الصفحات

الخميس، 8 مارس 2012

(السرورية السعودية).. ظاهرة أم تيار فكري؟

والعالم يودع سنوات الستينيات الميلادية كان هناك مدرس سوري شاب ملتحٍ وضعيف البنية، يحزم أمتعته شادا الرحال تجاه مدينة بريدة في وسط السعودية، هربا من مضايقات أمنية يتعرض لها من نظام حافظ الأسد في دمشق، ضاعف منها ان الشاب أصبح غير مقبول من قيادات تنظيمه في حركة الاخوان المسلمين، ما جعله يقرر سريعا المغادرة، دون ان يكون في باله ان القدر سيضعه في قائمة اكثر الشخصيات الإسلامية تأثيرا في بلد يدين غالبية اهله بمذهب السلف الصالح، ليوجد بذلك مكانا لفكر كان غائبا عن معظم علماء وطلبة العلم هناك.. الفكر الحركي الإسلامي المستمد من تعاليم الشيخ حسن البنا وكتابات سيد قطب.
 
هذا الشاب (محمد بن سرور بن زين العابدين) الذي جاء للسعودية مدرسا لعلوم الرياضيات في معهد ديني متواضع، اضطر لاحقا للخروج مغاضبا في بدايات العام 1991 عندما اشتدت عليه الضغوط مرة اخرى بسبب التأثيرات الكبيرة التي احدثها وسط طلبة وعلماء الشريعة وفي نفوس معظم الشباب المتدين انذاك، ليذهب إلى لندن مستقره الحالي، ويبدأ من هناك مسيرة جديدة في حياته الدعوية والفكرية والسياسية، غير أنها لم تكن ابدا بذات زخم فترة السعودية التي ذاع بسببها اسم سرور زين العابدين من مدرس متواضع إلى شخصية فكرية مؤثرة على امتداد العالم الإسلامي.
 
وقصة التيار السروري أو "السرورية" كما يحلو ان يسميها دعاة الصحوة الإسلامية في المملكة، هي غريبة ومثيرة في آن، حيث كان مفاجئا ان تجد أفكار الشاب "زين العابدين" التجاوب وسط بيئة سلفية متشددة وهو القادم من الاخوان المسلمين المعروفين بأنهم اكثر انفتاحا من تيار السلفية، ذلك إضافة إلى أن التاريخ الفكري في السعودية لم يعرف له- طيلة العقود الماضية- تماهيا مع أفكار قادمة من الخارج، ولذلك كانت "السرورية" حالة خاصة، تستحق ان تروى وان تستوفي حقها من الدرس والتمحيص.
 
كان مجيء الشيخ سرور زين العابدين إلى السعودية في بادئ الأمر لتدريس علم الرياضيات في المدارس الثانوية، وهي المهنة التي كان يمتهنها قبل اختلافه مع جماعة الاخوان في دمشق، ومن ثم اضطراره إلى الخروج من سوريا. واستقر الشاب السوري اول قدومه في منطقة القصيم (وسط السعودية) التي تعتبر معقل الدعوة السلفية وبخاصة مدينة بريدة التي يضرب بها المثل في تمسك ابنائها بتعاليم المدرسة السلفية.
 
وعقب تعرفه على احوال المنطقة ودرسه لثقافتها وامزجة ابنائها، بدأ الشيخ سرور زين العابدين، في بث افكاره مفضلا في البداية الانطلاق من الشباب المتحلقين حوله والذين وجدوا في حديثه شيئا جديدا ثوريا لم يألفوه في خطاب علمائهم من السلفيين حيث كانت أفكاره بجانب ثوريتها وحركيتها تصيغ في مجموعها خطا وسطا بين السلفية وفكر الاخوان، وابلغ وصف لهذه الثنائية جاء من احد الباحثين السعوديين عندما قال: ان محمد سرور زين العابدين "جمع بين عباءة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وبين "بنطال" سيد قطب ومحمد قطب، حتى غدت هذه الشخصية أهم وأبرز مرجع حركي للشباب الصحوي السعودي من خلال إمساكه بكتاب التوحيد باليد اليمنى والظلال باليد اليسرى، أو من خلال قيامه بعقد قران بين الوهابية والقطبية".
 
