الصفحات

السبت، 6 أكتوبر 2012

تبًا لأحزاب تفرّق بين الأحباب

الأحزاب السياسية وسيلة معاصرة لأداء دور سياسى داخل منظومة الدولة, بهدف البناء والإصلاح والنهضة بالمجتمع, كى يتحقق الأمن والاستقرار بين جنباته, وقد تتنافس هذه الأحزاب فى تقديم التصور الأفضل والبديل الأحسن, الذى ينبغى أن تصير إليه البلاد, ولا ضير فى ذلك فهو أمر محمود يتنافس فيه أهل الفكر وأصحاب الرؤى, لكسب الأنصار والمؤيدين, فالمنافسة الشريفة بين الأحزاب يلزم أن تكون هى القاعدة السائدة بين الجميع, إذ أنه لو خرجت المنافسة عن هذه القواعد فإن المصيبة تكون كبيرة, وأن النتائج تكون سيئة بالتبعية, لأن عدم وجود رابط يحكم حدود هذه الممارسة تجعل التجاوزات تتعدد وتتنوع كما تتسع مداخل الشيطان للإفساد بين القلوب.
وطبيعة العمل الحزبى تستدعى وجود تشكيل تنظيمى له ولاءاته وانتماءاته وبرامجه التى يلتف حولها المقتنعون بها, وبطبيعة الحال ستتعارض هذه الدعوات مع الآخرين على نحو متفاوت بين ما هو كثير وما هو قليل, ولكن فى النهاية يلزم أن تسود روح الألفة بين القلوب فلا يرمى أحد منهم أحدًا بالخيانة أو العمالة أو نحو ذلك من الأوصاف التى نسمعها عند غضب فريق على آخر !!

والناظر إلى تجربة الأحزاب الإسلامية بعد قرابة العام من إنشائها يجد أن النتائج مرضية باعتبار أنها ممارسة جديدة من الممكن أن تقع فيها الأخطاء التى تضيف إلى رصيد الخبرات إذا كان الممارس يتعلم من أخطائه ويستفيد من تجاربه.

أما بالمقياس الجماهيرى فلقد اشتكى لى الكثيرون من المواطنين تلك الأخطاء التى وقعت فى البرلمان, وأكدوا لى أنهم حزنوا جداً لظهور الإسلاميين على نحو لا يليق بهم من أقوال وأفعال..  ولقد طيبت خاطرهم مع تسليمى بأن هناك مشكلة متعلقة بضرورة التأهيل الجيد للبرلمانى المنتمى للتيار الإسلامى حتى يمثل الصورة التى تُرضى الله عنه وأيضاً تعجب الجماهير التى تنتظر منه أداءً يختلف عن ذلك الذى كانوا يشاهدونه أيام الحزب الوطنى, ولقد شاهدنا بالفعل تقليدًا حرفيًا للبرلمانات السابقة سواء كان عن طريقة الأداء أو أسلوب العرض أو التحركات داخل المجالس أو التغيب عن الجلسات, والذى أتصوره أن هناك سمة للشخصية البرلمانية التى تمثل التيار الإسلامى ينبغى أن تسود سلوكيات الأعضاء بشكل عام يشعر فيه الجميع أن شيئًا قد تغير وأن الأمور إلى الأفضل.

إن العمل الحزبى محفوف بالمخاطر يتحرك فيه الحزب وحوله غابة من الأشواك, بل وتحت أقدامه حقل من الألغام!! فعليه أن يدرك أن هناك من يترصد له الزلات ويعد عليه الأخطاء..

إن أخطر ما يواجه الحزب هو التصدع الداخلى وهو أمر يتنافى مع أصول المحبة فى الله ويعترض سبيل الألفة والوحدة التى أمر الله بها ورسوله، قال تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} وقال: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم} ولقد جاء فى أحاديث عديدة لرسول الله صلى الله عليه وسلم {إن أوثق عرى الإيمان الحب فى الله} وورد فى السبعة الذين يظلهم الله فى ظله يوم لا ظل إلا ظله {ورجلان تحابا فى الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه}.

إن ما يحزن حقًا هو وقوع التراشق الإعلامى بين شخصيات كبيرة فى الجماعات والأحزاب تخرج منهم الاتهامات الكثيرة, والمطاعن العديدة, ويرفضون الوساطات بل ويلجأون إلى القضاء أحيانًا لإنصافهم فى الوقت الذى هم مطالبون فيه بسرعة سد الخلل وجمع الكلمة وتوحيد  الصفوف, أما الإبقاء على حالة الصراع مستعرة فهو علامة ضعف, ومقدمة فشل, قال تعالى {ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين} فأمر الله بالصبر على ماقد يحدث داخل الصفوف وعدم المبادرة إلى النزاع المفضى إلى إضعاف القوة وشماتة الأعداء.

ومما لا شك فيه أن المرحلة المقبلة تحتاج إلى مراجعة للعمل الحزبى ليس من حيث الأصل ولكن من حيث الممارسة التى نود أن يصدر بشأنها التوجيهات من أهل العلم والاختصاص, فيضعون لنا التصورات الإسلامية لممارسة العمل السياسى والبرلمانى على النحو الذى يُعطى الانطباع الحسن عن شخصية المسلم المعتدل الوسط, الذى يتمتع بدماثة الخلق وحسن السلوك, وجودة العمل وصدق اللهجة, وأمانة الكلمة ولين الجانب, وعلو الهمة وسماحة النفس إلى آخر هذه الصفات التى نود أن نراها فى المجالس النيابية المقبلة, ثم إن ذلك قد يحتاج إلى دورات تدريبية يجريها كل حزب لأعضائه الممارسين للعمل السياسى ليضع لهم الإطار الذى يتحركون داخله, وإلا فلا داعى لتلك الممارسة التى تفتح أبواب الشر وتسيء إلى التيار بأكمله, ثم إنه من المنطقى أن من لا يستطيع أداء دوره على النحو المطلوب فى المحور السياسى عليه أن يعود راشدًا إلى مساحة العمل الدعوى أو التربوى أو البحثى الذى يجيده, ولا يستغرق وقته فى صراعات محكوم عليها بالفشل, إذ أن الغالب فيها خاسر والمنتصر فيها جريح.

هذا وأطمئن شعب مصر إلى أننا فى بداية تجربة جديدة لم يتعودها التيار من قبل فينبغى أن تظل ثقتنا فى محلها, ولا نشيح الوجه عن من وقع فى بعض الأخطاء فالإنسان بإجمالى خيره وشره, فمن رجحت خيراته فهو من أهل الخير, ومن رجحت سيئاته فهو من أهل الشر, ولا شك أن ما يجرى أهون بكثير مما كان المجتمع عليه فى العهد البائد, فالحمد لله على ما نحن فيه فبعض الشر أهون من بعض.

والله المستعان

عبود الزمر
..................................
المصريون




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..