الصفحات

الجمعة، 29 يونيو 2012

من يستطيع ان يصبح رئيسا؟

 ابسط تعريف للديمقراطية واكثرها انتشارا هو "حكم الشعب للشعب" وذلك عبر عملية دستورية منظمة تضمن حق المواطنين في إختيار حكومتهم, رئيسا او رئيس وزراء او مستشارا, وحقهم في التشريع والمساءلة عبر ممثليهم
المنتخبين. هناك تفاوت بين دول العالم في التنظيم والتطبيق وفي نوع الأنظمة السياسية ولن ندخل في ذلك.  نظريا, العملية تضمن وتنظم حق اي مواطن مكتمل الأهلية في ممارسة الإنتخاب أو ترشيح نفسه للمناصب التنفيذية والتشريعية, ولكن هل هناك تطبيق دقيق لذلك؟ هل يستطيع "أي" مواطن كامل الأهلية والشروط الترشح والوصول لأعلى المناصب بدون شبكة من العلاقات أو الإنتماءات من نوع او آخر؟ دعونا نأخذ "لفة" سريعة من الشرق الى الغرب لمحاولة الفهم:

نبدأ بالهند التي تعد من اعرق الديمقراطيات وبلد ال 1.2 مليار نسمة, من المعلوم ان هناك عدد من العائلات المتنفذة تحتكر المشهد السياسي, قالت إحدى صحف الأسبوع الماضي انها 500 عائلة ولاشك انها اقل من ذلك بكثير عندما نستثني السياسيين المحليين, على مستوى الولايات. أشهر هذه العائلات هي عائلة نهرو-غاندي -لاتمت بصلة للمهاتما غاندي- والتي بدأ إنغماسها في الشأن السياسي عبر موتيلال نهرو الذي خدم كرئيس لحزب الكونغرس الهندي ثم اصبح إبنه جواهر لال نهرو رئيسا للوزارة الهندية وهو اهم منصب تنفيذي حيث ان منصب الرئيس يعتبر تشريفيا, تبعته إبنته, حفيدة موتيلال, السيدة انديرا غاندي في نفس المنصب ثم ابنها راجيف غاندي ايضا وكل ذلك عبر الإنتخابات.  في وقت لاحق, انتخبت سونيا غاندي, زوجة راجيف الإنجليزية الأصل, للبرلمان واستلمت رئاسته كما حصل ابنها راهول على عضوية البرلمان.

نجتاز حدود الهند إلى جارتها الباكستان حيث هناك عائلات قليلة, عشرات, تتوارث المناصب السياسية وإن عبر الإنتخابات, واشهرها عائلات بوتو وشريف وزرداري. لنأخذ عائلة بوتو كمثال. هي عائلة إقطاعية اتى منها ذوالفقار علي بوتو منشىء حزب الشعب الذي فاز بأغلبية الأصوات في إنتخابات برلمانية مما خوله إعتلاء سدة الرئاسة وبعد إقرار دستور للبلاد, اصبح رئيسا للوزراء حتى إنقلب عليه ضياء الحق واعدمه. ابنة ذوالفقار, بناظير ورثت قيادة حزب الشعب وفازت عن طريقه برئاسة الوزراء بعد مقتل ضياء الحق ثم اقيلت ثم عادت حتى خسرت الإنتخابات وغادرت البلاد وعند عودتها بعد عفو رئاسي, تم اغتيالها وبعد إغتيالها بفترة, اصبح زوجها آصف علي زرداري رئيسا للباكستان عبر استفتاء داخل البرلمان.

آخر الصرعات للإستئثار بالسلطة عبر منصب الرئاسة يأتينا من روسيا, عبر التبادل المرتب لشاغلي منصبي الرئيس ورئيس الوزراء بأسلوب اقرب لديمقراطية الورديات أو الرئيس المحلل! وذلك بالتحايل على العملية الإنتخابية على الطريقة الروسية: بوتين / ميدفيديف ثم ميدفيديف / بوتين ثم بوتين / ميدفيديف. جاء بوتين بعد استقالة يلتسين, وكان نائبا له, الى منصب الرئاسة عبر إنتخابات رئاسية "مسلوقة", ثم اعيد انتخابه لولاية ثانية واختار ميدفيديف نائبا لرئيس مجلس الوزراء. عند انتهاء الفترة الثانية ولعدم دستورية الولاية المتتالية لأكثر من فترتين, تم انتخاب ميدفيديف رئيسا والذي بدوره وضع بوتين كرئيس للوزراء في تبادل للأدوار وعند انتهاء ولايته, اعيد انتخاب بوتين مرة ثالثة معيدا ميدفيديف لرئاسة الوزارة. 

