الصفحات

السبت، 11 فبراير 2012

عقد الكفالة



تعريف عقد الكفالة:ـ
وهي نظير الرهن في كونها استيثاقاً للحق، لكن موضوعها النفس والغرض منها الحضور. فهي عبارة عن تعهد شخص لآخر بحضور شخص ثالث، بحيث يلزمه أن يحضره لو لم يحضر. والأول الكفيل، والثاني المكفول له، والثالث المكفول. ومحل الكلام ما إذا وجب الحضور على المكفول، وكان المكفول له يستحق ذلك عليه. ويأتي تمام الكلام في ذلك إن شاء الله تعالى.
لا إشكال في توقف الكفالة على رضا الكفيل والمكفول له، والظاهر توقفها على رضا المكفول أيضاً، فمع عدم رضاه بها لا سلطان للكفيل عليه، ولا يترتب أثرها بالنسبة إليه. نعم المفروض وجوب الحضور عليه على كل حال ولو مع عدم الكفالة، لكن ذلك لا يقتضي سلطنة الكفيل على إحضاره ولا لزوم متابعته للكفيل بالحضور ما لم يرض بالكفالة.
شروط عقد الكفالة:ـ
لابد من إنشاء مضمون الكفالة والتزام الأطراف المعنية به وإبراز الالتزام المذكور بكل ما يدل عليه من قول أو فعل، نظير ما سبق في بقية العقود.
يجوز اشتراط الكفالة على الكفيل ـ من قبل المكفول أو المكفول له أو شخص ثالث ـ في ضمن عقد لازم، فينفذ مع رضا المكفول والمكفول له. وهو على وجهين:
الأول: أن يشترط كونه كفيلاً لزيد مثلاً ومسئولاً به.
الثاني: أن يشترط عليه أن يكفل زيداً. وفي الأول يكون كفيلاً بمجرد الشرط، وفي الثاني لا يكون كفيلاً إلا بعد إنشاء الكفالة، ولا يكون فائدة الشرط إلا وجوب إنشائها.
لما كانت الكفالة متمحضة في التعهد من جانب الكفيل وحده فالأحوط وجوباً الاقتصار في نفوذها على ما إذا ابتنت على أن يترتب عليها شيء من جانب المكفول له، كما إذا كان قد اشترط الكفالة فيرجع قبوله بها للقبول بكونها وفاء بشرطه، أو كان مستحقاً الحضور على المكفول أو حابساً له فعلاً فيأذن بانصرافه أو يطلق سراحه اعتماداً على الكفالة، أو كان طالباً ـ من المكفول أو من غيره ممن يتعلق به ـ التوثق لحقه ساعياً لذلك، فيترك الطلب والسعي المذكورين اكتفاء بالكفالة أو نحو ذلك. أما إذا كانت مبتدأة من دون ذلك نظير الوعد المجرد فيشكل نفوذها إلا أن تكون مشروطة على الكفيل من قبل المكفول له في ضمن عقد آخر فتنفذ تبعاً لنفوذ العقد.
يعتبر في الكفيل أن يكون قابلاً لأن يلزم بإحضار المكفول على ما تقتضيه الكفالة لكماله بالبلوغ والعقل، فإذا كان مقتضى الكفالة إحضار المكفول بعد شهر من العقد ـ مثلاً ـ لزم كمال الكفيل حينئذٍ ولا يجب كماله حين إجراء العقد، بل يمكن قيام وليه مقامه في إجراء العقد إن كانت الكفالة صلاحاً له. أما المكفول والمكفول له فلا يعتبر كمالهما، فيمكن كفالة الصبي والمجنون والكفالة لهما إذا رضي بها وليهما بدلاً عنهما.
لا يعتبر قدرة الكفيل على إحضار المكفول واقعاً، بل يكفي زعمه القدرة على ذلك، فإذا كفله بالزعم المذكور ثم تبين عجزه لم ينكشف بطلان الكفالة. وليس المراد بالقدرة على إحضاره القدرة على مباشرة الإحضار بنفسه بحيث يأتي به معه، بل المراد ما يعم استجابة المكفول للكفيل لو أمره بالحضور.
تشرع الكفالة سواء كان طلب حضور المكفول لتعلق حق مالي به ـ كدين أو كفالة أو تسليم مبيع أو نحوها ـ من أجل أن يستوفى منه ذلك الحق، أم كان لأمر آخر، كحضوره لمرافعة أو لأداء شهادة أو دخول سجن بحق أو ليقتص منه أو غير ذلك. ويعتبر في القسم الأول أن لا يكون الكفيل والمكفول له محجوراً عليهما بسفه أو فلس. ولا يعتبر ذلك في المكفول لثبوت الحق عليه على كل حال.
