بقلم: جاسم راشد الشامسى
10/12/2011 2:28:30 PM |
رغم تضارب أخبار التاريخ المتعلقة بأسباب سقوط الأنظمة والأمم والحضارات والعوامل الرئيسة لأفولها من
على البسيطة , إلا أن الأمر الواضح أننا تلقينا رسالة لم تفهمها كثيرا من
الأنظمة ،أو على أقل تقدير استغفلتها كما تستغفل شعوبها , وهي أن هناك
تزامن حتمي بين الظلم والفساد الأخلاقي من جهة و فناء وسقوط تلك الأنظمة من
جهة أخرى , حيث أن الأمم والحضارات تسود بالعدل والأخلاق وتفنى حينما تنتهك حرمة العدل ويستشرى في أرجائها الفساد وهذه هي قصة معادلة الفناء.
أدري
أن عوامل سقوط الأنظمة وفنائها كثيرة ومنها عوامل داخلية وخارجية, ولكنني
لم أجد تأثيراً مباشراً كما هو عليه الظلم والفساد بأشكاله, ومن العجيب
والغريب أن كثيرا من الأنظمة العربية لا تصغي لتلك السُنّة الإلهية، بل
ترغب أن تفهم التاريخ بمزاجها الخاص, وتحسب أن تاريخها قد سطر بماء الجودة
والخلود والعلو السرمدي .
لا أستطيع أن أخفي شعور الأسى والضياع مما وصل إليه حال السلطة السياسية في وطني فهي
لم تدرك حجم العبئ الذي يتحمله الوطن ,و لم تعي مطالب الشعب, بل لم تدرك
بعد العوامل الرئيسة لنهوض الأمم والشعوب ,حيث أن نهضتها ليست بالأبواب
المفتوحة على مصراعيها, واستجلاب الثقافات خيرها وشرها حلوها ومرها ,وليس بغابات من الأسمنت , كما أنها ليست بتقنية عالية ومهرجانات عالمية في الغناء الماجن والسينما, وإنما تنهض الأمم حينما تحترم نفسها وتقدر مبادئها التي لا تزول !
محكوم علينا في ما يبدو أن نكون أقلية في كل شئ,
أقلية في عدد السكان وأقلية في ثقافتنا وهويتنا , ومحكوم علينا أن نكون
شعب على الرف متى أرادت السلطة أن تستثير عواطفه استخدمت أبواقها الإعلامية
وصحافتها الرسمية وغير الرسمية للتطبيل بشعارات وطنية براقة , ولكن أين
الوطن المهموم من تلك التجليات المرتعشة.
إن مختلف الشواهد تدل على أن لدينا مشكلة في التعامل مع الرأي العام , وهذه المشكلة تتلخص في أن السلطة القائمة لا تعترف أبدا بأن لديها شعب له فكر وثقافة وأمال ورغبات وتطلعات ومُثل وأخلاق وعادات وقيم وسلوك له ما يبرره ,بل لديه مشاعر كما وأن لأعضاء السلطة السياسية مشاعر وأمال.
ما دعاني إلى مناقشة هذا الموضوع أمرين وقعت عليهما : الأمر الأول يوم
الاثنين الموافق 26 سبتمبر الماضي موضوع تم تداوله على مواقع التواصل
الاجتماعي "الفيس بوك وتويتر" يتضمن ما يلي : "حفلة مفتوحة مختلطة ..عري
على الشاطئ ..رقص وشرب خمور, موسيقى صاخبة يحييها 26 مغني أجنبي في ليلة
واحدة وذلك بعد صلاة الجمعة مباشرة على أحد شواطئ الدولة " ,
والأمر الأخر حدث يوم الاثنين الموافق 2 أكتوبر الجاري موعد جلسة محاكمة
المعتقلين الخمسة منهم الدكتور ناصر بن غيث وأحمد منصور وما حدث في
المحاكمة من جلبة وعبث , والخبرين صحيحين وتفاصيلهما متداولة وسهلة المنال
لمن أراد الحقيقة, ولكنني استوقفتني في المناقشات التي دارت حول الخبرين في
المنتديات والمواقع ستة ملاحظات وهي كما يلي:
· يصاب المرء بالدهشة والحيرة للحرب الشعواء على كل روح إسلامية سمحة في الوطن , وليس مفهوما في الآونة الأخيرة دواعي القرارات والتعاميم والتي تسعى وبحزم إلى صرف كل الطاقات لتقوّض كل أبواب الرحمة بإقصاء هذا الدين عن المجتمع وتقرع
