الصفحات

السبت، 3 نوفمبر 2012

بلاغة المجاز المرسل والمجاز العقلي


إذا تأملت أنواع المجاز المرسل والعقلي رأيت أنها في الغالب تؤدي المعني المقصود بإيجاز
، فإذا قلت : " هزم القائد الجيش " أو " قرر المجلس كذا " كان ذلك أوجز من أن تقول : " هزم جنود القائد الجيش " ، أو " قرر أهل المجلس كذا " ، ولا شك أن الإيجاز ضرب من ضروب البلاغة .وهناك مطهر آخر للبلاغة في هذين المجازين هو المهارة في تخير العلاقة بين المعني الأصلي والمعني المجازي ، بحيث يكون المجاز مصوراً للمعني المقصود خير تصوير كما في إطلاق العين علي الجاسوس ، والأذن علي سريع التأثير بالوشاية . والخف والحافر علي الجمال والخيل في المجاز المرسل ، وكما في إسناد الشيء إلي سببه أو مكانه أو زمانه في المجاز العقلي فإن البلاغة يوجب أن يختار السبب القوي والمكان والزمان المختصان
وإذا دققت النظر رأيت أن أغلب ضروب المجاز المرسل والعقلي لا تخلو من مبالغة بديعة ذات أثر في جعل المجاز رائعاً خلاباً ، فإطلاق الكل علي الجزء مبالغة ومثله إطلاق الجزء وإرادة الكل ، كما إذا قلت : " فلان فم "تريد أنه شره يلتقم كل شئ . أو " فلان أنف " عندما تريد أن تصفه بعظم الأنف فتبالغ فتجعله كله أنفاً . ومما يؤثر عن بعض الأدباء في وصف رجل أنافي (3) قوله : " لست أدري أهو في أنفه أم أنفه فيه " .

