الصفحات

السبت، 14 أبريل 2012

جدل الديمقراطية في الداخل السعودي

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فهذه إلماحة مختصرة تهدف إلى عرض نماذج من آراء الإسلاميين في السعودية تجاه المسألة الديموقراطية، ومادة هذه المقالة مقتطعة من ورقة عمل متواضعة عن"موقف الإسلاميين من الديموقراطية"قمت بإعدادها قبل فترة
خمسة أشهر تقريباً، وكنت أفردت فقرة عن الجدل حول الديموقراطية في الداخل السعودي، ثم رأيت نشره، وأبقيت على التمهيد الذي صدرت به ورقة العمل تلك لأهميته.
 
- تمهيد :
لا تخطئ عين المتابع البصير حالة الاضطراب في تناول وتقويم مواقف التيار الإسلامي بأحزابه ورموزه من النظام الديمقراطي في بعض الدراسات والبرامج الإعلامية ، وهذا الاضطراب يتردد بين أن يكون متعمداً، أو جهلاً بحقيقة تلك المواقف ، وذلك راجعٌ إلى اختلاف تناولاتهم لمصطلح "الديمقراطية" ، فهناك من يريد به مجرد المشاركة الشعبية في السياسة بآليات محددة دون خروج عن حاكمية الشرع، وهناك من يريد به المعنى الفلسفي للنظام حيث ترجع السلطات كلها إلى الشعب بما فيها سلطة التشريع ، وهناك آراء أخرى .
وقبل المسارعة بتقويم المواقف المختلفة من المسألة الديموقراطية لا بد من تحرير بعض التمييزات ، والمحددات التي يتم فرز المواقف على ضوئها ، وذلك أننا نجد أكثر من مستوى يتم تداول النقاش حوله :
المستوى الأول: الديموقراطية المقيّدة ؛ فنجد البعض يتحدث عن "ديمقراطية لا تحل حراماً ولا تحرم حلالاً" ، وهذا في الحقيقة فرع عن اعتقاد أن الديمقراطية آلية ، وأن الشريعة فضاء ويمكن أن تطبق عن طريق الإجراءات والوسائل الديمقراطية ، ونجد البعض الآخر لا يصرح بذلك ، بل يكاد يقرر النمط الديمقراطي الغربي بحذافيره ، واختلاف تناولات الإسلاميين بين هذين الاستعمالين ورد صريحاً من خلال دعوات بـ (أسلمة الديمقراطية) (أخذ النافع وترك الضار) (أخذ الآلية وترك الفكرة أو الفلسفة) ...الخ ، وفي المقابل دعوات أخرى بـ (أن أسلمة الديمقراطية تقضي على جوهرها) و(أنه لا خوف منها لأن الشعب لن يختار غير الإسلام ) ... الخ .
إذاً التمييز الأول هو في التفريق بين النظر إلى الديموقراطية مقيّدة كآلية فقط ، أو مطلقة بآلياتها ومضمونها الفكري ، وهذا الفرق مؤثر فالبعض يندد بالمضمون الفكري ، ويقبل بالآليات باعتبار إمكانية الفصل بينهما ، والبعض يقبل المضمون ويعتقد أنه لا يناقض الشريعة ، والبعض يرفض الجميع باعتبارها كتلة واحدة لا يمكن فصل الآليات عن المضامين المنحرفة .
المستوى الثاني: يمكن تصويره في تساؤل عن مدى جواز أو وجوب المشاركة السياسية للجماعات الإسلامية في النظم العلمانية القائمة التي هي في صورة أسوء من الديمقراطية الحقيقية من حيث تنحية الشرع والعداء له؟ ، والرافضون للديمقراطية بشكل تام آليات ومضمون انقسموا في الجواب على هذا السؤال ، انقساماً يفرض الحديث عن اختلاف المواقف من الديمقراطية مثالاً أو ضرورة   ، فالتمييز الثاني هو في التفريق بين القبول بالدخول للعبة الديمقراطية لكونها ضرورة ، وأنه يمكن تحقيق بعض المقاصد الشرعية في قبة البرلمان ، وبين التبشير بالديمقراطية والقول بأنها أفضل نظام سياسي عرفته البشرية ، وأنه الامتداد الطبيعي لتنوعات التطبيقات السياسية في حقبة الخلافة الراشدة.
