الصفحات

الأربعاء، 2 مايو 2012

أزمة العقل المصري

نفخ الأخوان في كير الأزمة بين مصر والسعودية ثم تراجعوا بعد أن أدركوا أنهم من أوائل الخاسرين. لكن الأزمة كشفت تولنهم وكذلك فضحت عنجهية البعض ممنْ لا يتوقف عن الإساءة للخليجيين بمناسبة ومن غير مناسبة.

ميدل ايست أونلاين
ما يحدث بين السعودية ومصر مضحك وساخر وجزء من المسرحيات العبثية التي يبدع اخوتنا في مصر بتأليفها وتمثيلها واخراجها، بل ويزاحموننا على مشاهدتها ايضا.

ليست هي الحادثة الأولى ولا الأخيرة بين البلدين وهذا نتاج لمستوى التعليم والتربية والوطنية الزائفة والفوقية في النظر للآخرين والاعتداد الوهمي بالنفس والبحث عن جنازة واستبسال فرقة اللطم في جلد الذات العربية.

لا يهم البعض مستقبل علاقات الدول ولا الشعوب، بل يهمه ان يحقق نقاطا في معارك سياسية بائسة، ومن لم يستطع فعل شيء في حمار الجيش وضع السعودية على البردعة وجعل يرجمها بالحجارة.

حين اعتقل الجيزاوي في مطار جدة قال المصريون ان ذلك تم لأن عليه حكما قضائيا بالجلد لسبه الذات الملكية، وتبين كذب ذلك الادعاء فلا يوجد في قانون العقوبات السعودية تهمة كهذه، كما ان القانون السعودي لا يقر معاقبة أجنبي على جريمة تمت خارج أرض السعودية، ولو كانت السعودية تعرف ان الجيزاوي غير مرحب لديها لما منحته تأشيرة عمرة.

ومن فصول المسرحية الجيزاوية ان الجيزاوي اعترف بالصورة والصوت وفي حضور القنصل المصري في جدة انه حمل معه اربع حقائب منها اثنتين فيهما أدوية يقول انه لا يعرف نوعها، والغريب ان المحامي الجهبذ يحمل حقائب لا يعرف ما فيها وكلنا يعرف قوانين السفر الدولية والاجراءات الأمنية في فحص كل مسافر لحقائبه.

لم يكن المهم عند شلل الردح المصرية ما فعل الجيزاوي بل المهم ان لا يسجن مصري في السعودية حتى لو قتل عجوزا مقعدا، فهو فرعون وطاووس لا يمس وكل افعاله مشروعة. وهذا أمر مضحك بل ومهين ليس للسعوديين بل ولغيرهم.

لنستعرض احدى القوى السياسية المصرية وردة فعلها خلال الأزمة بين مصر والسعودية، وهي الإخوان المسلمين التي حين اشتعلت الأزمة كان اعضائها كنافخ الكير يشعلها حين تهدأ. ارجعوا لبياناتهم لتعرفوا لماذا يقال عنهم انهم متلونون. في بداية الأزمة أنضموا وببسالة لحفلة اللطم والتهريج التي جمعت محششين وطبالين وراقصين وغلمان 6 ابريل وزعران اليسار وظلاميي صباحي، وتبارى الجميع في الرقص على النار. وحين اغلقت السعودية سفارتها وتبين هؤلاء فداحة الضرر وتأثير ذلك على الاف الاخوان العاملين في السعودية واحد مصادر دخل الجماعة بعد الدعم القطري، وامكانية ان يعمل السعوديون على تقليم اظافر الوجود الاخواني المصري في السعودية طالبوا بالهدوء.

عن أي هدوء يتحدث هؤلاء المنافقون؟ يشعلون النار ثم يطالبون الاخرين باطفائها.

الحقيقة ان الاخوان ساهموا في حفلة ممتعة يستحق عادل أمام السجن سنة مع الاشغال الشاقة لأن مخيلته لم تصل الى فصل واحد من فصولها.

