إلى مصادره الأصلية للتأكد من وجوده وسلامة لفظه.
ومن أصوله: الدقة في وصف حال الحديث سنداً ومتناً، وهل هو مسند أو منقطع؟ وهل اللفظ مماثل؟ أو أن الاتفاق في مجرد المعنى، أو هو بين ذلك.

المبحث الأول: المراحل التاريخية لعلم التخريج:
التخريج كغيره من الفنون مر بمراحل متعددة ومختلفة، فقواعده وأسسه النظرية كانت في البداية كلمات وجملاً في كتب علوم الحديث، ودواوين السنة وشروحها.
فهذا الخطيب البغدادي (ت463هـ) إمام علوم الحديث، ومحور المصنفين فيه، يبوب في كتابه الكفاية أبواباً يقول فيها:
1 - باب في جواز استثبات الحافظ ما شك فيه من كتاب غيره أو حفظه[33].
2 - باب ذكر ما يجب ضبط واحتذاء الأصل فيه وما لا يجب من ذلك[34]. وقال فيه: الواجب على من منع من الرواية على المعنى أن يقيد الكتاب ويضبطه، ويتبع فيه ألفاظ الراوي وما في أصله، إلا اللحن المحيل للمعنى، وما كان بسبيله. 
ثم روى عن أبي زرعة الدمشقي أنه سمع عفان يقول: سمعت حماد بن سلمة رحمه الله يقول لأصحاب الحديث: ويحكم غيّروا – يعني قيدوا واضبطوا-. ورأيت عفّان يحض أصحاب الحديث على الضبط والتغيير، ليصححوا ما أخذوا عنه من الحديث.

وهذا القاضي عياض –رحمه الله- (ت544هـ) يقول في كتابه الإلماع[35]: وكل هذا –يعني معرفة الأحاديث النبوية –إنما يوصل إليه، ويعرف بالتطلب والرواية، والبحث والتنقير[36] عنه، والتصحيح له. ورحم الله سلفنا من الأئمة المرضيين، والأعلام السابقين، والقدوة الصالحين، من أهل الحديث وفقهائهم، قرناً بعد قرن، فلولا اهتبالهم[37]، وتوفرهم على سماعه وحمله، واحتسابهم في إذاعته ونشره، وبحثهم عن مشهوره وغريبه، وتنخيلهم لصحيحه من سقيمه، لضاعت السنن والأثار، ولاختلط الأمر والنهي، وبطل الاستنباط والاعتبار.

وقال أيضاً[38]: باب ضبط اختلاف الروايات والعمل في ذلك. هذا مما يضطر إلى اتقانه ومعرفته وتمييزه، وإلا تسودت الصحف واختلطت الروايات، ولم يحل صاحبها بطائل، وأولى ذلك أن يكون الأم[39] على رواية مختصة، ثم ما كانت من زيادة أخرى ألحقت –إلى أن قال-: ومن الصواب أن لا يتساهل الناظر في ذلك ولا يهمله، فربما احتاج –إن أفلح- إلى تخريج حديث، أو تصنيف كتاب فلا يأتي به على رواية من يسنده إليه إن لم يهتبل[40] بذلك فيكون من جملة أصناف الكاذبين.
ثم خصصوا له فصولاً وأبواباً مستقلة في كتب علوم الحديث، قال النووي –رحمه الله- (ت676هـ) في إرشاد طلاب الحقائق[41]:
فصل: وليشتغل بالتخريج والتصنيف إذا استعد لذلك، وتأهل له، فإنه كما قال الخطيب: يثبت الحفظ ويزكي القلب ويشحذ الطبع، ويكشف الملتبس، ويجيد البيان، ويحصل جميل الذكر، ويخلده إلى آخر الدهر، وقل من يمهر في علم الحديث، ويقف على غوامضه، ويستبين الخفي من فوائده، إلا من فعل ذلك.
وللعلماء في تصنيف الحديث طريقان، أجودهما: تصنيفه على الأبواب، وتخريجه على مسائل الفقه، فيذكر في كل باب ما حضره فيه.
والطريق الثاني: تصنيفه على المسانيد، فيجمع في مسند كل صحابي جميع ما عنده من حديثه صحيحه وضعيفه.
ومما يعتنون به في التصنيف جمع الشيوخ، ويجمعون التراجم والأبواب.
وبمثل هذا كتب ابن الصلاح (ت642هـ) في مقدمته[42]، والحافظ العراقي (ت806هـ) في شرحه لألفيته، والسخاوي في فتح المغيث[43] وغيرهم.
ثم أخيراً في عصرنا الحاضر أفردوا له مصنفات مستقلة.
وأول من صنف فيه –حسب علمي- هو أبو الفيض أحمد بن محمد بن الصديق الغماري في كتابه "حصول التفريج بأصول العزو والتخريج"[44]، وسيأتي ذكر أشهر هذه المصنفات في المبحث الخامس الآتي قريباً، إن شاء الله تعالى[45].

أما الممارسة العملية للتخريج، فقد تقدم أنها ظهرت مبكرة، بيد أن التخريج والإخراج مر بمراحل مختلفة ومتنوعة من أبرزها:
أ- منذ منتصف القرن الثاني بدأ المحدثون في التفتيش عن الأحاديث والآثار في الأمصار، ومن صدور الرجال، وترتيبها وإبرازها للأمة في المصنفات والأجزاء، ومن أوائل من صنف[46]: الحافظ عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي (150هـ)، وسعيد بن أبي عروبة البصري (ت156هـ)، والإمام عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي الشامي (ت157هـ)، ومحمد بن عبدالرحمن ابن أبي ذئب المدني (ت158هـ)، والإمام سفيان بن سعيد الثوري الكوفي (ت161هـ)، والإمام مالك بن أنس الأصبحي الحميري المدني (ت179هـ)، والإمام عبدالله ابن المبارك المروزي الخراساني (ت 181هـ) وغيرهم.
ثم لم ينتصف القرن الثالث حتى كثرت دواوين السنة على اختلاف ترتيبها وتبويبها، فمنها المسانيد والجوامع والسنن والمصنفات.

ب- مع نهاية القرن الثالث اتجه المصنفون في السنة إلى نهج جديد، وهو البحث والتفتيش عن طرق أخرى لأحاديث تلك المصنفات السابقة –والصحيحين منها خاصة- وذلك بغرض تعزيزها، واستكمال ما قد يظن فيها من نقص أو خلل، وكذلك وصل المعلق وكشف المبهم وبيان المهمل، فظهر ما يسمى بالمستخرجات، ومن أبرزها[47]:

1- مستخرجات على الصحيحين: كمستخرج أبي نعيم الأصبهاني (ت430هـ)، ومستخرج أبي بكر البرقاني (ت425هـ)، ومستخرج أبي علي الماسرجسي (ت365هـ)، ومستخرج أبي ذر الهروي (ت434هـ).

2- مستخرجات على صحيح البخاري: كمستخرج الإسماعيلي (ت371هـ)، ومستخرج أبي أحمد محمد بن أبي حامد الغطريفي (ت377هـ)، ومستخرج أبي عبدالله محمد بن أبي العباس بن أبي ذهل الهروي (ت378هـ)، ومستخرج أبي بكر بن مردويه الأصبهاني (ت416هـ).

3- مستخرجات على صحيح مسلم: كمستخرج أبي عوانة يعقوب بن إسحاق الإسفراييني (ت316هـ)، ومستخرج أبي بكر محمد بن محمد النيسابوري الإسفراييني (ت286هـ)، ومستخرج أبي الفضل أحمد ابن سلمة النيسابوري البزار (ت286هـ)، وغيرها كثير، فقد ذكر الكتاني في الرسالة المستطرفة اثني عشر مستخرجاًَ، كلها على صحيح مسلم.

4- مستخرجات على السنن: كمستخرج قاسم بن أصبغ القرطبي (ت340هـ)، على أبي داود، ومستخرج أبي بكر بن منجويه (ت428هـ) على الترمذي. وهناك أيضاً مستخرج أبي نعيم على التوحيد لابن خزيمة، ومستخرج العراقي على المستدرك.

جـ- مع مطلع القرن الخامس بدأت المرحلة الثالثة والأخيرة من التخريج، وذلك ببزوغ التخريج واشتهاره بمعنى العزو والدلالة على موضع الحديث في مصادره الأصلية، ومن أوائل من اشتهر عنه هذا الاستعمال –فيما أعلم- الإمام البيهقي –رحمه الله- (ت458هـ)[48]، وتبعه على ذلك الإمام البغوي –رحمه الله- (ت516هـ) كما في كتابه (شرح السنة)، والإمام ابن الجوزي (ت597هـ) كما في كتابه "ذم الهوى"[49]، ومع ذلك فقد مر التخريج –حسب هذا الاصطلاح- بمراحل حصل له فيها تنوع حسب حاجة الناس، والمستوى العلمي عامة، ومعرفتهم بالسنة خاصة، ويمكن أن أجمل هذه المراحل فيما يلي:

1- مرحلة عزو الحديث إلى مصدره فقط دون تحديد الموضع التفصيلي فيه وذلك بالعزو مثلاً إلى الصحيحين أو السنن أو غيرها. مثال ذلك قول الإمام البيهقي في سننه[50] عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم شرب لبناً فمضمض، وقال: إن له دسماً "رواه البخاري في الصحيح عن أبي عاصم، ورواه مسلم من وجه آخر عن الأوزاعي. وقال أيضاً عن حديث عمر رضي الله عنه في أمر النبي صلى الله عليه وسلم بغسل يوم الجمعة[51]، وهكذا حديث أرسله مالك بن أنس في الموطأ، فلم يذكر عبد الله بن عمر في إسناده، ووصله خارج الموطأ، والموصول صحيح. وكذلك فعل البغوي –رحمه الله- في شرح السنة[52]، فقال عن حديث أبي قتادة السلمي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس" هذا حديث متفق على صحته، أخرجه محمد –يعني البخاري- عن عبد الله بن يوسف، وأخرجه مسلم عن يحيى بن يحيى، وقتيبة، كلهم عن مالك. وقال أيضاً[53] عن حديث كعب بن عجرة في النهي عن تشبيك اليدين عند الخروج إلى الصلاة: رواه أبو عيسى –يعني الترمذي- عن قتيبة عن الليث عن ابن عجلان عن سعيد المقبري، عن رجل عن كعب.

2- مرحلة عزو الحديث إلى مصدره، وإلى موضوع عام فيه كالصلاة والزكاة والصيام مثلاً مع تحديد الموضوع الخاص –أحياناً-، وممن صنع ذلك الإمام المزي في مثل كتابه "تحفة الأشراف"، فمثلاً يسوق حديث ابن عباس رضي الله عنهما": بت عند خالتي ميمونة فتحدث النبي صلى الله عليه وسلم مع أهله ساعة ثم رقد. الحديث[54]، عزاه إلى: البخاري في التفسير، وفي الأدب، وفي التوحيد، عن سعيد بن أبي مريم، عن محمد بن جعفر، عن شريك عن كريب عنه، وإلى مسلم في الصلاة، عن أبي بكر بن إسحاق الصغاني، عن ابن أبي مريم، عن شريك، عن كريب، عنه رضي الله عنه.