كل محب بصدق لهذا الدين,ليتم استبداله بدين مبتور مسيس مغلوب على أمره
,ولا يهتم إلا "بالبشت"-عباءة الرجل- وعصا الخطيب , وشاشات عرض جميلة في
المساجد , اما معنى الإسلام الحقيقي فقد اعتقل كما اعتقل أحرار الوطن, وزارة الأوقاف بعد أن كانت وزارة لها هيبتها أصبحت بلا وزير,وقيادة هيئة الشئون الإسلامية خلفيتها عسكرية وكأنهم موظفون في الأجهزة الامنيه, ليس للهيئة دور سوى مراقبة ومحاسبة أئمة المساجد وتقليم أجنحتهم إن بقت لهم أجنحة, وبيوت الله غللت بمواقيت للفتح والغلق ولا حاجة للمؤذن بعد اليوم -وهو أطول الناس أعناقا يوم القيامة- فقد تم استبداله بمؤذن القرن الواحد والعشرين(الكتروني) جميل الصوت بلا دم ولا روح ولا طول عنق !والجدير بالذكر انه تم استيراده من مصر أبان عصر المخلوع حسني مبارك بعد رفض الشارع المصري له , وتم تطبيقه في بعض الإمارات دون بعضها,ولا
تستطيع أن تخطب بعد اليوم إلا بورقة عنوانها من مزاج السلطة السياسة وليس
من مزاج الشارع, ولا محاضرة أو درس إلا بموافقة أمنيه ولا تعيين مؤذن أو
إمام أو حتى التعاقد مع خطيب إلا بموافقة أمنيه , أصبح الإمام بلا إمامة ,واصغر مفتش في الأوقاف قادر على اهانته ونفيه , لم يدهشني هذا وحده , لكنني استغربت أيضا مما يتم في قطاعات التربية والأعمال الخيرية والشرطة والقوات المسلحة والجامعات والمدارس وغيرها فمنع
منها كل وطني وإسلامي ,وأصبحت مرتعا خصب للتغريب والتجهيل بتاريخ الوطن
وعمقه العربي, والأغرب منه أن تمنع من إطلاق لحيتك إن كنت عسكري !
· يتحدث البعض عن مغزى التزامن الواضح بين محاربة شعائر الدين ومن يهواها , وبين الأبواب المفتوحة على مصراعيها للحملات السافرة والمقرفة لإقامة حفلات الرقص والمجون ومهرجانات السينما والموسيقى المبتذلة
والأجواء المفتوحة لشواطئ العري ,ويشعر المرء بالغيظ والحزن أن يصدر قرارا
بمنع المشاة من التطفل على أجساد العراة الملقاة على شاطئ البحر, ولا يصدر
قرارا أخرا يحترم تقاليد وخصوصيات المجتمع.
· من المعيب والمخزي على أي سلطة سياسية أن لا تتصدر هويتها وثقافتها المشهد اليومي, وهذا الذي يحصل في بلدي,هوية وثقافة عربية اسلامية أصيلة تائهة في خضم منافسه أجنبية وغربية شرسة تتصدر
مناهج المدارس والجامعات, وتجيد لغتها الشوارع والشركات الخاصة وشبه
الخاصة والبنوك والمطاعم والفنادق حتى إن أردت في بعض المؤسسات الحكومية
!وأصبح الجيل الحالي لا يعبأ بلغة وثقافة أجداده, ولذا يؤثر ويستسهل اللغة
الانجليزية في مخاطباته ومكالماته , ومن العجيب أن تنشأ لغة جديدة "
انجلواماراتية" أحرفها انجليزية وكلماتها عامية عبر مراسلات هواتف النقال والبريد الالكتروني "الايميل " ياللعار !
· وأكثر ما استفزني واقلق كثيرا من الشعب حملات الترويج لتأهيل فرق نسائية رياضية في مجالات كرة القدم والفروسية والتنس وكمال الأجسام والكاراتيه وغيرها لا أعلمها , ووصل الحال أن يخاطب اتحاد الكرة وبصفاقة
نوادي الدولة الرياضية بإلالتزام "وبشكل اجباري" – كما ورد في الخطاب-
بتشكيل مدارس لكرة قدم نسائية! أدري أنه لا يعيب الفتاة الإماراتية إن تكون
رياضية وتشارك في رياضات تليق بكيانها المميز في قلوبنا , لكن يعيبها ان
تشارك برياضات تجرح قيمها ومبادئها,ويجب على السلطة السياسية ان تحترم تلك
القيم والمبادئ.
