الصفحات

الاثنين، 30 أبريل 2012

الثورة الإيرانية صناعة أميركية؟



في عام 1977، أعلن (بريجينسكي) على الملأ رأيه بأن التمسك بالإسلام هو حصن ضد الشيوعية، ففي مقابلة مع جريدة (نيويورك تايمز) بعد الثورة الإيرانية، صرح
(بريجينسكي) أن واشنطن سترحب بقوة الإسلام التي بدأت تظهر في الشرق الأوسط، لأنها كأيدلوجية تتعارض مع تلك القوى في المنطقة، التي يمكن أن تكون مؤيدة للاتحاد السوفيتي.
ولقد أعاد سكرتير الرئيس (كارتر) الصحفي (جودي باول) هذا الرأي في 7 نوفمبر 1979، وذلك بعد ثلاثة أيام من أخذ 53 من الرهائن الأمريكيين في طهران.
وعلى الرغم من أن مصادر موثوقة تقول إن (بريجينسكي) يكاد يكون على جهل تام بالظروف السياسية في الشرق الأوسط، إلا أنه كان مشغولاً باستخدام الأديان والمذاهب الدينية، كأدوات للحرب السياسية، فهو قد تدرب على أيدي اليسوعيين في جامعة (ماكجل)، وقد قال إنه يعتبر نفسه قريباً من اليسوعيين في طريقة تفكيرهم، إلى درجة أنه رقى إلى درجة عضو شرف في جمعيتهم.
... وكان (بريجينسكي) قد ألقى خطاباً أمام الجمعية السياسية الخارجية في واشنطن في 20 ديسمبر 1978، وهو أول خطاب يكشف فيه عن التفكير الاستراتيجي الجديد للولايات المتحدة، والذي يركز فيه بشكل خاص على مبررات وجود أمريكا في الخليج.
وفي المذكرة الرئاسية رقم 18 في صيف عام 1977، أمر الرئيس كارتر بإجراء مراجعة شاملة للوضع العسكري للولايات المتحدة، وقد ارتكز (بريجينسكي) في نظريته على ضرورة التحالف مع قوى التغيير الجديدة والتودد إليها حالما تنتصر فقال ما نصه:
“ان الأمن الأمريكي القومي يعتمد على قدرته على تقديم توجيه إيجابي لهذه العملية الصاخبة من اليقظة السياسية والموجات الثورية التحررية، وهذا يعني ان على ولايات المتحدة أن تنغمس انغماسا نشطا في الشئون العالمية لتعزز صلاتها بالتطورات عن طريق التزامها بالتغيير الايجابي فقط، ذلك أننا إذا خلقنا عراقيل مصطنعة في وجه التغيير من أجل الحفاظ على الوضع الراهن فإننا سنعزل أنفسنا فقط وسنهدد أمننا القومي”.
وفي ذروة الأزمة ضد (الشاه) أصدر (بريجينسكي) تصريحه الشهير، الذي يقول فيه : “ ان المنطقة تشكل هلالاً للأزمات يمتد من شمال وشرق افريقيا، عبر الشرق الأوسط وتركيا وإيران والباكستان”.
وأضاف : “ في هذا الجزء من العالم، يقوم الاتحاد السوفيتي بلعبة للسيطرة على منابع النفط في الخليج، والتي تعتمد عليها صناعة الغرب”.
ولم تكن الفكرة جديدة، فقد اقترح (بريجينسكي) في يوليو 1978 بحث هذه الفكرة، حيث يرى أنه إلى جانب الاستفادة من تنظيمات اليسوعيين، ومختلف المنفيين من أوربا الشرقية، وتطوير ورقة الصين في آسيا، يمكن للتعاون من التنظيم الإسلامي أن يساعد على تطويق الاتحاد السوفيت بجيوش معادية له أيدلوجياً.
... يضاف إلى ذلك أن الأمريكيين كانوا على ثقة، من أن الطبقة المتوسطة قد تشربت جماهيريا الثقافة الغربية، وأصبحوا لا خوف عليهم من الشيوعية، لكن الأمريكيين كانوا في حاجة إلى طبقة أخرى لدعم العناصر المتطرفة والمعادية للنفوذ السوفيتي، وأنه إذا كانت سيطرتهم على عقول الطبقة المتوسطة تتم عبر أجهزة الإعلام والأنماط الاستهلاكية، فان السيطرة على الطبقات الفقيرة لا تكون بغير رجال الدين، الذين وإن كانوا يعتبرون من الطبقة المتوسطة، لكنهم يسيطرون في نفس الوقت على الطبقات الدنيا، والتي هو في حاجة إلى استخدامها الآن.
