الصفحات

السبت، 9 يونيو 2012

عروبة خارج التغطية !

إن المتأمل في حال الأمة العربية الإسلامية يرى حجم الألم الذي يعانيه هذا الجسد , فهنا جرح غائر , وهناك جزء مبتور , نصف هذا الجسد جائع ونصفه الآخر يعاني من امراض التخمة , يعيش بنصف عقل ونصف قلب وعين
واحدة .

إن نهضت قدم خذلتها الأخرى , هذا هو حالنا أمة لا تجيد إلا سرد الخطابات , تملأ الأفق ضجيجا بالأقوال ولا ترى لأفعالها إلا غباراً من رماد الليالي يتزايد ركامه حتى يخنقنا بصمته المخيف .

فلسطين , لبنان , العراق , السودان , وأخراً وليس الأخير ما يحدث اليوم في سوريا من مجازر , أغتصب اليهود فلسطين أمام أمة المليار فلم يحدث شيء ولم تتحرك فيهم لا نخوة ولا كرامة ولا حتى دين , ما زالوا يحملون ملف القضية معهم يخبئونه في أدراج جامعتهم المهترئة يلوحون به في كل اجتماع ويعيدونه مكانه في أرشيف القضايا العالقة .

تمزقت لبنان وتشوه وجهها الجميل بقنابل طائفية مسمومة حولت وجهها لخريطة مجهولة المعالم , احتلوا العراق بعد أن طبخوا غزوته بليل مدلهم , فحولوا أرضه الخضراء إلى أرض جرداء يقتلها العطش والجوع وهي من تضم في بطنها أغلى الكنوز , زرعها نخيل وارف وشرابها يستعذبه من يعرف ماء الفرات ودجلة .

وفي السودان رسموا طريق الانفصال , حرروا جنوبها من شمالها وهم في الحقيقة مزقوها شر ممزق , فلا السودان عرف طريق الاستقرار ولا التنازلات التي قدمها أرضت جشع من قسم الكعكة السمراء .

أما الشام فحكايتها حكاية مكتوبة بدم طاهر صغير , عدوها هو من كان يلبس ثوب المقاوم لإسرائيل , الذي قضى نصف قرن يفاخر بكراهيته للعدو , يتغنى بحب الجولان , ويفاخر بعروبة البعث , يخطب عن القوة والكرامة والحرية لفلسطين, يذر الرماد في العيون حتى لا ترى كم يحجب عنهم صورة عدوهم الحقيقي , العدو الذي غرسه اليهود بعناية , لحماية مصالحه واستمرار هيمنته على المنطقة .

كانت سوريا عبارة عن دراما تلفزيونية تحمس القلوب على حب الأوطان ورفض الطغيان والاحتلال , من "ليالي الصالحية" إلى "باب الحارة" من "الدبور" إلى "بيت جدي" , دراما صورت الحالة السورية اليوم وأظهرت كيف تنتهي المقاومة البسيطة للعدوان الظالم بإنتصار كبير وهذا ما سيتحقق بإذن الله على أيدي أبطال الثورة هناك, الفرق أنه في الدراما العدو هو المحتل يسانده الجاسوس والخائن والدخيل , وهنا النظام هو المحتل الذي يؤدي دور الجاسوس والخائن والدخيل .

ضل العرب لمدة طويلة في سبات عظيم , سببه ما يتم حقنهم به من أدوات تخدير متنوعه , مابين تخدير بالنساء , وتخدير بالمخدرات , وتخدير ببرامج هابطة تستنزف رجولتهم وكرامتهم .

وإشغالهم بالفقر والمشاكل الاجتماعية والخلافات الحدودية وزرع الشقاق بين الدولة وجارتها , فعلى سبيل المثال حرب الخليج الأولى , دولة عربية تحتل دولة عربية أخرى , وتنقسم الدول العربية إلى قسمين قسم يريد التهام الغنيمة وقسم يقف مع الحق , وبسبب هذا الاختبار البسيط تكشفت وجوه كانت تظهر الحب والصداقة .

لم تعد الدول تأمن بعضها البعض فأصبحت في كل كارثة تقف موقف المتفرج دائما , تخاف أن تخطوا خطوة للأمام فتجد طعنة من الخلف , ليس هناك قلوب متحابة وصادقة كلها قلوب مزيفة تجتمع على طاولة النقاش في العلن , وتلعن بعضها البعض في الخفاء .

لا أريد أن أكون تشاؤمية أو أن أزرع الاحباط في النفوس , ما زلت موقنة بأن الله قادر على تبديل كل الأحوال وأنه مهما أشتدت علينا تفرج بإذن ربها , وهذا لن يحدث إلا بعودة صادقة للتصافي وغسل القلوب والتقرب من الشعوب , فإن كان الحاكم يحكم ليقتل فقط فلن يكون له شعب , ولن يقر له قرار , ولن يهنأ بساعة راحة أو ثقة لأنه أخافهم فأخافوه , غدر بهم ولن يسامحوه , قتل أطفالهم ولن يتركوا ثأرهم منه , فالجروح قصاص وكيف إن أكملت هذه الجروح سنة كاملة من القتل وهتك الأعراض وحبس الحريات والتنكيل .

وإلى أن يحين هذا الشيء لن يحرر العرب إلا العرب أنفسهم , إن تركوا الشجب والاستنكار والضعف والاختباء. واستشعروا حجم ما ينتظرهم وأنها كلما سقطت دولة صرخت تحذر أخواتها انتبهوا فقد "أُكلت يوم أكل الثور الأبيض" , لن تعود لهذه العروبة هيبتها وقوتها إن هي فقط انتظرت حلول "مجلس الخوف" الذي لا يتحرك إلا لمصالحه , ولن تحل مشاكلها وهي تعيش حالات الشتات والخلافات والظلم والفاقة والجهل المركب , لن تعود لها الأمجاد إلا باجتماع كلمة ووحدة صفوف وسلامة معتقد وصلاح دين, وقوة في الاقتصاد , ومهنية في الإعلام فهو من يخرج لنا جيل العباقرة والأبطال برسائله الإيجابية التي تخاطب العقل وتفتح المدارك وتجمع القلوب , فإن كان هابطا سلبيا فهو أداة تعطيل وتجهيل لا أكثر , إنها أمة عربية كانت في يوم من الأيام قلب العالم تقوده وتحركه وتخيفه , ثم أصبحت الطبق اللذيذ الذي يجتمع عليه آكلي لحوم البشر ولصوص الثروات .

آن الآوان أن تصحوا هذه الأمة النائمة , لا لتفتح الأمصار فهي بالكاد تستطيع أن تحافظ على ما تبقى من جسدها , بل لتنهض وتستفيق وتحاول أن تمارس دور البطولة المفقود إن لم يكن بالعلن فعلى الأقل تمارسه في الخفاء , تدعم المظلوم وتنصره , تفتت من يفتتها , تحارب من يحاربها بنفس الاسلوب , وأن تخلع عنها ثوب التسامح والمثالية المزيفة , فالتسامح مطلوب إلا في الكرامة أو الدفاع عن النفس , وعندها قد يعود الإرسال المقطوع لعقود طويلة .
بقلم / ليلى الشهراني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..