الصفحات

الاثنين، 6 فبراير 2012

العودة إلى فقه الحوالة والقيود المصرفية


- عثمان ظهير من الرياض
تعد عقود التحويل المصرفي واحدة من أهم العمليات المصرفية وأوسعها انتشاراً، عملية نقل النقود أو أرصدة الحسابات من حساب إلى حساب أو من بنك إلى بنك أو من بلد لآخر، وما يستتبع ذلك من تحويل العملة المحلية بالأجنبية أو الأجنبية بأجنبية أخرى.
وأوضح عبد العزيز السلامة أن الحوالة عملية مصرفية بناءً على طلب المُصدِر، يتم فيها نقل نقود أو رصيد من حسابٍ إلى حساب آخر للآمر نفسه أو لمستفيد آخر، في المصرف نفسه، أو في مصرف آخر، وما يتبع ذلك من تحويل العملة إلى عملة أخرى، أو أمر دفع يصدره وسيط بقصد تنفيذ أمر الدفع الوارد.
وأضاف أن الحوالة المصرفية تنقسم إلى قسمين: الأول الحوالة الصادرة وهي خطابات تسمى أوامر دفع يصدرها المصرف بطلب من عميله إلى مصرف آخر قد يكون فرعاً للمصرف، وقد يكون مصرفاً آخر مستقلاً؛ ليدفع ذلك المصرف المحول إليه مبلغاً معيناً من النقود إلى شخص مسمى. وأشار إلى أن المصرف يتقاضى على الحوالة الصادرة من الآمر مصاريف إجراء العملية عن طريق وسائل الهاتف أو التلكس أو نظام سريع، وعمولة مقابل تنفيذ العملية، والفارق بين العملتيْن، فيما إذا تضمَّن التحويل شراء عملة أجنبية، وذلك في التحويل الخارجي المطلوب. والنوع الثاني الحوالة الواردة، وهي التي يستقبلها المصرف من مصرف آخر أو من فرع آخر للمصرف نفسه لدفع مبلغ معين من النقود إلى شخص مسمى.

وتختلف المصارف في معاملتها للحوالة الواردة، إلاَّ أنها بشكل عام تقوم بتنفيذها حال ورودها، ويُراعِي المصرف عند تنفيذ الحوالات الواردة الدقة في التنفيذ طبقاً للبيانات من المراسل، والسرعة كي لا يكون هناك تأخير في التنفيذ يكون من شأنه تعريض المستفيد لخسارة ناتجة عن تغير أسعار الصرف أو بفوات وقت حاجته إلى قيمة الحوالة.
وتابع: إن أقوال المعاصرين في التكييف الفقهي للحوالة المصرفية (التحويل الدائن) تعددت فيها فمنهم من يرى تكييف خدمة التحويل على أساس عقد الحوالة، ويعتمد هذا الرأي القائل على أن العميل الآمر بالتحويل دائن للبنك بمبلغ الحوالة والمستفيد من الحوالة دائن للآمر فيحيل هذا الأخير المستفيد على البنك المأمور بالتحويل فيصبح البنك بموجب هذه الحوالة مديناً للمستفيد، فيما يرى آخرون تخريجها على أساس السفتجة ويستندون في ذلك إلى أن الشخص الذي جاء بالنقد وأعطاه المصرف يعد مقرضاً، والرسالة التي يقوم المصرف بإرسالها إلى وكيله عبر وسائل الاتصال الحديثة تعد سفتجة، ثم إن المقترض (المحوِّل) يسلم ذلك القرض بنفسه إذا كان يريد الانتقال، أو نائبه إذا لم ينتقل.
وتابع أن فريق ثالث يرى تكييف خدمة التحويل على أساس الوكالة، ويعتمد هذا الرأي على أن العميل الآمر بمثابة الموكل والبنك بمثابة الوكيل الذي يقوم بتنفيذ عملية التحويل لصالح الشخص المستفيد. عن طريق فرعه أو أي بنك آخر، وعليه فلا يصح تكييف خدمة التحويل المصرفي على أساس عقد الوكالة الشرعية، فيما ذهب الفريق الرابع إلى تكييف خدمة التحويل المصرفي على أساس عقد الإجارة الشرعية على اعتبار أن الشخص الذي جاء بالنقد يحمله وسلمه للمصرف أو اقتطعه من حسابه في المصرف وأراد تحويله إلى مكان آخر فإنه يعد مستأجراً للمصرف على نقل نقوده إلى المكان الذي يرغب إيصالها إليه، والمصرف يتخذ الوسيلة التي ينفذ بها هذا العقد، ومن الوسائل التي تحقق للمصرف مقصده برسائل نظام (سويفت) ونظام (سريع). وليس شرطاً أن يكون النقل حسياً، فتعاون المصرف مع جهة أخرى أو قيامه بفتح فروع له في بلدان متعددة من الوسائل التي تمكنه من الوفاء بهذا العقد، والمصرف في مثل ذلك مثله مثل الأجير المشترك الذي يتقبل عدة أعمال لأناس كثيرين
ويقوم بعمل ما يريدون، والمهم في هذا النوع من الإجارة، هو تحقق المنفعة لأنها المقصودة، فإذا تحققت حصل المقصود واستحق الأجير الأجرة.