 
 
- جدل الديمقراطية في الداخل الإسلامي السعودي:
برغم الكثير من الكتابات مازال الجدل حول الديمقراطية محدوداً في السعودية بالمقارنة مع الأقطار العربية أو حتى الخليجية كما في الكويت والبحرين مثلاً ، وقلة النقاش حولها مبرر ويعود لعدة اعتبارات سياسية وثقافية ، بالإضافة إلى أن الرأي السائد إلى فترة قريبة هو حرمة الديمقراطية، واعتبارها نظاماً كفرياً مخالفاً للشريعة ، كما تؤكده فتاوى أبرز العلماء السلفيين والمؤسسة الدينية الرسمية في السعودية ، بيد أن نسائم الربيع العربي جعلت من هذا الموضوع حدثاً ساخناً، ومادة إعلامية جذابة، ليتجدد الجدل وإن بأوجه أخرى، فشاهدنا -مثلاً- النقاش الطويل حول "سيادة الشريعة"، وهو جدل يقارب مفهوم عميق في الديموقراطية، وفيما يلي نماذج مقتضبة للآراء حول الموضوع في الداخل السعودي .
من أبرز حاملي لواء الدعوة للديمقراطية في السعودية الدكتور محمد بن حامد الأحمري، ويهتبل الفرص لتأكيد دعوته ، وبيان قوة موقفه في مقابل الموقف السلفي الرافض والمتشنج -برأيه- من الديمقراطية ، ومن آخر ما قدمه الدكتور في هذا الصدد كتابه عن الديموقراطية الذي نشرته الشبكة العربية للأبحاث والنشر مؤخراً ، وأيضاً استضيف لحلقة بعنوان"الديموقراطية والشريعة الإسلامية" في برنامج (في العمق) الذي يقدمه علي الظفيري على قناة الجزيرة والتي كانت يوم الأثنين 17/5/1433هـ - 9/4/2012م.
يقول الأحمري -معلقاً على وصول الرئيس الأمريكي أوباما إلى السلطة-: (انتصرت الديمقراطية العملية التي تجعل شعبا متعلماً جدلياً يعرف من هو الأكفأ والعملي، وتخلصت من عقد اللون والنسب والأصل ... إنها الأمم العملية التي تجردت من الوثنيات المتخلفة، وقدّرت من تتوقع أنه يصلح لها ويصلحها) ، ويضيف بلغة محارب: (المثال الأعلى للحكم هو الحكم الديمقراطي و ما عداه من أنظمة لا تستحق أن تذكر في الأخبار أي أخبار إلا أخبار المقهورين، أو المغلوبين على أمرهم، من أهل الهوامش الفاشلة أو المتخلفة) ، وينقد الرافضين للديمقراطية بعنف وقسوة قائلاً: (لم يزل منا سخفاء وضعفاء وجهلة وملبّس عليهم، وأهل شهادات من الأميين يرون في الحرية والديمقراطية كلمات غريبة وكريهة، وأفكارا غير مفهومة، أو عليها تحفظات وحُجُب ينسجونها من جهلهم لا نهاية لها، أو يرون فيها عزة لا تنال، فيستعيضون عن العزة والحرية والمسؤولية برغد العبودية!) [انظر لماسبق: مقاله:"انتصار الديمقراطية على الوثنية في الانتخابات الأمريكية" المنشور في مجلة العصر بتاريخ 10/11/2008م] . ويرى د.