الصفحات

الجمعة، 2 نوفمبر 2012

...قَبْلَ ضُحَى الغَدِ!


    الحمد لله مدبّرُ الكونِ بطوله والعرضِ, ومصرّفُ الدهرِ ومُبتَلِي أهلَ الأرضِ, تفرّد دون غيره بإبرامِ الأمورِ والنقضِ, أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله خاتم الأنبياء وصفوة المرسلين, صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.

أنا الفقير إلى رب البريات   ...   أنا المُسيكين في مجموع حالاتي

أنا الظلوم لنفسي وهي ظالمتي   ...   والخيرُ إن يأتنا من عنده ياتي

لا أستطيع لنفسي جلب منفعةٍ   ...   ولا عن النفس دفع المضراتِ

وليس لي دونه مولى يدبّرني   ...   ولا شفيعٌ إذا حاطت خطيئاتي

والفقر لي وصفُ ذاتٍ لازمٌ أبداً   ...   كما الغنى أبداً وصفٌ له ذاتي

وهذه الحالُ حالُ الخلق أجمعهم   ...   وكلّهم عنده عبدٌ له آتي

فمن بغى مطلباً من غير خالقه   ...   فهو الظلومُ الجهول المشرك العاتي

والحمد لله ملء الكون أجْمَعِهِ   ...   ما كان منه وما مِن بعدُ قد ياتي

تأمل _عزيزي_ هذا المشهد:


هل فهمت المغزى؟!

   أما بعد: فهذه كليمات تابعة لمقال سابق متعلق بموضوع خطير بعنوان: (خطة إسقاط آل سعود..من المستفيد؟) على هذا الرابط:  http://aldumaiji.blogspot.com/2012_05_01_archive.html

    والقصد من المقالين؛ تنبيه كل غيور في البلاد, وتحذير كل عاقل في الدولة _وبخاصة من بُسطت أيديهم أو أقلامهم أو ألسنتهم_ من ثالوثٍ هائلٍ بمكرٍ كُبّارٍ أضحى كموجاتٍ ثلاث هائلة تتقاذف قارباً صغيراً في لجة بحر خضم! "أولا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين ثم لا يتوبون ولا هم يذّكّرون" (التوبة: 126)

    وهي ثلاث قضايا مدمِّرة إن لم يُتعامَل معها بتوفيق! أسردها مرتباً إيّاها حسب الخطر ووجوب المسارعة لدفعة والمبادرة لرفع ما علق منه, مذكّراً نفسي وإخوتي بوصية محمد بن بشر:

إنّ الأمور إذا انسدّت مسالكُها   ...   فالصبر يفتح منها كلّ ما رُتِجَا

أخلق بذي الصبر أن يحظى بحاجته   ...   ومدمن القرعِ للأبواب أن يلجا

     وقبلها وصية ابن مسعود رضي الله عنه: إنها ستكون أمورٌ مشتبهات فعليكم بالتؤدة, فإنك أن تكون تابعًا في الخير, خيرٌ من أن تكون رأسًا في الشر!.

    وأعظم وأكرم من ذلك قول الله تعالى: "واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب" (الأنفال: 25) "ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين" (الحج: 11) ووصية نبي الرحمة والهدى صلى الله عليه وسلم بقوله: "إنها ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم, والقائم خير من الماشي, والماشي خير من الساعي, من يستشرف لها تستشرفه, فمن استطاع أن يعوذ بملجأ أو معاذ فليفعل" رواه البخاري في صحيحه.

    وهذه الأخطار الداهمة هي: (التغريب, والظلم, والفساد)

 فهذه الثلاث هي أركان الخطر الذي ادلهم سحابه وانعقد غمامه, وهو مؤذن بعقوبة من الله ماحقة إن لم يلطف الله بالأمة فيأخذ بيدِ من لهم الأمر لاستدراكه ورفع موجباته. فالخلّاق الحكيم الخبير سبحانه قد أقام الكون وِفْقَ سننٍ لا تتخلف ولا تتبدل ولا تحابي ولا تماري بل قضى أن تقع الأمور بمسبباتها وترتفع بموانعها. وإلى شيء من بيان تيك الأخطار والدواهي على البلاد:

