الصفحات

الثلاثاء، 28 فبراير 2012

خبراء: البنى التحتية لدول الخليج لا تكفي لخلق إقتصاد تنافسي

إقتصادات ما بعد النفط ... الارتقاء بالإنسان في قلب التحديات

بقلم : مهدي بن رجب -
موقع إيلاف الأليكتروني 

 
GMT 22:00:00 2012
الأحد 26 فبراير
عمر النفط المتبقي يترواح بين 40 و50 سنة حسب أغلب الدراسات
الدعوة إلى تبني إستراتيجية ما بعد مرحلة النفط، تلك التي ألقاها حمد بن جاسم وزير الخارجية دولة قطر أمام الجلسة الافتتاحية لمؤتمر «بروكنجز الدوحة للطاقة 2012»، لم تأت بجديد سوى أنها ذكّرت للمرة الألف بما يتوجس منه الجميع في دول مجلس التعاون الخليجي دون أن يأتي أحد بجواب يشفي الغليل عن سؤال: ماذا بعد النفط؟

دبي : تشير دراسات وكالة الطاقة العالمية أن

الإنتاج النفطي العالمي يبلغ ذروته ما بين أعوام 2010 و2020 ثم يبدأ بعد ذلك العد التنازلي والهبوط غير القابل للتراجع. كما تقدر معظم الدراسات أن عمر النفط المتبقي لا يتجاوز الخمسين عاماً يصاحب اختفاءه تعطل أو اختصار أو توقف لجميع البرامج والمشروعات الصناعية والاقتصادية والخدمات الاجتماعية.

الدكتور كمال أمين الوصّال أستاذ الاقتصاد بجامعة الإسكندرية صرّح لإيلاف بشأن هذا الموضوع قائلاً: "إذا ما استمر النمط الحالي لاستخدام الثروة النفطية فلن تكون الدول البترولية قادرة على خلق وظائف كافية لاستيعاب الداخليين الجدد إلى سوق العمل لأن عوائد النفط لا تمثل دخلاً بالمفهوم الاقتصادي ولكنها بمثابة تحويل من احد أشكال الثروة/الأصول، وهو النفط، إلى شكل آخر وهو السيولة ومن هنا ضرورة التعامل الرشيد الحذر مع هذه الثروة و ضرورة أن يستخدم الجزء الأكبر منها في بناء طاقات إنتاجية قادرة على توليد الدخول وبناء اقتصاد حقيقي يتسم بالاستمرارية. فإذا ما نفذ النفط - وهو سينفذ يوما ما - دون بناء طاقات إنتاجية فستعود الدول النفطية كما كانت قبل ظهور النفط باستثناء ما تم إنجازه من بعض مشروعات البنية التحتية التي هي بطبيعتها تساهم في زيادة الدخل ولكنها لا تولد هذا الدخل ".

فيما أوضح الدكتور نجيب الشامسي محلل اقتصادي مختص بالشؤون الخليجية لإيلاف أن الـ 40 أو الـ 50 سنة التي تمثل عمر النفط المتبقي، هي مرحلة بسيطة جداً غير ذات قيمة في عمر الشعوب والأمم وأن دول مجلس التعاون الخليجي التي تمتلك ثلثي الاحتياطي العالمي من النفط و حوالي 25 بالمائة من الغاز الطبيعي، لم تعمل طيلة العقود الماضية على إيجاد قاعدة إنتاج حقيقية بالمعنى الصحيح: " لا فائدة من استنزاف النفط الذي سيدر ثروات يتم ضخّها في اقتصاديات عالمية ثم تقوم أزمات مالية مفتعلة كتلك التي حصلت سنة 2008.

لذلك يجب التفكير في عدم الاستنزاف والتفكير في أن تبقى الاحتياطات مخزنة في باطن الأرض للأجيال القادمة لأنها سوف تحاسبنا وسوف تتساءل ماذا فعلت الدول لشعوبها عبر العقود الماضية فلا هي أوجدت قاعدة إنتاجية ولا هي حققت أمناً غذائياً و لا تنميةً اقتصاديةً حقيقيةً ولا تنميةً بشريةً بالمعنى الصحيح كيف سنواجه العالم؟ هل المباني والعمران الموجود في مجلس التعاون الخليجي أمر كاف لنضع أنفسنا بين الدول المتقدمة من حيث التنمية، هذا ليس بمعيار. هناك تراجع على مستوى التعليم، على مستوى الصحة، هذه كلها مؤشرات سلبية على الأوضاع التنموية في المنطقة.