الكناية
الأمثلة :
1. تقول العرب : فلانة بعيدة مهوى القرط .
2. قالت الخنساء (1) في أخيها صخر :
طويل النجاد رفيع العماد كثير الرمــاد إذا مـا شتا . (2)
* * *
3. وقال آخر في فضل دار العلوم في إحياء لغة العرب :
وجدت فيك بنت عدنان داراً ذكـريها بداوة الأعــراب.
4. وقال آخر :
الضـاربين بكل أبيض مخدم والطـاعنين مجامع الأضغان .(3)
* * *
5. المجــد بين ثوبيــــك والكــرم ملء برديــك .
البحث :
مهوى القرط المسافة من شحمة الأذن إلي الكتف . وإذا كانت هذه المسافة بعيدة لزم أن يكون العنق طويلاً ، فكأن العربي بدل أن يقول : "أن هذه المرأة طويلة الجيد " نفحنا بتعبير جديد يفيد اتصافها بهذه الصفة .
وفي المثال الثاني تصف الخنساء أخاها بأنه طويل النجاد ، رفيع العماد ، كثير الرماد . تريد أن تدل بهذه التراكيب علي أنه شجاع ، عظيم في قومه ، جواد ، فعدلت عن التصريح بهذه الصفات إلي الإشارة إليها والكناية عبها ، لأنه يلزم من طول حمالة السيف طول صاحبه ، ويلزم من طول الجسم الشجاعة عادة ، ثم أنه يلزم من كونه رفيع العماد أن يكون عظيم المكانة في قومه وعشيرته ، كما أنه يلزم من كثرة الرماد كثرة حرق الحطب ،ثم كثرة الطبخ ، ثم كثرة الضيوف ، ثم الكرم ، ولما كان كل تركيب من التراكيب السابقة ، وهي بعيدة مهوى القرط ، وطويل النجاد ، ورفيع العماد ، وكثير الرماد ، كُني به عن صفة لازمه ، لمعناه ، كان كل تركيب من هذه وما يشبهه كناية عن صفة وفي المثال الثالث أراد الشاعر أن يقول : إن اللغة العربية وجدت فيك أيتها المدرسة مكاناً يذكرها بعهد دواتها .فعدل عن التصريح باسم اللغة العربية إلي تركيب يشير إليها ويعد كناية عنها وهو " بنت عدنان "
وفي المثال الرابع أراد الشاعر وصف ممدوحيه بأنهم يطعنون القلوب وقت الحرب فانصرف عن التعبير بالقلوب غلي ما هو أملح وأوقع في النفس وهو " مجامع الأطغان " ، لأن القلوب تفهم منه إذ هي مجتمع الحقد والبغض والحسد وغيرها .
وإذا تأملت هذين التركيبين وهما : " بنت عدنان " ، " مجامع الأطغان " رأيت أن كلاً منهما كُني به عن ذات لازمة لمعناه ، لذلك كان كل منهم كناية عن موصوف وكذلك كل تركيب يماثلها .
أما في المثال الأخير فإنك أردت أن تنسب المجد والكرم إلي من تخاطبه ، فعدلت عن نسبيهما إلي ما له أتصال به ، وهو الثوبان والبردان ‘ ويسمي هذا المثال وما يشبهه كناية عن نسبة . وأظهر علامة لهذه الكناية أن يصرح فيها بالصفة كما رأيت ، أو ربما يستلزم الصفة ، نحو : في ثوبيه أسد ، فإن هذا النثال كناية عن نسبة الشجاعة .
وإذا رجعت إلي أمثلة الكناية السابقة رأيت أن كل منها ما يجوز فيه إرادة المعني الحقيقي الذي يفهم من صريح اللفظ ومنها مالا يجوز فيه ذلك .
القواعد :
(26) الكناية لفظ أطلق وأريد به لازم معناه مع جواز إرادة ذلك المعني .
(27) تنقسم الكناية باعتبار المكني عنه ثلاثة أقسام ، فإن المكني عنه قد يكون صفةً، وقد يكون موصوفاً ، وقد يكون نسبة . (1)
نموذج
1. قال المتنبي في وقيعة سيف الدولة ببني كلاب :
فمساهم وبسطهم حرير وصحبهم وبسطهم تراب (2)
ومن في كفه منهم قناة كمن في كفه منهم خضاب
2. وقال في مدح كافور :
أن قي ثوبك الذي المجد فيه لضياء يزري بكل ضياء (3)
الإجابة
1- كني بكون بسطهم حريراً عن سيادتهم وعزتهم ،2- وبكون بسطهم تراباً عن حاجتهم وذلهم ،3- فالكناية في التركيبين عن الصفة .
4- وكني بمن يحمل قناة عن الرجل ،5- وبمن في كفه خضاب عن المرأة وقال إنهما سواء في الضعف أمام سطوة سيف الدولة وبطشه ،6- فكلتا الكنايتين كناية عن موصوف .
7- أراد أن يثبت المجد لكافور فيرك التصريح بهذا وأثبته لما له تعلق بكافور وهو الثوب ،8- فالكناية عن نسبة .

تمرينات
(1)
بين الصفة التي تلزم من كل كناية من الكنايات الآتية :
(1) نئوم الضحا . (2) ألقي فلان عصاه .
(3) ناعمة الكفين . (4) قرع فلان سنه .
(5) يشار إليه بالبنان . (6) "فأصبح يقلب كفيه علي ما أنفق فيها وهي خاوية " .
(7) ركب جناحي نعامة . (8) لوت الليالي كفه علي العصا .
(9) قال المتنبي في وصف فرسه :
وأصـرع أي الوحـش قفيته به وأنـزل عنه مثله حين أركـب (1)
(10) فلان لا يضع العصا علي عاتقه .
(2)