    أولاً: التغريب في الإعلام والتعليم والعمل والمعاملات المالية والقضاء والعلمنة, ومحاولة المنافقين إغراق فطر العامة والخاصة بتشريعات, استغلالاً لإحسان ظن ولي الأمر بنصحهم. وحقيقتهم أنهم كفأرة سدّ مأرب تنخر البنيان حتى سقوطه ودماره أو دمارهم! ومكمن خطرها أنها مبارزة لله تعالى في حَرَمِهِ وبساط ملكه ومأرز دينه ومهبط وحيه ومدرج نبيه! والجبار جل وعلا يغار, بل لا أحد أغير منه إذا انتهكت محارمه, وكم من معصية أقامها وأفشاها من استؤمنوا على حفظ الديانة تركت الديار بلاقع! فالعذاب اذا نزل عم الجميع, فلزاماً على أهل العقد حسم مادته فوراً واقتلاع جذوره آناً. وكسرهم أبلغ في الحزم وأبعد من الذم, أما بقاء أولئك الشرذمة فهو _لعمر الله_ شماتة العدو المتقادم ومناداة العدو الحادث. أما استفزاز الصالحين والأخيار بضرب ثوابت الأمة فهو بارود يضرب راميه قبل مرميّه, ورب داهية بدأت هوينى! ومن أراد المكارم فليجتنب المحارم, ومن لم يصبر على كلمة سمع كلمات. ولا بد دون الشهد..

    ثانياً: الظلم الذي لم يعد خافياً على أحد, فلا تخطئه عينٌ ولا تنبوا عنه أذنٌ؛ وهو موضوع قضايا المعتقلين, فلا بد من رفعه, وكل يوم يمر هو بمثابة كرة الجليد المتدحرجة التي تثقل كاهل العدالة وتشوّه مُحيّاها, وقد قال الأول: التثبت نصف العفو, وفي ترك النظر عميُ البصر. وهؤلاء المساجين على ثلاثة أقسام:

    1_متهمون قد ثبتت إدانتهم وحوكموا وسجنوا, ولم تنته مدة عقوبتهم فهم ليسوا بداخلين في ما نحن بسبيله, _خلا المحاكمات التي ظهرت زيادة قسوة أحكامها على المبررات المنشورة_ فبعضها دعاوى إن عُرضت على المعقول أحالها أو على المشهود أزالها! كما قيل, ولكل من ظلم يصيح الحال:

اظلم كما شئت لا أرجوك مرحمة   ...   إنا إلى الله يوم الحشر نحتكمُ

 والقضاة على شفى هلكة خلا من عدل.

إذا جار الوزير وكاتباه   ...   وقاضي الأرض أجحف في القضاء

فويل ثم ويل ثم ويل   ...   لقاضي الأرض من قاضي السماء

وأما زجر المعتدي على البيضة فلابد منه لحفظ الأمة, فلا بد لذوي الإجرام من سلطان يسوسهم بسوط الشريعة ويذودهم عن حياض المؤمنين.

    ٢_متهمون ثبتت إدانتهم وحوكموا وانتهت مدة عقوباتهم المقررة, لكنهم لا يزالوان خلف القضبان. فوضعهم بهذا الحال من الظلم الذي حرمه الله تعالى وعظّمه وزجر عنه. قال جل وعز: "وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعداً" (الكهف: 59) وفي صحيح مسلم من حديث أبي ذر رضي الله عنه في الحديث الرباني الذي يرويه النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه تعالى: "يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا.." ولمحمد بن حازم يصف دعوة دعا بها الله تعالى:

وساريةٍ لم تسر في الأرض تبتغي   ...   محلّاً ولم يقطع بها البيد قاطعُ

سرَت حيث لم تُحْدَ الركاب ولم تُنَخ   ...   لوردٍ ولم يقصر لها القيد مانعُ

تمر وراء الليل والليل ضاربٌ   ...   بجثمانه فيه سميرٌ وهاجعُ

إذا وفدت لم يردد اللهُ وفدها   ...   على أهلها والله راءٍ وسامعُ

تُفتّحُ أبواب السماوات دونها   ...   إذا قرع الأبواب منهن قارعُ

وإني لأرجو الله حتى كأنني   ...   أرى بجميل الظن ما الله صانعُ

    ٣_ محبوسون على ذمة التحقيق ممن طال بهم الزمان وتجاوزوا ثلاثة أشهر أو حتى ستة أشهر خلف القضبان بدون محاكمة, فهؤلاء كمن سبق يستمطرون العذاب والنقم كل ليلة ويرسلون السهام كل ساعة على كل من له يد في ذلك أو كانت له قدرة على نصرهم فخذلهم! وقد كتب أحدهم من سجنه للوالي العباسي: إن كل يوم يمضي من سجني يمضي من نعمتك مثله, والموعد الحشر, والحكم الديّان.