قالوا في السعودية الفاحش من القول، بل ويا ليت مشكلتهم كانت مع النظام السعودي، فللنظام ملك يحميه. لكن الشعب السعودي أتهم بأقذع التهم، وتم شتمه الى درجة ان "منقبة" تشتم أهل مكة والمدينة، ولطالما أتهم السعوديون (الوهابيون) بأنهم ينقبون المصريات، والحمد لله ثبت ان المنقبات يكرهن السعوديين ايضا، وليسوا خلايا نائمة لهم.

قالوا في السعوديين والخليجيين انهم أميون والرسول صلى الله عليه وسلم أُمًي. وأنهم رعاة غنم والأنبياء كلهم كانوا رعاة غنم. وانهم متخلفون، جهلة، وكما قال صديق "نسبة الأمية في مصر 27.4٪ ونسبة الأمية في السعودية 13.4٪ فعلى أي اساس يرمون بالجهل والتخلف".

لا ينكر اي عاقل ان في مصر كفاءات وعلماء أكثر الله عددهم، لكن هناك جهلة في مصر ممن يتندر المصريون عليهم بل ويصوغون النكات فيهم وبعنصرية مقيتة.

كل هذا يقودنا الى أن نبرة التعالي والكبرياء يجب ان تنتهي لدى الأخوة في مصر، فهم الآن الدليل الحي على فشل التنمية وانتشار الجهل والتخلف بل وأحدث نموذج للدولة والنظام الفاشل، الذي لا يعرف هل الدستور أولا او رئيس الجمهورية أولا. فجأة فشلت كل التقنية المصرية الباهرة والعبقرية في اكتشاف كيف يمكنها ان تبني نظاما سياسيا وهي التي تتبختر بسبعة الاف سنة حضارة.

واجب المصريين ومعهم السعوديون الذين لطالما ساعدوهم في دعم الاقتصاد الوطني ومنذ اربعين عاما دفع عجلة التنمية، فالمصري العالم يحتاج للسفر للغرب كي ينبغ، وهو مثل اي عربي يحتاج للغرب وعلومه ولو بقي احمد زويل في جامعته المصرية لما نجح في ما وصل اليه.

الأزمة الجديدة هي نفسها التي حدثت ايام قضية الطبيب المصري الذي اتهم بالكذب وتشويه سمعة مدرس سعودي في مدرسة أبنه، وبغباء منقطع النظير تكفل الاعلام المصري انذاك في حفلة لم نسمع فيها صوت المصري العاقل وبينما صمت فيها الأكثر حكمة في مصر.

وقضية الطبيب المصري وما فعله الاعلام المصري يكذبان ما تقوله بعض الاصوات المصرية المتشنجة في ان ضجة الجيزاوي الجديدة جاءت لأن المصريين استردوا كرامتهم بعد رحيل مبارك، فقد كانت هناك ضجة مثل هذه من قبل، بل وأكثر وقاحة، واكتفى السعوديون بنشر الاساءات حتى يقرأها شعبهم ويعرفوا حجم الكره والحقد عند بعض المصريين تجاه كل خليجي.

اين هو صوت العقل المصري حين تقول جريدة "المصري اليوم" ان الخسائر المبدئية للاستثمارات السعودية المصرية إذا تدهورت الأوضاع السياسية ستصل الى 15 مليار جنيه؟ منْ يريد ابقاء مصر في ضعفها الاقتصادي ومنْ يريد ان يحرمها معونة السعودية وغيرها من دول الخليج؟

ولماذا السعودية بالذات؟

لقد قتلت مصرية دون رحمة في المانيا ولم تقتحم السفارة الالمانية او ينزل العلم الالماني وتهان كرامة قياداته؟ ماذا عن الشيخ المصري الأعمى المعتقل في نيويورك؟

والمضحك ان شلة الأنس في القاهرة من الأسواني وغيره يقولون ان الجيزاوي لو كان اميركيا لما حصل له ما حصل، يا للخيبة ونظامهم تخلى عن كرامته أمام اميركا قبل اسابيع قليلة في قضية و"على عينك يا تاجر" بأن أخرجت الولايات المتحدة وبالقوة من اعتقل من موظفي منظمات مدنية يعملون لصالح اميركا في عقر دار مصر وخوفا من قطع المعونات تم اطلاق سراحهم وبعين صاغرة.