بين الموصوف المقصود بكل كناية من الكنايات الآتية :
(1) قوم تري أرماحهم يوم الوغي مشغوفة بمواطن الكتمان
(2) وقال تعالي : " أو من ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين (2) " .
(3) كان المنصور (3) في بستان في أيام محاربته إبراهيم بن عبد الله بن الحسن (4) ونظر إلي شجرة خلاف (5)
فقال للربيع (1) . ما هذه الشجرة ؟ . فقال . طاعة يا أمير المؤمنين !
(4) مر رجل في صحن دار الرشيد ومعه حزمة خيرزان ، فقال الرشيد للفضل بن الربيع (2) : ما ذاك ؟ فقال عروق الرماح يا أمير المؤمنين ، وكره أن يقول . الخيرازان ، لموافقة ذلك لاسم أم الرشيد .
(5) قال أبو نواس (3) في الخمر :
ولما شربناها ودب دبيبها إلي موطن الأسرار قلت لها قفي .
(6) وقال المعرى في السيف :
سليل النار دق ورق حتى كأن أبـاه أورثـه السـلالا (4)
(7) كبرت سن فلان وجاءه النذير .
(8) سئل أعرابي عن سبب اشتعال شيبه ، فقال . هذا رغوة الشباب .
(9) وسئل آخر ، فقال . هذا غبار وقائع الدهر .
(10) يروى أن الحجاج قال للغضبان بن القبعثري : لأحملنك علي الأدهم (5) ، فقال : مثل الأمير تحمل علي الأدهم والأشهب ، قال إنه الحديد ، قال . لأن يكون حديداً خير من أن يكون بليداً .

(3)
بين النسبة التي تلزم كل كناية من الكنايات الآتية :
(1) إن السماحة والمروءة والندى في قبة ضربت علي ابن الحشرج (6) .
(2) قال أعرابي : دخلت البصرة فإذا ثياب أحرار علي أجساد العبيد .

(3) وقال الشاعر :
اليمـن يتبـع ظلـه والمجد يمشي في ركابه (1)

(4)
بين أنواع الكنايات الآتية وعين لازم معني كل منها :
(1) مدح أعرابي خطيباً فقال : كان بليل الريق قليل الحركات . (2)
(2) وقال يزيد بن الحكم (3) في مدح المهلب (4) .
أصبح في قيدك السماحة والمجـ ـد وفضل الصلاح والحسب .
(3) وتقول العرب : فلان رحب (5) الذراع ، نقي الثوب ، طاهر الإزار ، سليم دواعي الصدر (6) .
(4) وقال البحتري يصف قتله ذئباً :
فأتبعتها أخري فأضللت نصلها بحيث يكون اللب والرعب والحقد (7)
(5) وقال آخر في رثاء من مات بعلة في صدره :
ودبت في موطـن الحلم عـلة لها كالصـلال الرقش شر دبيب (8)
(6) ووصف أعرابي امرأة فقال : ترخي ذيلها علي عرقوبي ناعمة .

(5)
بين نوع الكنايات الآتية ، وبين منها ما يصح فيه إرادة المعني المفهوم من صريح اللفظ . وما لا يصح :
(1)وصف أعرابي رجلاً بسوء العشرة فقال :
كان إذا رآني قرب من حاجبٍ حاجباً .

(2) قال أبو نواس في المديح :
فما جازه جود ولا حل دونه ولكن يسير الجود حيث يسير
(3) وتكني العرب عمن يجاهر غيره بالعداوة بقولهم :
لبس له جلد النمر ، وجلد الأرقم (1) ، وقلب له ظهر المجن (2) .
(4) فلان عريض الوساد (3) ، أغم القفا (4) .
(5) قال الشاعر :
تجول خلاخيل النساء ولا أري لرملة خلخالاً يجول ولا قلناً (5)
(6) وتقول العرب في المديح : الكرم في أثناء حلته ، ويقولون فلان نفخ شدقيه ، أي تكبر ، وورم أنفه إذا غضب .
(7) قالت أعرابي لبعض الولاة : أشكو إليك قلة الجرزان (6) .
(8) وقال الشاعر :
بيض المطابخ لا تشكو إماؤهم طبخ القدور ولا غسل المناديل .
(9) وقال آخر
مطبخ داود في نظافته أشــبه شئ بعرش بلقيس (7)
ثياب طباخه غذ اتسخت أنقـي بياضاً من القراطيس
(10) وقال آخر :
فتي مختصــر الــأكو ل والمشـرب والعطــر
نقي الكــأس والقصعـ ـة والمنـديـل والقـدر
(6)
اشرح البيت الآتي وبين الكناية التي به :
1. فلسنا علي الأعقاب تدمي كلومنا ولكن علي أقدامنا تقطر الدما (8)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..