الصفحات

الثلاثاء، 21 فبراير 2012

السلوانيون قادمون: المؤسسة الدينية في السعودية وصراع القوى





المؤسسة السعودية الدينية  أمام تحد يجمع عبادات السلفيين وسياسات الأخوان فيما صار يعرف بـ'السلوانيين'./ القطريون ليسوا
بعيدين عما يجري.   سلفي+أخواني=سلواني

ميدل ايست أونلاين




سيناريو خروج المحسوبين على مؤسسة الحكم السعودية من اقطاب المؤسسة الدينية التقليدية يتكرر. هذه المرة بدوافع "الربيع العربي" كما يلاحظ الباحث عبدالعزيز الخميس.
***
تمر المؤسسة الدينية في السعودية في فترة حرجة من عمرها، نتيجة لمتغيرات عديدة، منها ما هو سياسي وأخر إجتماعي. ويزيد من امرها حرج صراع الاقطاب في داخلها وخارج اسوارها نحو التقدم للطليعة وقضم جزء من كعكة المصالح والصلاحيات.
واجهت المؤسسة الدينية السعودية منذ ارساء الدولة السعودية الرابعة تحديات مهمة، كان اولها التحدي السياسي والعسكري من قبل قبائل ساهمت في توحيد البلاد وواجهت اقصاء ما ان هدأ غبار المعركة، مما جعلها تحمل لواء المطالب الدينية للفوز بنصيب، لكن ثورتها خمدت بعد ان عمد الملك عبدالعزيز للحل العسكري، وليعود انصار هذه الثورة للإندماج مرة اخرى ضمن المؤسسة الدينية، ثم ليقود بعض من ابنائهم مرة اخرى ثورة اخرى في بداية الثمانينات عرفت بثورة جهيمان الذي احتل الحرم المكي ليعلن مطالب لا تكاد تختلف كثيرا عن سابقتها.
ولم يطل الزمن بالمؤسسة الدينية لتلد مرة اخرى ثوارا بلباس صحوي ينكرون فيه علاقة السياسي الرسمي بالغرب، ويحتجون على استعانته بالقوات الغربية في صراع بين دول عربية.
ومرة اخرى تتساقط رموز الصحوة ما بين السجون والعودة لرحم المؤسسة الدينية الرسمية، او الهروب للخارج لإعلان المعارضة الاسلامية، او لقيادة ثورة تغيير اسلامية دولية كما فعل اسامة بن لادن.
عانت المؤسسة الدينية من تحد كبير تمثل في قدرة الصحويين على هز ثقة المجتمع السعودي برموز المؤسسة، خاصة بعد غياب قطبين مهمين هما الشيخ ابن باز وابن عثيمين.
لكن الصحويين فشلوا فشلا ذريعا في صياغة مشروع نهضوي، ووجدوا انفسهم في صراع ليس مع المؤسسة الدينية الرسمية، بل ومع بعضهم البعض ليتشظوا بين صحوي ينزع البيعة واخر يلتزم بها بل ويتعامل مع السياسي ويساعده ضد الجهاديين.
ولم يلبث بعض الصحويين كثيرا في احضان النظام اذ ما ان هبت رياح الربيع العربي حتى تخلوا عن خجلهم تجاه الحكم وبدءوا في التلميح الى أهمية التغيير وإتباع سنة الحياة في الحصول على ربيع سعودي.
وفي الوقت الذي يحاول المسؤول الأول عن المؤسسة الدينية الحفاظ على توازن المؤسسة والتصدي لهجمات من غيروا القابهم من صحويين الى تنويريين، يتلقى المسؤول رشقات الصحويين التنويريين اما بالتشكيك في شرعية قيادته لتضامنه مع السياسي، او لتخليه عن دوره في الضغط على النظام للتخلي عن مشروع الإصلاح الذي يمس المؤسسات الدينية.
كانت المؤسسة الدينية تلعب دورا مهما كوسيط بين الشعب السعودي والنظام، وكانت ملجأ المواطن الملتزم دينيا لأنها تمثل الشرعية الروحية. لكن اقتراب المؤسسة من نار النظام احرق حياديتها ومصداقيتها لدى عدد كبير من المواطنين، ولم تساعد الحكومة المؤسسة بل اجتذبتها أكثر لنارها السياسية.
وتعاظم سيل الانتقاد الكبير الذي يأخذه اتباع المؤسسة الدينية عليها بأنها فقدت استقلاليتها التي تمتعت بها منذ ايام الامام محمد بن عبدالوهاب، واصبحت جزءا تابعا للنظام السياسي. وقد يصرح المعارضون بذلك جهارا أو يسره بعض التابعين خشية فتنة او إملاق.