من يستفيد من دق أسفين بين السعودية ومصر؟ هل هم مليون ونصف مليون مصري يعيشون في السعودية ويعولون أسرهم في مصر؟ من يحميهم من ردة فعل اصحاب الأعمال السعوديين الذين لا يرضون إهانة شعبهم؟

لن تخسر السعودية من سحب سفيرها في القاهرة شيئا، بل سيكسب اقتصادها. فالمعونات المليارية ستوجه لداخلها ولتنميتها، والعمالة المصرية ستقل مما سيمكن الشباب السعوديين من الحصول على فرص عمل. ويكفي السعوديين مجاملة النظام المصري باستقبال عمالة غير مؤهلة تزاحم السعودي لقمة عيشه.

لن يساعد المصريين سوى انفسهم. لا معونات اميركية وسعودية. وان كان البعض يخشى ان تتجه مصر الى ايران، فالحقيقة اننا مللنا من هذه الاسطوانة فمن يريد ان يتحالف مع ايران فليقم بذلك فلن تفيده ايران بل ستستعمله وستجعل من بلاده احد النماذج التالية غزة التائهة او لبنان المنقسم، او سوريا المزلزلة او العراق المسروق. فتفضلوا الى احضان الشيطان المعمم.

سحب السفير السعودي ليس رسالة لغلمان 6 ابريل، بل هي رسالة قوية للعقل المصري ان وقت الكبرياء الوهمية والنظرة الفوقية انتهت، وأن على مصر مراجعة نفسها وتتصرف كعاقل المنطقة لا أزعرها، مصر التي في خاطر كل عربي، الأم الحنون والتي تقف مع أخوتها ولا تتصرف برعونة.

فشل النظام المصري الحالي في حماية المصالح السعودية فتصرفت هذه المصالح بكل رعاية لمواطنيها وسمعتها ودون ان يغرق الأعلام السعودي وهو أقوى بكثير من إعلام الردح والطبل والزمارة.

والنقد لا يوجه لأخوتنا في مصر على تجاوزاتهم بل ايضا للسعوديين انفسهم. فأعلامهم كان مبعدا عن تغطية الحقائق التي كان من المفترض ان يخرج بيان بالصور عن ما حصل في المطار لا ان ننتظر دورات التعليم التي قام بها السفير السعودي وهو يشرح للمتردية والنطيحة ظروف القضية.

وتعالوا بنا للشيخ سلمان العودة الذي تفتقت عبقريته في قناة روتانا ليعلن ان مشكلة الجيزاوي هي اختلاف ثقافات بين الوهابية والصوفية والسلفية. بالله عليكم، هل تفرق كلاب الجمارك واجهزة تفتيش العفش في المطار بين سلفي ووهابي وصوفي.

وليس العودة وحده من يخفق في توصيف الحالة، فالاسلامويون لا يريدون خسارة اتباعهم في مصر ويحاولون البقاء في منتصف المسافة بين الطرفين لأن وطنية الملة والجماعة هي الأهم فالوطن الأرض والشعب في نهاية قائمة الأولويات.

أما الحقوقيون المندهشون من الوضع فمعركتهم مع النظام السعودي تجعل بعضهم يرى ان النظام يكذب حتى في مواقيت الصلاة، ومثله مثل غيره السياسة تغلب على تصرفاته وكرهه للنظام السعودي يجعله يعمى عن رؤية مصلحة وطنه، بل لا يشعر بالإهانة لأنه لا ينتمي للوطن.

في النهاية نريد القول ان الظروف تغيرت ولا يوجد المعلم والتلميذ بل توجد المصالح وكل دولة عليها رسم سياستها بناء على مصالحها وأن رسمت سياسة دولة عبر "عيال صيع" فقل على هذه الدولة السلام. أما النظام السعودي فعليه ان يعتمد على شعبه وان يراجع سياساته التي يدفع ثمنها الشعب مهانة ومالا فكفاه ملاطفة لجار مترهل غاب صوت أهل العقل فيه وهرب أهل الحكمة وما أكثرهم لأديرة الصمت خوفا من شارع مليء بمتعاطي الصنف.

عبد العزيز الخميس

هناك تعليق واحد:

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..