الصفحات

الثلاثاء، 26 يونيو 2012

مجلس شورى عبدالعزيز، والوعد غير المنجز!


في 22/5/1343 هـ = 1924م في أوج انتشاء الملك عبدالعزيز بدخول الحجاز، وكعقد اجتماعي مفترض كما فهمه أهل الحجاز ولكي يطمئن الحجازيين وغيرهم على ديارهم وأموالهم وإرادتهم الحرة؛ جمعهم في صعيد واحد وألقى فيهم خطابًا شعبيًّا حول اعتماد الدولة بشكل أساس على قيمة الشورى والمشاركة الشعبية ودور الأمة في السياسة فقال نصًّا: “وما أرى لكم أحسن من أن تلقى مسؤوليات الأعمال على عواتقكم، وأريد منكم أن تعينوا وقتا يجتمع فيه نخبة العلماء، ونخبة الأعيان، ونخبة التجار، وينتخب كل صنف من هؤلاء عددا معينا كما ترتضون وتقررون … ثم هؤلاء الأشخاص يستلمون زمام الأمور فيعِّينون لأنفسهم أوقاتا معينة يجتمعون فيها ويقررون ما فيه المصلحة للبلد” (البلاد العربية السعودية : فؤاد حمزة 98).
ولكيلا يكون المجلس المنتخب شعبيا مجلسًا صوريًّا مزيفًا يُخضَع فيه لإرادة شخصٍ واحد، بادر الملك عبدالعزيز بتوضيح قيمة المجلس واستقلاله التام واستقلال إرادته المطلقة فقال “تجدون بعض الحكومات تجعل لها مجالس للاستشارة… ولكن كثيراً من تلك المجالس تكون وهمية، تشكل ليقال أنه هناك مجالس وهيئات، ويكون العمل بيد شخص واحد  أما أنا فلا أريد هذا المجلس الذي أدعوكم لانتخابه أشكالا وهمية، وإنما أريد شكلا حقيقيا يجتمع فيه رجال حقيقيون يعملون جهدهم في تحري المصلحة العامة.” (البلاد العربية السعودية : فؤاد حمزة ص 99).
ثم أكد على الشرعية الشعبية للمجلس الأهلي هذا (الذي يماثل المجلس البلدي حالياً) مؤكداً أهمية انتخابهم بطريقة حرة ونزيهة فقال: “فأرجوكم بعد هذا المجلس أن تجتمعوا بالسرعة الممكنة، وذلك بعد أن تنظموا لي قائمة بأسماء الذين سيجتمعون من كل صنف من الأصناف الثلاثة لأقابلها على القائمة التي عندي فأتحقق من أن جميع أهل الرأي اشتركوا في انتخاب المطلوبين”.
وكرر الملك عبدالعزيز “لا أريد أوهاماً وإنما أريد حقائق” (البلاد العربية السعودية : فؤاد حمزة ص 99). وكان من أهم صلاحيات ذلك المجلس الأهلي الذي جاء في بيان الملك:
“1 ـ تنظيم أمور البلدية، ووضع لوائح صالحة له وكذلك النظر في المسائل الصحيحة والوسائل اللازمة لذلك.
2 ـ النظر في نظام المحاكم الشرعية وترتيبها بصورة تضمن توزيع العدل وتطبيق الأحكام الشرعية.
3 ـ تدقيق مسائل الأوقاف والنظر في أبواب الصرف الشرعية.
4 ـ النظر في حفظ الأمن داخل البلاد وترتيب الشرطة اللازمة لذلك.
5 ـ تعميم التعليم الديني، والسعي في تعميم القراءة والكتابة.
6 ـ النظر في المسائل المرقِّية للتجارة والمسهلة لسبلها وترقية وسائل البرق والبريد.
7 ـ تشكيل لجان دائمة لحل المشاكل الداخلية”
فكان هذا المجلس الأهلي/البلدي المنتخب يفترض أن يتولى كل شؤون البلديات المفترضة بصلاحيات واسعة حسب ما فهمه الحجازيون فيما يتعلق بالأوقاف بل حفظ الأمن ومتابعة التعليم الديني والنظر في مسائل التجارة والبرق والبريد… وغيرها