وكان محمد سرور طيلة فترة تواجده بالمملكة- كما يقول الباحث الإسلامي السعودي خالد المشوح- مؤثرا ومتأثرا في ذات الوقت فقد أثر على تيار من الشباب برؤيته الإخوانية من حيث التنظيم والحاكمية والسياسة التي لم تكن تشغل التيار السلفي حينها، وفي ذات الوقت تأثر بالأطروحات السلفية التي تسود المجتمع السعودي وهو ما ولد بعد ذلك هجيناً جديدا على الساحة الإسلامية شكل الشريان الأكبر في ما عرف بالصحوة بعد ذلك وهو (السرورية).
 
وبدفع من العدد الضخم لمنابر الخطابة المتوفرة في المملكة وانتشار الجمعيات الخيرية لقيت افكار الشيخ سرور انتشارا واضحا في فترات السبعينيات والثمانينيات، واصبح له انصار كثر وسط النخبة الشرعية بالمملكة وبخاصة فئة الشباب انذاك وتتلمذ عليه مجموعة من الاسماء التي برزت لاحقا في سماء العمل الدعوي في المملكة ويعد ابرزهم حاليا الشيخ عائض القرني.
 
وتسمية "السروريين" التي يرفضها أغلب إسلاميي السعودية، ويرفضها سرور نفسه، كما يقول الكاتب الإسلامي السعودي ابراهيم السكران والذي إلى فترات قريبة كان يصنف ضمنها. تطلق حاليا على مجموعات كبيرة من العلماء في المملكة لهم نوافذهم الاعلامية المقدرة، وهي تسمية يعتقد ان مصدرها جاء من خصوم التيار السروري والمتضررين منه خاصة من تيار الاخوان المسلمين الذين رأوا في هذا التيار اهدارا لطاقات العمل الإسلامي.
 
وعن ملامح المنهج السروري يقول السكران في حديث له مع صحيفة لندنية: السرورية هي "منهج يختلف عن المنهج الاخواني والسلفي التقليدي، تقوم على المزج بين شخصيتين إسلاميتين هامتين هما: ابن تيمية وسيد قطب!" ويتابع: أخذوا من ابن تيمية موقفه السلفي الصارم من المخالفين للسنة من الفرق والمذاهب الاخرى مثل الشيعة، وبالتالي فهم استمدوا من ابن تيمية (المضمون العقائدي). وأما سيد قطب فأخذوا منه (ثوريته) وآمنوا ايمانا تاما بمقولة الحاكمية لديه.
 
أما عن توصيف الحركة التي انشأها سرور زين العابدين فيذكر الخبير الاستراتيجي السعودي (الدكتور انور ماجد عشقي) أن السرورية تنظيم حركي بدأ بكونه تيارا، وهو يشهد تراجعا داخل المملكة نظرا لأن بعض تلامذة سرور مثل عائض القرني قاموا الآن بتصحيح أفكارهم وعارضوا فكرة تسييس الإسلام، ورفضوا تأييد العنف كسبيل وحيد لمواجهة ما يسمونه بموجة الإلحاد والحداثة، وقد اعتمد هؤلاء وغيرهم على إعادة قراءة السيرة النبوية في مراجعاتهم، لأن السيرة كفيلة بتصحيح جميع الأفكار الدخيلة على الفكر الإسلامي.
 
ويقدم الداعية السعودي البارز عوض القرني رؤية مغايرة عن تأثير محمد سرور زين العابدين في المشهد الديني والدعوي في السعودية، حيث يرى أنه خلال السنوات التي قضاها في المملكة حمل من المشهد الديني والثقافي أكثر مما أثّر، حيث ترافق وجوده مع نشأة ما عرف بالصحوة الإسلامية.
 