ويزيد من أهمية رجال الدين في إيران، في نظر (بريجينسكي) أنهم المجموعة الوحيدة في إيران المهيأة للدخول في أنشطة المعارضة، لأنها تملك نظاما متقدما للاتصالات والتسهيلات المحلية، في شكل مؤسسات دينية (كالمساجد) وكمؤسسة (ارشاد حسينية) المرتبطة بها، وكل ذلك يجعلهم يتمتعون بحصانة في مواجهة بطش (الشاه).
وبناء على ذلك وفي ديسمبر 1978، وهو الوقت الذي تصاعد فيه المد الثوري ضد (الشاه) قررت لجنة التنسيق الخاصة لمجلس الأمن القومي بشكل سري، زيادة إذاعات وكالة المخابرات الأمريكية باللغات السائدة في المناطق الإسلامية السوفيتية زيادة كبيرة.
كذلك تقول الأميرة (أشرف) شقيقة الشاه: “ انه في السبعينات راح الإعلام الغربي يعدد ويضخم مشاكل وأخطاء (الشاه)، وكان هناك نحو ستين جمعية ومجلة، بالإضافة إلى الدوريات الأمريكية كلها تنشر مقالات معادية للشاه، وكانت ترسل بالبريد لعشرات الألوف من الإيرانيين داخل وخارج إيران، وإن بعض هذه الدوريات كان يصدرها محترفون، يتلقون تمويلا مكنهم من إخراجها في شكل جذاب، جعلها تنجح في شن حرب باردة ضد (الشاه).
ولقد ثبت انه كان هناك قدر من المعلومات المتوفرة عن طبيعة (الخميني) ونواياه الحقيقية، وكانت كتبه موجودة في مكتبات الجامعات الأمريكية، وكان هناك العديد من الباحثين الأمريكيين في الولايات المتحدة، الذين يعرفون تعاليمه معرفة جيدة، وكان البروفسور (مارفين زونس) من جامعة شيكاغو، قد أجرى نقاشاً مطولاً معه، نقل تفاصيله لعدد كبير من المسئولين بوزارة الخارجية الأمريكية بعد ذلك بوقت قصير، وقال هذا الأستاذ الجامعي، الذي كان مهندس الحرب النفسية ضد (الشاه) انه وجد نفسه في مواجهة (الخميني) أمام شخص يفتقر إلى المنطقية بدرجة كبيرة.
وعلاوة على ذلك فإنه منذ إقامة (الخميني) في فيلته الصغيرة بحي (نوفل – لو –شاتو) بباريس أصبح (الخميني) على اتصال بالصحافة والتلفزيون، ولكنه في نفس الوقت كان موضع متابعة مستمرة من المخابرات المركزية الأمريكية، التي قامت باستئجار منزل بالقرب من فيلا (الخميني) وأجرى أعضاء السفارة الأمريكية اتصالات منتظمة مع أقرب مستشاري (الخميني) أمثال (بني صدر) و (صادق قطب زاده) و (إبراهيم يزدي) الذي يحمل جواز سفر أمريكي ومتزوج من أمريكية، وأول من استخدم لتنفيذ فكرة الانقلاب في إيران، حين أسس منظمة الطلبة المسلمين في الولايات المتحدة، وجند لها الطلبة الإيرانيين وغير الإيرانيين، وكان همزة الوصل بين رجال المخابرات الأمريكيية و (الخميني) للإعداد لقلب عرش الطاووس في إيران، حيث يعيش في الولايات المتحدة منذ ثمانية عشر عاما، ورفضت زوجته (سرور)ـ التي تقيم بصورة دائمة مع أطفالها الستة في مدينة (هويستون) الأمريكية، رفضت العودة إلى إيران أو التنازل عن جنسيتها الأمريكية.
لكل ذلك، اقتنعت أمريكا بفكرة الدولة الدينية (الإسلامية) ورصدت إمكاناتها المادية والإعلامية لخدمتها.
ص 195/196/197/198/199
التاريخ:04/06/2007

المصدر:كتاب " إيران بين التاج والعمامة"
لمؤلفه أحمد مهابة،
وهو آخر قنصل مصري في إيران/
صادر عن دار الحرية- الطبعة الأولى 1989

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..