وهكذا يفعل الإمام الزيلعي –رحمه الله- في "نصب الراية" فتراه مثلاً يورد حديث النهي الوارد عن الانتفاع من الميتة بإهاب. [55]. ويقول: رواه أصحاب السنن الأربعة من حديث الحكم بن عتيبة عن عبد الرحمن ابن أبي ليلى عن عبد الله بن عكيم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كتب إلى جهينة قبل موته بشهر: أن لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب"، انتهى. أخرجه النسائي في الذبائح، والباقون في اللباس، وقال الترمذي: حديث حسن.

3- مرحلة العزو إلى المصدر وإلى الكتاب والباب إن كان مبوباً، وزادوا على ذلك -ومن باب التيسير والدقة- فصاروا يذكرون الجزء والصفحة ورقم الحديث، وهذا إن شاء الله من مزيد خدمة السنة وتقريبها لعموم الأمة وهذه المرحلة ظهرت حديثاً، وقلما تجد كتاباً مخرجاً في العصر الحاضر -خصوصاً إذا كان تخريجه موسعاً أو متوسطاً- إلا وكان كذلك، فلله الحمد والمنة.
والمتأمل لهذه الأطوار التي حصلت لفن التخريج والمراحل التي مر بها، يدرك أن هناك أسباباًَ متعددة ساعدت في حصول هذا التغير، ويمكن إجمال هذه الأسباب فيما يلي:

أ- الضعف العلمي الذي أصاب الأمة في الفنون عموماً وفي علم الحديث خصوصاً، وأصبح هذا الضعف يزداد كلما ابتعدنا عن العهد النبوي وطالت الأسانيد، وتعددت الطرق وكثرت المصنفات، وتفرقت واختلفت مناهجها، فكان الأمر في البداية لا يحتاج إلا إلى ذكر متن الحديث أو طرفه، ثم يعرف السامع كيف يصل إلى إسناده وطرقه، وغالباً ما يستطيع الحكم عليه، ثم احتاج الناس إلى تحديد المصدر الذي أخرج فيه هذا الحديث كالصحيحين والسنن مثلاً، وحينئذ يستطيع السامع الوصول إليه داخل المصدر بيسر وسهولة؛ نظراً لقوة المعرفة بمناهج هذه المصنفات وطرق ترتيبها، وقد رأينا آنفاً كيف كان العزو في مرحلته الأولى إلى المصدر وحسب، كما صنع البيهقي والبغوي وغيرهما.
ثم فتر العزم وضعفت الهمم، فأحتاج الناس إلى تحديد أدق ومزيد تفصيل في العزو، حتى تضيق دائرة البحث والتفتيش والتحري، فاعتنى المخرجون بذكر عنوان الكتاب والباب، ثم تزايدت الحاجة حتى زادوا على ذلك بذكر الجزء والصفحة ورقم الحديث.

ب- التيسير على الأمة باختصار الطرق الموصلة إلى مواضع النصوص في دواوين السنة، حتى يتم توفير الوقت والجهد، ويصرف في مصالح أخرى.

جـ- الاستفادة من تجارب الآخرين في كيفية ضبط النصوص، والتعامل معها، والوصول إليها.

المبحث الثاني: أنواع التخريج:
ينقسم التخريج –إجمالا- إلى ثلاثة أنواع هي:
1- التخريج المختصر.
2- التخريج المتوسط.
3- التخريج الموسع.

يقول الحافظ العراقي –رحمه الله- في افتتاحية تخريجه لكتاب إحياء علوم الدين[56]: فلما وفق الله تعالى لإكمال الكلام على أحاديث "إحياء علوم الدين" في سنة إحدى وخمسين[57]، تعذر الوقوف على بعض أحاديث فأخرت تبييضه إلى سنة ستين، فظفرت بكثير مما عزب عني علمه، ثم شرعت في تبييضه في مصنف متوسط حجمه، وأنا مع ذلك متباطئ في إكماله، غير متعرض لتركه وإهماله، إلى أن ظفرت بأكثر ما كنت لم أقف عليه، وتكرر السؤال من جماعة في إكماله، فأجبت وبادرت إليه، ولكني اختصرته في غاية الاختصار؛ ليسهل تحصيله وحمله في الأسفار، فاقتصرت فيه على ذكر طرف الحديث وصحابيه ومخرجه، وبيان صحته أو حسنه، أو ضعف مخرجه، فإن ذلك هو المقصود الأعظم عند أبناء الآخرة، بل وعند كثير من المحدثين عند المذاكرة والمناظرة، وأبين ما ليس له أصل في كتب الأصول، والله أسأل أن ينفع به إنه خير مسؤول.
فإن كان الحديث في الصحيحين أو أحدهما اكتفيت بعزوه إليه، وإلا عزوته إلى من خرجه من بقية الستة، وحيث كان في أحد الستة لم أعزه إلى غيرها إلا لغرض صحيح، بأن يكون في كتاب التزم مخرجه الصحة، أو يكون أقرب إلى لفظه في الإحياء.
والعلامة ابن الملقن جمع الأنواع الثلاثة في تخريجه لكتاب واحد وهو "الشرح الكبير". فخرجه تخريجاً موسعاً في البدر المنير، ثم اختصره في تخريج متوسط في خلاصة البدر المنير "ثم اختصره في تخريج مختصر في مختصر البدر المنير".

وقال العلامة الألباني-رحمه الله- في مطلع كتابه "إرواء الغليل"[58]: قد كنت فرغت من تخريجي منذ أكثر من خمسة عشر عاماً، ولذلك جريت على الإحالة عليه في تخريج بعض الأحاديث في كثير من مؤلفاتي المطبوعة منها والمخطوطة، سواء ما كانت قد سلكت في تخريجه مسلك البسط أو التوسط أو الإيجاز، أو الاكتفاء بذكر مرتبة الحديث فقط، مثل "الأحاديث الصحيحة" "والأحاديث الضعيفة". ويقول أيضاً –رحمه الله- في مقدمة كتابه "ضعيف الجامع الصغير[59]: وقد رأيت أن يكون تحقيقي للكتاب بأوجز طريق، وذلك بأني كتبت تحت كل حديث مرتبته من الصحة والضعف، وجعلتها خمس مراتب: صحيح، حسن، ضعيف، ضعيف جداً، موضوع، وذيلت المرتبة بذكر المصدر الذي حققت فيه الكلام على الحديث، ونقلت منه المرتبة، والكلام المشار إليه قد يكون مبسوطاً، وقد يكون مختصراً، حسب المصدر الذي حقق الحديث، فقد يكون من كتبنا في "التخريج" التي تقبل إطالة النفس فيه، مثل "السلسلتين" و"إرواء الغليل" و"تخريج أحاديث الحلال والحرام"، وقد يكون تعليقاً أو نحوه، مما لا يتسع المجال لإطالة التخريج فيه، مثل تخريج "مشكاة المصابيح"، و "تخريج العقيدة الطحاوية"، وتخريج الكلم الطيب"، وغيرها، والمهم أن مصدر عزوت الحديث إليه من تأليفي، فلا يكون الحديث فيه قد صحح أو ضعف إلا بعد دراسة إسناده، وتحقيق القول فيه بفضل الله ورحمته.

وإجمالاً يمكن وصف أنواع التخريج بما يلي:
1- المختصر: ويقتصر فيه على ذكر المصدر الذي خرج الحديث فقط كما يصنع البيهقي والبغوي والعراقي –كما سلف قريباً- والنووي في كثير من كتبه كرياض الصالحين والأذكر والأربعين، وكثير من كتب أحاديث الأحكام كالمنتقى للمجد ابن تيمية (652هـ)، وعمدة الأحكام لعبد الغني المقدسي (ت600هـ)، والمحرر لابن عبد الهادي (ت744هـ)، وبلوغ المرام للحافظ ابن حجر (ت852هـ)، وغيرها، وكذلك مثل كتاب الجامع الصغير للسيوطي (ت911هـ)، وكنز العمال للبرهان فوري (975هـ).

2- التخريج الموسع: ويذكر غالباً مع اسم المصدر الموضع التفصيلي بداخله، وإسناد الحديث، كما يوصف المتن بأوصافه المختصرة التي اصطلح عليها المحدثون- وسيأتي بيانها في المبحث الرابع الآتي قريباً –بإذن الله-[60]، وأيضاً يتوسع في سياق طرق الحديث وبيان موطن اتفاقها وافتراقها، ويتم بتوسع تتبع المصادر التي أخرجته وإن نزلت، ومن أمثلة الكتب التي جاء التخريج فيها موسعاً:
• تحفة الأشراف للحافظ المزي.
• نصب الرابة للإمام الزيلعي.
• تخريج الأذكار للحافظ ابن حجر.
• إرواء الغليل، والسلسلتين: الصحيحة والضعيفة، للعلامة الألباني، وغير ذلك كثير.
ولنأخذ على ذلك مثالاً واحداً لحديث مخرج في مصدرين من هذه المصادر المذكورة، وهو حديث صفوان ابن عسال رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا إذا كان سفراً أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليها إلا عن جنابة، ولكن من بول أو غائط أو نوم.

فقد أورده الإمام الزيلعي في نصب الراية[61]، وقال: رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث عاصم ابن أبي النجود عن زر بن حبيش، عن صفوان، وهو بكماله يتضمن قصة المسح والعلم والتوبة والهوى. أما الترمذي فرواه في كتاب "الدعوات" في باب التوبة والاستغفار"، من حديث سفيان وحماد بن زيد، كلاهما عن عاصم، عن زر بن حبيش، وذكر الزيلعي الحديث بطوله.
قال الترمذي: حديث حسن صحيح، ورواه في "الطهارة" من حديث أبي الأحوص عن عاصم به، بقصة المسح فقط، وقال: حديث حسن صحيح.
ورواه النسائي في سننه في "باب الوضوء من الغائط" من حديث سفيان الثوري، وسفيان بن عيينه، ومالك بن مغول، وزهير، وأبي بكر بن عياش، وشعبة، كلهم عن عاصم به، بقصة المسح فقط.
وأخرجه ابن ماجه في "الطهارة" في "باب الوضوء من النوم" عن سفيان عن عاصم به، بقصة المسح، وفي "الفتن" عن إسرائيل عن عاصم به، بقصة التوبة، وفي "اعلم"، عن معمر عن عاصم به، بقصة العلم.
ورواه ابن حبان في صحيحه في "النوع الحادي والسبعين"، من القسم الأول من حديث سفيان عن عاصم به، بتمامه.
ورواه ابن خزيمة في صحيحه من حديث معمر عن عاصم به، بقصة المسح، والتوبة.
قال الشيخ تقي الدين في "الإمام": ذكر أنه رواه عن عاصم أكثر من ثلاثين من الأئمة، وهو مشهور من حديث عاصم، لكن الطبراني رواه من حديث عبد الكريم ابن أبي المخارق، عن حبيب بن أبي ثابت، عن زر، وهذه متابعة غريبة لعاصم عن زر، إلا أن عبد الكريم ضعيف.
انتهى كلام الزيلعي.