الأحمري أن دولة الإسلام هي دولة ديمقراطية في حقيقتها: (دولة الإسلام متكاملة حرة ديمقراطية، ديمقراطية وأعني منها "حرية المجتمع في انتخاب الأكفأ لقيادته"، وكانت الفتنة هي الخروج على ديمقراطية دولة الرشد، ولم تزل هذه الفتنة قائمة حتى تعود الحكومة في المجتمع الإسلامي حكومة ديمقراطية حرة، أي عادلة) ، و (ما حدث للصحابة في السقيفة وفي استخلاف عثمان، أشبه بالنظم الديمقراطية المعاصرة من أي أنموذج في تاريخ المسلمين بعد الفتنة المستمرة، والديمقراطية هي حق الناس في اختيار من يتولى إدارة مصالحهم) ، ويستطرد في الرد على التوجه السلفي بقوله: (إن ظروف انتصار السلفية التقليدية السابق لا يعني أنه سيصنع لها مستقبلاً ، فللمستقبل شروط نجاح أخرى، ويقف على رأسها الدعوة المخلصة الجادة للديمقراطية وللحرية التي من أهم معانيها العدل) ، ويُرجع د.الأحمري التخلف والخنوع للغرب إلى غياب الديمقراطية: (إن تحرير الإنسان من العبودية للأوثان ركن الدين الأول، وهذه المهانة والعبودية لليهود وأنصارهم، أساسها غياب عقيدة الحرية والديمقراطية -إذ لا تتم الحرية بلا ديمقراطية-) [انظر لماسبق : مقاله "التراجع عن نهج المدينة وعن الضروريات المدنية" المنشور في مجلة العصر بتاريخ 15/4/2010م ] ولا تخلو أطروحات د.الأحمري من لمز المخالفين وتحقيرهم ورميهم بالنقائص كما سبق وهو يقول أيضاً في مقاله "التراجع عن نهج المدينة وعن الضروريات المدنية" بلغة ظالمة أنه (لم يعد يناكف في الديموقراطية إلا قلة من الغائبين في التاريخ، أو من استولت عليهم أيديولوجية مغلقة!) ، وهذا الصنف من الخطاب خروج عن الموضوعية، ويعد لوناً من ألوان الهجاء المفلس .
المهم أحدثت أطروحات د.الأحمري ردود فعل متعددة في الداخل الشرعي، وربما كان في بعضها صرامة وحدّة ، ومن أشهر من ردوا على مقالات الأحمري الشيخ الدكتور بندر الشويقي وذلك في أكثر من مقالة من أبرزها التي عنون لها عنواناً صارخاً :"من الشويقي إلى الأحمري: هذا الطريق سبقك إليه الكواكبي الذي انتهى بالدعوة للعلمانية الصَّريحة!"، والشيخ بندر من الكتّاب المعروفين بقوة الحجة، وعمق المناقشة، وجودة الأسلوب.