وأشار إلى ترجيح القول الرابع إنها إجارة هو الأقرب لطبيعة عقد الحوالة المصرفية وإذا نظرنا إلى العلاقة بين طرفي عقد الحوالة المصرفية - الآمر بالتحويل والمصرف - نجدها مبنية على المعاوضة، فالمصرف يلتزم للآمر بالتحويل بإيصال المبلغ المحوَّل إلى المستفيد عن طريق فروعه، أو عن طريق مراسليه من المصارف الأخرى، وهذه منفعة يبذلها المصرف، مشيراً الآمر بالتحويل يلتزم بدفع عمولة المصرف وتكاليفه، وعليه فإن الحوالة المصرفية عقد معاوضة يتم فيه مبادلة مال بمنفعة، وما يتقاضاه المصرف من عمولة فهو أجرة مقابل تنفيذه لما تعاقد عليه وليس في تقاضيه لها وجه شبهة.
وأوضح أن الصرف يدخل في الحوالة المصرفية إذا كانت بنقد مغاير للنقد المراد تسلمه في البلد الآخر، أما إذا كانت بنقد مغاير للنقد المراد تسلمه في البلد الآخر فهذا النوع من التحويل يجتمع فيه الصرف والإجارة. ولا يخفى أن للصرف في حالة اختلاف العوضين جنسا شرطا هو التقابض في مجلس العقد وقد تقرر لدي المجامع الفقهية والهيئات العلمية أن كل عملة ورقية جنس يجوز المصارفة بينها وبين غيرها من عملات الدول الأخرى مطلقا إذا كان يدا بيد لقوله صلى الله عليه وسلم: فإذا اختلفت الأجناس فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد. وعليه إذا كان طالب التحويل راغبا في تحويل عملة أخرى غير التي عنده , فيجب عليه قبل التحويل إجراء مصارفة ناجزة مع البنك بين العملة التي يملكها والعملة التي يرغب حوالتها بسعر الصرف الحاضر يوم إجراء الحوالة, ويعد إقباضه العملة التي عنده إلى المصرف المحول حسيا أو حكميا (بالاقتطاع من حسابه الجاري لديه) عقب ذلك وتسلمه سند الحوالة بالعملة الأخرى المستحقة بدلها تقابضا لبدلي الصرف, حيث إن قبض السند كقبض مضمونه عرفا, فيكون الصرف قد استوفي شريطته الشرعية وهي التقابض بين البدلين في المجلس.
من جهته، قال الدكتور مستعين علي عبد الحميد: إن الحوالة المصرفية وسيلة تؤدي إلى سداد مبالغ نقدية للبنك مقابل تسديد مقابلها في جهة أخرى. وتتم بوسائل عديدة أهمها الحوالة بالمعنى الضيق ولعله المقصود هنا، ومنها بالمعنى الواسع الشيكات المصرفية والشيكات مقبولة الدفع ووسائل أخرى تشمل الكمبيالات والشيكات السياحية والاعتمادات المستندية والبطاقات الائتمانية ونحوها، وهي وسائل يمكن القول إنها جميعا بدائل للحوالة بالمعنى الضيق وهذه الوسائل تتم غالبا عن طريق استعمال الصرف الأجنبي.
وأضاف أن من أبرز إيجابيات الحوالة: تسهيل تحويل الأموال من مكان لآخر ومن شخص لآخر دون تكلفة تذكر. وقد لاقت هذه الخدمة وما تزال رواجا كبيرا لما لها من دور فاعل في تحقيق الأمن والاطمئنان للعملاء، ولما لها من ميزة قلة التكلفة على الأطراف المستفيدة منها، وخاصة في هذا الزمن الذي كثرت فيه المعاملات التجارية وغير التجارية، وازداد تشابك المصالح بين الأفراد والمؤسسات والمنظمات والحكومات ونحوها، إلى جانب كونها وسيلة مشروعة ونافعة وفيها مصلحة ليس في الشريعة ما يمنعها.