·
حين يطالع المرء قضايا الفساد الإداري والمالي المستشري في الدولة,
والخطوات المشكورة التي تقوم بها الحكومة لمحاربته , فقد يخطر له السؤال
التالي : لماذا لم يتم القضاء عليه حتى الآن؟ إلا انه سيجد في سيل المعلومات المنشورة وغير المنشورة ما يغنيه عن السؤال ! ذلك أن كل ما تم كشفه من فساد وفضح مسئولين على الملأ - حتى قبل الإحالة إلى القضاء ليأخذ مجراه- وإصدار قرارات ومراسيم لم يلمس الناس لها أثرا على الأرض , وإنما كان من قبيل الإصلاحات الدعائية , وان الأمر أصعب من أن تُجتثّ جذوره, دل على ذلك في معاملات الدوائر الحكومة الخدمية, والنفقات السرية في موازنات السلك العسكري والأمني ,والخطوط الحمراء في متابعة نفقاتها,وحجب المعلومات عن ديوان المحاسبة مما يتعذر التدقيق عليها ,وهناك موازنات تصدر برقم واحد في الموازنة العامة وليس للمختصين بالسؤال عن تفاصيل تلك النفقات, والموازنة
تنقسم إلى ثلاث موازنات : الموازنة الاتحادية وموازنات الحكومات المحلية
وموازنات الدواوين وأغلب تلك الموازنات سرية غير قابلة للنشر والتدقيق,والعقود والصفقات الخاصة المشبوهة مع الجهات الحكومية, والشركات التي تنشأ وتحقق أرباح وهي في مهدها, وطريقة اختيار الوزراء والمسئولين, فضلا عن نفي ونبذ وتجميد كل قيادي حر شريف, ولا أعلم ما هو دور أجهزة الرقابة والمحاسبة المالية والإدارية في هذا الشأن .
· لقد نفذ صبر المواطن من الظلم الواقع عليه من السلطة السياسية, فطوابير من طلبات المساكن والزواج والأراضي والإعانات
الاجتماعية في دولة غنية ولديها فائض مالي ضخم سواء في الحكومة الاتحادية
أم الإمارات الغنية, وقضية وفاة المواطن العبدولي ليست عنا ببعيد ,فضلا عن الظلم
الواقع من مركزية اتخاذ القرار مما يقصى مبدأ المشاركة الشعبية ,ووصاية لا
تحتملها المرحلة, واعتقالات وسجن وتهميش لخيرة الكفاءات الوطنية وأخرها
سجن الدكتور ناصر بن غيث وأحمد منصور وإخوانهم دون إعلام الرأي العام
بأسباب سجنهم الحقيقية غير مطالباتهم بحرية شعبهم, وليعلم
الجميع أن تركز القرار لدى الجهاز الأمني- كما حصل في مصر- سيدخل هذا
الجهاز في بحر الفساد المالي والإداري, وسيصعد الغضب الشعبي من السلطة
السياسية.
يحتار المرء في ضبط مشاعره , حيث يود أن يحتفظ بما يعتز به في وطنه, وأن يقاوم ما ينكره ويستهجنه من فساد أخلاقي وظلم واستبداد, وتلك مهمة صعبة في ظل الصمت المثير للدهشة من رجالات الوطن لما يجرى في البلد, ولا احد يجرؤ على وقف خرق سفينة الوطن, وفي
ظل الهرج والنفاق الإعلامي السائد ,وفوضى التصريحات والغرور الأمني الغير
مسئول, لكننا وبشكل فوري أحوج ما نكون إلى إعلاء صوت العقل والحكمة اللذين يجمعان
بين احترام دور السلطة السياسية ,وبين الاحترام والإنصات إلى صوت الشعب
وعاداته وتقاليده ومبادئه ودينه الذي لا بديل عنه أبدا ,وبهذا ننقذ سلطتنا
من التعثر والفناء.
مركز الامارات للدراسات والاعلام
ع ق 792
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..