بدايةً لا ينفي د.الشويقي حسنات الديمقراطية: (لست هنا أجادل في وجود جوانب مشرقة في النظام الديمقراطي تتعلق بها و تتشوف إليها نفوسُ و قلوب المسحوقين و المكمَّمة أفواههم) [انظر: مقاله "لا لأوثان البشر ولا لأوثان أفكارهم" منشور في شبكة فرسان المغرب الإسلامي بتاريخ 18/11/1429هـ] ، ولكنه مع ذلك يبين د.الشويقي أن (الديمقراطية فيها جوانب رئيسة تناقض نظام الحكم في شريعةِ الإسلام. لكن حيث يعيش المسلمون في ظلها، فلا حرج عليهم في المشاركة فيها، دفاعاً عن حقوقهم) ، تجويز المشاركة في ظل النظام الديمقراطي يبين ضرورة التفريق بين الأنموذج/والضرورة ، ويوضح الشويقي مبررات رفضه القاطع للديمقراطية فيقول: (وأنا حين أتحدَّثُ عن شرورِ الديمقراطية الغربيةِ، فليس لأنها الآن تطرقُ أبوابنا وتكاد تنشرُ علينا رحمتها المتوهَّمة. بل لأني رأيتُ بعينيَّ كيف عملتْ عملها في تسميمِ عقولِ الكثير من أهل الإسلام، فحملتهم على التنكر لأحكام دينهم، ومعاداة شرعة ربهم، حتى انحط بعضهم لمرتبة الازدراء بشريعةِ الإسلام) ، ويضيف: (غالباً ما يقترنُ تعظيم الديمقراطية، بمناطحةِ الأحكام الشرعية التي تصادم النسخةَ الديمقراطية الوحيدة الجذابة، أعني النسخة الليبرالية. فكثيراً ما تسمعُ من معظمي الديمقراطية التشككَ والتشكيكَ في مثل حكم المرتد، وأحكام أهل الذمة، ونحو ذلك من الأحكام التي انطلقت من معارضتها شرارةُ نقضِ الشريعة في شتى أقطار المسلمين) ، فـ(شريعة الإسلامِ تحوي قوانين و أحكاماً كثيرةً جداً تتعلق بالدماء، والأموال، والمعاملات، والقضاء، والشهادات، وأحكام الحرب والسلم "الجهاد"، والولايات، وصفة الحاكم الشرعي، ومتى يكونُ شرعياً، ومتى تزول شرعيته، وحقوقه على رعيته، وحقوق الرعية عليه، وأحكام الأموال العامة "بيت مال المسلمين" جبايةً وإنفاقاً، و الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وحقوق الأقليات "أهل الذمة"، وأحكام أهل البدع، وحدود حرية التعبير، وقيود ممارسة الشعائر، والعلاقات الدولية، وما يسوغ مما لا يسوغ من المعارضة السياسية .... إلخ وتحت هذه العناوين الكبرى أحكامٌ كثيرةٌ يعسر حصرها، كلها تدخل تحت مسمى "مرجعية الشريعة"، وفيها أحكامٌ واضحةٌ ينطبقُ عليها حسبَ المفاهيم الديمقراطية الليبرالية وصفُ "الاستبداد"، و"انتهاك الحريات"، و"التمييز العنصري"!) [انظر: مقاله: "من الشويقي إلى الأحمري: هذا الطريق سبقك إليه الكواكبي الذي انتهى بالدعوة للعلمانية الصَّريحة" منشور في مجلة العصر بتاريخ 4/12/2008م] .
وممن كانت لهم جولات فكرية لنقض الديمقراطية الكاتب المميز الشيخ إبراهيم السكران فهو يصرح قائلاً: (أغلب من رأيت من المنتسبين للفكر الإسلامي ممن يتحدث عن الديمقراطية رأيتهم يتحولون تدريجياً من "أسلمة الديمقراطية" إلى "دمقرطة الإسلام"!) ، ويذكر السكران مبررات رفض الديمقراطية فيقول:(العقد السياسي الشرعي لا يجوز أن يعقد فيه أي شروط باطلة، ومن جعل في عقد الولاية شرطاً محرماً فهو عقد محرم، والديمقراطية تضمنت شروطاً باطلة كثيرة، منها: أن تكون الأحكام الشرعية