الصفحات

الخميس، 1 نوفمبر 2012

أيهما أقل كلفة: سحب المراسيم أم استمرار الأزمة والدخول بالمجهول؟

الأزمة والمخرج:
 لا يختلف مخلصان على أن الكويت تمر بواحدة من أشد مراحلها قتامة وأكثرها توترا، حيث وصفها باحث قريب
من الشأن الكويتي بأنها الأخطر منذ غزوها عام 90







(رابط: http://www.alaan.cc/pagedetails.asp?nid=123604&cid=30 
فما جرى يوم 21 أكتوبر لم يكن مسبوقا بتاريخها، وقد لا نبالغ أنه غير مسبوق في تاريخ الشعوب أن تخرج هذه النسبة من شعب في مظاهرة ومسيرة سلمية تعبر عن احتجاجها السياسي، وقد قدرها الباحث كريستينسين (الرابط أعلاه) ب100 ألف أي ما يعادل 9% من الكويتيين، وتعاملت معها قوات الأمن بوحشية غير مسبوقة أيضا، ولكن ذلك لن يثن من خرجوا من الخروج ثانية يوم 4 نوفمبر القادم وما بعده وبأعداد قد تفوق أعداد المظاهرة السابقة بكثير.

الأسباب:
  إن الأسباب التي تدفع الكويتيين للخروج متعددة، لكن الأهم بينها هي ثلاثة أسباب: 1. صدور مراسيم تغير النظام الانتخابي وتعبث بنتائج الانتخابات قبل إجرائها. 2. شعور عام باستخدام القانون والأمن لضرب المعارضين وتلفيق التهم لهم وحماية المفسدين ومؤيدي الحكومة. 3. فساد عارم مسشتر يعايشه المواطن الكويتي أينما اتجه في أروقة الدولة ومؤسساتها التي تعاني من ترهل وانهيار إداري مدمر. وهي أسباب يمكن اختصارها بالآتي: تزوير إرادة الناخب وسقوط دولة القانون على يد الحكومة بإقحامها للمؤسسات القانونية بصراعها السياسي، وحمايتها للفساد ورعايته. أما باقي الأسباب فهي مجرد تفاصيل.
القادم والمجهول:
  تستمر السلطة السياسية بالكويت بتوجهها بالسير في تثبيت أسباب الصراع الثلاثة أعلاه والمضي فيه، وترفض الاستماع لصوت الناس محاطة بسياج من النفاق واللصوصية يتردد صداه في إعلام حكومي كاذب يشابه إعلام الدول الدكتاتورية التي تقلب الحقائق وتزور الحقيقة، وهو طريق خطر يقود البلد نحو المجهول ويزيد من شعور الناس بالإحباط والمرارة، ولا أحد يعلم بنتائجه أو ما سيقود البلاد إليه. فالناس ستخرج يوم 4 نوفمبر، والحكومة تعلن أنها ماضية في طريقها يزينه لها مؤيدي الحكومة وأشخاص لا وزن لهم في الحراك الشعبي والسياسي، وتصر الحكومة على الاستماع لما يعجبها فقط، وتحاور الأشخاص الخطأ، موسعة بذلك الهوة بينها وبين الفئات السياسية الأهم، ومتجاهلة قوى شبابية ناشئة لن يعجبها مثل هذا المقال، بل قد ترى فيه نوعا من المهادنة والتنازل الذي تجاوزه الزمن، فمطالبها في تصاعد، وشعاراتها تزداد حدة مع تجاهل النظام لها واستمرارها بالحل القمعي الأمني لها.
 بعبع الإخوان:
