الصفحات

الأحد، 9 ديسمبر 2012

الجامية : الكشف عن التاريخ المظلم لفرقة الخلوف

أخي الكريم
السلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتهُ .. وبعدُ
وصلتني رسالتُكَ ، وصلكَ اللهُ بهداهُ ، ولا يسعني إلا أن أبادلكَ الشعورَ بمثلهِ ، والقلوبُ شواهدٌ على ذلكَ ، واللهُ المسؤولُ أن يُنعمَ عيناً باللقاءِ في جنّاتِ عدنٍ ، في مقعدِ صدقٍ عندَ مليكٍ مُقتدرٍ
سيّدي الكريمُ
لم أتأخّر عليكَ تجاهلاً أو نِسياناً ، ولكن دهمتني مجموعةٌ من الصوارفِ والشواغلِ كادتْ أن تُنسيني طيبِ حديثكِ ورسائلكَ ، لولا أنَّ مَنَّ اللهُ عليَّ فزالتْ ، فاهتبلتُ الفرصةُ لكتابةِ هذه الرسالةِ ، على وجهِ العجلةِ ؛ علّها تروي غليلاً ، وتشفي عليلاً ، وإن كانَ القصورُ مضروباً على بني البشرِ ، إلا أنَّ عِلمي بحسنِ ظنّكَ وغضِّ طرفكَ حمّسني للمضي والكتابةِ
ذكرتَ لي أنّ بعضَ "الجاميّةِ" سطّرَ فيَّ مقالاً ، وقد أخبرني بذلكَ بعضُ أهلي بعدَ دخولهم إلى الساحاتِ يوماً ما فوجدوا المقالةَ قد نُشرتْ ، فأعلموني بها ، فقرأتُ العنوانَ على وجهِ السرعةِ ، وأعرضتُ عن الدخولِ إليها ؛ لعلمي بجهلهم الفاضحِ ، وتهافتهم الظاهرِ ، ولن يزيدوا في المقالِ شيئاً ، اللهمَّ إلا أنواعاً جديدةً من الشتمِ والسِّبابِ والتصنيفِ ، ولا تستغربْ ، فربّما أنشأوا فرقةً سمّوها "الأدغاليّةَ" !! فالقومُ أخفُّ أحلاماً ، ويستفزّهم كلُّ شيءٍ ، ويطيرونَ عندَ أدنى صرخةٍ ، ويفزعونَ من أصغرِ حركةٍ ، يحسبونَ كلَّ صيحةٍ عليهم
أمّا سؤالُكَ عن حقيقتِهم ، وماهيّةِ مذهبهم ، وتأريخُ بدايتهِ ، فهذا بابُ عريضٌ واسعٌ ، ولا يمكنُ الجزمُ فيهِ بشيءٍ واحدٍ دونَ غيرهِ ، وذلكَ أنَّ تأريخَ هذه الطائفةِ المارقةِ من جهةِ ابتداءِ النشأةِ ومكانها وظروفِها يكتنفهُ شيءٌ من الغموضِ المُتعمّدِ من قِبلهم
ومَرَدُّ ذلكَ إلى أحداثٍ معيّنةٍ كانتْ جاريةً في تلكَ الفترةِ ، وانشغلَ النّاسُ بها ، فوجدتْ هذه الفرقةُ المارقةُ جَوَّاً خصباً للنشوءِ والانتشارِ ، واستغلّوا غفلةَ النّاسِ عنهم ، ومهّدوا لذلكَ بعدةِ ممهّداتٍ جسّوا خلالها نبضَ النّاسِ ، حتّى إذا آنسوا منهم غفلةً : وثبوا وثبةَ الذئبِ على الفريسةِ الغارّةِ الغافلةِ
وبدايةُ نشأتهم تقريباً كانتْ في حدودِ الأعوامِ 1411هـ/1412هـ في المدينةِ النبويّةِ على ساكنِها أفضلُ الصلاةِ والسلامِ ، وكانَ مُنشئها الأوّلُ "محمد أمان الجامي" الذي توفّيَ قبلَ عدّةِ سنواتٍ ، وهو من بلادِ "الحبشةِ" أصلاً ، وكانَ مُدرّساً في الجامعةِ الإسلاميّةِ في قسمِ العقيدةِ ، وشاركهُ لاحقاً في التنظيرِ لفكرِ هذه الطائفةِ "ربيع بن هادي المدخلي" ، وهو مدرّسٌ في الجامعةِ في كليّةِ الحديثِ ، وأصلهُ من منطقةِ "جازانَ"