دول مجلس التعاون الخليجي ومراعاة حق الأجيال القادمة

ويعود الدكتور الشامسي ليبيّن أن الاستغلال الأمثل للنفط يتمثل في مرحلة أولى في تغطية التزامات دول الخليج تجاه العالم لأن المنطقة لا يمكن أن تكون في عزلة عن العالم و لكن أيضا بشكل تراعى فيه الأجيال القادمة: "يجب إنتاج كميات تتوافق مع حاجياتنا وتدوير هذه العوائد بحيث تصب في شرايين اقتصاديات دول مجلس التعاون الخليجي وفي مشاريع تكاملية، صناعية، زراعية وخدماتية والعمل على توطين الاقتصاد فالبنى التحتية التي نشيّدها لا تحقق الاستقرار للمنطقة لأنها تخدم القادمين من الخارج ولا تخدم المواطنين فمع كل هذه الثروات شاهدتم ما حدث من اضطرابات في البحرين والسعودية وعمان في خضم الأحداث التي شهدها العالم العربي، يعني أننا خلال 4 عقود لم نتمكن من معالجة مشاكل البطالة و التعليم والصحة التي هي أساس التنمية.

ثم يجب ترجمة قرارات القمم بشكل جاد و فاعل من أجل تحقيق وحدة اقتصادية حقيقية تخدم أهدافنا التنموية و اتخاذ قرارات لتحقيق الانفتاح الاقتصادي من أجل تفعيل السوق الخليجية المشتركة وإزالة كل المعوقات التي تواجه الإتحاد الجمركي وانتقال اليد العاملة بين دول مجلس التعاون، فهناك دول تفتقر إلى طاقات مواطنة وأخرى تعاني من فائض، لماذا لا يتم تسهيل الانتقال تحت مظلة التأمينات الاجتماعية"؟

تجارب دول مجلس التعاون الخليجي متباينة في التنمية وجميعها لم ترتق إلى المستوى المطلوب

ثم يوضّح د.الشامسي أن تجارب دول مجلس التعاون الخليجي متباينة في التنمية و لكن جميعها لم ترتق إلى المستوى المطلوب الذي بلغته دول عربية أو أجنبية أخرى في نفس المحيط و أن دول المنطقة تحتاج إلى إعادة النظر في استراتيجياتها التي حتى و إن وضعت فهي لا تنفذ بالشكل الأمثل: "يجب وضع خطط حقيقية تخدم أهداف الإنسان باعتبار أن الإنسان أساس التنمية ومحورها وهدفها ومستقبل الدول، هيئوا الإنسان واعتنوا به صحيا وسيقوم بنفسه، إذا لم يجد عملا هنا سيعمل في أي منطقة بالعالم كما هو الحال في العديد من دول العالم. هناك دول مثل ماليزيا وأندونيسيا حققت طفرةً في التنمية لأنها اعتمدت على الإنسان كأساس للتنمية".

و يصرّح د.الشامسي: "نحتاج إلى التعليم النوعي وليس الكمي لأن المؤشرات التي نعتمدها حاليا هي مؤشرات كمية تهم عدد المدارس وعدد الطلبة وعدد الجامعات...كما يجب الإقرار بأن حرية التعبير والحقوق الاقتصادية و السياسية هي حقوق دستورية فلا يمكن أن تزوّد إنسانا بالتعليم النوعي ثم لا يجد المناخ الذي يمكن من خلاله التعبير عن رأيه وفكره وما وصل إليه من إدراك فهذه كلها منظومة تخدم التنمية.

في الاستغلال الأمثل للذهب الأسود

فيما أكد د.الوصّال على أن الاستغلال الحالي للبترول يمثل بدرجة كبيرة استنزافاً لثروة و لمورد لن يبق للأبد وذلك ضياع لفرصة تاريخية لن تتكرر. كما بيّن أن الإستراتيجية الاقتصادية الأمثل لضمان استغلال أفضل للثروة النفطية يجب أن تكون جزءاً من إستراتيجية شاملة تحدد رؤية هذه الدول لاقتصادياتها بعد أربعة عقود من الآن و تشمل أربعة نقاط على غاية من الأهمية:

1- التنمية البشرية : ثورة في منظومة التعليم بكافة عناصرها ومراحلها بدءًا بمرحلة ما قبل الدراسة الأولية وحتى الدراسات العليا وبناء قاعدة علمية تكنولوجية على المدى الطويل و عدم الاقتصار على إقامة مباني فاخرة وتزويد الجامعات والمدارس بالأجهزة وغيرها من الأدوات.

