الصفحات

الجمعة، 6 يوليو 2012

رؤية في المثالية.. والعمل

ينظر النخبويون، والناقدون إلى الأخطاء في المجتمع، وينظرون بحسرة كبيرة إلى الواقع، وإلى الواقع المثالي المُتصور في أذهانهم، أو الذي شاهدوه: سواءً من خلال السفر إلى بلاد أخرى (أي أنه واقع موجود فعلاً على الأرض)
أو شاهدوه من خلال كتب التاريخ عمن سبقنا من السلف والأمم. وعلى حين يكتب البعض ويدعو إلى أشكال مختلفة مما (يجب أن يكون) نجد آخرين ينتقدون ويعيبون الشخص بأنه مثالي، وحين يتحدث يقال: كن (واقعياً) لا مثاليا!.

وكلا الفريقين على صواب.. أو كذا يخيل إلي!.
المثالية في التنظير والاستمرار فيها، تعد أمراً إيجابياً يفتح آفاقاً للتفكير المنطلق إلى أشياء ممكنة، وقابلة للتطبيق، وترى أن لكل مشكلة حلا ، ولكل داءٍ دواء، والمنظرون كُثُر، لكن الأفذاذ منهم قلة - كما يشير لهذا د. عبد الكريم بكار.
لكن الإغراق في التنظير - المثالي - دون حساب لعوائق الواقع، هو ما يجعل هذه المثالية
في نظر البعض مساوية للمستحيل: لأنه لا يوجد ماءٌ يحتوى على ذرات الهيدروجين والأوكسجين فقط،
ولا يوجد مائع مثالي! - هذا في الواقع - ، وعليه فإن فرضياتنا ومسائلنا العلمية تلك تفتقد
للكثير من الواقعية، لكنها منطلق لواقع يمكن أن نعمل عليه بإضافة الشوائب الأخرى إلى عملياتنا
التي نهدف بها لخدمة الواقع.
انطلاقاً مما سبق، يمكن أن ننظر إلى العديد من الحلول التي تطرح في أعمدة الصحف، وفي بعض االمواقع،
والقنوات وغيرها.
و من خلالها يمكن النظر إلى الحلول التي تبدو متعامية عن النظر الواقع: كبعض النظرات السياسية،
والتوجيهات الوعظية المختلفة، وكذا بعض دعوات إصلاح المجتمع.
العمل على الواقع الميداني يخضع لظروف وضغوط وعقبات، ويتبين في لحظة من اللحظات عدم صحة هذه الفرضية،
وتلك النظرية؛ فيتحتم التغيير في لحظة من اللحظات في جزء من المشروع الذي يجري تطبيقه، وربما يثبت عدم
صلاحه كله للتطبيق في هذا الواقع، فتكون خطوات أخرى في التغيير والتطوير.
ولذا، فإن نظرات التغيير والنقد والتصويب علينا أن نوجهها لأنفسنا وقدراتنا، وإن كان من مجال للعمل
بها فعلينا أن نجرب أنفسنا قبل أن نطالب الآخرين: فإن مدى الصعوبة التي تواجههنا في العمل حين نطبق
ستجعلنا ندرك ثِقل ما نطالب به الآخر وصعوبته وعِظَمه - إن كان كذلك - ، وهو ما يجعلنا في التنظير أكثر
رفقاً ومراعاة للواقع.
ومن جهة أخرى؛ علينا أن ننظر للواقع نظرة (واقعية) ، تكون على قدرها مطالباتنا - في هذا الواقع فقط -
حتى وإن كان سقف المطالبات عالياً، فإن مراعاتنا للواقع تتطلب أن نطلب الممكن في هذا الظرف، ثم ننتقل
إلى مطالباتٍ أخرى بالتدريج لنصل إلى الصورة ( الأقرب ) للكمال.
وبهذا، فإني لا يمكن أن أقول بجهل المنظر (المثالي) ، بل إنه يعد عملة نادرة، وجودها يكفل للعمل الذي
يتوجه إليه تميزاً منقطع النظير، فهو ولا شك: خير بألف مرة من التقليدي (والمقلد).

عبد الله أبو جابر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..