خاضعة للتصويت، والمساواة بين المسلم وغير المسلم في الحقوق السياسية كحق الترشح والانتخاب، وحق أهل الضلال في نشر ضلالهم والدعوة إليه، وحق المرأة في تولي الولاية العامة، وحق المواطن في تغيير دينه دون قتل "الردة"، ونحو ذلك) ، و(أعظم هذه المصائب التي في الديمقراطية هي جعل الشريعة على أساس الخيرة لا على أساس الإلزام) ، ويوضح السبب الجوهري في الخلاف على الديمقراطية: (من أراد استجماع أطراف الخلل في قضية النظام الديمقراطي فسيجدها في قضية "السيادة" فأهل السنة يرون السيادة المطلقة لـ"الشريعة" ، والديمقراطيون يرون السيادة المطلقة لـ"البرلمان" ، وشرعية الشريعة عندهم لا تستمدها من الفريضة الإلهية، بل تكتسبها من إقرار البرلمان) ، ويؤكد أن الطرح الديمقراطي كثيراً ما يتضمن: (كثرة الحديث المنبهر المهزوم عن الحياة السياسية الغربية، والمساواة بين الكافر والمسلم في الحقوق السياسية على أساس المواطنة، والتهوك في حرية الأحزاب العلمانية في الدعوة والتغيير، واستباحة الإمامة العامة للمرأة، وجحد حد الردة، ولمز نصوص الطاعة السياسية في الصحاح والسنن، واعتبار فتاوى أئمة أهل السنة والجماعة في منع الخروج المسلح تكريساً للاستبداد، والتهكم بكتب العقيدة والفقه...) [ انظر: مقالة "ذرائـع الإصـلاحيين" لإبراهيم السكران منشورة على الشبكة في جمادى الأولى 1431هـ] .
وفي سياق الرفض أيضاً يقول الدكتور لطف الله خوجة: (قلنا: إن الديمقراطية والشريعة نقيضان ، وأن هناك من يجادل في هذه النتيجة، ويتعالى عليها وعلى من توصل إليها بوصفها ووصفه "بالسطحية" ، ويزعم: أن القانون الوضعي "كالديمقراطية"، لا يعارض الشرعي؛ باعتبار أن الوضعي منتج بشري، يدور على القيم العليا للإنسانية، فهو إذن موافق للشريعة، غير مخالف ومثل هذا يلزمه: أن المسلمين، ومنذ ألف سنة وزيادة، ضلوا عن وسيلة لحل مشكلاتهم في الحكم، حتى عرفوها من طريق الغرب. وأن أهل الإسلام، عبر قرون متوالية، لم يظهر فيهم من يرشد ويفتح باب حل لأزمة الحكم والحكام، فاضطروا اضطرار وكرها انتظار هذه المدة الطويلة، حتى يأتي الفرج عن يد أوربا طبعا، سيقول هذا وغيره: بل عرفه وطبقه الخلفاء الراشدون ، وهو جواب ملفق، لكن لا يزال يلزمهم: أن المسلمين بعد عهد الخلفاء كانوا ضالين، يدخل في ذلك القرون المفضلة، من بعد 40هـ "انتهاء عهد الخلافة الراشدة"، حتى انقضاء عصر التابعين، في منتصف الثاني؛ أي ما يقارب المائة عام. هذه المدة الموصوفة بالخيرية بالنص النبوي الصحيح، كانت أيضا في ضلالة - بحسب قولهم - عن طريق موثوق صحيح لإصلاح خلل الحاكم أمور لا يقبل بها معظم للخبر النبوي، معظم لسلف الأمة) ، ويعتقد الدكتور (أن الديمقراطية فكرة وآلية، ويستحيل الفصل بينهما، فإذا جمعت الشعب كله، بمختلف اتجاهاته وطوائفه ودياناته، لينتخب، فأنت مضطر سلفاً أن تقبل بمرشحيهم، وعليك أن تقبل بما يقضي به الأغلبية في البرلمان من أحكام، ولو كانت مضادة كليا لشريعة الله تعالى، وإلا كنت ضد الديمقراطية) [انظر مقاله"سقوط الديمقراطية.. أمريكا أنموذجا"، منشور على الشبكة] .