وأورده العلامة الألباني في إرواء الغليل[62]، وقال: حسن أخرجه، -كما قال المؤلف: -أحمد (4/239،240)، والنسائي (1/32)، والترمذي (1/160،159)، وكذا ابن ماجه (176)، والشافعي (1/33)، والدارقطني (72)، والطحاوي (1/49)، والطبراني في الصغير (ص50)، والبيهقي (1/114 و118 و276 و282 و289) من طرق كثيرة عن عاصم بن أبي النجود، عن زر بن حبيش، عنه وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، قال محمد بن إسماعيل (يعني البخاري): هو أحسن شيء في هذا الباب.
قلت: وأخرجه ابن خزيمة أيضاً وابن حبان في صحيحيهما". كما في "نصب الراية" (182 -183)، والحديث إنما سنده حسن عندي، لأن عاصماً هذا في حفظه ضعف لا ينزل حديثه عن رتبة الحسن، نعم قد تابعه طلحة ابن مصرف عند الطبراني في "الصغير" (ص39)، وطلحة ثقة، إلا أن الراوي عنه أبا جناب الكلبي مدلس، وقد عنعنه، وكذلك تابعه حبيب بن أبي ثابت عند الطبراني كما ذكره الزيلعي –ولعله في "الكبير"، ولكن الراوي عنه عبد الكريم بن أبي المخارق ضعيف.
وخالفه المنهال بن عمرو فقال: عن زر بن جحش الأسدي عن عبد الله بن مسعود قال: كنت جالساً عند النبي صلى الله عليه وسلم فجاء رجل من مراد يقال له صفوان بن عسال فقال: يا رسول الله إني أسافر بين مكة والمدينة فأفتني عن المسح على الخفين، فقال: فذكره بدون استثناء.
قلت: فجعله من مسند ابن مسعود وهو شاذ، وفي الطريق إلى المنهال الصعق بن حزن وهو صدوق يهم كما قال الحافظ.
وللحديث طريق آخر من رواية أبي روق عطية بن الحارث قال: ثنا أبو الغريف عبد الله بن خليفة، عن صفوان بن عسال، دون الاستثناء أيضاًَ.
أخرجه أحمد، والطحاوي، والبيهقي، وسنده ضعيف، أبو الغريف هذا قال أبو حاتم "ليس بالمشهور" وقد تكلموا فيه، وهو شيخ من نظراء أصبغ بن نباتة كما في" الجرح" (ج2/2/313) وأصبغ عنده لين الحديث.
انتهى كلام الألباني.

3- التخريج المتوسط: وهو عبارة عن التخريج المختصر، مع إضافة بعض الجوانب المذكورة في التخريج الموسع، فأحياناً يذكر فيه عنوان الكتاب والباب داخل المصدر، وأحياناً يوصف المتن، وأحياناً يتوسع في العزو إلى المصادر حتى تبلغ غير المشهورة، وكذلك المصادر المتأخرة والنازلة، ومن أمثلة ذلك كتاب الدراية في تخريج أحاديث الهداية للحافظ ابن حجر، وخلاصة البدر المنير لابن الملقن، وكثير من تخريجات الشيخين عبد القادر وشعيب الأرناؤوط –أثابهما الله- كتخريجهما لزاد المعاد، وتخريج الأول لجامع الأصول، وتخريج الثاني لشرح السنة.
المبحث الثالث: تصور إجمالي للتخريج:

من يقوم بتخريج الحديث غالباً ما يستعين بإحدى طريقتين هما:
1- تخريج الحديث بالنظر إلى إسناده: سواء كان بصفة من صفاته كالمرسل والمسلسل والمعلق، أو بأحد رواته الأعلى كالصحابي، أو الأدنى كشيخ المؤلف، أو من بينهما، أو نحو ذلك.
2- تخريج الحديث بالنظر إلى متنه –لفظه أو معناه-:
سواء كان بداية اللفظ، أو تصاريف الكلمات التي يتكون منها المتن أو موضوعه ومعناه وحينئذِِ لابد عند التخريج من النظر إلى الموضوع والمعنى، من فهم معنى الحديث، ودلالته وفي أي موضوع هو.
ولا يمكن القول بأن إحدى هاتين الطريقتين هي الأسهل على الإطلاق؛ لأن هناك أحوالاً وصفات تتعلق بالمخرج –بكسر الراء المشددة-، أو المخرج –بفتح الراء المشددة، أي الحديث-، أو توافر المصادر التي سيتم التخريج منها.
فمعرفة الباحث بمعنى الحديث ومدلوله، مع المعرفة بمناهج كتب السنة وطرق ترتيبها قد يجعل الوصول إلى موضع الحديث بهذه الطريقة أسهل من غيرها، خصوصاً عند الجهل براوي الحديث، أو عدم التأكد من لفظه. كما أن انضباط لفظ الحديث، وخصوصاً أوله، وقد يجعل الكشف عن موضع الحديث سهلاً جداً، سيما بالنسبة لغير المتخصصين في السنة، والذين اعتادوا طريقة الفهرسة والمعاجم.
وأحياناً تكون المعرفة براوي الحديث هي أقصر الطرق في الوصول إلى موضع الحديث، فمثلاً" لو كان عندنا حديث للطبراني في معجمه الصغير بكامل إسناده، فيصبح الكشف عن موضعه بواسطة شيخ الطبراني من أيسر السبل وأسرعها، ولو كان عندنا حديث قتادة بن ملحان رضي الله عنه أنه قال" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن نصوم البيض. الحديث[63]، ونريد أن نعرف من أخرجه من أصحاب الكتب الستة[64]، سنجد أن ذلك يتم بسهولة وسرعة من خلال هذا الصحابي حين ننظر في كتاب تحفة الأشراف.
كما أن توافر المصادر التي تخدم طريقة ما تجعلها الأفضل والأيسر للباحث، كوفرة الفهارس مثلاً.
لكن في الجملة، وإذا توافرت الأسباب وزالت الموانع، فالغالب أن التخريج بالنظر إلى أول لفظ الحديث يبقى أسرع الطرق على الإطلاق، ثم يأتي بعد تخريجه عن طريق الراوي، ثم أخيراً عن طريق الموضوع والمعنى.
ولابد من التنبيه هنا أن طول الممارسة لهذا الفن يكون لدى الإنسان ملكة وحذقاً، يجعله يتخطى الصعاب، ويطوي الوهاد، ويكشف لك عما في بطون الكتب والدواوين بشكل يثير الإعجاب، وهذا واضح ظاهر في مصنفات الراسخين في هذا الفن، تماماً كما هو الحال عند أصحاب الباع الطويل في كل فن ومهنة، ومن نظر في كتب الحافظ ابن حجر والسيوطي والألباني رأى كيف غاصوا في بحار تلك المخطوطات العميقة، فاستخرجوا للأمة درراً كانت لا ترى وسط الأعماق، ولا يعلم بها الخاص فضلاًَ عن العام، وما كان الوصول إليها سهلاً لولا توفيق الله ثم تلك المعرفة الواسعة التي أنعم الله بها عليهم.

لنأخذ أمثلة على ذلك:
أولاً: مثال من تخريج الحافظ ابن حجر، حيث عقب على روايات الإمام البخاري لحديث "من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار" بقوله[65]. والبخاري –رحمه الله- أخرجه من حديث علي بن أبي طالب، والزبير بن العوام، وأنس بن مالك، وسلمة بن الأكوع، وأبي هريرة، رضي الله عنهم أجمعين، ثم قال الحافظ معلقاً على ذلك:

وقد أخرج البخاري حديث "من كذب عليّ"، أيضاًَ من حديث المغيرة وهو في الجنائز، ومن حديث عبد الله ابن عمرو بن العاص، وهو في أخبار بني إسرائيل، ومن حديث وائلة بن الأسقع، وهو في مناقب قريش، لكن ليس هو بلفظ الوعيد بالنار صريحاً. واتفق مسلم معه على تخريج حديث علي وأنس وأبي هريرة والمغيرة، وأخرجه مسلم من حديث أبي سعيد أيضاً، وصح أيضاً في غير الصحيحين من حديث عثمان بن عفان وابن مسعود وابن عمر وأبي قتادة وجابر وزيد بن الأرقم وورد بأسانيد حسان من حديث طلحة بن عبيد الله وسعيد بن زيد وأبي عبيدة بن الجراح وسعد بن أبي وقاص ومعاذ بن جبل، وعقبة بن عامر، وعمران بن حصين وابن عباس وسلمان الفارسي، ومعاوية بن أبي سفيان ورافع بن خديج، وطارق الأشجعي، والسائب بن يزيد وخالد بن عرفطة وأبي أمامة وأبي قرصافة وأبي موسى الغافقي وعائشة، فهؤلاء ثلاثة وثلاثون نفساً من الصحابة، وورد أيضاًَ عن نحو من خمسين غيرهم بأسانيد ضعيفة، وعن نحو من عشرين آخرين بأسانيد ساقطة.

وقد اعتنى جماعة من الحفاظ بجمع طرقه، فأول من وقفت على كلامه في ذلك علي بن المديني، وتبعه يعقوب بن شيبة فقال: روي هذا الحديث من عشرين وجههاً عن الصحابة من الحجازيين وغيرهم، ثم إبراهيم الحربي وأبو بكر البزار فقال كل منهما: إنه ورد من حديث أربعين من الصحابة، وجمع طرقه في ذلك العصر أبو محمد يحيى ابن محمد بن صاعد فزاد قليلاً، وقال أبو بكر الصيرفي شارح رسالة الشافعي: رواه ستون نفساً من الصحابة، وجمع طرقه الطبراني فزاد قليلاً، وقال أبو القاسم بن مندة: رواه أكثر من ثمانين نفساً، وقد خرجها بعض النيسابوريين فزادت قليلاً، وقد جمع طرقه ابن الجوزي في مقدمة كتاب "الموضوعات" فجاوز التسعين، وبذلك جزم ابن دحية، وقال أبو موسى المديني: يرويه نحو مائة من الصحابة، وقد جمعها بعده الحافظان يوسف بن خليل وأبو علي البكري، وهما متعاصران فوقع لكل منهما ما ليس عند الآخر، وتحصل من مجموع ذلك كله رواية مائة من الصحابة على ما فصلته من صحيح وحسن وضعيف وساقط، مع أن فيها ما هو في مطلق ذم الكذب عليه من غير تقييد بهذا الوعيد الخاص. ونقل النووي أنه جاء عن مائتين من الصحابة، ولأجل كثرة طرقه أطلق عليه جماعة أنه متواتر، ونازع بعض مشايخنا في ذلك قال: لأن شرط التواتر استواء طرفيه وما بينهما في الكثرة، وليست موجودة في كل طريق منها بمفردها. وأجيب بأن المراد بإطلاق كونه متواتراً رواية المجموع عن المجموع من ابتدائه إلى انتهائه في كل عصر، وهذا كاف في إفادة العلم. وأيضاً فطريق أنس وحدها قد رواها عنه العدد الكثير وتواترت عنهم. نعم وحديث علي رواه عنه ستة من مشاهير التابعين وثقاتهم، وكذا حديث ابن مسعود وأبي هريرة وعبد الله بن عمرو، فلو قيل في كل منها إنه متواتر عن صحابيه لكان صحيحاً، فإن العدد المعين لا يشترط في المتواتر، بل ما أفاد العلم كفى، والصفات العلية في الرواة تقوم مقام العدد أو تزيد عليه كما قررته في نكت علوم الحديث وفي شرح نخبة الفكر، وبينت هناك الرد على من ادعى أن مثال المتواتر لا يوجد إلا في هذا الحديث، وبينت أن أمثلته كثيرة: منها حديث "من بنى لله مسجداً"، والمسح على الخفين، ورفع اليدين، والشفاعة، والحوض، ورؤية الله في الآخرة و"الأئمة من قريش" وغير ذلك، والله المستعان.

