الصفحات

السبت، 7 يوليو 2012

بقاء الأمر على التحريم دون شائبة أولى من إباحته والانشغال بتطهيره من الشوائب

الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله................ وبعد:
فقدت شاهدتُ تسجيلا لبرنامج "حراك" المبثوث في قناة "فور شباب" في موضوعه عن تمثيل الصحابة رضي الله عنهم, وما يدور في الساحة من سجال تجاه هذه المسألة, ولن يكون حديثي هنا عما لاحظته في تلك الحلقة وما قُدِّم فيها إذ لم تكن نقطة البحث بين المتحاورين متفقة تماما, بل دارت رحى النقاش إلى "الدراما" بشكل عام ثم عادت إلى مسألة تمثيل الصحابة رضي الله عنهم, وبدأ كل واحد يُخرج من كنانته ما يراه أصوب ما يرمي به, فمنهم من نظر إلى الأصل وجرده عن واقعه, ومنهم من قصر الحكم في الواقع فقط.

كما لن يكون حديثي عن فضل الصحابة رضي الله عنهم ولا عن وجوب تبجيلهم, ولا عن حكم المسلسلات والتمثيل وخلاف العلماء في ذلك؛ إنما سأتحدث من زاوية أخرى وبُعدٍ آخر أرى النظر فيه من لازم الحكم على الشيء وهو من كمال التصور إذ قيل " الحكم على الشيء فرع عن تصوره". وسيأتي ذكره واضحا في خاتمة الموضوع.

غير خافٍ على مطلع ما للإعلام المرئي من أثر سواءً كان إيجابيا أم سلبيا, وأنه بات أحد أهم الوسائل في التأثير العالمي, بل هو أحد المؤثرات الفاعلة في توجيه الرأي وهو سلاح فوق العادة كما يقال!
والجيل الذي نعيشه والأجيال القادمة مستهدفة بما يواكب عصرها من تقدم وتطور, ومن الخطأ معالجة المستجدات بذات الأدوات المؤثرة في السابق!
وصلاحية الشريعة الإسلامية لكل زمان ومكان تحفظ للإنسان توازنه في التعامل مع المعطيات الجديدة حلا وحرمة.
وبالتالي: فإن من لوازم الحق إتباع طرائقه الصحيحة, والمناقشة بالحسنى دون تجريح أو تخوين أو دخول فيما لا خلاف في حرمته من سب وشتم وتوصيف للمخالف بما لا يثبت شرعا!
وبعد:

لننزل على رأي من يقول بجواز تمثيل الصحابة رضي الله عنهم للتعليم والدعوة – وهو رأي ابن جبرين رحمه الله من أكابر العلماء المعتبرين- ومع ذلك فهي لا تسند رأي من يقول بجواز مسلسل عمر؛ لأن ضوابط الفتيا في هذه المسألة غير متحققة في المسلسل, وحينها يكون التساؤل الذي أود معرفة جوابه ممن يجيزه أو يقول به سواء بنصه التاريخي أم بواقعه المشاهد:
 
ما مدى انفكاك الضوابط عن الواقع؟ وهل الحكم الشرعي يبنى دون نظر في التطبيق سيما ومدار الحكم أو منشأ النزاع في سلامة هذا التطبيق؟!

أليس في الفقه الإسلامي حرمة بيع الوسيلة أو الأداة الموصلة إلى فعل محرم؟! فيمنع من بيع العنب أو التمر لمن يتخذه خمرا, ويمنع من بيع السلاح لمن يريد الاعتداء على نفس معصومة, ألا يفهم من قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح "صلوا كما رأيتموني أصلي" " خذوا عني مناسككم" أن التطبيق له أثره في الحكم ؟!


فإن كان الجواب بالإيجاب فكيف نتغافل أو نتغاضى عن أمور مهمة في مسألة التطبيق:

(1) الممثلون أنفسهم . (2) الأمور المتفق على تحريمها كالموسيقى والنساء. (3) سيرة من يشرف على العمل ويقوم بإخراجه.