نخرج ونعود ثم نخرج ونعود

ومن الغريب ان المداهنة والكر والفر اصبحت ملحوظة، بل ومعتادا عليها ضمن ساحة العمل الاسلامي في السعودية. رموز تعتبر نفسها كبيرة بشعبيتها وولاء انصارها لها لكنها غير مقدرة او معترف بها كي تنضم للمؤسسة الدينية الرسمية.
هذه الرموز التي تتمتع بشعبية كبيرة تضغط وبطريقة ذكية للحصول على موقع متقدم، تساعدها شبكة ضخمة من الانصار. وكما يتهم الشيعة بالتقية، فهذه الشبكات الجديدة تمارسها ببراعة، وتحت مسميات جديدة، وتواصل بناء شبكاتها متأسية بما فعله الاخوان المسلمين في مصر او غيرها من الدول.
وتستفيد هذه الشبكات من وسائل الاتصال الحديثة كالتويتر والفيسبوك، معتمدة على طريقة رائعة التطبيق.
ويمكن قراءة طرق هذه الشبكات كما يلي:
- عرض القضايا والتركيز عليها وابرازها مثل الثقافي منها، قضية الصحفي حمزة كاشغري او عروض الجنادرية، او قضايا تنموية كالاسكان والبطالة والفساد وغيرها.
- ابراز سوء ادارة وعمل المؤسسة الدينية الرسمية ومماطلتها في التدخل، بل ووقوفها مع الحكومة وتخلفها في فهم المعطيات الحديثة التي يستطيع المتنورين الاسلاميين التعامل معها افضل من الاسلامي الرسمي التقليدي.
- بعد ان يتم جذب الانصار وكسب التعاطف واظهار الفرق بين التقليديين والتنويريين في التعاطي مع القضايا، يتوقف الاسلامي المتنور عن وضع الحلول ليترك للعامة استنتاج ان في طرحه الحل، وان المستقبل للتنويريين فهم يوازنون بين الالتزام الديني والحلول العصرية للقضايا الاخلاقية والتنموية.
في خضم العمل الدءوب، يشتد النزاع بين المؤسسة الدينية الرسمية بقيادة المفتي العام وبين الاقطاب التي تعمل خارج المؤسسة التقليدية، والاطياف متنوعة ومتعددة، تتكتل وتتشظى بسرعة مدهشة.
وينشط التنويريون وهم اقرب للاخوان المسلمين على جذب الشارع الاسلامي السعودي لحلوله، يبدو للعيان بلباس سلفي تنويري لكن قلبه اخواني صرف، تتهمه المؤسسة الرسمية بأنه سروري بينما هو قد تغير واصبح اقرب للاخوان المسلمين وان مارس التقية الاخوانية ولم يصرح بإخوانيته.
وعلى الرغم من المفتي العام يصرح ويلمح ويقاوم ضغوط الزعماء خارج دائرته، الا انه يخفق المرة تلو المرة ويفقد قوته تباعا، والسبب هو افتقاده للكاريزما القيادية التي كانت متوفرة لدى سابقه الشيخ ابن باز. ولأن المفتي على الرغم من صفاء نيته يعاني من تحالفه مع السياسي وعدم استقلاليته التي لطالما تغنى بها سابقيه واحترمها العامة.
كما يدفع قائد المؤسسة الدينية الرسمية ثمن التصاقه بالسياسي الرسمي وتنفيذه مطالبه المتكررة، والتي لطالما افقدت المفتي العام انصاره لصالح الشيوخ المستقلين ممن يستطيعون التحرك بحرية.
ومن اسباب ضعف القيادة وايضا المؤسسة الدينية الرسمية هي التغيرات الاخيرة التي أدت لفقدان بعض المحسوبين على هيئة كبار العلماء لسطوتهم ونفوذهم. ولعل اهم الخاسرين في الوقت الراهن هو الشيخ صالح اللحيدان التي انتزعت منه مناطق نفوذ مهمة كالسيطرة على مؤسسات كالقضاء بل كان له نفوذ قوي على هيئة كبار العلماء نتيجة لعلاقته القوية مع ولي العهد الراحل سلطان بن عبدالعزيز.
لكن الشيخ صالح اللحيدان يواجه ما يواجهه المفتي العام من فقدان للشعبية فهو يمثل في نظر الجيل الجديد حجر عثرة في طريق اصلاح المؤسسات الدينية، فقد كان ولا يزال الجهاز القضائي يعاني من ادارة اللحيدان وبنائه لجهاز لم يواكب التطور في السعودية وكان يقف ضد فتح القضاء لتيارات مختلفة هي اكثر عصرية.
ولكي يعوض اللحيدان فقدانه لصلاحياته ويستفيد من ضعف قيادة المؤسسة الدينية يقوم بلعب دور متشدد لدرجة وقوفه ضد الارادة الملكية مما يمكنه من جذب انصار متشددين يرون ان عمليات الاصلاح الديني مؤذية وغير صالحة.
وكانت تصريحات اللحيدان الاخيرة حول الجنادرية تتويج لنهجه الذي يريد عبره ايصال صوته بأنه الممثل الشرعي للمؤسسة الدينية السلفية وليس ذلك الرجل الذي يحتل مكتبه في شارع عسير بجنوب الرياض.
في المقابل يتحرك الشيخ ناصر العمر بكل فعالية وتتوسع قوته كقطب مهم يتميز بالمرونة ليس في الخط الديني بل في اقامة العلاقات. ولعل فوزه اخيرا بتعاون مهم مع قطر وتمويلها لهيئته التي اسسها لتدبر القرآن الكريم سيعني الكثير وينعكس على الساحة السعودية.