2- التوجه إلى الاستثمار الحقيقي وليس الاستثمار المالي فالأزمات المالية المتكررة سواء كانت مختلقةً أو مدبرةً أو طبيعيةً تُفقد الاستثمارات المالية لدول الخليج الجزء الأكبر منها من فترة لأخرى وهذا الاستثمار الحقيقي يجب أن يتجه إلى قطاعات صناعية منتقاة بعناية تكون ذات رأس مال مهم، قليلة الاعتماد على العمل وهو ما يناسب دول الخليج وذلك من خلال إقامة شراكات مع المؤسسات الرائدة في هذا المجال ومن ثم يتم بناء اقتصاد حقيقي مستدام.

3 – الاتجاه نحو التعاون الاقتصادي مع الدول الأخرى ليس استناداً إلى الشعارات الرنانة ولكن استناداً إلى المصلحة المتبادلة ووفقاً لأسس مدروسة ويعد هذا محوراً أساسياً في تحقيق التنمية في ظل انخفاض عدد السكان في معظم الدول الخليجية فلا يمكن أن يقوم اقتصاد حقيقي على اقتصاد لا يتجاوز عدد سكانه المليون نسمة ويتزامن مع ذلك وضع إستراتيجية لعلاج الخلل الديموغرافي الذي تعاني منه هذه البلدان والذي يمثل قنبلة موقوتة سياسياً واجتماعياً.

4 إصلاح شامل في مجال المالية العامة فهناك إنفاق حكومي ضخم ولكن العوائد لا تتناسب مع حجم الإنفاق فهو يفتقر إلى الفعالية والكفاءة والفعالية بغياب التوزيع على أوجه إنفاق ذات الأولوية الإستراتيجية وغالبا ما يتجه إلى مشروعات مظهرية بل وتفاخرية منخفضة وأحيانا عديمة العائد الاقتصادي والاجتماعي ولا يتسم بالكفاءة حيث تزيد تكاليف إنشاء مشروعات البنية التحتية عن مثيلاتها في الدول الأخرى.

و يؤكد د.الوصّال على أن التحدي الرئيسي الذي يواجه دول الخليج هو تحدي التنمية البشرية بمفهومها العلمي الشامل: " البشر هم الغاية من والوسيلة لعملية التنمية وبدون تنمية بشرية حقيقية يصبح أي اقتصاد مهما بلغت موارده في مهب الريح. ثم يضيف:"لا أعتقد أن النفط سيظل المصدر الأساسي لتوليد الطاقة لأنه على العالم أن يبحث على مصدر جديد للنفط -وهو يفعل ذلك- فالدول الصناعية تعمل وتدرك أنه ليس بإمكانها الانتظار حتى يأتي اليوم الذي ينفذ فيه النفط دون وجود مصادر بديلة.


تعليق من الخبير النفطي د.محمد الصبان:
 
أخي العزيز محمد الطيب
أستغرب حديث الجميع عن النضوب الطبيعي للنفط كمؤشر لبداية مرحلة ما بعد النفط، وكأننا نضمن استمرار أهمية النفط كمصدر عالمي للطاقة خلال كامل الفترة التي يستغرقها نضوب النفط السعودي أو الخليجي.
فهنالك "نضوب إقتصادي" للنفط سيظهر تدريجيا، ويبلغ قمته حتما قبل العمر الافتراضي لاحتياطياتنا النفطية وهذا ما تذكره العديد من الدرسات.

ولعلنا نتذكر مقولة الشيخ احمد زكي يماني - شافاه الله - حيث يقول:
" لقد انتهى العصر الحجري قبل ان ينتهي الحجر، وسينتهي عصر النفط قبل ان ينتهي النفط"

حينما نذكر للآخرين بأن علينا الاستعداد لمرحلة ما بعد الأعوام الستين أو السبعين القادمة، فان الحافز للاستعداد لتلك المرحلة ضعيف وضعيف جدا، ويدفع للتراخي -خاصة في ظل الاسعار الحالية المرتفعة للنفط -، ويعطي انطباعا أن الايرادات النفطية ستستمر بشكل منتظم وبمستوياتها الحالية لكامل الفترة حتى وقت النضوب الطبيعي، وهذا لعمري أمر غير دقيق على الاطلاق .
اتفق مع الدعوة التي بدأت تظهر في الساحة الاقليمية والمحلية، بضرورة تبني استراتيجية لمرحلة ما بعد النفط ( وهنالك جهود متفاوته في الدول الخليجية في هذا الاتجاه ) ، مع ضرورة ادراج مفهوم النضوب الاقتصادي لتكون استراتيجية متكاملة تتعامل مع الواقع، يبدأ تنفيذها فورا مع اعطائها الطابع "الطاريء" و "العاجل" و" الأولوية" في التطبيق حتي يتحقق هدف وجود اقتصاد سعودي أو خليجي متنوع لا يعتمد على الايرادات النفطية بالشكل الذي هو عليه الآن.

والله الموفق.
محمدسالم سرور الصبان

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..