تصح الكفالة في الماليات، سواء كان الحق ثابتاً فعلاً، كما لو كان المكفول مديناً للمكفول له، أم لم يكن ثابتاً فعلاً مع وجود سببه، كالجعل في عقد الجعالة والعوض في عقد السبق والرماية، بل تصح مع عدم وجود السبب فعلاً، كثمن أو أجر في بيع أو إجارة متوقعي الحصول، كما لو قال: بعه الدار أو آجره الدكان وأنا كفيل بإحضاره ليؤدي الثمن أو الأجرة.
مع إطلاق الكفالة في الماليات يجب على الكفيل إحضار المكفول، ومع تعذر ذلك يجب عليه دفع المال الذي عليه. أما لو صرح في عقد الكفالة باقتصاره على إحضار المكفول فلا يجب عليه مع تعذر الإحضار دفع المال. نعم لو دفع المال انحلت الكفالة، لما يأتي من انحلالها ببراءة ذمة المكفول من الحق.
يمكن في الكفالة مطلقاً جعل شرط جزائي على تقدير عدم إحضار المكفول، لكن لابد في نفوذه من تقديم الشرط، فإذا قال الكفيل: علي كذا إن لم أحضره، لزمه الشرط. وإذا قال: إن لم أحضره فعلي كذا، لم يلزمه الشرط ولم يكلف إلا بإحضاره.
في الكفالة في الماليات إذا دفع الكفيل المال، فإن كان بإذن المكفول أو بطلب منه كان للكفيل الرجوع عليه بما دفع، وإن لم يكن بإذنه لم يرجع عليه، إلا إذا كان آذناً في الكفالة المطلقة التي سبق ظهورها في دفع الحق عند تعذر الإحضار، فإن له الرجوع حينئذٍ إذا كان قد دفع المال مع تعذر الإحضار.
مع إطلاق الكفالة يلزم الكفيل إحضار المكفول في بلد عقد الكفالة، ولا يكفي إحضاره في غيره إلا مع القرينة الصارفة عن مقتضى الإطلاق.
يجب على المكفول الاستجابة للكفيل والحضور معه، فإن امتنع جاز له إجباره ولو بالاستعانة بالظالم. نعم نفقة الإحضار على الكفيل ولا يتحملها المكفول إلا مع الشرط، وإن كان ضمنياً مستفاداً من شاهد الحال عند إذن المكفول في الكفالة.
يجوز أن يكفل الكفيل شخص ثان، يكون ملزماً بإحضاره ليقوم بمقتضى كفالته، كما يجوز أن يكفل الثاني شخص ثالث، وهكذا تترامى الكفالات.
إذا أمسك صاحب الحق من عليه الحق لاستيفاء حقه منه من دون تعد عليه فجاء آخر فخلصه منه كان عليه تسليمه أو أداء الحق الذي عليه. وإذا كان قاتلاً عمداً لزمه إحضاره ليقتص منه أولياء المقتول، ولهم حبسه لذلك، إلا أن يرضوا منه بالدية فيدفعها لهم. وكذا إذا مات القاتل فيجب على من خلصه من أيدي أولياء المقتول دفع الدية لهم.
هل يجوز فسخ عقد الكفالة؟
الكفالة عقد لازم لا يجوز فسخه من طرف الكفيل، إلا مع الخيار، أو بالتقايل منه ومن المكفول له. نعم ينحل باُمور..
الأول: القيام بمؤداه وهو إحضار المكفول.
الثاني: براءة ذمة المكفول من الحق الذي عليه بأدائه، أو بارتفاع موضوعه، كما إذا كان كافلاً لشخص فبطلت كفالته له.
الثالث: انتقال الحق من المكفول له لشخص آخر، ببيع أو صلح أو حوالة أو غيرها، فإن الشخص الآخر لا يقوم مقام المكفول له في استحقاق الكفالة، بل تنحل الكفالة. نعم إذا كان الانتقال بالإرث قام الوارث مقام المورث في استحقاق الكفالة ولم تنحل.
الرابع: موت المدين أو سقوطه عن قابلية الإحضار لاستيفاء الحق بجنون أو نحوه. نعم إذا ابتنت الكفالة على أداء الكفيل للحق عند تعذر الإحضار فلا تبطل الكفالة حينئذٍ، بل يجب عليه أداء الحق إن تعذر أداؤه من ماله أو تركته.
الخامس: إسقاط المكفول له حقه من الكفالة.