لا أعلمُ على وجهِ التحديدِ الدقيقِ وقتاً دقيقاً مُحدّداً للتأسيسِ ، إلا أنَّ الظهورَ العلني على مسرحِ الأحداثِ كانَ في سنةِ 1411هـ ، وذلكَ إبّانَ أحداثِ الخليجِ ، والتي كانتْ نتيجةً لغزو "العراقِ" لـ"الكويتِ" ، وكانَ ظهوراً كفكرٍ مُضادٍّ للمشايخِ الذين استنكروا دخولَ القوّاتِ الأجنبيّةِ ، وأيضاً كانوا في مقابلِ هيئةِ كِبارِ العلماءِ والذين رأوا في دخولِ القوّاتِ الأجنبيّةِ مصلحةً إلا أنّهم لم يُجَرِّموا من حَرَّمَ دخولها أو أنكرَ ذلكَ ، فجاءَ الجاميّةُ واعتزلوا كلا الطرفينِ ، وأنشأوا فكراً خليطاً يقومُ على القولِ بمشروعيّةِ دخولِ القوّاتِ الأجنبيّةِ ، وفي المقابلِ يقفُ موقفَ المُعادي لمن يُحَرِّم دخولها ، أو يُنكر على الدولةِ ويدعو إلى الإصلاحِ ، بل ويصنّفونهُ تصنيفاتٍ جديدةً
ويَذكرُ بعضُ المشايخِ أنَّ هذه الطائفةَ نشأتْ بمباركةٍ من وزارةِ الداخليّةِ ، حيثُ قامتْ بتوظيفِ مجموعةٍ من النّاسِ ، وذلكَ بقصدِ ضربِ التيّارِ الإصلاحيِّ ، والذي كانَ يتنامى في تلكَ الفترةِ ، والذي كانَ على رأسهِ الشيخُ العلامةُ "سفر بن عبد الرحمن الحوالي" حفظهُ اللهُ ، وبقيّةُ إخوانهِ من المشايخِ ، وهذا القولُ قولٌ واقعيٌّ تماماً ، تدلُّ عليهِ الأحداثُ ، ويشهدُ لهُ الظرفُ والوقتُ الذي ظهروا فيهِ ، ويدلُّ عليهِ كذلكَ أنَّ "محمد أمان الجامي" كتبَ في تلكَ الفترةِ ، مجموعةً من البرقيّاتِ إلى وزارةِ الداخليّةِ يُحَرِّضهم فيها على الشيخِ "سفر الحوالي" ويطلبُ فيها منهم إيقافهُ ومسائلتهُ على كلامهِ ، وأمرُ هذه البرقيّاتِ مشهورٌ جدّاً ، وموارقُ "الجاميّةِ" أصلاً لا يُنكرونَ مبدأ العملِ في المباحثِ ، أو مبدأ الترصّدِ للدعاةِ ، بل ويتقرّبونَ إلى اللهِ ببغضهم وبإلحاقِ الأذيّةِ بهم ، ومنهم من يستحلُّ الكذبَ لأجلِ ذلكَ
وقد قالَ "عبد العزيزِ العسكر" في إحدى خطبهِ أنَّ دماءَ هؤلاءِ المشايخ حلالٌ ، وذلكَ بسببِ فتنتهم التي نشروها وبثوها !! وقد سُئلُ "العسكر" عن حكمِ العملِ مع المباحثِ (في شريطٍ مُسجّلٍ بصوتهِ) فقالَ : ((وماذا يضيرُكَ لو عملتَ في المباحثِ وقمتَ بحمايةِ الدولةِ من المفسدينَ والخارجينَ ؟!)) !! والحمدُ للهِ الذي لم يُمهلْ هذا "العسكر" طويلاً ؛ ففُضحَ فضيحةً نكراءَ أدّتْ إلى فصلهِ وعزلهِ ، والتشهيرِ بهِ ، وذلكَ عاجلُ عقوبتهِ في الدنيا