وأما ما نقله البيهقي عن الحاكم ووافقه أنه جاء من رواية العشرة المشهورة، قال: وليس في الدنيا حديث أجمع العشرة على روايته غيره. فقد تعقبه غير واحد، لكن الطرق عنهم موجودة فيما جمعه ابن الجوزي ومن بعده، والثابت منها ما قدمت ذكره. فمن الصحاح: علي والزبير، ومن الحسان: طلحة وسعد وسعيد وأبو عبيدة، ومن الضعيف المتماسك: طريق عثمان، وبقيتها ضعيف وساقط.

ثانياً: مثال من تخريج الإمام السيوطي، حيث ذكر في كتابه الجامع الصغير[66] أيضاً حديث "من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار" وعزاه إلى الإمام أحمد والشيخين والترمذي والنسائي وابن ماجه عن أنس رضي الله عنه.
والإمام أحمد والبخاري وأبي داود والنسائي وابن ماجه عن الزبير رضي الله عنه.
ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه.
والترمذي عن علي رضي الله عنه.
والإمام أحمد وابن ماجه عن جابر وعن أبي سعيد رضي الله عنهما.
والترمذي وابن ماجه عن ابن مسعود رضي الله عنه.
والإمام أحمد والحاكم عن خالد بن عرفطة وعن زيد ابن أرقم رضي الله عنهما.
والإمام أحمد عن سلمة بن الأكوع، وعن عقبة بن عامر، وعن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما.
والطبراني في الكبير عن: السائب بن يزيد وعن سلمان بن خالد الخزاعي، وعن صهيب وعن طارق بن أشيم وعن طلحة بن عبيدالله، وعن ابن عباس وعن ابن عمر وعتبة بن غزوان، وعن العرس بن عميرة، وعن عمار ابن ياسر، وعن عمران بن حصين، وعن عمرو بن حريث، وعن عمرو بن عبسة، وعن عمرو بن مرة الجهني، وعن المغيرة بن شعبة وعن يعلى بن مرة، وعن أبي عبيدة بن الجراح، وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنهم.
والطبراني في الأوسط عن البراء، وعن معاذ ابن جبل، وعن نبيط بن شريط، وعن أبي ميمون رضي الله عنهم.
والدار قطني في الأفراد عن أبي رمثة، وعن ابن الزبير، وعن أبي رافع، وعن أم أيمن رضي الله عنهم.
والخطيب في تاريخه عن سلمان الفارسي، وعن أبي أمامة رضي الله عنهما.
وابن عساكر في تاريخه عن رافع بن خديج، وعن يزيد بن أسد، وعن عائشة رضي الله عنهم.
وابن صاعد في طرقه عن أبي بكر الصديق، وعن عمر بن الخطاب، وعن سعد بن أبي وقاص، وعن حذيفة ابن أسيد، وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهم.
وأبي مسعود بن الفرات في جزئه عن عثمان بن عفان رضي الله عنه.
والبزار عن سعيد بن زيد رضي الله عنه.
وابن عدي في الكامل عن أسامة بن زيد وعن بريدة وعن سفين وعن أبي قتادة رضي الله عنهم.
وأبي نعيم في المعرفة عن جندع بن عمرو، وعن سعد بن المدحاس، وعن عبد الله بن زغب بن قانع عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهم.
والحاكم في المدخل عن عفان بن حبيب رضي الله عنه.
والعقيلي في الضعفاء عن غزوان وعن أبي كبشة رضي الله عنهما.
وابن الجوزي في مقدمة الموضوعات عن أبي ذر وعن أبي موسى الغافقي، رضي الله عنهما.

ثالثاً: مثالان لتخريج العلامة الألباني، أحدهما من السلسلة الصحيحة[67] حيث ذكر حديث "لو كان بعدي نبي لكان عمر" وقال: رواه الترمذي (2/293) وحسنه، والحاكم (3/85) وصححه، وأحمد (4/154)، والروياني في مسنده (50/1)، والطبراني في المنتقى من حديثه (4/7/2)، وأبو بكر القطيعي في "الفوائد المنتقاة" (4/7/2)، والخطيب في الموضح (2/226)، وابن عساكر (2/210/2)، عن ابن عبد الرحمن المقرئ، نا حيوة عن بكر بن عمرو، عن مشرح بن هاعان، عن عقبة ابن عامر-مرفوعاً-.
ثم رواه النجاد من طريق ابن لهيعة عن مشرح به.

والثاني: من السلسلة الضعيفة[68] حيث ذكر حديث "ما أكرم شاب شيخاً لسنه إلا قيض الله له من يكرمه عند سنه"، وقال: منكر. رواه الترمذي (3/152) وأبو بكر الشافعي في "الرباعيات" (1/106/1-2) والعقيلي (455)، وأبو الحسن النعالي في "جزء من حديثه" (124/125)، وابن بشران في "الأمالي" (18/6/1، 22/60/1) والقطيعي في "جزء الألف دينار" (35/1)، وأبو نعيم في "أخبار أصبهان" (2/185)، وزاهر الشحامي في "السباعيات" (ج/7/12/2)، وأبو بكر بن النقور في "الفوائد" (1/149/1)، وابن شاذان في "المشيخة الصغرى" (53/2) والخطيب في "الفقيه والمتفقه" (277/1) وعبد الله العثماني الديباجي في "الأمالي" (1/56/1)، وابن عساكر في تاريخه (14/249/2)، والضياء المقدسي في "المنتقى من مسموعاته بمرو" (33/1) كل هؤلاء أخرجوه عن يزيد بن بيان المعلم عن أبي الرحال عن أنس مرفوعاً. وقال الترمذي: "هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث هذا الشيخ: يزيد بن بيان.
فتأمل هذا الجهد العظيم في تخريج حديث واحد يقع ضمن ألاف الأحاديث التي خرجها كل واحد منهم، وكذلك الإسهاب والتوسع في جمع طرقه ومخارجه، ولا يقل عن ذلك أهمية تلك المصادر والتي لا يزال أكثرها –حتى في عهد الطباعة- خطياًَ، صعب الترتيب -كالفوائد-، ردئ الخط، نادر الوجود مغموراًَ غير مشهور فلا يخطر على الذهن غالباً عند البحث.

بيد أنه مع الممارسة العملية للتخريج والتي تنمي الملكة، فهناك عوامل تساعد أيضاً في تنمية المعرفة والحذق لهذا الفن، ومن أهم هذه العوامل:-
1- معرفة أصول التخريج وقواعده من خلال المصنفات المتخصصة في ذلك، والتي سيأتي ذكر بعضها في المبحث الخامس[69] بإذن الله تعالى.
2- المطالعة في كتب التخريج كنصب الراية، والدراية، والتلخيص الحبير، وإرواء الغليل، وغيرها.
3- المعرفة الإجمالية بمناهج الأئمة في مصنفاتهم، وطريقة ترتيبها لأن المسانيد تختلف عن الجوامع، وكتب التراجم تختلف عن كتب الغريب، وهكذا.
4- التلقي عن أرباب هذا العلم والمتخصصين فيه، وسؤالهم عما أشكل فيه.

المبحث الرابع: أقسام المصادر التي يخرج منها:
لا خلاف أن في كل فن من الفنون مصادر أصلية وأخرى غير أصلية، وهذه الأخيرة يطلق عليها أحياناً: مصادر فرعية، أو وسيطة.
إلا أن الخلاف في ضابط كل نوع والفرق بينهما في الفنون عموماً لا يعنينا، والذي يعنينا هنا هي مصادر السنة، وما هي المصادر الأصلية وغير الأصلية للأحاديث والآثار، لأنه يترتب على ذلك أمور كثيرة من أبرزها:
1- صيغة العزو إليها.
2- متى يصح التخريج من غير المصادر الأصلية؟
3- وصف المتن والإسناد.
4- أهمية توثيق النص من المصادر الأصلية.

وعليه،فقد اختلف في تحديد المصدر الأصلي من غير الأصلي من المصادر التي توجد فيها الأحاديث والآثار، فقيل:
المصادر الأصلية هي: كتب السنة القديمة التي جمعت الأحاديث مسندة من مؤلفيها إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو الصحابة أو من دونهم، مثل الصحاح والسنن والمسانيد وغيرها، ويلحق بها الكتب التابعة لها كجامع الأصول وتحفة الأشراف، ومختصر البخاري ومختصر مسلم وغيرها، وكتب الفنون الأخرى كالعقيدة والتفسير والفقه إذا كانت الأحاديث فيها مسندة من مؤلفيها.

وغير أصلية: ما سوى ذلك، ككتب الأحاديث المتأخرة التي جمعت الأحاديث في موضوع معين كأحاديث الأحكام والترغيب والترهيب، أو كتب الفنون الأخرى التي لا تسند الأحاديث كتفسير ابن كثير (ت 774هـ)، ومجموع النووي، والكامل في التاريخ لابن الأثير (ت630هـ) [70].

وقيل: المصادر الأصلية، هي التي تكون مصدراً أولياً للمعلومة، فلا تستقي ما دتها من غيرها، وغير الأصلية هي التي تنقل مادتها من غيرها[71].

ولكن الذي يظهر أن أرجح الأقوال، وأليقها بالحال –وهذا واضح لمن نظر في كتب الأئمة وتطبيقهم العملي والاصطلاحات الحديثية التي استخدموها – أن المراد بالمصادر الأصلية هي المصنفات التي يسند فيها مؤلفوها الأحاديث والآثار بأسانيدهم إلى من أسند الحديث والأثر إليه، سواء كان كتاباً للأحاديث خاصة كالصحاح والمسانيد والسنن والمصنفات والأجزاء وغيرها، أو كانت من كتب علوم الحديث كالعلل لابن أبي حاتم (ت327هـ)، والعلل للدارقطني (ت385هـ)، ومعرفة علوم الحديث للحاكم (ت405هـ)، أو كانت من كتب التراجم كالتاريخ الكبير والأوسط والصغير وكلها للبخاري (ت256هـ)، والكامل في ضعفاء الرجال لابن عدي (ت365هـ)، والضعفاء الكبير للعقيلي (ت323هـ).

أو كان في الفنون الأخرى كالعقيدة، مثل كتاب السنة للإمام أحمد (ت241هـ)، والإيمان لابن أبي شيبة (ت234هـ)، وكتاب التوحيد لابن خزيمة (ت311هـ).

أو في التفسير كتفسير بقي بن مخلد الأندلسي القرطبي[72] (ت276هـ)، وجامع البيان للطبري (ت310هـ)، وتفسير ابن أبي حاتم، وتفسير أبي بكر بن مردويه (ت416هـ).

أو في الفقه كالمدونة للإمام مالك (ت179هـ)، أو الأم للشافعي (ت204هـ)، أو الحجة على أهل المدينة لمحمد بن الحسن الشيباني –صاحب أبي حنيفة- (ت189هـ).