لا تصح الكفالة إذا لم يجب الحضور على المكفول مع قطع النظر عنها، كالمحبوس ظلماً، والشاهد في الترافع عند الظالم، والملزم ظلماً بدفع مال، ونحو ذلك، فلو وقعت الكفالة لم يحل للمكفول له إلزام الكفيل بإحضار المكفول، ولم يجب على الكفيل إحضاره. نعم يمكن نفوذ الكفالة حينئذٍ في حق المكفول بالإضافة إلى الكفيل إذا ابتنى رضاه بالكفالة على تعهده بالاستجابة له في الحضور إن كفله، دفعاً للضرر الوارد على الكفيل لو لم يحضر، فالمسجون بظلم مثلاً قد يرضى الظالم بخروجه من السجن مؤقتاً إذا كفله شخص وتعهد برجوعه بعد الوقت، كما قد يتعارف في زماننا، وحينئذٍ إذا طلب من شخص أن يكفله عند الظالم متعهداً له بالرجوع للسجن بعد الوقت لئلا يقع الكفيل في الضرر فكفله ذلك الشخص بناء على التعهد المذكور وجب عليه الحضور، وجاز للكفيل إحضاره وإجباره على الحضور بمقتضى نفوذ التعهد المذكور، وإن لم يستحق المكفول له حضوره، بل كان ظالماً في ذلك، إلا أن يكون الحضور محرّماً فيشكل الأمر، كما إذا كان يتعرض في رجوعه للسجن للهلكة أو لضرر يحرم تحمله.
المعروف من الكفالة هي كفالة النفس التي تبتني على التعهد بحضور المكفول لاستيفاء الحق منه، وهي التي سبق الكلام فيها. والظاهر مشروعية الكفالة المتمحضة في المال، المتعارفة في زماننا هذا، وهي تعهد الكفيل للمكفول له بأداء حقه الثابت له على المكفول، لا بمعنى جعل الحق المذكور في ذمة الكفيل وبراءة المكفول منه ـ كما يأتي في الضمان ـ بل بمعنى تعهد الكفيل للمكفول له بحصوله على حقه بأن يؤديه له المكفول، فإن لم يفعل أداه هو عنه، من دون أن تقتضي الكفالة المذكورة براءة ذمة المكفول من الحق. والظاهر عدم اشتراط إذن المكفول في هذا القسم من الكفالة، بل يكفي اتفاق الكفيل والمكفول له عليها ورضاهما بها.
كما تجري هذه الكفالة في الاُمور الذمية تجري في الأعيان الخارجية، كما لو قال: لا تتعقب السارق وأنا كفيل بما أخذ، أو لا تخاصم الغاصب وأنا كفيل بما غصب، على معنى أنه مسئول بإرجاع عين المال ومع تعذره فهو مسئول ببدله، من دون أن تبرأ ذمة صاحب اليد مما أخذ.
لا يعتبر في هذه الكفالة ثبوت الحق وانشغال ذمة المكفول فعلاً، بل يكفي تحقق سبب ثبوته وانشغال الذمة به وإن لم تنشغل بعد، كما لو قال: بع زيداً أو آجره وأنا كفيل بالثمن أو الأجر، أو أدخله بيتك وأنا كفيل بما أتلف، أو أعره المتاع وأنا كفيل به، أو لا تغلق باب المنزل وأنا كفيل بما يسرق منه. نعم لابد في جميع ذلك من أن تبتني على أن يترتب عليها شيء من جانب المكفول له على النحو المتقدم في المسألة (4) فلا تنفذ بدون ذلك، كما لو أيس المسروق من الظفر بما له فقال له: أنا كفيل بما سرق منك، أو أحكم الشخص غلق أبوابه أو قام بأقصى جهده في التحفظ على ماله فقال له: إن سرق منك شيء فأنا كفيل به، ونحو ذلك.
تصح كفالة درك الثمن لو ظهر المبيع مغصوباً أو غير ذلك مما يوجب بطلان البيع، فإذا باع شخص شيئاً بثمن معين، وخشي المشتري أن يكون المبيع مغصوباً كان له طلب الكفيل بالثمن الذي دفعه، فإذا كفله شخص كان له الرجوع عليه بالثمن الذي دفعه لو ظهر بطلان البيع لكون المبيع مغصوباً. كما تصح كفالة الثمن على تقدير فسخ البيع بخيار، أو بطلانه لتلف المبيع قبل القبض، أو نحو ذلك.
إذا لم تكن هذه الكفالة بإذن المكفول لم يكن للكفيل الرجوع عليه بما أدى عنه، وإن كانت بإذنه كان للكفيل الرجوع عليه بما أدى عنه من الحق في وقته على حسب مقتضى الكفالة، إلا أن يبتني إذنه له في الكفالة على عدم ضمانه له لو أدى عنه، وهو يحتاج إلى عناية وقرينة خاصة.يجوز ترامي هذه الكفالة، نظير ما تقدم في كفالة النفس.
تجوز هذه الكفالة مع عدم ثبوت الحق على المكفول شرعاً، بل كان مؤاخذاً به ظلماً، فإنها وإن لم تنفذ في حق المكفول له لكونه ظالماً، إلا أنها تنفذ في حق المكفول إذا أذن بها أو طلبها، فيجب عليه أداء المال للكفيل لو أداه عنه بمقتضى الكفالة، نظير ما تقدم في المسألة الأخيرة من كفالة النفس.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..