الصفحات

الثلاثاء، 18 سبتمبر 2012

الجهل بالله كفر أكبر وابن حميد الدين يدعو الناس إليه

الحمد لله المتوحد في الجلال بكمال الجمال تعظيماً وتكبيراً، والمتفرد بتصريف الأحوال على التفصيل والإجمال تقديراً وتدبيراً، المتعالي بعظمته ومجده، ٱلَّذِى نَزَّلَ ٱلْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَـٰلَمِينَ نَذِيراً, والصلاة والسلام على المبعوث للعالمين بشيرًا ونذيرًا بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وأزال عنها الغمة وأقام عليها الحجة بأفصح الكلام ومحكم البيان وظاهر البرهان .... أما بعد :
 
ترتعش اليد من كتابة الكلمات كيف لا ومن الناس من يطالبنا بمناقشة عبد الله حميد الدين حول شكوكه او ألاعيبه الماكرة وتشغيباته الساذجة حول الذات الإلهية رب السماوت والأرض الملك القدوس العزيز الحكيم الجبار المتكبر سبحانه وتعالى عن إفك الجاحدين والمجادلين بالباطل علوا كبيرا.
 
فابن حميد الدين يزعم بأن يؤمن بوجود الله تعالى ولكنه يزعم بأنه وأمثاله بله أكثر العالمين يغيب عنهم معنى هذا الرب الجليل والالة المعبود بحق, فينجو بهذا من تهمة جحود الوجود للرب المعبود بحق ومن تهمة الشك بوجوده سبحانه وتعالى وهما تخرجان صاحبهما من الملة بالإجماع .
 
ولكن هل نجا ابن حميد الدين من تهمة الجهل بالله تعالى ؟
 
يقول ابن حميد الدين في سياق الحديث عن كتابه الكينونة : ((والذي اعتبر أنه كتاب إلحادي أو يدعو إلى الشك. مع أن هدف الكتاب هو البحث عن الله. وتأسيس إيمان يختلط بالعواطف ويغيّر من رؤية المؤمن للعالم وللحياة وللكائنات)). انتهى
 
فالذي يقرأ هذا الكلام سيقول : هاهو الرجل يثبت وجود الله وينفي الشك في وجوده جل في علاه, وإنما يريد البحث عن الله تعالى بمعنى تكوين إيمان صحيح بالله عز وجل ومن لوازم ذلك لابد لنا من الإقرار بجهلنا وفساد تصوراتنا المسبقة عن الله تعالى ثم نبدأ بتكوين معرفة حقيقية صحيحة تغير من رؤية المؤمن للعالم وللحياة وللكائنات !!!
ويقول ابن حميد الدين مؤكدًا مقصوده : ((ومن المباديء الأساسية التي أنطلق منها هو أن غياب الله سيكون له آثار وخيمة على حياتنا الشخصية والأخلاقية والاجتماعية. ومبدأ آخر هو أن غياب الله يتحقق لا بالإلحاد وإنما بالتصورات التي نملكها عنه تعالى والتي أرى أنها لا تتصل بالإنسان ولا تربطه بالحياة. أما الإلحاد فلا يقلقني البتة. ولا أشغل نفسي بإثبات وجود الله تعالى بقدر ما أشتغل بتطوير تصوراتنا عن الله تعالى وربطها بالحياة)). انتهى
فهنا ينص على نفي الإلحاد ويزعم بأن غياب الله ( تعالى عن ذلك ) يكون بتصوراتنا له جل وعز, ولعله تغييب مكانة الله تعالى في نفوس البشر بسبب تصوراتهم الخاطئة بزعمه, وأما تعبيره بغياب الله تعالى عن ذلك فهو كفر بأن الله هو الحي القيوم الذي لا تأخذه سنة ولا نوم .
فابن حميد الدين يريد أن يقول : أن معرفة المسلمين بربهم عز وجل وتصورهم لها , معرفة خاطئة وحقيقة حالهم أنهم يجهلون ربهم ويتصورنه بتصورات خاطئة, وابن حميد الدين يسعى لتعريف المسلمين قبل الكافرين بربهم معرفة صحيحة لا تضاد الرؤية الطبيعية للحياة وللآخرين !!
فحاصل دندنته : الجهل برب العالمين, وهذا كفر مخرج من الملة بإجماع الطوائف المنتسبة للإسلام سنيها وبدعيها .
فربنا الاله الحق قد فطر الناس على معرفته والإقرار بوجوده ومحبته وأخذ عليهم الميثاق بذلك كما جاء في قوله تعالى { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172) أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ (173) وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (174) }

