بعد
أن خرجت تلك الخادمة الأثيوبية من غرفة أحمد وقد حملت ملابسه في سلة
الغسيل.. فوجئت بهجوم تلك العجوز صاحبة البيت عليها والشرر يتطاير من
عينيها.. سحبت السلة منها وانقضت عليها تبحث عن قميص وجدته في آخر السلة..
أخذته وضمته الى وجهها وأخذت تبكي بشدة.. واستنشقته بكل ما تبقى فيها من
قوة وكأنها تحاول إدخال رائحته كلها الى رئتيها مباشرة.. وذهبت الى الصالة
حيث رمت نفسها على أحد الكراسي وهي تبكي وتحدث نفسها.. حتى رائحتك يريدون
أن يحرموني منها.. الذي لم تعرفه الخادمة الجديدة عن ابن تلك السيدة العجوز
والذي كانت صوره تملأ جدران البيت وهو.. شاب يميل للبياض به وسامة واضحة
وابتسامة بريئة.. اختفى فجأة منذ أكثر من 20 عاما وانقطعت أخباره.. لم يبذل
والده جهدا كبيرا للبحث عنه لأنه يعرف أين ذهب بل ويعرف من أرسله الى
هناك.. إنه ذلك الشيخ الثوري الذي تتسرب أشرطته للشباب ويتداولونها بينهم
بسرية.. وكأنها كنز ثمين.. حاول إبعاده عنهم لكنه تأخر كثيرا، فخطب ذلك
الشيخ فعلت فعلها في ذلك الشاب الصغير فقد ترك دراسته الجامعية وهو لم يمض
فيها إلا شهورا عدة.. وترك أمه التي جن جنونها وترفض تصديق كلام أبيه أنه
ذهب للجهاد.
سنوات طويلة مرت على تلك العائلة التي ماتت الحياة فيها وهم لا يعلمون
مصير ابنهم الوحيد الذي خطفه منهم ذلك الشيخ وخطبه الثورية.. حتى طرق بابهم
ذات يوم أحد الشباب الملتحين الذي عرّف نفسه على أنه صديق أحمد.. ظن نفسه
يبشّرهم حين أخبرهم بمقتل أحمد.. انطلقت صرخة مرعبة من تلك الأم أما الأب
فتمالك نفسه وطلب من ذلك الشاب الخروج على الرغم من محاولة ذلك الشاب
وعظه.. لم يعطه فرصة بل دفعه عند الباب الخارجي وأقفل الباب خلفه بقوة وعاد
لزوجته ليواسيها.
وجد على الطاولة التي جلس أمامها ذلك الملتحي ملفا به أوراق كثيرة
تركها على جنب وانشغل بزوجته.. بعد أيام وجدت الأم ذلك الملف وبدأت بقراءة
الأوراق، وكانت عبارة عن رسائل وجهها ابنها الى ذلك الشيخ.. ودائما يبدأ
الرسالة بشيخي الكبير ومعلمي.. يذكر كل تفاصيل (جهادهم) ومعاركهم مع
الكفار.. ولاحظت بقع دم صغيرة تغطي الملف من الخارج.. عرفت لاحقا انها دماء
ولدها الذي مات وهو يحتضن ذلك الملف.. لم تسمع بالشيخ أو تعرفه إلا بعد أن
أصبح مشهورا وأحد نجوم الفضائيات والإنترنت وصعقت حين قرأت في الأخبار انه
أقام الدنيا ولم يقعدها حين اشتبه بفقدان والده في الصحراء.. وصدمت أكثر
بلغته ولهجته الجديدة حيث يدعو الناس فيها الى التفاؤل وحب الحياة!
أرسل ابنها لموته والآن يدعو الناس لحب الحياة..
على الرغم من عشرات الحلقات التلفزيونية والآلاف من رسائل التويتر
لم يذكر شيء عن ذلك الشاب الذي مات محتضنا تعاليمه.. وغيره آلاف ذهبوا بعد
أن عبأ رؤوسهم بتلك الخطب الثورية.. لم يعتذر لهم ولا لأهاليهم الذين فجعوا
بهم ومازالت ذكراهم توجع قلوبهم.
لكن الأهالي لم ينسوه ويقومون في كثير من الأحيان بنفس الشيء الذي تقوم به تلك العجوز.. الدعوة عليه.
د.سلمان العودة إذا لم تعتذر لهؤلاء الشباب وعوائلهم في حياتك وحياتهم وقد قاربت آخرها.. متى ستعتذر؟
د.سلمان العودة.. كم أشفق عليك من دعوة تلك العجوز.
المصدر الجمعة 30 مارس 2012 - الأنباء
|
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..