وأشار إلى أن أثرها الاقتصادي كبيراً جدا، كونها تغني عن حمل أو الاحتفاظ بمبالغ كبيرة من النقد وعن المخاطر المترتبة على ذلك، مع توفير إمكانية الشراء بواسطتها من داخل وخارج البلاد في حدود المبالغ المرسلة بها، وكونها وسيلة مقبولة واسعة الانتشار في التبادل المحلي والأجنبي.فهي باختصار تعد وسيطا عالميا للمبادلة وكأداة وفاء بالمدفوعات المحلية والدولية. وأشار إلى أنه لا توجد سلبيات تذكر للحوالة، وإذا كان من سلبيات تذكر في هذا المجال فهي في أمور وملابسات ليس للحوالة في حد ذاتها دخل فيها، ولعلها تأتي من جانبين الأول: من الطرائق والأساليب غير المشروعة وغير النظامية التي يتم التعامل بها في مجال التحويل، مثل غسيل الأموال ودعم الإرهاب والتهريب ونحوها، ويدخل في ذلك الطرق التي تتبعها البنوك في التعامل في الحوالات المصرفية . والثاني: ربما يتمثل في أثرها غير المرغوب فيه على ميزان مدفوعات الدولة.
وحتى نتصور الآثار الاقتصادية الهائلة للحوالات إذا علمنا أن فروع المصارف المحلية تنهمك في مبيعات العملات الأجنبية خلال نشاطها اليومي في شكل حوالات وشيكات واعتمادات الخ، ومتوسط الإصدارات الشهرية للحوالات والشيكات فقط (خلاف الاعتمادات) تعادل في المصرف المحلي الواحد في المملكة ما يقرب من نصف مليون معاملة (نحو 20 ألف معاملة في اليوم الواحد للمصرف الواحد تقريبا). وبناء على بعض الإحصاءات والتقديرات فإن الحجم المالي لهذا الكم من التحويلات عبر المصارف المحلية جميعا يقرب من 700 مليار ريال في العام الواحد. هذه الحوالات تشتمل على بعض المفردات ذات الأثر السلبي في ميزان المدفوعات وهي تحويلات العمالة الوافدة والاستيراد والسياحة والسفر وهجرة الرساميل.
وتابع: الحوالة سواء أكانت داخلية أو خارجية جائزة شرعا، ولا فرق في ذلك بين ما إذا كان المبلغ المحول سيقبض بالعملة التي يتسلمها البنك من طالب التحويل في المكان الذي فيه المستفيد منها، وهذه الحالة التي تعرف عند الفقهاء بالسفتجة،
وهي معاملة جائزة ولا شبهة فيها ولا تردد في صحتها وجوازها. أو كان المبلغ المحول سيقبض بعملة أخرى في بلد آخر محول إليه، مثل من يدفع للبنك مبلغا من الريالات السعودية ليقبض بدلا منه دولارات في أمريكا أو ليرات في تركيا مثلا.
 ففي الحالة الأخيرة تتركب المعاملة من عقدين:
مصارفة بين نوعي النقود وتحويل. ومتى دخل عنصر المصارفة في المعاملة وجب التقابض بين بدلي الصرف في مجلس العقد نفسه.
 والصعوبة التي قد تعترض هذا التقابض الواجب شرعا تتمثل في أن المبلغ قد يكون ضخما (عدة ملايين مثلا) فيصعب العد والنقد ومن ثم القبض في محل الصرف.
 ويمكن حل الإشكال عن طريق إصدار شيك بالعملة الأخرى مسحوب على مراسل البنك في الخارج،
 فيكون الشيك قد أدى وظيفتي المصارفة والتحويل، تماما كما تؤدى الحوالة حين يتسلم طالب التحويل إشعار التحويل الذي يثبت أن المصارفة قد تمت ليقوم البنك بإجراءات التحويل.
 ولما كانت الحوالات المصرفية وبدائلها إنما تسحب في المعتاد على المصارف التجارية يتبين أهمية الدور الأساسي الذي تلعبه الأرصدة الخارجية لهذه المصارف في شرعية هذه المعاملة.
ذلك أن هذه المصارف تغطي أرصدتها المسحوب عليها تلك الحوالات والشيكات (وحتى الاعتمادات) بعد تجمعيها من الفروع اعتمادا على أن الشيكات تأخذ في المتوسط نحو 45 يوما لتمر عبر أنظمة المقاصة قبل أن تحسم من حساب كل بنك. وهذا الإجراء يعني أن البنك التجاري عند إصدار الحوالات والشيكات يبيع ما لا يملك ويربح فيما لا يضمن .
وقرارات الهيئات الشرعية والمجامع الفقهية التي أجازت أن يكون القيد في الحساب والشيك المصرفي المقبول الدفع قبضا حكميا اشترطت أن يكون على رصيد قابل للسحب بالعملة المكتوب بها، وأن يكون هذا الرصيد محجوزا. وهو قرار مجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي في رجب 1409 /1410هـ
المصدر صحيفة الاقتصادية
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..