يقول العماد ابن كثير رحمه الله : يخبر تعالى أنه استخرج ذرية بني آدم من أصلابهم، شاهدين على أنفسهم أن الله ربهم ومليكهم، وأنه لا إله إلا هو. كما أنه تعالى فطرهم على ذلك وجبلهم عليه، قال تعالى: { فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ } [الروم:30] وفي الصحيحين عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل مولود يولد على الفطرة -وفي رواية: على هذه الملة -فأبواه يهودانه، وينصرانه، ويمجسانه، كما تولد البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء" وفي صحيح مسلم، عن عياض بن حمار قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقول الله [تعالى] إني خلقت عبادي حنفاء فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم، عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم". انتهى
 
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " فَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ فَطَرَ عِبَادَهُ عَلَى مَحَبَّتِهِ وَعِبَادَتِهِ وَحْدَهُ؛ فَإِذَا تُرِكَتْ الْفِطْرَةُ بِلَا فَسَادٍ كَانَ الْقَلْبُ عَارِفًا بِاَللَّهِ مُحِبًّا لَهُ عَابِدًا لَهُ وَحْدَهُ لَكِنْ تَفْسُدُ فِطْرَتُهُ مِنْ مَرَضِهِ كَأَبَوَيْهِ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ وَهَذِهِ كُلُّهَا تُغَيِّرُ فِطْرَتَهُ الَّتِي فَطَرَهُ عَلَيْهَا وَإِنْ كَانَتْ بِقَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ - كَمَا يُغَيَّرُ الْبَدَنُ بِالْجَدْعِ - ثُمَّ قَدْ يَعُودُ إلَى الْفِطْرَةِ إذَا يَسَّرَ اللَّهُ تَعَالَى لَهَا مَنْ يَسْعَى فِي إعَادَتِهَا إلَى الْفِطْرَةِ. وَالرُّسُلُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَسَلَّمَ بُعِثُوا لِتَقْرِيرِ الْفِطْرَةِ وَتَكْمِيلِهَا لَا لِتَغْيِيرِ الْفِطْرَةِ وَتَحْوِيلِهَا " . انتهى
 