أو في التاريخ والسير، كالسيرة النبوية لابن إسحاق (ت151هـ)، أو عيون الأخبار لابن قتيبة (ت276هـ)، أو تاريخ الأمم والملوك لابن جرير الطبري.

أو في اللغة وغريب الحديث، كغريب الحديث لأبي عبيد القاسم بن سلام الهروي (ت224هـ)، أو غريب الحديث لإبراهيم الحربي (ت285هـ)، أو غريب الحديث للخطابي (ت388هـ).

أو غيرها من الفنون المختلفة، ما دام أنها قد أسندت الأحاديث من مؤلفيها إلى من أسند الحديث إليهم.

والمصادر غير الأصلية هي ما سوى ذلك، بمعنى أنها تذكر الأحاديث بلا أسانيد، أو بأسانيد، لكن منقولة من مصادر سابقة كما يفعل ابن كثير في تفسيره، وفي البداية والنهاية، وغالب كتب السنة المتأخرة هي مصادر غير أصلية، لأنها تنقل الأحاديث وتجمعها من بطون الكتب السابقة، كرياض الصالحين للنووي، أو الترغيب والترهيب للمنذري (ت656هـ)، وتحفة الأشراف للمزي (ت742هـ).
هذا عن الفرق بين المصادر الأصلية وغير الأصلية، وضابط كل نوع.

أما صيغة العزو إليها عند التخريج منها، فهي كما يلي:
بالنسبة للمصدر الأصلي، يقال: أخرجه ورواه وخرجه وأسنده؛ وكل صيغة يفهم منها أن مصنف الكتاب –الذي عزي إليه- رواه بإسناده. والصيغة الأولى أكثرها استعمالاً، وتليها الثانية.
وأما المصدر غير الأصلي، فيقال: ذكره، وأورده، وعزاه، ونسبه، وساقه، ونقله، ونحو ذلك من العبارات التي تفيد أن الحديث منقول من مصدر آخر.
بيد أنه يحصل تجوز –قيل- في استعمال هذه المصطلحات وخصوصاً عند المتقدمين، ومن لا يعرف مدلول هذه الصيغ من المتأخرين أو غير المتخصصين، فيقولون: أورده فلان، وهو قد أخرجه، أو: رواه فلان، وهو إنما ذكره مجرد ذكر، وسأذكر مثالاً لذلك في آخر الأمثلة.

وبالنظر للتطبيق العملي نجد استخدام هذه المصطلحات ظاهراً ووافراً في المصنفات الحديثية –خصوصاً كتب التخريج- وللتأكيد هاك أمثلة لذلك:
1- أورد الإمام الزيلعي[73] حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أيما إهاب دبغ فقد طهر"، وقال: رواه النسائي في سننه في كتاب "الفرع والعتيرة" والترمذي وابن ماجه في كتاب "اللباس"، ورواه مالك في الموطأ، وابن حبان في صحيحه في "النوع السادس والمائة من القسم الثاني"، ورواه أحمد والشافعي وإسحاق بن راهويه والبزار في مسانيدهم.
وأعلم أن كثيراً من أهل العلم المتقدمين والمتأخرين عزوا هذا الحديث في كتبهم إلى مسلم، وهو وهم، وممن فعل ذلك البيهقي في سننه[74] وإنما رواه مسلم بلفظ "إذا دبغ الإهاب فقد طهر"، واعتذر عنه الشيخ تقي الدين في كتاب الإمام، فقال: والبيهقي وقع له مثل[75] في كتابه كثيراً، ويريد به أصل الحديث لا كل لفظة منه، قال: وذلك عندنا معيب جداً إذا قصد الاحتجاج بلفظة معينة، لأن فيه إيهام أن اللفظ المذكور أخرجه مسلم، مع أن المحدثين أعذر في هذا من الفقهاء: لأن مقصود المحدثين الإسناد ومعرفة المخرج، وعلى هذا الأسلوب ألفوا كتب الأطراف، فأما الفقيه الذي يختلف نظره باختلاف اللفظ فلا ينبغي له أن يحتج بأحد المخرجين، إلا إذا كانت اللفظة فيه.

2- قال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير[76]: حديث: روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مسح الرأس أمان من الغل". هذا الحديث أورده أبو محمد الجويني، وقال: لم يرتض أئمة الحديث إسناده فحصل التردد في أن هذا الفعل هل هو سنة أو أدب؟ وتعقبه الإمام بما حاصله: إنه لم يجر للأصحاب تردد في حكم مع تضعيف الحديث الذي يدل عليه، وقال القاضي أبو الطيب: لم ترد فيه سنة ثابتة، وقال القاضي حسين: لم ترد فيه سنة، وقال الفوراني: لم يرد فيه خبر، وأورده الغزالي في الوسيط، وتعقبه ابن الصلاح فقال: هذا الحديث غير معروف عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو من قول بعض السلف، وقال النووي في شرح المهذب: هذا حديث موضوع، ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وزاد في موضع آخر: لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه شيء، وليس هو سنة بل بدعة، ولم يذكره الشافعي ولا جمهور الأصحاب، وإنما قاله ابن القاص وطائفة يسيرة، وتعقبه ابن الرفعة بأن البغوي من أئمة الحديث، وقد قال باستحبابه، ولا مأخذ لاستحبابه إلا خبر أو أثر لأن هذا لا مجال للقياس فيه. انتهى كلامه[77].

ولعل مستند البغوي في استحباب مسح القفا: ما رواه أحمد وأبو داود من حديث طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده، أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يمسح رأسه حتى بلغ القذال وما يليه من مقدم العنق، وإسناده ضعيف كما تقدم، وكلام بعض السلف الذي ذكره ابن الصلاح يحتمل أن يريد به ما رواه أبو عبيد في "كتاب الطهور" عن عبد الرحمن بن مهدي عن المسعودي عن القاسم بن عبد الرحمن عن موسى بن طلحة قال: "من مسح قفاه مع رأسه وقي الغل يوم القيامة"، قلت: فيحتمل أن يقال: هذا وإن كان موقوفاً فله حكم الرفع؛ لأن هذا لا يقال من قبل الرأي، فهو على هذا مرسل.
ومن أمثلة تجوز الأئمة في هذه الصيغ والمصطلحات ما فعله الإمام الزيلعي في نصب الراية[78] حيث قال: أما حديث عائشة: فله خمس طرق –ثم ذكر أربع طرق وقال- ذكر ابن الجوزي هذا الحديث من هذه الطرق الأربعة في "الموضوعات". انتهى كلام الزيلعي.
وبالرجوع إلى كتاب الموضوعات تبين أن ابن الجوزي أسندها ولم يذكرها مجرد ذلك، فقد قال[79]: وأما حديث عائشة –رضي الله عنها- فله أربع طرق:

الطريق الأول: أنبأنا محمد بن عبيد الله بن نصر –ثم ساق ابن الجوزي بقية الطرق-.
بقي أن أذكر هنا أن الأئمة اصطلحوا أيضاً على استعمال بعض الصيغ المختصرة في وصف المتون والأسانيد، عند تعدد الطرق، أو في التخريج الموسع، ومن أحسن وأدق من استخدم هذه المصطلحات من المتقدمين الإمام مسلم - رحمه الله - (ت261هـ) في صحيحه، وهذه وإن كانت من ميزات صحيح مسلم على كثير من المصنفات الحديثية فليست بغريبة عليه، لما اشتهر عنه من إتقانه للصناعة الحديثية، يقول الإمام النووي –رحمه الله-[80]-: سلم مسلم رحمه الله في صحيحه طرقاً بالغة في الاحتياط والإتقان والورع والمعرفة، وذلك مصرح بكمال ورعه وتمام معرفته وغزارة علومه وشدة تحقيقه، بحفظه وتقعدده في هذا الشأن وتمكنه من أنواع معارفه وتبريزه في صناعته وعلو محله في التمييز بين دقائق علومه، لا يهتدي إليها إلا أفراد في الأعصار[81]، فرحمه الله ورضي عنه، وأنا أذكر أحرفاً من أمثلة ذلك: تنبيهاً بها على ما سواها، إذ لا يعرف حقيقة حاله إلا من أحسن النظر في كتابه مع كمال أهليته، ومعرفته بأنواع العلوم التي يفتقر إليها صاحب هذه الصناعة، كالفقه، والأصولين، والعربية، وأسماء الرجال، ودقائق علم الأسانيد، والتاريخ، ومعاشرة أهل هذه الصنعة ومباحثتهم ومع حسن الفكر ونباهة الذهن ومداومة الاشتغال به، وغير ذلك من الأدوات التي يفتقر إليها.

فمن تحري مسلم –رحمه الله- اعتناؤه بالتمييز بين "حدثنا" و"أخبرنا" وتقييده ذلك على مشايخه، وفي روايته، وكان من مذهبه رحمه الله الفرق بينهما وأن "حدثنا" لا يجوز إطلاقه إلا لما سمعه من لفظ الشيخ خاصة، و "أخبرنا" لما قرئ على الشيخ، ومن ذلك اعتناؤه بضبط اختلاف لفظ الرواة كقوله "حدثنا فلان وفلان، واللفظ لفلان قال أو قالا حدثنا فلان"، وكما إذا كان بينهما اختلاف في حرف من متن الحديث أو صفة الراوي أو نسبه أو نحو ذلك فإنه يبينه، وربما كان بعضه لا يتغير به معنى، وربما كان في بعضه اختلاف في المعنى، ولكن كان خفياً لا يتفطن له إلا ما هر في العلوم التي ذكرتها في أول الفصل، مع اطلاع على دقائق الفقه ومذاهب الفقهاء، وسترى في هذا الشرح من فوائد ذلك ما تقرُّ به عينك إن شاء الله تعالى. انتهى كلام النووي. وقد أجمل ذلك أحد الشعراء بقوله:
تناظر  قوم  في  البخاري  ومسلم        إليّ    وقالوا    أي    ذين    تقدم
فقلت: لقد فاق  البخاري  صحة        كما فاق في حسن الصناعة مسلم
وعليه فيمكن أن أقول بأن من نظر في مصنفات السنة؛ الأصلية منها وغير الأصلية، المتقدمة منها والمتأخرة، يجد أن استخدامهم للصيغ المختصرة في وصف المتن تنقسم إلى ثلاثة أقسام رئيسية هي:
1- أن يوجد تطابق بين لفظي الحديث –المعطوف والمعطوف عليه- وحينئذ يعبرون عن المتن المعطوف –لأجل الاختصار- بصيغ متعددة، من أشهرها: بمثله، بلفظه، به.
قال الإمام النووي –رحمه الله-[82]: الكتب المخرجة على الصحيحين لم يلتزم فيها موافقتها في الألفاظ فحصل فيها تفاوت في اللفظ والمعنى. وكذا ما رواه البيهقي في السنن والبغوي في شرح السنة وغيرهما وقالوا فيه: رواه البخاري ومسلم أو أحدهما وقع فيه أيضاً تفاوت في اللفظ وفي بعضه في المعنى، فمرادهم أن البخاري ومسلماً أخراجا أصله. فليس لأحد أن ينقل منها حديثاً ويقول: هو هكذا في الصحيحين، إلا أن يقابله بالصحيحين أو يكون صاحب الكتاب قال: أخرجاه بلفظه.
2- أن يوجد اختلاف بينهما لا يؤثر على أصل اللفظ، بل نجد أكثر العبارات –غالباً- مذكورة في اللفظين، وحينئذٍ يعبرون عن المتن المعطوف بصيغ متعددة، من أشهرها: بنحوه، بلفظ مقارب، بشبهه.
3- أن يوجد اختلاف كامل أو شبه كامل، وإنما الاتفاق في المعنى، وحينئذٍ يعبرون عن المتن المعطوف بقولهم: بمعناه، ونحو ذلك.
وأحياناًَ يزيدون على الصيغ السالفة –من باب الدقة ومزيد البيان- عبارات أخرى فيها إجمال وتفصيل، حسب عناية الواصف، واقتضاء الحال، ومن هذه العبارات: فيه زيادة في أوله، أو آخره، أو أثنائه، وقد يذكرون هذه الزيادة.
بتقديم وتأخير.
بلفظ أطول أو أقصر، أو مطولاً، أو مختصراً.
فيه قصة، أو سبب ورود.

