الصفحات

الخميس، 7 يونيو 2012

اقتصادنا إلي أين!

ذكرني النقاش الدائر حول اقتصادنا بسؤالين لم أجد لهما إجابة منذ بداية الدراسة الجامعية وحتى نهاية الدراسة العليا؛ لماذا لا يؤدي انفاقنا الحكومي لزيادة نشاطنا الاقتصادي، ولماذا لم تنجح خططنا التنموية في تنويع مصادر دخلنا؟ معظم علماء الاقتصاد
يربطون الإنفاق الحكومي بخلق وظائف جديدة ومعظم دول العالم تسخر مشاريعها الكبرى لتشغيل يدها العاملة ولتنويع مصادر دخلها، خططنا التنموية كان ومازال هدفها الأول تنويع مصدر الدخل وإيجاد المواطن المنتج، غير أن هذا الهدف النبيل تحول إلي أمل مع رياح الطفرة النفطية الأولى، سبعينات القرن الماضي، فنمنا علي الوسادة الوثيرة للنفط التي أوجدت المواطن المستهلِك، وبرغم معاناتنا بانخفاض أسعاره في التسعينات وربطنا للأحزمة وتضرر مشاريع التنمية، إلا أن نظرتنا للنفط لم تتغير، وضعنا خدا علي يد ننتظر تحسن الأسعار حتى أتانا الفرج العام 2003م لتبدأ طفرة نفطية ثانية حولت ذلك الأمل إلي حلم علي الوسادة الخالية للنفط التي أنتجت المواطن المستهلَك.
ليس هذا بكاء علي لبن مسكوب، فذلك ترف لا يتحمله الظرف، ومل كثيرون تكرار دعوات تعديل المسار، لكني لن أمل التذكير بدعوة أبوالاقتصاد السعودي الدكتور محسون جلال، رحمه الله، قبل أربعين عاما في كتابه "خيار التصنيع" لخلق قواعد اقتصادية بديلة تلغي مساوئ اقتصاد الريع، والتذكير بمقارنة الدكتور ألن بيتي في كتابه"الاقتصاد الكاذب" بين أمريكا والأرجنتين، كلاهما كان بلدا زراعيا وغنيا، استعملت أمريكا فائض ثروتها لبناء اقتصاد صناعي بإستيراد التقنية الصناعية الأوربية فغدت أكبر دولة صناعية، وبددت الارجنتين فائض ثروتها بإستيراد بضائع البذخ والرفاهية الأوربية فأفلس اقتصادها. اتجاوز العبر والنذر وحديث الينبغيات هنا، وأعود لسؤالي عن الإنفاق الحكومي المؤدي لخفض معدلات البطالة وتنويع مصادر الدخل فأجدده إلي: كيف ينتهي إنفاقنا نحن بتشغيل عمالة غيرنا عبر مقاولين يهمهم إنخفاض الأجور، فتبقى عمالتنا رهينة البطالة وانعدام الخبرة وتصبح صناعتنا بيد غيرنا؟
قطاعنا العام يتحمل جزءا من المسئولية، فالوزارة التي توكل مشاريعها لمقاولين علي طريقة تسليم المفتاح تشارك في تهميش شبابنا، كان يمكن فرض نسبة لليد العاملة الوطنية في كل مشروع وإن بطريقة التدريب علي رأس العمل، كان يمكن إشتراط برامج تدريب تنتهي بالتوظيف، كان يمكن تحمل جزء من الأجر، لكننا اكتفينا بشرط مساهمة رأس المال الوطني، فخسر شبابنا فرص التدريب واكتساب الخبرة. لو فرض البيروقراطي شروطه علي المقاول لأمكن استيعاب معظم خريجي كليات الهندسة والكليات التقنية والمعاهدالمهنية، تفاقم الوضع أكثر بغياب مبدأ المحاسبة وانعدام وجود شركات عامة لتنفيذ مشاريعنا العامة فخسرنا مرتين، تنامي معدلات البطالة وتلاشي تكوين صناعة وطنية بأيد محلية. قطاعنا الخاص يكتفي بالفرجة والشكوى من إنعدام التدريب والخبرة وهي مقولة حق يراد بها باطل، ربما صح ذلك قبل سنوات، ولنفرض جدلا أنه موجود حتى اليوم، هل البديل إستيراد عمالة وعدم تدريب شبابنا، هل البديل أن نظل عالة علي غيرنا؟ قارنوا فقط بين الامتيازات المقدمة للقطاع الخاص وعدم قيام معظمه بواجباته.
تذكرون أيام اعتمادنا علي الحج والعمرة، وهو قطاع منتج يخلق آلاف الوظائف لأيد وطنية تأتي من كل صوب لخدمة ضيوف الرحمن، أكثر من هذا غطي احتياجات المملكة لعقود قبل اكتشاف النفط، ونحمد الله أنه مصدر دائم لقيام الساعة، أما النفط الذي طغى اعتمادنا عليه وجُرنا علي حق الأجيال القادمة فيه، فمهدد بالنضوب أو الاستبدال خلال عقود، فماذا أعددنا لذلك اليوم؟ هل سنكتفي بصناعات مرتبطة به ستذبل إن هو اختفى، وهل يمكن استدراك وإصلاح ما مضى؟ أميل إلي التفاؤل دوما، وما فات جله لا يترك كله، مازلت آمل أن يصبح اقتصادنا أقل اعتمادا علي مصدر ناضب لا محالة، وأكثر اعتمادا علي مصادر بديلة بأيد محلية تغنيه الارتهان إلي ما يأتي عبر البحر، وكما كان يقول الأجداد قد "يقفل البحر" يوما، فيتعذر إستيراد البضائع أو تصديرالنفط، فكيف سنعيش؟

: Tue, 5 Jun 2012 19:23:37 +0000 
جميل فارسي



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..