الصفحات

السبت، 30 يونيو 2012

مرحباً بإيران في الشرق الأوسط الجديد ... إن رغبت

بغض النظر عن الخطأ المهني المحرج الذي لم تعتذر عنه بعد وكالة «فارس» للأنباء المقربة من «الحرس الثوري» الإيراني، الذي زعمت فيه أنها أجرت مقابلة مع الرئيس المصري محمد مرسي قال فيها: «إن تعزيز العلاقات
(بين مصر وإيران) سيحقق التوازن الاستراتيجي في المنطقة»، فإن حماسة الوكالة لتزوير اللقاء والتصريح يكشف حالة «ضيق واحتياج شديد» لدى إيران لكل ما يمكن أن يعيد لها توازنها الاستراتيجي.

مشكلة إيران أنها لا ترى شرق أوسط جديداً يتشكل وفق قواعد جديدة، في علاقاته الخارجية، وفي أولويات شعوبه يقوم على تحقيق رغبتها في الحرية والحياة الكريمة بعيداً عن الشعارات الفارغة والتعلق بالزعامات.

لا تزال إيران تدور وتتلفت باحثة عن حليف تضمه إلى صفها فيصطف معها ضد «خصومها» وما أكثرهم. لا تزال تعيش في أجواء المحاور، فلم تستيقظ بعد إلى أن محور «ممانعتها» ينهار يومياً من دمشق إلى بيروت. ربما ترى ذلك وتريد محوراً جديداً يعوضها عمّا ضاع وتنقذ القليل المتبقي. لا تزال إيران تصر أن الربيع العربي متأثر بثورتها وزعيمها الخميني الذي لم يرفع أحد صورته، لا في ميدان التحرير بمصر ولا ساحات التغيير باليمن، وبالطبع من يجرؤ أن يحمل صورته في سورية غير النظام؟

يبدو أن مرشد الثورة خامنئي مقتنع بما يكرر في خطب الجمعة من تحايا يرسلها إلى الشعوب العربية المنتفضة في مصر واليمن والبحرين (بالطبع) متجاهلاً ملحمة الحرية في سورية، وأن الأمر ليس مجرد حملة علاقات عامة، فباحثة إيرانية من جامعة طهران التقيتها أخيراً في مؤتمر بعاصمة أوروبية تقول إن الساسة هناك مقتنعون أن إيران في صف الكاسبين من الربيع العربي! وقدمت لنا ورقة بحث تقول فيها إن إيران تقف مع الثورات العربية من دون أي تأثيرات طائفية، والدليل أنها تقف دوماً مع الثوار الفلسطينيين «رغم أنهم سنّة»!

الرئاسة المصرية نفت بسرعة حصول الحوار، بل ذهبت إلى إعلان نيتها مقاضاة الوكالة. بداية غير جيدة للعلاقات المصرية - الإيرانية، وإشارة واضحة إلى أين هي وجهة مصر القادمة، لكن لا ينبغي أن نفرح لعلاقات سيئة أو متوترة بين مصر «الإخوان» وإيران، فحتى السعودية تريد علاقات جيدة مع إيران وجربت ذلك أكثر من مرة، نجحت لعدة سنوات في عهد الرئيسين رفسنجاني وخاتمي، ولم تكن علاقات عرضة، وإنما علاقات تأسست بعد اتصالات سرية استمرت لعدة أشهر شملت كل شيء، من مواضع الاختلاف الخارجية، إلى إعادة الثقة أمنياً والتي توجت بزيارة الراحل ولي العهد السعودي الأمير نايف بن عبدالعزيز عام 2001، وتوقيعه اتفاقات أمنية مفصلة، أدت إلى تحسن العلاقات بين البلدين بشكل كبير، وهو الذي قيل فيه، رحمه الله، مراراً أنه لا يطيق الإيرانيين ولا العلاقة معهم.