ويؤكد أن السرورية تيار إسلامي فكري موجود في العديد من البلدان العربية بجانب السعودية (التي انطلق منها هذا التيار)، وهذا التيار له محددات ومواقف متقاربة أو متشابهة، وأحيانا متطابقة حيال الكثير من القضايا الدينية، والفكرية، ولهذا التيار رموزه الفكرية والدعوية في المملكة، وهم ينطلقون في دعوتهم من خلالها، لكن يرفض القرني أن يسمي أيًّا من هذه الرموز أو يؤكد وجود علاقات شخصية أو أكثر من شخصية بينهم، لكنه يؤكد وجود علاقات فكرية بينهم أو ما يسميه بـ"التقاطع الفكري".
 
وفي دراسة تحمل عنوان "السرورية" نشرت مؤخرا يصنف الكاتب السعودي عبد الله بن بجاد العتيبي السرورية كتنظيم حركي استطاع السيطرة على كثير من المراكز الحساسة في الهيئات الدينية والخيرية والإعلامية بالمملكة، وتغلغل في المساجد والمدارس، مستخدما مجموعة من الأفكار والمناهج والآليات التي استطاع أخذها وتطويرها من فكر سيد قطب وأخيه محمد قطب المقيم في السعودية حاليا، ومن التجربة الحركية الإخوانية.
 
الكاتب الصحفي واستاذ الادب الانجليزي في الجامعات السعودية (علي الموسى) استعرض في مقالة له عن تيار "السرورية" في المملكة وقال انها قامت على مبدأ "الحركة ضد السكون" وصورت لأنصارها أن المؤسسة السلفية التقليدية جامدة في نظرتها لمفهوم السياسة والبيعة فبثت في المريدين شحنة من لقاح الحركية. لكنها، ومثلما كادت أن تطيح بالمفهوم السلفي وبكامل عمدان المدرسة، وقعت في ذات الخطأ بأن كانت جرعة اللقاح التغييري أكبر وأكثر من الوصفة ولهذا اكتشف الجمهور أن صحويتها الفارطة بدأت تزلزل أساس العمارة.
 
وتابع الموسى "ومثلما كدنا أن نشهد نهاية المدرسة السلفية بفعل الضخ الهائل لأدبيات السروريين في رسم صورة سلبية، فإننا اليوم نكاد أيضاً أن نشهد نهاية السرورية بذات الداء والدواء: جرعة السكون والحركة. تناوبت السرورية مشهد الحركة بين حركتين، فأخذت جل قواعدها الفقهية من السلفية من أجل النفاذ للمجتمع المحافظ والفوز بثقته، وأخذت من الإخوان طابع التنظيم الحركي السياسي ولكن في مجتمع لا يميل كثيراً لركوب اللعبة السياسية. لم تكن السرورية حركة جديدة مستقلة وإنما كانت مزيجاً من ذات اللونين الموجودين وهذا ما ساعد أنصارها على التخفي طويلاً بركوب - اللون - حسب المرحلة.
 
لكن مزيجها المألوف لا يعني أنها لم تكن حركة".
ومن جانبه، يعتقد الباحث الإسلامي خالد المشوح ان التيار السروري يشكل اليوم القطاع الأكبر والأكثر انتشارا في المملكة على وجه الخصوص ومنطقة نجد على الأخص من ذلك، لكن يتضح للمراقب أن السرورية وإن كانت نجحت في خلق جيل مطلع محب للقراءة والمعرفة إلا أنها أخفقت كغيرها من التيارات الدينية في مجاراة التحديث المتسارع للمجتمع، ما نتج عنه شبه ازدواجية بات أفراد هذا التيار يتبادلونها من خلال تقوقعهم على شكليات ورمزيات كانت فاصلة في فترة التسعينيات لكنها اليوم صارت أكثر عمومية وشمولية من ذي قبل

----------------------------------------------
عبدالحي شاهين - الراية القطرية
ع ق 1340

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..