ولتقريب ذلك أسوق أمثلة من عمل الأئمة في ذلك، وأبدأ بصحيح مسلم: لما سبق من تصدره وتميزه في هذا المجال:
1- قال مسلم[83] –رحمه الله- (..): حدثنا يحيى ابن يحيى، قال: قرأت على مالك عن سمي، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده، فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد، فإنه من وافق قوله قول الملائكة، غفر له ما تقدم من ذنبه".
حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا يعقوب (يعني ابن عبد الرحمن) عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعنى حديث سمى.

2- وقال الإمام الدارقطني –رحمه الله-[84] نا أبو أحمد بن عبدوس، نا أبو بكر بن أبي شيبة، نا عباد ابن العوام، عن حجاج، عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما كانا لا يقتلان الحر بقتل العبد.
نا محمد بن الحسن المقري، نا أحمد بن العباس الطبري، نا إسماعيل بن سعيد، نا عباد بن العوام، عن عمرو بن عامر والحجاج، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده مثله سواء.
وقال أيضاً"[85] نا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، نا خلف بن هشام، نا حماد بن زيد، عن أيوب عن نافع عن ابن عمر –قال حماد ولا أعلمه إلا رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كل مسكر حرام، وكل مسكر خمر، ومن شرب الخمر في الدنيا فمات وهو يدمنها لم يشربها في الآخرة.
نا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز نا أبو الربيع الزهراني، نا حماد بن زيد، عن أيوب عن نافع، عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه، ولم يشك.
نا المحاملي نا ابن محشر نا ابن المبارك، عن حماد ابن زيد مرفوعاً، وكذلك رواه يونس المؤدب عن حماد كذلك، عن النبي صلى الله عليه وسلم بغير شك، وقال لوين عن حماد رفعه ولم يشك، ورواه الحكم بن عبد الله أبو النعمان البصري عن شعبة عن أيوب كذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم بغير شك.
ونا دعلج بن أحمد، نا أحمد، نا موسى بن هارون، نا محمد بن مالك البصري جار ابن حسنات عنه.

3- وقال الإمام المزي –رحمه الله-[86]: حديث جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن أمي ماتت، وعليها صوم شهر أفأقضيه عنها؟ قال: "نعم، فدين الله أحق أن يقضى "خ-[87] يعني البخاري- في الصوم عن محمد بن عبد الرحيم، عن معاوية بن عمرو، عن زائدة عن الأعمش، عنه –يعني عن مسلم بن عمران البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما-[88] به، قال الأعمش: قال: الحكم وسلمة: ونحن جميعاً جلوس حين حدث مسلم بهذا الحديث قال: سمعنا مجاهداً يذكر هذا عن ابن عباس: ويذكر عن أبي خالد حدثنا الأعمش عن الحكم ومسلم البطين وسلمة بن كهيل، عن سعيد بن جبير وعطاء ومجاهد، عن ابن عباس: قالت امرأة إن أختي ماتت، وقال يحيى وأبو معاوية: حدثنا الأعمش عن مسلم عن سعيد عن ابن عباس، قالت امرأة إن أمي ماتت، وقال عبيد الله يعني ابن عمرو الرقي عن زيد بن أبي أنيسة عن الحكم، عن سعيد عن ابن عباس، قالت امرأة: إن أمي ماتت، وعليها صوم نذر، وقال أبو حريز: حدثني عكرمة عن ابن عباس: قالت امرأة إن أمي ماتت وعليها صوم خمسة عشر يوماً، م- أي مسلم –فيه- أي الصيام- عن أحمد بن عمرو الوكيعي، عن حسين بن علي عن زائدة به، وعن أبي سعيد الأشج، عن أبي خالد الأحمر بإسناده نحوه، وعن إسحاق بن منصور وابن أبي خلف- وعبد بن حميد، ثلاثتهم عن زكريا بن عدي؛ عن عبيد الله بن عمرو الرقي به،[89] وعن إسحاق بن إبراهيم، عن عيسى بن يونس، عن الأعمش، عن مسلم، عن سعيد نحوه: أن امرأة قالت: إن أمي ماتت وعليها صوم شهر، د- يعني أبا داود- في الأيمان والنذر عن مسدد، عن يحيى به، وعن محمد بن العلاء عن أبي معاوية به. ت-يعني الترمذي- في الصوم عن أبي سعيد الأشج وأبي كريب (فرقهما) كلاهما عن أبي خالد الأحمر بإسناده، ك: جاءت امرأة فقالت: إن أختي ماتت، وعليها صوم شهرين متتابعين إلا أنه لم يذكر "الحكم"، وقال: حسن. س –يعني النسائي-فيه- أي الصيام من الكبرى –عن الأشج بإسناد مسلم، وعن القاسم بن زكريا بن دينار، عن زكريا بن عدي به وعن القاسم بن زكريا بن دينار، عن حسين بن علي عن زائدة بإسناده مثله، عن قتيبة، عن عبثر بن القاسم وعن الحسين بن منصور، وعن عبد الرحمن بن مغراء وعن عمرو ابن يحيى بن الحارث الحمصي، عن أحمد بن أبي شعيب الحراني، عن موسى بن أعين ثلاثتهم عن الأعمش، عن مسلم البطين، عن سعيد بن جبير نحوه –في حديث ابن مغراء: "امرأة"، وفي حديث الآخرين "رجل" وفي حديثهم جميعاً: إن أمي ماتت، وعليها صوم شهر وزاد ابن مغراء عن الأعمش: وعن سلمة بن كهيل عن مجاهد عن ابن عباس، وعن الحكم بن عيينة عن عطاء عن ابن عباس، وفي حديث موسى بن أعين عن الأعمش قال وحدثنيه سلمة بن كهيل والحكم مثل ذلك عن ابن عباس، ق –يعني ابن ماجه-فيه- يعني الصيام- عن أبي سعيد الأشج بإسناد مسلم.
أما وصف السند، فهم لا يصفون إلا ما كان فيه تطابق تام، فيقولون: بمثله، أو بهذا الإسناد، أو به، أو بإسناده، وقد سلف شيء من ذلك في تخريج المزي الآنف الذكر.

المبحث الخامس: أبرز المؤلفات في طرق التخريج وقواعده:
تقدم في المبحث الأول[90] أن ذكرت هناك أن إفراد قواعد التخريج وطرقه في مصنفات خاصة قد تأخرت إلى عصرنا الحاضر، وإن كانت قبل ذلك مبثوثة في ثنايا المصنفات الحديثية، سواء منها كتب المتون والأسانيد، أو كتب علوم الحديث، ثم أصبحت فصولاً مستقلة في كتب علوم الحديث، إلى أن جاء العصر الحاضر فأفردوها في مصنفات خاصة، وأبرز أسباب هذا التأخر في إفرادها بالتصنيف، هو تأخر الحاجة لذلك، حيث لم يكن هناك داع شديد إليه في القرون السابقة، نظراً لتمكن المطالعين في دواوين السنة من وسائل التعامل معها، وقدرتهم على الوصول إلى المطلوب منها، وحيث وجدت حاجة قليلة لذلك، ظهرت هذه القواعد والأسس في ثنايا كتب علوم الحديث على هيئة مباحث وفصول مستقلة، وفي عصرنا الحاضر ومع اشتداد الحاجة لتلك القواعد والأسس انبرى عدد من العلماء إلى تصنيف كتب مستقلة، عنيت بهذا الفن، وبسطت القول في إيضاحه، وتدعيم ذلك بالأمثلة، فقدمت –بحمد الله- خدمة للسنة انتظمت في عقد الخدمات الجليلة التي قدمتهاالأمة لآثار نبيها صلوات الله وسلامه عليه، وأصبحت بناءً أولياً في هذا الفن، ولكونه في البداية فلا يخلو من النقص والخلل، وهذه سنة الله في العلم، ولولا ذلك ما ترك السابق للاحق شيئاً، وليس هذا موضع الحديث عن نقدها وبيان اختلاف وجهات النظر حول ما ورد فيها، ولكن حسبي الآن أن أذكر هذه المؤلفات على سبيل الإجمال ليقف القارئ على كوكبة تنير له الطريق، وتمهد له السبيل، إن رغب الرحلة إلى واحة السنة والتجوال في ميادينها واقتطاف الأحاديث والآثار من حقولها، وهذه المصنفات هي:

1- حصول التفريج بأصول العزو والتخريج، لأبي الفيض أحمد بن محمد بن الصديق الغماري، المغربي، المتوفى بالقاهرة سنة ثمانين وثلاثمائة وألف هجرية[91].

2- أصول التخريج ودراسة الأسانيد، لمحمود الطحان ويظهر –والله أعلم- أنه ثاني كتاب صنف في هذا الفن وإن كان قد توهم نفسه –كما ذكر في مقدمته[92]- أنه أول من صنف في هذا الفن، حيث مضى أن الغماري قد توفي قبل أن يرى كتاب الطحان النور بثماني عشرة سنة؛ لأن هذا الأخير قد نشر لأول مرة في سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة وألف هجرية، والأول توفي سنة ثمانين وثلاثمائة وألف كما أسلفت. ومع ذلك فقد كان لهذا الكتاب –أعني كتاب الطحان- الأثر الواضح من بين كتب هذا الفن، وذلك بسبب تدريسه لطلاب جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية لمدة تقارب عشرين عاماً، وهي من أكبر الجامعات الإسلامية في العالم من حيث تعداد طلابها، وامتداد عمرها، وتنوع جنسيات الدارسين فيها.

3- كشف اللثام عن أسرار تخريج حديث سيد الأنام صلى الله عليه وسلم لعبد الموجود محمد عبد اللطيف، وقد نشر هذا الكتاب لأول مرة في مصر سنة أربع وأربعمائة وألف هجرية.