روى لي الديبلوماسي الإيراني حسين موسيفان الذي تحول في بلاده من سفير مقرب من رئيس الجمهورية إلى معارض فمعتقل فأستاذ جامعي في بلاد «الشيطان الأكبر» كيف استقبله الملك عبدالله بترحاب عندما وصل الرياض أواخر التسعينات مبعوثاً من الرئيس هاشمي رفسنجاني، فطلب منه أن يأتي في المرة الثانية ومعه عائلته للعمرة «أشعرني الأمير عبدالله (كان وقتها ولياً للعهد) أنني صديق وليس مجرد مبعوث لإصلاح العلاقة بين بلدين، كأنه يقول لي يجب أن تكون العلاقة بين بلدينا علاقة بين أسرة واحدة» يضيف قائلاً: «عندما أثيرت بعض المسائل الأمنية قال لي اذهب للأمير نايف وما يوافق عليه سأوافق عليه». تحسنت العلاقة بين الرياض وطهران لبضع سنوات، شهدنا معارض تجارية متبادلة ووفوداً وزيادة في عدد الحجيج والمعتمرين، اختفت المشاكل التي كانت تعكر صفو العلاقة بينهما، ثم تدهورت العلاقة حثيثاً بوصول أحمدي نجاد للسلطة عام 2005 أو دخول الأميركيين بغداد وسقوط صدام حسين عام 2003، تبعاً لاختلاف تحليل المراقبين السياسيين.

اختلفت مع باحثة وباحث إيرانيين اجتمعنا قبل أيام في المؤتمر المشار إليه، فبينما لمت نجاد وحَمّلته مسؤولية تدهور العلاقات بسبب سياساته التوسعية، كان رأيهما أن سقوط عراق صدام حسين هو السبب، إذ كان «منطقة عازلة» بين بلدينا، فتحدثا عن اصطدام النفوذ السعودي بمثله الإيراني في العراق الجديد، على رغم أني اعتقد أن السعودية أخطأت إن لم تنافس إيران هناك، وتركتها ترعى وحدها وتمد نفوذها وميليشياتها، ولكني أتفهم طبيعة السياسة السعودية التي تدعم أصدقاءها، لكن لا تجيد خلق الميليشيات والأحزاب التابعة، مثلما فعلت إيران في العراق وانتشرت فيه باستخباراتها ورجالها. كان يمكن أن نتجادل حول التاريخ ولكن المهم الآن هو المستقبل.

كيف يمكن أن نقنع إيران أن ثمة شرق أوسط جديداً يولد من حولها بينما هي لا تزال تفكر بمنطق النظام القديم البائد، حيث المحاور والتخندق والتوسع؟ الشيء الوحيد الثابت في العلاقة بينها وبين جيرانها هو مشروعها النووي، وهذا ليس لدول المنطقة قرار فيه، إذ إن إسرائيل والغرب هما من يحركان المجتمع الدولي ضدها، وسوء تصرفها مع جيرانها يجعلهم لا يبالون بما يفعل الغرب بها، بل أحياناً يرحبون ويتعاونون معه. يكفي أن نستمع إلى خطبة جمعة واحدة من جامعة طهران تهدد وتتوعد دول الخليج لننسى كل مشاعر الأخوة المفترضة بيننا.

السعودية رحبت بفوز مرشح «الإخوان» محمد مرسي ولكنها لم تبحث معه ولم تشجعه على سياسة محاور وتخندق مثلما تتمنى طهران. تنظر إلى مصر كشريك استراتيجي بغض النظر عمّن يحكمها، وستبحث عن قواسم مشتركة تجمعها بالنظام الجديد القادم في مصر ومثله في سورية وقبله في اليمن وليبيا وتونس والمغرب وبقية عالم العرب.

تدرك السعودية أن محرك الربيع العربي هو الاقتصاد، ورغبة الشعوب في الحياة الكريمة والرخاء، ومعها في ذلك تركيا، وستعملان معاً من أجل خلق تلك المساحة الحرة حيث تبقى الحدود «الاستعمارية» كما هي، ولكن تذوب وتتلاشى باتفاقيات التجارة الحرة وحرية التنقل.

توازننا الاستراتيجي يتحقق بالتعاون المشترك وعدم التدخل ونشر الرخاء واحترام حقوق الإنسان ورفض الهيمنة والإقصاء، فهل إيران مستعدة لذلك؟
تجربة الصداقة السعودية - الإيرانية لبضع سنوات قصار، تثبت أن ليس ثمة حتمية عداء بيننا وإنما الأصل تعاون وإخاء وإن اختلفنا. بإمكان إيران أن تحول سقوط النظام السوري إلى فرصة لها للتحرر من سياسات قديمة لم تجلب للمنطقة غير الخراب. أمامها النموذج التركي، لتجربه وترى كم باب سيفتح لها في المنطقة علناً وليس عبر زواريب وأنفاق سرية.

http://alhayat.com/OpinionsDetails/414778

جمال خاشقجي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..