العمر في قطر

وعلى الرغم من الانتقادات للشيخ العمر، وكيف انه وهو المنكر والكاره للغرب يذهب للدوحة ليتلقى دعما من الدولة التي تحتضن اكبر قاعدة اميركية وفيها يسمح بمنكرات كثيرة لا يقرها النظام السعودي الذي عانى من هجمات العمر عليه وعلى ما يراه العمر "موبقات" في الوقت الذي لا يمكن مقارنة موبقات السعودية بما في قطر.
والتساؤل المطروح في الساحة الاسلامية السعودية هي ما الذي دعا العمر للتوجه الى قطر وهل هناك تحشد وتكتلات تبنى حاليا ام ان الامر لا يعدو عن استمالة قطرية لشيوخ محسوبين على السلفية وهم اقرب للإخوان سياسيا.
في الوقت الذي تتغير فيه علاقة الشعوب العربية بالمؤسسات الدينية تظل علاقة النظام السعودية بمؤسسته الدينية ملتبسة وحذرة وعلاقة ذات مسار واحد عبر رسائل رسمية تنفذ من المؤسسة دون اختبار او حوار حسب ما هو واضح للمتابعين.
حاولت الحكومة السعودية استعمال استراتيجية تقوية للمؤسسة الدينية الرسمية، وقربت المفتي العام كثيرا ضمن حربها على الارهاب، ثم استوعبت المفتى تماما ضمن مشروعها لابعاد مخاطر الربيع العربي. وقد يكون ذلك مثمرا لوقت قصير، لكن المستقبل سيحمل الكثير من المفاجئات للعلاقة التي يصفها المراقبون بأنها استتباعية واستيعابية.
ويرى الكثير من المحللين ان قوى المجتمع السعودي الحديثة المحملة بمعطيات معرفية عصرية لا يمكن استيعابها ضمن الطرح الحالي للمؤسسة التقليدية الحالية.
ويثير توزع اركان المؤسسة الدينية الرسمية الكثير من الشغف البحثي، فالمفتي العام يمارس دورا رسميا واضحا عبر سيطرته على الفتوى، لكنه يواجه تحديا مهما من شيوخ التنوير، ومهما قدم لها النظام من حماية وتقوية بحصر الفتوى في مكتبه، الا ان اطراف مختلفة لا تحصر نفسها ضمن دائرة المفتي وتنهل من مرجعيات مختلفة يغلب عليها الخط "السلواني" الجامع بين السلفية في العبادات والاخوان في السياسة.
وفي مسار مختلف لكن ضمن المؤسسة الدينية الرسمية يبرز دور وزارة الشؤون الاسلامية التي يقف على رأسها الشيخ صالح ال الشيخ والذي يواجه هو بدوره ضغوطا مهمة حيث يتهم بوقوفه ضد "السلوانيين" وتطهيره الوزارة من المارقين على الخط الرسمي والمقربين من الفكر الجهادي او الذين كانوا يدينون لشيوخ متشددين كإبن لحيدان او غيره.
وهذا الصراع القاسي تولاه ابن الشيخ بمهارة واجاد في ذلك لكن عباءته تمزقت من كثرة جر الخصوم لها خاصة لتصديه للفكر الجهادي.