الجميع يدرك أن واقع الفن والتمثيل المشاهد, فيه من الخزي والعار ما لا يرضاه عاقل لنفسه أو لأهله, كما أن الأثر النفسي – وهو معتبر شرعا في الحكم- شديد حين تُرشِّد من تحت يدك, وتصحح له ما يرى من تطبيق الممثل لأدواره في مسلسلات سابقة, ثم تشيد بالممثل ويراه محل قدوة ورضى. ومن المعلوم أن عقل الإنسان يقوم فطرة على ربط الأشياء بعضها ببعض؛ فالطفل الصغير حين يُضرب أو يُنادى يتساءل مباشرة عمن ضربه أو دعاه, ولو لم يسبق ذلك تعليم!

- مسألة أخرى: اشتمال الشيء على أمر محرم غلب فيه ماذا يُحيل حكمه؟!

لا يمكن أن يكون الجواب هنا بالإباحة بناء على قاعدة ارتكاب أخف الضررين؛ لعدم وجود عنصر الإلجاء فيهما ! وعليه فلا أظن لدى الممانعين كبير حرج فيما لو سلم التطبيق من التحريف والأمور المنكرة.

تبقى مسألة ثالثة في ظني لها اعتبار في أثر الحكم ونحن نتحدث بصراحة وشواهد الحديث ما نراه واقعا وما يُدوَّن في تقارير وأبحاث:

مجموعة [mbc] لم يُعهد عنها أنها أرادت يوما.. ما فيه مصلحة شرعية ومصلحة للمجتمع المسلم أو حُفظ لها سعيها في الحفاظ على الهوية الإسلامية؛ بل قامت سرا وجهارا, ليلا ونهارا بهدم القيم الإسلامية والعربية وتشويه المبادئ والمفاهيم الصحيحة والصد عنها ومحاربتها!

فتأسيس هذا العمل وإسناده لمن عُرف شره, وبانت عداوته, لا يجيزه بل يزيده حرمة ومن استمسك بالظاهر دون نظر في المقاصد نجيبه بسلامة ظاهر مقصد من بنى مسجد الضرار! وأثر القصد والقاصد في الحكم واضح بدلالة إشارة الآية الكريمة إلى التقوى في التأسيس وهي أمر خفي, والإشارة إلى مَنْ فيه وهو أمر محسوس!

ويدخل في هذه النقطة مسألة اعتبار المآلات في التصرفات والأفعال في الشريعة, والأدلة على ذلك متوافرة فقد يمنع من أمر مباح خشية الوقوع في أمر محرم أو ظن وقوعه فيه!

وعلى التسليم بصحة الرواية التاريخية وعدم الخروج عنها وسلامة التطبيق من المنكرات فإني أتساءل عن سلامة الترجمة؟! نعم .. الترجمة ! فالعمل ضخم ولن تُبقيه مجموعة إنتاجية بذلت فيه أموالا طائلة دون تصدير للثقافات الأخرى!

فهل جانب مجموعة [mbc] مأمون من هذه الناحية مع ما في الترجمة من إشكالات؟!

إن مخالفة الرواية التاريخية الصحيحة في التطبيق أمر محرم, ولا يمكن أن تعد مجرد إساءة, بل هي أحد ركائز إباحة العمل فالمراجعة الشرعية لنص تاريخي دون تطبيق ملزم لها كمراجعة هيئة شرعية في أحد البنوك لعقود اتفاقية دون اشتراط للالتزام بها!
إن ما يُعرف بالدراما الهادفة قد فتح بابها من قديم, ولم ير للأسف ذاك الزخم الإعلامي والتشجيع والمؤازرة, ولا يزال العرق فيه ينبض!

وزعْم المبادرة والمسابقة إلى مثل هذه الأعمال زعم خاطئ؛ فقد عُرفت العولمة الحديثة بسعة أفقها ورحابة فضائها لكلا الفريقين, وشبكة المعلومات- الانترنت- شاهدة على ما نقول؛ فلم تمنع مبادرة أهل الصلاح أو تحد من مبادرات أهل الأهواء بل هي خطوط متعددة متوازية متخالفة في القلوب والمقاصد.

وبقاء الأمر على التحريم دون شائبة أولى من إباحته والانشغال بتطهيره من الشوائب.
اسأل الله سبحانه وتعالى أن يقينا الفتن ما ظهر منها وما بطن, وأن يصلح قلوبنا ويجمع أمرنا ويكفينا شر عدونا !
وكتبه/
عبدالعزيز الحربي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..