ولهذا تجد دعوة كل الرسل لأقوامهم تبدأ بقولهم (اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا) ولم تكن دعوتهم قط (تعرّفوا على الله أو صححوا تصوراتكم عن الله ربكم ثم اعبدوه) كما يزعم ابن حميد الدين, بعكس شرائع الإسلام فتجد النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث إرسال معاذ رضي الله عنه إلى اليمن يقول له : " فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا اله إلا الله وفي لفظ [ أن يوحدوا الله ] " فلم يطلب منه أن يعرّفهم بالله أو يصحح تصوراتهم عن الله , لعلمهم به وإنما دعاهم للرجوع لتوحيده وترك الإشراك به, بعكس طلبه منهم باقي الشرائع فقد قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فإن هم أجابوك لذلك, فاعلمهم بأن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة " فلما كانت الصلاة مجهولة قال له ((فاعلمهم)) ولم يقل لهم ((فادعوهم)) فلا يستقيم أن يؤمر بالدعوة إلى أمر مجهول .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " فَكُلُّ إنْسَانٍ فِي قَلْبِهِ مَعْرِفَةٌ بِرَبِّهِ. فَإِذَا قِيلَ لَهُ {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} عَرَفَ رَبَّهُ الَّذِي هُوَ مَأْمُورٌ أَنْ يَقْرَأَ بِاسْمِهِ كَمَا يَعْرِفُ أَنَّهُ مَخْلُوقٌ وَالْمَخْلُوقُ يَسْتَلْزِمُ الْخَالِقَ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ. وَقَدْ بُسِطَ هَذَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ وَبَيَّنَ أَنَّ الْإِقْرَارَ وَالِاعْتِرَافَ بِالْخَالِقِ فِطْرِيٌّ ضَرُورِيٌّ فِي نُفُوسِ النَّاسِ وَإِنْ كَانَ بَعْضُ النَّاسِ قَدْ يَحْصُلُ لَهُ مَا يُفْسِدُ فِطْرَتَهُ حَتَّى يَحْتَاجَ إلَى نَظَرٍ تَحْصُلُ لَهُ بِهِ الْمَعْرِفَةُ ... وَهَذِهِ الْآيَةُ أَيْضًا تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ النَّظَرُ أَوَّلَ وَاجِبٍ بَلْ أَوَّلُ مَا أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} لَمْ يَقُلْ " اُنْظُرْ وَاسْتَدِلَّ حَتَّى تَعْرِفَ الْخَالِقَ ". انتهى
 
فيا معشر المسلمين لا يلبس عليكم دينكم ابن حميد الدين وأمثاله, فهؤلاء أناس يريدون التفلت من الشريعة بالتشغيب والتمويه على ضعاف العقول والبصائر, فعليكم بنصيحة أئمة الهدى فهذا عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ رحمه الله يقول لكم : عَلَيْك بِدِينِ الْأَعْرَابِ وَالصِّبْيَانِ فِي الْكُتَّابِ .
ويقول ابن تيمية رحمه الله : وَعَلَيْك بِمَا فَطَرَهُمْ اللَّهُ عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ فَطَرَ عِبَادَهُ عَلَى الْحَقِّ وَالرُّسُلُ بُعِثُوا بِتَكْمِيلِ الْفِطْرَةِ وَتَقْرِيرِهَا لَا بِتَحْوِيلِ الْفِطْرَةِ وَتَغْيِيرِهَا. وَأَمَّا أَعْدَاءُ الرُّسُلِ كالْجَهْمِيَّة الْفِرْعَوْنِيَّةِ وَنَحْوِهِمْ: فَيُرِيدُونَ أَنْ يُغَيِّرُوا فِطْرَةَ اللَّهِ وَيُورِدُونَ عَلَى النَّاسِ شُبُهَاتٍ بِكَلِمَاتِ مُشْتَبِهَاتٍ لَا يَفْهَمُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ مَقْصُودَهُمْ بِهَا؛ وَلَا يَحْسُنُ أَنْ يُجِيبَهُمْ. وَأَصْلُ ضَلَالَتِهِمْ تَكَلُّمُهُمْ بِكَلِمَاتِ مُجْمَلَةٍ؛ لَا أَصْلَ لَهَا فِي كِتَابِهِ؛ وَلَا سُنَّةِ رَسُولِهِ؛ وَلَا قَالَهَا أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ ..... فَمَنْ كَانَ عَارِفًا بِحَلِّ شُبُهَاتِهِمْ بَيَّنَهَا وَمَنْ لَمْ يَكُنْ عَارِفًا بِذَلِكَ فَلْيُعْرِضْ عَنْ كَلَامِهِمْ وَلَا يَقْبَلْ إلَّا مَا جَاءَ بِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ كَمَا قَالَ: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ} . انتهى
 
والله أعلم واهد اللهم ابن حميد الدين إلى التخلص مما هو فيه من الضلال المبين وبصّر عبادك المخدوعين به وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم والحمد لله رب العالمين.
 
وكتبه / علي بن عمر النهدي
2 من ذي القعدة 1433 للهجرة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..