  من يعرف كاتب هذا المقال يعرف مدى خصومته السياسية والفكرية مع الدين السياسي عموما- والإخوان المسلمين على وجه التحديد.  إن محاولات تذاكي الحكومة وأعوانها بالتلويح ببعبع الإخوان المسلمون بالكويت تدحضه الحقائق، ويرفضه العقل والمنطق، فالإخوان المسلمون بالكويت ربيب النظام وطفلها المدلل منذ أربعة عقود، ولا تزال قياداتهم في حضنها الدافيء وجمعياتهم 'الخيرية' بعيدة عن أي رقابة حكومية حقيقية، وأتحدى أن تخرج علينا حكومة الكويت يوما لتعطي رقما واحدا فقط حول ما جمعته أية جمعية من جمعيات الإخوان المسلمون المنتشرة بالبلد، بل لعل ظاهرتهم وحمايتها هو جزء من الفساد الذي يحتج عليه الناس هذه الأيام.  إن التلويح ببعبع الإخوان المسلمون هدفه حشد التأييد الإقليمي-الخليجي للانقلاب على الدستور، فاسطوانة الحكومة التي لعبتها على مدى الأعوام الست الماضية بالتخويف من القبائل والبدو 'واللفو والطراثيث' رفض الشعب الكويتي الاستماع لها ولم تجد تأييدا وصدى مساندا خليجيا، فتحولت نحو التهديد بالإخوان وانقلابهم الذي يخططون له، وهو كذبة كذبها النظام السياسي ويحاول إقناع الناس بتصديقها، صحيح أن الإخوان بمعظم كوادرهم مع الحراك الشعبي، ولكن الأصح أن هذا الحراك لن يتوقف فقط لأن الإخوان المسلمون جزء منه. وصحيح أن القوى الدينية السياسية هي التي قطفت ثمار الربيع العربي بمصر وتونس وغيرها، ويمكن أن تقطف ثمار الحراك الشعبي بالكويت لأنها القوى المنظمة والممولة تمويلا جيدا، في مرحلة تعيش فيها باقي القوى السياسية حالة من الشرذمة والتفتت، ولكن هذه الحقيقة أيضا لن توقف الحراك الشعبي، ولن تحد من تصاعد المطالب الشبابية بعملية إصلاح جذري سياسية، فكأن ما تريده الحكومة ومؤيدوها هو التخلي عن الحراك الشعبي لأن الإخوان المسلمون جزء منه، وهذا مستحيل.  إن على الحكومة أن تتساءل: هل استطاع الإخوان المسلمون بمصر حيث ولدوا أن يحشدوا ما نسبته 9% من الشعب المصري- أي ما يعادل ثمانية ملايين- في أي من حشودهم ومظاهراتهم؟ والإجابة طبعا بالنفي. فهل استطاع الإخوان المسلمون بالكويت-وحدهم- أن يحشدوا 100 ألف كويتي يوم 21 أكتوبر؟ والإجابة أيضا بالنفي الذي لا تريد الحكومة أن تقر به، فهي مصرة على أن من خرجوا لا يتعدون بضعة آلاف وأنهم حفنة من الإخوان المسلمين وحسب، وأن أطرافا خارجية تحركهم وهذه بحد ذاتها مصيبة، فما يجري هو حراك شعبي تشارك فيه كافة فئات الشعب وطوائفه وقبائله، ومطالبه لا تزال ضمن الممكن، ولكن استمرار الأزمة يعقدها ويرفع المطالب ويدخل الجميع في نفق المجهول، وحتما فإن تفاقم الأزمة سوف يدفع أطرافا خارجية مختلفة للتدخل في الشأن الكويتي وهو ما يرفضه الجميع شريطة أن تبادر الحكومة والقوى السياسية بقطع الطريق عليه معا قبل فوات الأوان.
 المَخْرج:
  لا يتمنى أي مخلص لهذا البلد أن تستمر حالة الاحتقان والتباعد بين القيادة السياسية وبين غالبية ساحقة من الشعب يعبر عنهم نواب حصدوا عشرات آلاف الأصوات في أكثر من انتخابات، وتمثلهم قوى سياسية دينية ومدنية مختلفة ووجهاء اجتماعيين أعلنوا جميعا مقاطعة الانتخابات القادمة لأنهم مجمعون على أن الحكومة تحاول تزوير إرادة الشعب، ولا يتطلع أي محب لهذا البلد أن ينتظر الجميع حتى يوم الأحد القادم للدخول في مواجهات جديدة قد لا تحمد عقباها للجميع، ولكن ما هو الحل؟  