وبعد سنتين من هذا المجلس طُوِّرت الفكرة ليكون هناك مجلسٌ للشورى وليس فقط مجلس أهلي/ بلدي بإشراف الأمير فيصل حينها وعضوية أعيان الحجاز مثل: حافظ وهبة وحمزة الفعر وحسين عدنان وعبدالعزيز العتيقي وشرف باشا عدنان وعبد الله الشيبي وماجد كردي وحسين باسلامة وعبدالوهاب عطار وعبدالرحمن الزواوي والشريف شرف رضا ومحمد سعيد أبو الخير.
وبعدها بمدة بسيطة قدم الملك عبدالعزيز الدستور لهذه الدولة الوليدة، التي عرف بعدها بدستور الحجازوسماه “التعليمات الأساسية للدولة الحجازية”
نصت المادة الثانية من دستور الملك عبدالعزيز على: “أن الدولة العربية الحجازية، دولة ملكية شورية إسلامية مستقلة في داخليتها وخارجيتها”… والقسم الرابع من التعليمات الأساسية (الدستور) على مجلس شورى، “مجلس الشورى بمكة، ومجلس المدينة، ومجلس جدة” إضافةً إلى “مجالس النواحي”، و”مجالس القرى والقبائل”.
وتأكيدًا على أهمية الأمة الحرة وقيمتها وحقها في الاختيار الشعبي ورفضها العبوديةَ حينما استقبل الملك عبدالعزيز الأمير وحيد الدين حفيد الخليفة عبدالحميد الثاني – الذي سقطت على يديه (أي على يدي عبدالحميد) الخلافة العثمانية الإسلامية – استقبله في الرياض 9 ذي الحجة 1349 هجرية الموافق 1931 ميلادية قال الملك عبدالعزيز “إن أعظم من حاربنا هم أجداد هذا الرجل، ولم يقاتلونا إلا لأننا امتنعنا أن نقول للسلطان بأننا عبيد أمير المؤمنين، لا .. لا.. لسنا عبيداً إلا لله تعالى” (السعوديون: جلال كشك ص 435).
وفي خطبته في الحجاز، أوضح الملك عبدالعزيز قيمة الحرية في الإسلام، تلك الحرية التي وصفها بالتامة، والإخوة والمساواة المطلقة –كما عبَّر- ، فقال “القرآن الكريم قد جاء بالحرية التامة الكافلة لحقوق الناس جميعاً، وجاء بالإخاء والمساواة المطلقة” (السعوديون: كشك ص 37-38).. وقرر الملك عبدالعزيز بكل وضوح بأن قيمته السياسية هو في كونه فقط “وكيلا” للأمة فقال “إنما أنا وكيلٌ عن المسلمين في طرد الهاشميين”(السعوديون: كشك ص 526-527).  ومعروفٌ في اللغة العربية أن أداة “إنما” تفيد الحصر والتقييد، ثم قال في خطابه أمام قيادات مكة “لا أريد أن أستأثر بالأمر في بلادكم دونكم وإنما أريد مشاورتكم في جميع الأمور”، ثم في افتتاح مجلس الشورى محاولا التأكيد على “حرية” هذا المجلس المطلقة وقيمته قال “لقد أمرت أن لا يُسن نظام في البلاد ويجري العمل به قبل أن يعرض على مجلسكم من قبل النيابة العامة وتنقحونه بمنتهى الحرية“(السعوديون: كشك ص 69).