4- طرق تخريج حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد المهدي بن عبد القادر بن عبد الهادي، وقد نشر الكتاب أول مرة في مصر سنة سبع وثمانين وتسعمائة وألف ميلادية، وكلام مؤلفه في المقدمة يشعر بأنه أول المصنفات في هذا الفن حيث يقول[93]: ولقد كان علم التخريج يؤخذ من الشيوخ بالسماع، ولم تكن فيه مؤلفات، وأثناء دراستي هذا العلم كنت أتوق لقراءة كتاب فيه، لكني لم أجد في ذلك كتاباً –رغم بحثي وتمحيصي- وأثناء دراستي في التخصص "الماجستير" سألت أحد مشايخي عن مؤلف في التخريج فأخبرني أن هذا العلم يصعب التأليف فيه، وتعجبت، فإني أؤمن أن كل ما يقال يمكن أن يكتب، وكتبت بعض موضوعات هذا العلم فأعجب بها مشايخي، وأثنوا عليها، مما دفعني إلى السير في هذا المؤلف.
بيد أنه كما هو واضح فإن الكتب السابقة كلها تقدمت عليه بسنوات عديدة، ولذا انتقده في هذا الأمر الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد[94].

5- تخريج الحديث النبوي، تأليف عبد الغني بن أحمد ابن مزهر التميمي.

6- التأصيل لأصول التخريج وقواعد الجرح والتعديل لبكر بن عبد الله أبو زيد، وقد نشر كتابه لأول مرة بالرياض سنة ثلاث عشرة وأربعمائة وألف، وقد تميز كتابه بنقد الكتب السابقة عليه، والاستدراك عليها.

7- مباحث في علم التخريج ودراسة الأسانيد لرتيبة بنت إبراهيم خطاب طاحون، وقد نشر كتابها بالقاهرة سنة أربع عشرة وأربعمائة وألف هجرية.

8- علم تخريج الأحاديث (أصوله- طرائقه-مناهجه) لمحمد محمود بكار، وقد نشر كتابه بالرياض سنة سبع عشرة وأربعمائة وألف هجرية.

الخاتـمة:
مما سبق يتبين لك أخي القارئ الكريم أن علم التخريج فن حاله حال بقية الفنون، نشأ بسبب الحاجة إليه، ثم مر بمراحل عبر هذه القرون، وإلى أن وصل إلينا بهذه الصورة، والتي لا تزال من الناحية النظرية في مرحلة البناء غير المكتمل، وما زالت أيدي التجارب تحاول أن تسويه حيناًَ فتخدشه أحياناً، والمهم أنه علم جوهري بالنسبة للأمة، ومتعلق بأمر عظيم، لأنه يفتح القنوات والأبواب بين أفراد الأمة ونصوص السنة، وبغير ذلك قد تتيه، وقد لا تصل. ثم إنه أيضاً ذو مساس مباشر بالمحافظة على هذا الدين ذلك الأمر الذي يقول الله فيه {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}[95] ولهذا وغيره يمكن أن ألخص لك النتائج العامة لهذا البحث فيما يلي:
1- إن علم التخريج كغيره من الفنون، نشأ بسبب الحاجة إليه ولا زال ينمو ويترعرع حتى الآن، ويكتسب أهميته من كونه وسيلة للسنة النبوية وهي أحد مصادر الشريعة الأصلية.
2- أن التخريج له جانبان: نظري وعملي، والعملي أسبق إلى الظهور وأبرز وجوداًَ في الساحة الحديثية.
3- كلما زاد جهل الناس بالسنة وبعدهم عن دواوينها ابتكر المحدثون في ميدان علم التخريج –العملي منه والنظري- وسائل جديدة، وقواعد وأسساً تعين على تيسير التعامل مع الأحاديث والآثار والحصول عليها من مواطنها.
4- كان الطور الأول للتخريج يعنى بجميع الأحاديث من صدور الرجال المتفرقين في ثنايا الأمصار، وتمييزها وترتيبها وإبرازها للناس في المصنفات الحديثية، كالمسانيد، والصحاح، والسنن، والمصنفات، وغيرها.
5- والطور الثاني أصبح فيه نوع من التفنن عند المحدثين، حيث وجهوه لزيادة توثيق نصوص تلك الدواوين السابقة من ناحية البحث عن طرق أخرى لها، حملت في ثناياها فوائد أخرى كوصل المنقطع وكشف المبهم وبيان المدلس وغيرها كثير.
6- ثم تبعها طور ركزَّ على تحوير التخريج، بحيث ينصب على معنى العزو والدلالة على موضع الحديث في مصادره الحديثية، ثم استفاض هذا الاصطلاح واشتهر، وكثر المعتنون به، والمصنفات فيه، حتى أصبح هذا الوصف علماً على هذا المعنى، ولا يفهم منه عند الإطلاق إلا هذا، واستمر هذا الاصطلاح مع شيء من التغيير فيه إلى يومنا هذا.
7- تأخر التصنيف استقلالاً في الجانب النظري عن الجانب العملي زمناً طويلاً يزيد عن سبعة قرون، حيث لا يعرف من صنف كتاباً مستقلاً في قواعد وطرق التخريج مثل عصرنا الحاضر بينما صنف الأئمة في تخريج الأحاديث في القرن السادس، وربما قبل ذلك.
8- فن التخريج تعتمد المهارة به على طول الممارسة، والنظر في تخريج الأئمة، أكثر من الإلمام بقواعده النظرية.
9- ينقسم التخريج إلى ثلاثة أقسام: قسم موسع، يتم فيه استيعاب مخارج الحديث وطرقه، وذكر الأسانيد، ووصف المتون، وما يلزم لذلك، وقسم آخر مختصر، يكتفى فيه بذكر المصدر الذي أخرج الحديث، وربما ذكر معه الموضع التفصيلي بداخله، وبينهما قسم متوسط.

10-طرق التخريج إجمالاًَ ترجع إلى طريقتين هما:
أ- تخريج الحديث بواسطة إسناده.
ب – تخريج الحديث بواسطة متنه.
ولا تعتبر إحدى الطريقتين هي الأسهل بإطلاق؛ لأن ذلك يتأثر ببعض الأحوال والقرائن.
11- يلزم التفريق بين المصدر الأصلي وغير الأصلي عند التخريج منها، والعزو إليها.
12-لا تزال المصنفات في قواعد التخريج وطرقه تحتاج إلى نقد وإعادة نظر، حتى تكتمل صورتها وتسلم من النقص والخلل.
13-هذا البحث ما هو إلا لبنة في بناء القسم النظري من هيكل التخريج، حاولت من خلاله إلقاء الضوء على جانب مهم فيه، قد يساعد بإذن الله على الوصول إلى نظرة أوسع وأشمل.
 وسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، استغفرك وأتوب إليك.

فهرس المصادر والمراجع
*- استعملت في هذا الفهرس رموزاً مختصرة وهي: (ت:تحقيق)، (ش:نشر)، (ط:طبع).
9-تحفة الأشراف، للحافظ المزي- ش: الدار القيمة-بومباي- الهند-1384هـ.
ش: محمد السيد-حمص 1388هـ.
19-سنن البيهقي-ش:دار الفكر-بيروت.
1- القرآن الكريم.
2- الإحسان في ترتيب صحيح ابن حبان، لابن بلبان الفارسي ت: الحوت –ش:دار الكتب العلمية-بيروت1407هـ.
10-تدريب الراوي، للسيوطي-ت:عبد الوهاب عبد اللطيف-ش:دار إحياء السنة –مصر عام 1399هـ.
20- سنن الدارقطني- ط:دار المحاسن –القاهرة 1386هـ.
21- سنن الدارمي- ش:دار إحياء السنة النبوية.
3-إرشاد طلاب الحقائق إلى معرفة سنن خير الخلائق، للنووي -توزيع: عبد الباري فتح الله السلفي- ش: مكتبة الإيمان –المدينة.
11- ترتيب القاموس، للطاهر الزاوي – ط: البابي الحلبي –مصر.
22-سنن النسائي -ش: دار الفكر-بيروت 1398هـ.
23- السنة قبل التدوين، لمحمد عجاج الخطيب - ش: دار الفكر –بيروت 1400هـ.
4-إرواء الغليل، للألباني- ط:المكتب الإسلامي عام 1399هـ.
12-التلخيص الحبير، للحافظ ابن حجر – ت: شعبان إسماعيل- ش: مكتبة الكليات الأزهرية 1399هـ.
24- شرح السنة، للبغوي –ت: شعيب الأرناؤوط –ط: المكتب الإسلامي 1390هـ.
5- أصول التخريج ودراسة الأسانيد، للطحان، ط: المطبعة العربية- حلب 1398هـ.
6- الإلماع، للقاضي عياض – ت:السيد صقر – ش: دار التراث، القاهرة 1398هـ.
13- جامع الترمذي، ت: أحمد شاكر – ش: المكتبة الاسلامية.
14-ذم الهوى، لابن الجوزي.ت: أحمد عطا – ش: دار الكتب العلمية –بيروت 1407هـ.
25- شرح مسلم، للنووي –المطبعة المصرية ومكتبتها.
26- شرف أصحاب الحديث، للخطيب البغدادي -: محمد سعيد أوغلي – ش: دار إحياء السنة النبوية – أنقرة.
7-التأصيل للشيخ بكر أبو زيد – ش: دار العاصمة – الرياض 1413هـ.
8- التبصرة والتذكرة، للحافظ العراقي –ش: دار الكتب العلمية –بيروت.
15- الرسالة المستطرفة، للكتاني، ط:دار البشائر –بيروت 1406هـ.
16- سلسلة الأحاديث الضعيفة، للعلامة الألباني– ط: المكتب الإسلامي.
17- سنن ابن ماجه- ت: عبدالباقي-ش: دار إحياء التراث العربي- بيروت 1395هـ.
18- سنن أبي داود-ت: الدعاس-
27- صحيح الجامع الصغير، للعلامة الألباني- ط: المكتب الإسلامي 1406هـ.
28- صحيح مسلم، ت: عبد الباقي- ش: دار الفكر – بيروت 1398هـ.