أما والله إن الظلم شؤم   ...  ولا زال المسيء هو الظلوم

إلى ديان يوم الدين نمضي   ...   وعند الله تجتمع الخصوم

تنام ولم تنم عنك المنايا   ...   تنبه للمنيّة يا نؤوم

    ومن باب ذكر الشيء بالشيء؛ فلا بد من حفظ كرامة عباد الله, وأن لا تمتهن تحت أي ظرف إلا بمبرر مشروع حقيقي لا مُدّعى متوهّم. وأنّى ذلك إلا بحكم قضائي(شرعي) وكتب الحسن إلى عمر بن عبدالعزيز رحمهما الله تعالى: أما بعد؛ فكأنك بالدنيا لم تكن, وبالآخرة لم تزل, والسلام.

معاويَ إننا بشرٌ فأسجِحْ   ...   فلسنا بالجبال ولا الحديدا

    ثالثاً: الفساد بشقّيه الإداري والمالي, والحديث في هذا ذو شجون لا تنتهي, ولكن يجمعها إصلاحاً: أن يعلم المسؤول ويتذكّر دوماً أنه مستأمن من ملك الملوك على هذه الرعيّة, وأنه عليهم كالوصي على الأيتام. وقد علم المسلمون ما في عقوبة الله لآكل أموال اليتامى ظلماً أو الساعي في أحوالهم بخلاف صلاحهم, وأنّ كل متولٍّ من قبله إنّما يمثله أمام الله قبل رعيته! وأن الموقف غداً عسير ومزلة الأقدام هناك إنما هي لسخط الله وناره! وأن الناس رعيته اليوم وخصماؤه غداً في النقير والقطمير فليعدّ للسؤال جواباً وللجواب صواباً..

    وبعد؛ فهذه ثلاث قضايا إن صلحت استقام _بإذن الله_ أمر الراعي ورعيته, وكان الله له عوناً مسدداً كما وعد الرحماءَ والعادلين, وإن كانت الأخرى _عياذاً بجنابه_ دخل النقص والخلل من بابها والله المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا به.

    هذا وإن أول قافز من ذلك القارب هم أولئك الزمرة المنافقة, ولن يثبت مع قائد دفته سوى من تجردوا للحق نصحاً ولم تغل قلوبهم على الثلاث المشهورة الواردة في حديث أنس عند مسلم. فإن تنصرهم وتحفظ حقّهم ياذا الشأن فإنهم لعمر الله نعم العدة عند الفزع والبلاء ونعم العفاف عند المغنم والنعماء, ولكنهم لن يطرقوا لك باباً لغناهم بربهم, بل هم أهرب منك ممن يُطلبون للجنايات! وفي بقيتهم المشهود لها بالخير من كبار علماء الأمة فضلاً كبيراً وخيراً جزيلاً.

    ثم على الناصح الحادب أن لا يكون مطففاً ولا أعوراً, فكما يُصلِح الخللَ بذكر الداء والدواء؛ فليذكُر وليتذكّر الخير الوافر مِنْ حِفْظ مجمل أصول الديانة, ونشرها, ورعاية كثير من الآداب الشرعية, وحفظ أمن السابلة والقاطنة, والنعم التي لن يعرف احد مهما تفكر قدرها حتى يُسلبها, وإن عميت بصائر المتعجّلة!