وبعد عقود مختلفة من المحاولات للدفع نحو مشاركة شعبية فعلية وحقيقية وليست وهمية يعود الجدل إلى الحلم الشعبي بفكرة العقد الاجتماعي الحقيقي بين طرفين يؤمنان بالمساواة المطلقة كما عبّر الملك عبدالعزيز وبالحرية التامة كما قال، وبعد عدة مقترحات دستورية وسياسية وحتى في عهد الملك فيصل عقب عدة مشاريع إصلاحية تم تجاوزها، يكرر الملك فيصل بأن “السلطات أمانة أودعتني إياها الأمة وأقامتني أمينًا عليها… كما أنني لا أستطيع التخلي عنها إلا إذا طلبتها الأمة صاحبة الشأن” فهو بكل وضوح يؤكد الحق الأولي والنهائي للأمة في اختيار السلطة وهي كما يعبّر “صاحبة الشأن” وليس أي أحدٍ آخر، وبالطبع فلن يُعرَف رأي هذه الأمة إلا بواسطة الآليات المدنية الدستورية المعروفة حديثاً في انتخاب ممثليها ووكلائها -كما أطلق عليهم الملك فيصل-.
ولكيلا يُقال بأن هذه المعرفة الصلبة بحق الأمة وحريتها وحرية إرادتها معنى غير معروف يؤكد الأمير فهد –وقتها في 1975 حين أعلن عن إيمانه بالديمقراطية فقال “إن الشورى هي إحدى أسس الديمقراطية الحقيقية” (مجلة الأسبوع العربي بتاريخ 12/5/1975. انظر: جذور الاستبداد: الكاتب ص 86).
ثم عاد الملك فهد ليصرح لصحيفة الصنداي تايمز” في عام 1984م حول تأسيس “مجلس شورى” خلال ثلاثة أو أربعة شهور ومع أن جميع أعضائه سيعينون من الحكومة، إلا أنه بعد سنتين سيعطى الشعب حق انتخاب نصف أعضائه انتخاباً مباشراً عن طريق مجالس المقاطعات وفي مرحلة لاحقة سيتم انتخاب معظم أعضائه بشكل مباشر من قبل المواطنين وسيكون برلمانا كغيره من البرلمانات في العالم فسيكون أداةً للتعبير عن الرأي ووسيلة لمراقبة تنفيذ سياسة الدولة وضماناً لمساهمة الشعب في الحكم . (صراع.. : القحطاني ص 234).
في كل تلك الأحداث والتصريحات المختلفة التي تؤكد بشكل مبكر جدا ليس فقط معرفة الملك عبدالعزيز وأبنائه الملوك من بعده بمفردات مدنية مثل مفردة “الدستور” ومفردة “حكومة الشورى” ومفردة “الرقابة الشعبية على السلطة التنفيذية” و”ديمقراطية حقيقية” و”حرية تامة” و”مساواة مطلقة” و “مشاركة الأمة” و”حقها في اختيار السلطة” و”الانتخاب المباشر” و”حق الأمة في اختيار وكلائها” ورفض التمثيل الشوري الوهمي، بل أيضًا اعترافهم بقيمة كل ذلك ووعود مختلفة للانتماء لكل تلك الحالة المدنية.
كل هذه المفردات ليست مفردات جديدة، وليست دعوات إصلاحية حديثة وكل تلك الوعود المدنية أيضاً ليست جديدة؛ إذن ماذا فعل الله بالمجلس الأهلي المنتخب بحرية دون شكل وهمي يحكمه شخص واحد كما حذر الملك عبدالعزيز؟ وماذا فعل الله بمجلس الشورى الذي يقوم بدور الرقابة على الأعمال التنفيذية للحكومة؟ وماذا فعل الله بالمشاركة الشعبية الحقيقية، وبالحرية التامة والمساواة المطلقة، والبرلمان الحقيقي الذي عرفناه من تصريح الملك فهد؟ هل يريد التاريخ ومسيرة طويلة من العمل على استخدام مفردات مدنية شعبية أن يثبت بأن كل جهد إصلاحي لا يقوم بسبب ضغط شعبي حقيقي هو محاولة تطوعية من قبل طرف واحد (الذي هو الفاعل السياسي)  للتعامل مع طرف آخر (المفعول به سياساً)؟ وكل شيء سوى ذلك سيكون وعوداً إصلاحية ليست جديدة ولا مبكرة ولا منجزة!
خاص بموقع “المقال”


25 يونيو, 2012

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..