  29-ضعيف الجامع الصغير، للعلامة الألباني – ط: المكتب الاسلامي1399هـ.
سيد الأنام، لعبد الموجود عبد اللطيف- ش:مكتبة الأزهر– القاهرة 1404هـ.
43- معجم البلدان، لياقوت الحموي – ت: فريد الجندي- ش: دار الكتب العلمية بيروت 1410هـ.
30-طرق تخريج حديث الرسول صلى الله عليه وسلم، لعبد المهدي بن عبد الهادي – ش: دار الاعتصام – القاهرة 1987م.
37-الكفاية في علم الرواية، للخطيب البغدادي – ش: المكتبة العلمية – بيروت.
44- المعجم الوسيط، لجماعة من الأساتذة في مجمع اللغة العربية – ط: المكتبة الإسلامية – إستانبول.
31- علم تخريج الأحاديث، لمحمد محمود بكار – ش: دار طيبة الرياض 1417هـ.
38- لمحات في المكتبة والبحث والمصادر، لمحمد عجاج الخطيب – ش:مؤسسة الرسالة – بيروت 1403هـ.
45- المغني عن حمل الأسفار في الأسفار، للحافظ العراقي – ش: دار المعرفة – بيروت.
32- غاية المرام في تخريج أحاديث الحلال والحرام، للعلامة الألباني – ش: المكتب الإسلامي – بيروت 1400هـ.
33- فتح الباري، للحافظ ابن حجر – تعليق: الشيخ ابن باز، عبد الباقي – ط: المطبعة السلفية – القاهرة.
39- المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث، للأصفهاني – ت: عبد الكريم الغرباوي – ط: معهد البحوث العلمية وإحياء التراث بجامعة أم القرى –مكة 1408هـ.
46- المقاصد الحسنة، للحافظ السخاوي – ش: دار الكتب العلمية – بيروت 1399هـ.
47- مقدمة ابن الصلاح – ش: دار الكتب العلمية – بيروت 1398هـ.
34- فتح المغيث، للحافظ السخاوي – ط: العاصمة – القاهرة 1388هـ.
35- فيض القدير، للمناوي – ش: دار المعرفة – بيروت.
36- كشف اللثام عن تخريج حديث
40- مختار الصحاح، للرازي – ش: دار البصائر 1405هـ.
41- المسند، للإمام أحمد – ش: المكتب الإسلامي – بيروت.
42- المشوف المعلم، لأبي البقاء العكبري – ت: ياسين السواس – ط: دار الفكر – دمشق -1403هـ.
48- الموضوعات، لابن الجوزي – ت: عبد الرحمن عثمان – ش: دار الفكر – بيروت 1403هـ.
49- الموطأ، للإمام مالك – ت: عبد الباقي – ط: الحلبي – مصر.
50- نصب الراية، للحافظ الزيلعي – ط: المجلس العلمي – 1357هـ.
ــــــــــــــــــــــــــــ
[1] سورة آل عمران آية (102).
[2] سورة النساء آية (1).
[3] سورة الأحزاب آية (70-71).
[4] انظر: أصول التخريج ودراسة الأسانيد (15) وعلم تخريج الأحاديث (ص18)
[5] انظر: كشف اللثام عن تخريج حديث سيد الأمام (71-156)
[6] انظر على سبيل المثال: كتاب التأصيل، وكتاب طرق تخريج حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
[7] المغني عن حمل الأسفار في الأسفار، بهامش إحياء علوم الدين (1/1).
[8] انظر: المبحث الأول: المراحل التاريخية لعلم التخريج.
[9] سورة النحل:78
[10] الأنفال:30.
[11] الترمذي (5/722: 3925 كتاب المناقب –باب فضل مكة)، وابن ماجة (2/1037: 3108 –كتاب المناسك- باب فضل مكة) والدارمي (2/239-كتاب السير- باب إخراج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة.
[12] بفتح المهملة ثم سكون وفتح الواو وهاء وراء. قال: الدار قطني: كذا صوابه، والمحدثون يفتحون الزاي ويشددون الواو، وهو تصحيف، وكانت الحزورة سوق مكة، وقد دخلت في المسجد لما زيد فيه. انظر: معجم البلدان (2/294).
[13] ترتيب القاموس (2/32).
[14] (2/149) مادة "خرج" وانظر أيضاً: المجموع المغيث(1/562)، والمشوف المعلم (1/238)، وفيض القدير (1/20).
[15] ص (145) مادة "خرج".
[16] انظر تدريب الراوي (1/92).
[17] التبصرة والتذكرة (2/223).
[18] (2/138)، وانظر أيضاً: فتح المغيث (2/309)، وإرشاد طلاب الحقائق (1/511).
[19] إرشاد طلاب الحقائق (1/125).
[20] (2/338).
[21] انظر: المبحث الرابع.
[22] انظر: المبحث الأول.
[23] فيض القدير (1/20).
[24] التلخيص الحبير (1/21).
[25] انظر: المبحث الرابع.
[26] انظر: المبحث الثالث.
[27] انظر: المبحث الخامس.
[28] المغني عن حمل الأسفار، بحاشية إحياء علوم الدين (1/1).
[29] (1/21).
[30] غاية المرام (ص3).
[31] فيض القدير (1/20، 21).
[32] شرف أصحاب الحديث (ص10).
[33] الكفاية في علم الرواية (ص216).
[34] الكفاية في علم الرواية (ص241). 
[35] انظر: ص6. 
[36] هو البحث، كأنه مأخوذ من تفتيش الطائر الأرض بمنقاره بحثاًَ عن الطعام وغيره، انظر: المعجم الوسيط (2/945). 
[37] أي: اغتنامهم: انظر: ترتيب القاموس (4/475). 
[38] الإلماع (ص189). 
[39] أي: القصد، انظر: مختار الصحاح (ص26)، ومنه قوله تعالى {ولا آمين البيت الحرام} (المائدة 2). 
[40] تقدم معناها قريباً. 
[41] (1/523). 
[42] انظر: مقدمة ابن الصلاح (ص128). 
[43] انظر: التبصرة والتذكرة (2/243) وفتح المغيث (2/340). 
[44] انظر: التأصيل (ص88).
[45] انظر: المبحث الخامس. 
[46] انظر: السنة قبل التدوين (327). 
[47] وانظر أيضاً: الرسالة المستطرفة (ص26). 
[48] انظر أيضاً: كشف الشام (1/154). 
[49] ص22. 
[50] انظر: سنن البيهقي (1/160- كتاب الطهارة-باب المضمضة من شرب اللبن وغيره..) والحديث في البخاري (الفتح 1/313: 211-كتاب الوضوء-باب هل يمضمض من اللبن) ومسلم (1/274: 358) – كتاب الحيض)، وأبي داود (1/135: 196) –كتاب الطهارة، باب في الوضوء من اللبن)، والترمذي (1/149: 89) كتاب الطهارة –باب في المضمضة من اللبن). والنسائي(1/109- كتاب الطهارة- باب المضمضة من اللبن). 
[51] سنن البيهقي (1/294 –كتاب الطهارة- باب الدلالة على أن الغسل يوم الجمعة..) والحديث في الموطأ (1/101-كتاب الجمعة- باب العمل في غسل الجمعة). 
[52] شرح السنة (2/365: 480 –كتاب الصلاة –باب تحية المسجد) والحديث في البخاري (الفتح 1/537: 444 –كتاب الصلاة- باب إذا دخل المسجد فليركع ركعتين) ومسلم (1/495: 714-كتاب صلاة المسافرين وقصرها). 
[53] انظر: شرح السنة (2/475: 360- كتاب الصلاة –باب الهدي في المشي إلى الصلاة والحديث في الترمذي (2/228: 386 كتاب الصلاة –باب ما جاء في الهدي في المشي إلى الصلاة). 
[54] تحفة الأشراف (5/206: 6355). والحديث في البخاري (8/235: 4569) –كتاب التفسير –باب {إن في خلق السموات والأرض} الآية. و10/596: 6215 –كتاب الأدب- باب رفع البصر إلى السماء، و13/438: 7452- كتاب التوحيد –باب ما جاء في تخليق السماوات والأرض وغيرهما من الخلائق)، ومسلم (1/530: 763) – كتاب صلاة المسافرين وقصرها). 
[55] نصب الراية (1/120)، والحديث في: سنن أبي داود (4/370: 4127، 4128) –كتاب اللباس- باب في ما روي أن لا ينتفع بإهاب الميتة)، والترمذي (4/222: 1729- كتاب اللباس –باب ما جاء في جلود الميتة إذا دبغت)، والنسائي (7/175-كتاب الفرع والعتيرة-باب ما يدبغ به جلود الميتة). وانظر أيضاً من أمثلة العزو للمصدر مع تحديد الموضوع العام والخاص ما أورده الزيلعي في نصب الراية، وسيأتي ذكره في مبحث التخريج الموسع في ص31). 
[56] المغني عن حمل الأسفار بهامش إحياء علوم الدين (1/1). 
[57] يعني: بعد السبعمائة. 
[58] إرواء الغليل (1/7). 
[59] ضعيف الجامع الصغير (1/9). 
[60] انظر: المبحث الرابع. 
[61] (1/181). 
[62] (1/104:140). 
[63] أخرجه أبو داود (2/831: 2449)-كتاب الصيام- باب في صوم الثلاث من كل شهر). والنسائي (4/224 –كتاب الصوم باب كيف يصوم ثلاثة أيام من كل شهر). وابن ماجه (1/1707:544-كتاب الصيام- باب ما جاء في صيام ثلاثة أيام من كل شهر). 
[64] وهي الصحيحان، والسنن الأربع: أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجة. 
[65] فتح الباري (1/199: 106-110) كتاب العلم –باب إثم من كذب على النبي صلى الله عليه وسلم متعمداً). 
[66] (2/180)، وانظر: صحيح الجامع الصغير (1/1111: 6519). 
[67] (327). 
[68] (1/317: 304). 
[69] انظر: المبحث الخامس. 
[70] انظر: أصول التخريج ودراسة الأسانيد (ص12-14). 
[71] انظر لمحات في المكتبة والبحث والمصادر (ص127). 
[72] قال: ابن حزم –رحمه الله- ما صنف في الإسلام مثل تفسيره، لا تفسير محمد بن جرير –يعني الطبري- ولا غيره. انظر: الرسالة المستطرفة (ص77). 
[73] نصب الراية (1/115). والحديث في النسائي (7/173) –كتاب الفرع والعتيرة –باب جلود الميتة)، والترمذي (4/221: 1728 كتاب اللباس –باب ما جاء في جلود الميتة)، وابن ماجة (2/1193: 3609 –كتاب اللباس- باب لبس جلود الميتة إذا دبغت)، والموطأ (2/498 – كتاب الصيد –باب ما جاء في جلود الميتة)، والمسند (1/219)، والإحسان في تقريب صحيح ابن حبان (4/103: 1287 –كتاب الطهارة- باب جلود الميتة). 
[74] ما فعله البيهقي له وجهة؛ لأن مسلماً أخرج إسناده فقط، ولم يذكر اللفظ، والعبرة بالإسناد، وقد ذكر ذلك أيضاً الحافظ كما في الفتح (9/658)، والدراية (1/57).
[75] هكذا في المطبوع، ولعلها "مثل ذلك". 
[76] (1/103). 
[77] يعني "ابن الرفعة". 
[78] (1/102). 
[79] الموضوعات (1/79-كتاب الطهارة- باب إسخان الماء). 
[80] شرح مسلم للنووي (1/21، 23). 
[81] في الأصل الإعصار. 
[82] إرشاد طلاب الحقائق (1/125). 
[83] صحيح مسلم 1/306-308: 409-411 –كتاب الصلاة). 
[84] سننه (2/134 –كتاب الحدود والديات). 
[85] سننه (4/248 –كتاب الأشربة). 
[86] تحفة الأشراف (4/442: 5612). 
[87] هذه الجملة التفسيرية وما سيأتي من عندي قيدتها لإيضاح كلام المؤلف رحمه الله. 
[88] يعني الإسناد وليس المتن. 
[89] هنا الإشارة "به" للإسناد وليست للمتن فلينتبه. 
[90] انظر: المبحث الأول. 
[91] انظر: التأصيل (ص88). 
[92] انظر: أصول التخريج ودراسة الأسانيد (ص5). 
[93] مقدمة الكتاب (ص4). 
[94] انظر: التأصيل (ص90). 
[95] سورة الحجر، آية9. 



 نسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات


 

رابط الموضوع: http://www.alukah.net/Sharia/0/1388/#ixzz1bcPE9GnR

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..