     وبالجملة فآخِيَّةَ حفظ النعم شكر المنعم, وذلك بذكرها واستدرار بقائها بطاعته في من ابتلاهم بطاعته وامتحنهم بولايته, سواء رأوا منه ما يرضون ويسرون أو يكرهون ويضيقون. فهناك سقف لابد من تبيانه لكل ذي عينين, فكما يُوعظ الولاة ويُوصَونَ بالرفق والرحمة والعدل؛ فكذلك الرعية, وكل طرف مبتلى بنفسه و بالآخر, فليتق الله كلًّا في كلّ، ومن يتق الله يجعل له مخرجاً. وإن حفظ مكتسبات الأمة ورعايتها فريضة لازمة وواجب متحتّم على كل مؤمن بالله واليوم الآخر. ولا يحل الخروج على إمام ما لم يكفر كفراً بواحاً مع القدرة على تغييره, وكم من فتن وبلابل ومظالم جرها على الأمة من راموا لها إصلاحاً وتوفيقاً! وكم من كلمة رماها مريد للإصلاح في غير مكانها أو زمانها سارت بها الركبان فأصابت في الأمة مقاتل!

    وكثير ممن يكتب في هذا الشأن لا يفرّق فيه بين المختلفات ولا يجمع فيه بين المتفقات! ثم يأتي من يستثمر أهدافه في مشاريعه ويرمي بذوره في أرضه وصاحبنا مندفع بالغيرة مضطرب بالحماسة فالهدَأة الهدَأة والسكينة السكينة معاشر المصلحين.

    ومما غُبِشت حياله بصائر بعضنا؛ أمور الإنكار والخروج, فليس كل من رام الإصلاح ناله, ولا كل من أنكر سلم دينه, ولا كل من سكت سلم من التبعة الأخروية, وليس كل منكِرٍ يُعدّ خارجاً, فثمّ برزخٌ واسع بين قضايا المناصحة والإنكار والأمر والنهي من الرعية والعزل من لدن أهل الحل والعقد وبين الخروج على الجماعة, كذلك فالأمور عند الاختيار ليست كالأمور حال الغلبة, كذا ههنا فرقٌ بين رِدَّةِ الوالي الظاهرة الفاشية وبين ما دونها مما يدخله تأويل أو إكراه أو فسق. ولكل حال وموقف شروطه وأدواته وأهله ومقتضياته, وكم من مفسدة وقعت بسبب الخلط بين المسائل وتنزيلها!

    كذلك فمن محاور التقاطعات المتنوعة الشرعية المصلحية أو ضدها؛ جلب المصالح ودرء المفاسد, ورعاية أعلى المصلحتين بتفويت أدناهما, واحتمال أدنى المفسدتين لدفع أشدهما. والتوفيق في فقه هذه النوازل يكون باستفراغ الجهد والتأمل والتفكر والغوص في المآلات مع استصحاب الواقع كما هو, وكل هذا بناء على الوحي المنزل بفقه من رسخ فيه, ثم بعد ذلك التوفيق والتثبيت للعمل بمقتضيات ذلك الفقه والنظر.

   وليُعلم ان لكل وسط طرفان من الناس كلّ منهم يرى أنه الوسط, ويتقرب الى الله عبادةً وديانةً بتأصيل ذلك الموقف وتفريعه, مع ضميمةِ فئامٍ من رَكَبَةِ الهوى ودعاة الجهل ونَعَقةِ الضلالة, فلابد لذي الحق من مكابدة الاختلاف ومناكفة الباطل, وإلّا فعلامَ سبعين أمراً بالصبر في محكم التنزيل؟!

    وعند أبي داود بسند صحيح عن المقداد بن الأسود رضي الله عنه قال: ايْمُ اللهِ لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن السعيد لمن جنّب الفتن, إن السعيد لمن جنّب الفتن, إن السعيد لمن جنّب الفتن, ولمن ابتلي فصبر فواهًا" وفي البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يوشك أن يكون خير مال المسلم غنمٌ يتبع بها شَعَف الجبال ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن" . فمن اشتبهت عليه الأمور فليكف ولينأ بنفسه حتى تنجلي عجاجة الأمور وتنقشع سحائب المشتبهات, والخطأ في الكف والإحجام أهون من الخطأ في الفعل والإقدام.

آخراً: هلّا تدبرنا قول ربنا جل وعز: "أولم يروا أنا جعلنا حرماً آمناً ويتخطف الناس من حولهم أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله يكفرون" (العنكبوت: 87)

    اللهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام أصلح أحوال بلاد الإسلام كافة وأصلح دين العباد ودنياهم, واهد الولاة للحكم بكتابك والرفق برعاياهم واهدهم سبل السلام, وصل اللهم وسلم وبارك على محمد وآله وصحبه.

إبراهيم الدميجي

15 / 12/ 1433

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..