بيد أن هناك من سلفيو السعودية من يقبل بالديمقراطية المقيدة ، ولا يرى فيها حرج ، ومن هؤلاء د.عوض القرني الذي يذهب إلى أن (الديمقراطية وسيلة من الوسائل ولا تلزم الناس بمضمون معين، وإنها وسيلة شبه متفق عليها لمعرفة ما يختاره الشعب، فكثير من أنظمة الحياة داخلة في المصالح المرسلة كنظام المرور ونظام الهجرة وهي داخلة ضمن هذه المصالح المرسلة) ، ولا يمانع د.القرني أيضاً من التعددية السياسية (نحن نتحدث عن التعددية السياسية في المجتمع المسلم في إطار الشريعة فعندما تكون الشريعة هي الإطار المنظم للعمل الإسلامي فهذه جائزة بمعنى إن تتعدد الاتجاهات والبرامج والخطط في إطار الشريعة فطبيعة السياسة تستند إلى أربع مكونات،السنن الربانية لأمر الحياة،ومعرفة المصالح والمفاسد،وأحكام القدرة والاستطاعة،ونصوص القواعد الشرعية،هذه الأربع المحددات في إطارها والاستناد إليها يجوز أن يكون هناك تعددية والأمة ترجّح ذلك،كالمذاهب الفقهية على سبيل المثال اختلاف ضمن الإطار الشرعي) [من: حوار أجراه موقع المسلم مع د.عوض القرني بتاريخ 11/9/1430هـ . وقد قام بالرد على الشيخ عوض القرني الباحث إبراهيم الأزرق ، ونشر تعقيبه في موقع المسلم بتاريخ 13/9/1430هـ] ، فالقرني يرى أن الديمقراطية وسيلة وهي منفصلة عن أي مضمون فكري وبالتالي لا إشكال فيها إذا كانت في إطار الشريعة .
وألّف الصحفي السعودي نواف القديمي كتابه "أشواق الحرية" المؤيد للديمقراطية ، والذي يرد على السلفيين الممانعين ، يتحدث القديمي في مقدمة كتابه بلغة شاعرية حالمة فيقول: (حين نتحدث عن الديمقراطية فنحن نتحدث عن التغيير ، عن أوجاعنا المتنامية ونحن نرقب الوحشية والدمار والإمعان في الإذلال وهتك الكرامة ولا نملك حيال ذلك إلا تسويد بيانات الإدانة ، ومقالات الرثاء ، حين نتحدث عن الديمقراطية فنحن نتحدث عن إصلاح أوضاعنا المتداعية ، عن التنمية الاقتصادية المعاقة ، عن إرادة الشعوب المسلوبة ، وعن غضبنا الذي لا رجع لصداه ، وعن حناجرنا المبحوحة وهي تصرخ بمن لا يسمعها ، وتناشد من لا يقيم لها وزنا .. ولنا أن نحلم ساعتها ونتساءل : ماذا لو كان القرار بيد الشعوب؟) [ أشواق الحرية لنواف القديمي ص7 . المركز الثقافي العربي . الطبعة الأولى 2009م] ، ويذهب القديمي إلى أن (المجتمع المسلم سيكون أقرب إلى تطبيق حقيقي للشورى الشرعية في حال أخذ بالآليات الديمقراطية) [ أشواق الحرية ص28] ، ويؤكد أن بين يديه (عشرات النصوص والتجارب والاستخدامات النظرية والعمليّة التي تؤكد على الطابع الإجرائي والتنظيمي - لا الأيديولوجي- للنظام الديمقراطي وأنه عبارة عن آليات وأدوات إجرائية لتنظيم الحياة السياسية) [ أشواق الحرية ص14-16] . وهذه فكرة محورية في كتابه ركّز عليها لأنه يقول أن هذه هو متكأ الرفض لدى السلفيين ، واعتماداً على حكمه السابق بإجرائية الديمقراطية يقرر القديمي في مواضع من كتابه التفريق بين "الشورى" وبين "الديمقراطية" بصفة الأولى تمثل مفهوم ومبدأ لا ينطوي على آليات وأدوات لتنفيذه ، بينما الثانية تعبر عن هذه الآليات والأدوات المفقودة [ أشواق الحرية ص25] .