ودردشة مع القوة الصاعدة في قطر، ولي العهد الشيخ تميم

المنشأة الثالثة، وهي وزارة العدل والتي يتولاه رجل تحديثي ماهر هو الدكتور محمد العيسى والذي يقوم في الوقت الراهن بانتزاع مسامير زرعها الشيخ ابن لحيدان على مر العقود، مما جعل العيسى اشبه بمن يمشي في حقول الغام يعرف في النهاية ان احدها سيصيبه في مقتل. لكنه معمد بالارادة الملكية في التغيير يحاول ان يعصرن الوزارة التي لا تتمتع بشعبية محمودة في المجتمع بسبب انغلاقها السابق على التيار المتشدد.
والمدهش ان هذه الوزارة التي اعتبرت مركزا للتشدد فتحت ابوابها مشرعة للتحديث، وكان اخر ما اقدمت عليه هو استضافتها ضمن مشروع "عدل" التي تديره الوزارة لتحديث القضاء لخبراء عالميين امثال الدكتور ماركوس زيمر والدكتور فيليب جيمس ولكر وديفيد ستيلمان وبيري ماهوني للاستفادة من خبراتهم في الانظمة القضائية، ويمكن تصور وقع هذه الاستعانة على المتشددين الذين لم يتوقعوا يوما وجود غربيين يقدمون خبرتهم لنظام القضاء الشرعي السعودي.
في النهاية المؤسسة الدينية التقليدية تنافح حماية لشرعيتها بفريق يتكون من قادة ثلاث هم المفتي العام الشيخ عبدالعزيز ال الشيخ ووزير الشؤون الاسلامية صالح ال الشيخ ووزير العدل محمد العيسى في مواجهة خليط غريب من مدارس متنوعة بينها المتشدد المتنور والتقليدي و"السلواني" يقودهم الشيوخ صالح اللحيدان وسلمان العودة وناصر العمر وعبدالعزيز الطريفي وغيرهم.
ما يتوجب مراقبته في المستقبل هو قدرة الفريق المهاجم على تقديم برنامج واضح المعالم وان يتخلى عن تقيته، لكي يوضح للشعب السعودي ما يريد لمستقبل بلد يعاني من الصراع بين التحديث والجمود. في نفس الوقت يتمنى الفريق المدافع اقدام المهاجمين على طرح برنامجهم حتى تقام المتاريس وتفرز الطوابير ويتبين السلفي من الاخوان والمع من الضد.
عبد العزيز الخميس





هناك تعليق واحد:

  1. يبدو أن التيار الليبرالي ، يزعجه إتفاق السلفيين مع الإخوان ، فهم جميعا من أهل السنة والجماعة

    ردحذف

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..