ننتقل الى الجزء الغربي من الكرة الأرضية وإلى المكسيك, هناك بضع عشرات من العائلات المتنفذة (عادة من اصول اسبانية) تحتكر الرئاسة والمناصب المهمة منذ استقلالها مثل عائلات مارتينز دل ريو وهانك وكالديرون وكارديناس, هؤلاء وغيرهم يسيطرون على مفاصل الإقتصاد وحتى تجارة المخدرات تتحكم فيها عوائل قليلة. من الصعب إختراق هيمنة هؤلاء خاصة بالنسبة للسكان الهنود الأصليين.

نأتي الى الولايات المتحدة, مقياس الديمقراطية العالمي ومعقلها والتي يسعى البعض لإستيرادها وتسعى هي لتعميمها. بلد "العم سام" لم تسلم هي الأخرى من تأثير العم والخال كما سنكتشف! دعونا نستعرض بعض الحقائق عن المنصب الرئاسي: توالى على الرئاسة 44 رئيسا منذ انتخاب جورج واشنطن, أول رئيس قبل اكثر من 200 سنة, نصفهم (22) من اصول ايرلندية والذين يكونون 12% فقط من السكان. 43 من ال 44 رئيسا كانوا من العرق الأبيض و 40 منهم يعتبرون مسيحيين بروتستانت (البروتستانت 51% من السكان) وواحد فقط كان كاثوليكيا (الكاثوليك 25% من السكان) و 2 من الكويكر وواحد مرجعيته غير معروفة او غير معلنة, الرئيس الكاثوليكي الوحيد كان جون كندي الذي انتخب وترأس عام 1961 وقتل 1963 والرئيس الغير ابيض الوحيد هو اوباما ويعتبر بروتستانتي من اصل ايرلندي من امه.

في امريكا ايضا عائلات عديدة تضخ اعضاء كونغرس ونواب وحكام ولايات ونواب رئيس ورؤساء ومن اشهرها عائلتي كندي وبوش. عائلة كندي انجبت رئيسا هو جون كنيدي, زوج جاكلين اوناسيس وعشيق مارلين مونرو, وأخوه روبرت مرشح الرئاسة الذي قتله سرحان بشارة خلال حملته واخوهما إدوارد الذي انتخب واعيد انتخابه مرات متتالية للكونغرس ومات وهو عضو فيه وباتريك كندي عضو مجلس النواب وحتى زوج ابنة اختهم ارنولد شوارتسنقر (الممثل النمساوي الأصل) انتخب كحاكم لكاليفورنيا وكذلك زوج اختهم روبرت شرايفر الذي كان مرشحا لمنصب نائب الرئيس عام 1972.

العائلة الأخرى هي عائلة بوش وابتدأ انغماسها في السياسة منذ اواخر القرن التاسع عشر عبر سامويل بوش الذي كان مستشارا للرئيس هوفر وخلف برسكوت بوش الذي انتخب كسناتور في مجلس النواب ثم إبن برسكوت, جورج بوش (الأب) الذي انتخب للكونغرس ثم اصبح مديرا للسي آي إي وانضم لريغان كمرشح لنائب الرئيس وفازا بالإنتخابات ثم ترشح عن الحزب الجمهوري وانتخب واصبح الرئيس ال 41 للولايات المتحدة. ابنه جورج بوش (الإبن) انتخب حاكما لتكساس ثم فاز بالإنتخابات الرئاسية واصبح الرئيس ال 43 كما ان اخوه جب كان قد انتخب كحاكم لفلوريدا. هناك, تأهيل مرشحي الرئاسة يبدأ منذ وقت مبكر عبر الإنخراط في نشاطات احد الحزبين الرئيسيين وبدء تسلق السلم. كما رأينا, فإن الإنتماء العرقي والديني للمرشح يلعب دورا مؤثرا في دعم فرصه للوصول, كما ان مجموعات الضغط (اللوبيات) كآيباك والكنيسة والسلاح والنفط والبنوك ونقابات العمال سابقا تلعب دورا ضاغطا وداعما في كل العملية ممايجعلها ديموقراطية "ديمولوبية".

لاحاجة لأمثلة اخرى فالعائلات المتنفذة التي تمتهن السياسة وتحتكر المناصب موجودة في جل الدول الديمقراطية, ليس بالضرورة إجبارا او تنظيما ولكن كتمرس وتراث عائلي, كما تٌبتكر وتٌمارس ايضا أساليب إلتفافية, وإن كانت دستورية, لحصر وضمان نتائج الإنتخابات. كما انه ليس هناك مدينة فاضلة ولا عالم مثالي, يندر ان يوجد تطبيق مثالي للديمقراطية على الأقل في جزئية مدى قدرة الفرد "العادي" لتسنم المناصب العليا بدون الحاجة الى "سٌلَّم" خاص,

محمد الفوزان

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..