هناك
اتهام جاهز ومعلّب ضد أي متسائل عن نوايا السياسات الغربية تجاه العرب
والمسلمين،
أو باحث عن دوافعها، ومحاول لتفسير مقاصدها، بأنّه مصاب بمرض
«نظرية المؤامرة» !
بالطبع
المؤامرة ليست هي المحرك الأول ولا حتى الوحيد للتاريخ والأحداث والصراعات
والحروب، ولكن المؤامرة موجودة في التاريخ، وهي عنصر محرك للأحداث، وأداة
تُستخدَم في الصراعات، وليست هناك حروب خالية من المؤامرات… سواءً كانت
حروباً عسكرية «ساخنة» أو «حروباً باردة» مثل ، التي شهدها العالم بعد
الحرب العالمية الثانية حتى بداية تسعينيات القرن العشرين بين المعسكر
الرأسمالي الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية والمعسكر الاشتراكي
الشرقي بزعامة الاتحاد السوفياتي السابق …
وكذلك
هي الحال في الحرب الباردة الجديدة، التي اتخذت أول الأمر اسم «صراع
الحضارات» بين الغرب والإسلام، حيث جرى استهداف الإسلام والمسلمين كأعداء
بديلين للحضارة الغربية بعد سقوط العدو السابق الممثّل في المعسكر
الاشتراكي، وها هي هذه الحرب الباردة الراهنة تتخذ عناوين جديدة اليوم، مرة
تحمل اسم «الحرب ضد الإرهاب»، مع الخلط المتعمد بين المقاومة العادلة
والإرهاب المدان، ومرة أخرى تحمل اسم محاربة «الفاشية الإسلامية»، وغير ذلك
من عناوين !
الجديد
ما نشرته «مؤسسة راند» الأميركية( تقريراً يحمل عنوان: «بناء شبكات مسلمة
معتدلة»)، وهو باختصار تقرير يتضمن «مؤامرة معلنة» لا يستطيع تجاهلها أشد
الناس سذاجة وبلاهة ممَنْ اعتادوا اتهام مخالفيهم المشككين بأنّهم «مصابون
بمرض نظرية المؤامرة» !
أنشئت
راند سنة 1946 عن طريق القوات الجوية بالجيش الأميركي تحت اسم مشروع راند
بالتعاون مع شركة دوجلاس للطيران لعمل أبحاث و خطط للقوات المسلحة
الأميركية ثم استقلت عن شركة دوجلاس و أصبحت مستقلة بفضل تمويل ضخم من شركة
فورد الأميركية و التي كانت الدول العربية تقاطعها قبل أقل من عقدين من
السنين بسبب دعم فورد للكيان الصهويني في فلسطين.
و
تعمل راند على تزويد الإدارة الأميركية بالكثير من الأبحاث لتنفيذها في
العالم و من ضمنها محاربة ما يعرف بالإرهاب و يوجد لها عدة فروع في أميركا
في جامعات مثل كارنيجي ميلون و التي لها فرع بقطر بالمدينة الجامعية و
ولاية واشنطن دي سي ثم انتقل هذا الفرع إلى ولاية فرجينيا بالإضافة إلى
تواجد فروع للمؤسسة في بريطانيا و قطر.
«مؤسسة
راند»، التي يتكون اسمهما من اختصار كلمتي الأبحاث والتطوير باللغة
الانكليزية، ومقرها الرئيسي الآن سانتا مونيكا في كاليفورنيا، ويعمل فيها
نحو 1600 موظف معظمهم من الباحثين والأكاديميين، وهي تقوم بجمع أكبر قدر من
المعلومات، حيث تتولى تحليلها؛ وإعداد تقارير عنها؛ وإجراء أبحاث حولها،
تتركز حول الشؤون الدولية، والأمن القومي، والسلامة العامة، والإرهاب
والأمن الداخلي، وتقدّمها إلى صناع القرار في الولايات المتحدة الأميركية
أما
التقرير ، الذي أصدرته «مؤسسة راند» المعنون : «بناء شبكات مسلمة معتدلة»
فوفقاً لعرض مسهب قام به الدكتور باسم خفاجي مدير المركز العربي للدراسات
الإنسانية، فمكوّن من 217 صفحة، ويقع في عشرة فصول، وهو يطرح الاستفادة من
خبرات الحرب الباردة السابقة بين المعسكرين الرأسمالي الغربي والاشتراكي
الشرقي في الصراع بين الغرب والإسلاميين ولاحتواء الحركات الإسلامية، فيدعو
إلى تجنيد مثقفين إسلاميين ورجال دين مسلمين، والاستفادة من الصوفيين،
واستغلال العلمانيين في المجتمعات المسلمة، ويقترح على صناع القرار في
الولايات المتحدة استخدام القطاع الخاص الأميركي وليس المؤسسات الحكومية
لتنفيذ مخططاته، ولإبعاد شبهة العمالة عن المتعاونين …
ويدعو
إلى نقل الصراع ليتحول إلى صراع بين العالم العربي المسلم وبين الأجزاء
الأخرى غير العربية من العالم الإسلامي، ولأن يصبح الصراع أيضاً بين
الإسلاميين أنفسهم، مع دعم التيار العلماني الليبرالي في مواجهة صعود
الإسلاميين سياسياً … ولنتذكر فقط أنّه خلال الحرب الباردة سعى الغرب وفي
مقدمته الولايات المتحدة الأميركية لدعم التيار الإسلامي في مواجهة التيار
اليساري القومي … وقبله في نهاية خمسينيات القرن العشرين بذل الغرب جهوداً
من أجل استخدام القوميين العرب في الصراع ضد التيار اليساري الماركسي …
وهكذا دواليك !
ومع
ذلك لا يزال هناك مَنْ ينكر وجود المؤامرات، ويتهم المتسائلين عن النوايا
والسياسات الغربية والباحثين عن دوافعها ومقاصدها بأنّهم مصابون بمرض
«نظرية المؤامرة» … ولكن ماذا عن أولئك المصابين بمرض «نظرية البلاهة» ؟!
أحمد الديين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..