بعد صدور الكتاب -وهو يفتقر للتوثيق والتسلسل المنطقي وعمق المعالجة-  تجدد الجدل حول الموضوع ، وكتب الباحث عبدالوهاب آل غظيف رداً عليه بعنوان "الديمقراطية على أنقاض الشريعة-قراءة في أشواق الحرية" ، ومما جاء في الرد قول الباحث: (إن معارضة الديمقراطية لم تكن معارضة لنظام سياسي فحسب ، بل كانت معارضة لحمولة فكرية تخالف الإسلام ، وهذا معنى تعرض للتشويه كثيراً من قبل الديمقراطيين ، ويكفي في بيانه : أن المعارضة لم تكن لمفهوم الانتخابات والاختيار وإنما لمفهوم التصويت على الشرع وتبرير طرحه وكفالة مخالفته) [ مقال"الديمقراطية على أنقاض الشريعة - قراءة في أشواق الحرية"، منشور في موقع مركز التأصيل للدراسات والبحوث بتاريخ 5/1/2011م ].
وتأتي مساهمة الدكتور عبدالله الصبيح في ما يمكن تسميته "أسلمة الديمقراطية" ، يقول (الجدل العريض حول مفهوم الديمقراطية وتطبيقاتها يدفعنا معشر المسلمين إلى أن نخوض فيه ونجتهد في تكييف ديمقراطية تناسب تصورنا الإسلامي ضرورة التمييز بين المحتوى والوسيلة فيمكن أن نقبل الديمقراطية وسيلة للحكم ولاستطلاع رأي الشعب، ولكن أرى أنه ينبغي لنا أن نصوغ المحتوى الفكري، والقيم التي تحكمها بما يتفق مع قيمنا الإسلامية. ومن ذلك أن تكون المرجعية في الحكم هي الشريعة الإسلامية، وليست إرادة الشعب. وبهذا يمكن أن نعرف ديمقراطيتنا بأن مرجعها هو القرآن والسنة) وأجاب عن اعتراض مفاده (أن هذا يتعارض مع أحد مبادئ الديمقراطية وهو علمانية الدولة) من أربعة أوجه ذكرها [انظر: "نحو تصوّر إسلاميّ للديمقراطيّة"، منشور في موقع الإسلام اليوم ، يوم الأربعاء 29 شوال 1425هـ ] .
ويقارن بين الشورى والديمقراطية: (وبعض من ينتقد الديمقراطية يقابل بينها وبين الشورى وهذا ليس صحيحا لأن الشورى طريقة لاستخراج الرأي بينما الديمقراطية نظام حكم متكامل، يتكون من أجهزة متعددة، وليست مجرد انتخابات أو تصويت أو استطلاع للرأي) ، وينظر إلى الديمقراطية باعتدال فيقرر أن (الديمقراطية ليست شرطاً لتقدم المجتمع ورقيه وليست شرطاً لاستقراره) ، ولكنه يعود للقول بأنها (ربما تكون من أفضل أنظمة الحكم في استيعاب الاختلاف وإتاحة الفرص للجميع) ، ويطالب الرافضين للديمقراطية بتقديم البديل (ولا يكفي منهم التحذير من ضلال الديمقراطية، والحديث العام المجمل عن نظام الحكم الإسلامي) [انظر: الديمقراطية في مجتمع مسلم . مجموعة مقالات للدكتور عبدالله الصبيح . منشورة في موقع مجلة العصر ] .
هذه بعض المقاربات حول جدل الديمقراطية في الحالة السعودية ، أتمنى أن تكون أمدت القارئ بتصور عن خلاصة الآراء في الموضوع،  وصلى الله على نبينا محمد.
الكاتب: عبدالله بن عبدالرحمن الوهيبـي
19 05 1433

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..