الصفحات

الجمعة، 20 يوليو 2012

عن القضاء المسيس والدساتير والاستبداد الأنيق

"إن الحكم علي في بيئة ضربت فيها المافيا والعصابات والفساد في الأعماق بسبب شعر قمت بالاستشهاد به وليس لفساد أو لجناية ارتكبتها، أو لأنني تعديت على حقوق أحد العباد، فإن ذلك لا يقلل من شأني، إنما يقلل
من مفهوم العدالة بهذه الدولة. وهذا الحكم إنما يزعزع ثقة الملايين بالعدالة وليس ثقتهم بي." بهذه الكلمات عبر أردوغان عن شعوره بعد حكم القضاء بسجنه في محاولة لإيقاف ملحمة النجاح التي سطر أول سطورها عند رئاسته لبلدية اسطنبول سبتمبر 1998.

وبمراجعة أنماط الاستبداد في العالم تجد نوعان واضحان من الاستبداد "الاستبداد الغشيم" و "الاستبداد الأنيق"، ففي حالة الاستبداد "الغشيم" يفرض المستبد رأيه بسطوة السلاح مما يوجد شعور شعبي غاضب ينذر بالانفجار في أية لحظة، أما في حالة "الاستبداد الأنيق"، فيكتب المستبد ورقة يعطي لنفسه فيها ما يريد من صلاحيات وسلطات ثم يسمي تلك الورقة "دستورا" أو "قانونا" أو "إعلانا دستوريا مكملا"، أو ضع ما شئت من المسميات، ثم يسمي قضاة بعينهم "المحكمة الدستورية" ليلجأ الجميع إليهم للشكوى عند الاختلاف على دستورية أي قرار. نوع من الهزل والعبث والتلاعب بمقدرات الشعوب تقوم به حفنة من الطغاة.

ولذلك نقول، إن الدستور يجب أن يكون نتاج تفاعل مجتمعي ويعبر عن ثوابت الشعوب "الشريعة"، وطموحها ورغباتها في إنشاء دولة المؤسسات ووضع الضوابط الخاصة بها، أما إن كان الدستور من نتاج طبقة تدعي أنها نخبوية، وأن لها الحق في تقرير الحد الفاصل بين الصواب والخطأ في المجتمع، وتقوم المؤسسة العسكرية بحماية تلك الورقة فليس ذلك إلا نوعا من "الاستبداد الأنيق" بدلا من "الاستبداد الغشيم" السابق، وببساطة سيختزل الحراك الثوري الكبير الذي تم في "عملية انتخابية" لاختيار الحكومة ليس إلا. ويجب على هذه الحكومة أن تسير وفقا للقواعد النخبوية المزعومة، وإلا فهي مهددة بالإقالة لمخالفتها للدستور. لذلك، فنحن نرفض أي ضغوط على الشعب في وضع دستوره أو اختيار رئيسه.

إن الحرية التي بدأنا ننالها، ودفعنا ثمنها من دماء الشهداء وعيون وأرجل وأيدي المصابين، إنما يراد لها أن تختزل في العملية الانتخابية، والحقيقة أن الثورة قامت ضد الاستبداد، ويجب أن تستمر حتى يسقط الاستبداد بنوعيه "الأنيق" و"الغشيم"، ولابد للحرية من قضاء مستقل غير مسيس، وإلا فإننا سنفتح الباب أمام صناعة نظام فاسد يلعب في الخفاء و يعتبر نفسه فوق العدالة. إن استقلالية القاضي والمؤسسة القضائية والنائب العام تعتبر ورقة ضمانة لعدم تغلغل الفساد في الحكم.

وما دمنا قد ذكرنا الدساتير، فعجبا لحفنة من الطغاة يريدون من الشعوب أن تنصاع لورقة كتبوها بأيديهم يتلاعبون بها بإرادة الشعوب كما يشاءون، ولا يريدون للشعوب أن تنصاع لربها العلي العظيم الذي أرسل رسوله رحمة للعالمين.

لن نقبل إعلانا دستوريا مكملا يتم فرضه علينا، لن نقبل محكمة دستورية خاضعة سياسيا للسلطة الغاشمة. لن نقبل أن نكون واجهة براقة للعسكر أو أمريكا لندفع عنهم اللوم. لن نقبل إلا أن ننال حريتنا كاملة غير منقوصة.

سنحيا كراما.

محمد نصر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..