التمهيد والتهيئة للدخول في حوار جدي مع ممثلي القوى الشبابية والسياسية جميعا ويتمثل هذا التمهيد فيما يلي: 1. إسقاط كافة القضايا والتهم التي حاكتها الحكومة للمعارضين السياسيين تحت ذرائع مختلفة، 2. سحب المراسيم التي كانت شرارة الخروج والمواجهات، 3. اجراء انتخابات بنظام 5/4 هدفها تحقيق الرغبة السامية بتغيير النظام الانتخابي بما يحقق عدالة وتمثيلا أكثر صحة للناخبين في أول جلسة برلمانية يحل المجلس بعدها والدعوة لانتخابات جديدة في ضوء النظام الانتخابي الذي تقره الحكومة والمجلس معا، مما يحقق التوجهات السامية بتعديل النظام الانتخابي للأفضل، ويثبت حق التشريع في مجلس الأمة حصرا مثلما نص عليه الدستور ومثلما أوضح حقوقيون منهم النائب السابق وليد الجري (رابط: http://www.alaan.cc/pagedetails.asp?nid=123157&cid=52#  إن هذه المنطلقات الثلاث يمكن أن تشكل أرضية عامة للتهدئة، ويمكن أن ترصف الطريق للخروج من الأزمة، وتترك التفاصيل للحوار حول شعبية الحكومة أو إقالتها أو هيئة الانتخابات أو تطوير العملية الانتخابية وخلافه. لعل مثل هذه الأفكار تشكل أرضية يتم تبنيها من عقلاء في الحكومة وأطراف في المعارضة وعقلاء الكويت الذين تزخر بهم البلاد، من أجل مخرج وليس حل جذري للأزمة لأنها أعقد من ذلك بكثير، وعلى الحكومة أن تبادر مبكرا قبل تعقيدات الأزمة بسحب المراسيم وسحب قضايا الملاحقات السياسية قبل أن تتجاوزها الأحداث، وحينها لن يربح أحدا فكلنا من استمرار الأزمة وتفاقمها خاسرون.  إن مفتاح الأزمة اليوم هو بيد الحكومة التي لا تزال تمسك بكثير من أوراقها وتملك حق سحب المراسيم مثلما سحبت مراسيم عدة في الماضي، ولكن لا أحد يعلم ما يمكن أن يطرأ من معطيات ومستجدات بعد الرابع من نوفمبر القادم، فقد تتغير قواعد اللعبة، وتفلت أوراق كثيرة من يد الحكومة، وحينها قد تدخل البلاد في تعقيدات لأزمة لا زال حلها ممكنا.
السؤال الكبير:
  أعلنت القوى السياسية بجميع أطيافها المدنية والدينية مقاطعتها للانتخابات القادمة لو جرت وفق مرسوم الحكومة، وهو ما يعني مقاطعة غير مسبوقة بتاريخ الكويت للانتخابات، فإذا كانت محاولة تسويق المجلس الوطني عام 90 قد فشلت فشلا ذريعا وقاطعته غالبية وصلت نسبتها 70% في حينه، فمما لا شك فيه أن الانتخابات القادمة ستكون مهزلة لن يشارك فيها أكثر ممن شاركوا بانتخابات المجلس الوطني، وتلك نقيصة واضحة للعيان في النظام السياسي الديمقراطي الكويتي يجعل منه أضحوكة في نظر العالم، وعلى السلطة السياسية بالبلاد أن تسأل نفسها:
أيهما أكثر كلفة؟ سحب المراسيم والدخول في حوار جدي مع القوى الحقيقية للحراك الشعبي، أم الإصرار على إجراء انتخابات شكلية سيقاطعها غالبية الشعب الكويتي؟
 أيهما أقل كلفة على الحكومة وعلى البلاد والعباد: إغلاق قضايا الملاحقات السياسية والدعوة للانتخابات وفق 5/4 ، أم الدخول في مجهول الصدام مع المسيرات والمظاهرات وقمعها وركوب طريق الاتجاه الواحد بالحلول الأمنية التي لم تنجح بها أكثر الأنظمة قمعية وبطشا؟
لقد بلغت، اللهم فاشهد.

سعد بن طفله العجمي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..