وخلاصةُ الكلامِ في نشأتهم أنّهم قاموا في مقابلِ مشايخِ الصحوةِ في ذلكَ الوقتِ ، من أمثالِ المشايخ : "سفر" و"سلمان" و"ناصر" و"عائض" وغيرهم ، وشكّلوا جبهةَ عداءٍ لهم ، وأخذوا يردّونَ عليهم ردوداً جائرةً ، ويصنّفونهم بتصنيفاتٍ ظالمةٍ ، ويقعدونَ لهم كلَّ مرصدٍ ، ولا يتركونَ تهمةً إلا ألصقوها فيهم .. والسببُ هو تنفيرُ النّاسِ عن قبولِ ما لدى هؤلاءِ المشايخِ من الحقِّ ، وإسقاطاً لهم ، ورفضاً لمشاريعهم الإصلاحيّةِ ، وإضفاءً لنوعٍ من الشرعيّةِ اللامحدودةِ للدولةِ ، بحيثُ تُصبحُ فوقَ النقدِ ، ولا تطالها يدُ التغييرِ مهما فعلتْ من سوءٍ أو جنايةٍ ، كلُّ ذلكَ بمسوّغاتٍ شرعيّةٍ جاهزةٍ
وأمّا أسماءهم التي عُرفوا بها فمنها :
(1)           "الجاميّةُ" ، وهذا نسبةً إلى مؤسّسِ الطائفةِ "محمّد أمان الجامي الهرري الحبشي"
(2)           و"المداخلةُ" ، نسبةً إلى "ربيع بن هادي المدخلي" شريك "الجامي" في تأسيسِ الطائفةِ
(3)           وتارةً يُسَمَّونَ بـ"الخلوفِ" ، وقد أطلقَ هذا الاسمَ عليهم العلامةُ "عبد العزيز قارئ"
(4)           وتارةً يُسمّونَ "جماعة المدينةِ" ، نسبةً إلى نشأةِ مذهبهم فيها
(5)           وأنا أرى أن يُسمّوا "موارقَ الجاميّةِ" ؛ وذلكَ لمروقهم عن طائفةِ المُسلمينَ العامّةِ ، ونكوصهم عن منهجِ السلفِ ، وتبنّيهم لفكرٍ دخيلٍ مُبتدعٍ مُنحطٍ ، لا يعرفُ التأريخُ لهُ نظيراً أبداً
هذا المذهبُ في بدايتهِ كانَ يقومُ على البحثِ في أشرطةِ المشايخِ ، والوقوفِ على متشابهِ كلامهم ، أو ما يحتملُ الوجهَ والوجهينِ ، ثمَّ جمعُ ذلكَ كلّهِ في نسقٍ واحدٍ ، والتشهيرُ بالشيخِ وفضحهُ ، ومحاولةُ إسقاطهِ بينَ النّاسِ وفي المجتمعِ .. وقد استطاعوا في بدايةِ نشوءِ مذهبهم من جذبِ بعضِ من يُعجبهُ القيلُ والقالُ ، وأخذَ أتباعهم يكثرونَ وينتشرونَ ؛ وذلكَ بسببِ جرأتهم ووقاحتهم ، وتهوّرهم في التصنيفِ والتبديعِ .. وممّا زادَ ذلكَ أنَّ الدولةَ في تلكَ الفترةِ كانتْ ضدَّ أولئكِ المشايخِ المردودِ عليهم ، فوجدوا من الدولةِ هوىً وميلاً لهم .. هذا إضافةً إلى من كانَ من رجالِ الداخليّةِ أصلاً ، وهو يعملُ معهم ويجوسُ في الديارِ فساداً وإفساداً ، أو من كانَ مُستغلاً من قِبلِ الداخليّةِ والدولةِ
وفي تلكَ الفترةِ الحرجةِ ، والممتدةِ من سنةِ 1411هـ إلى سنةِ 1415هـ : كانوا قد بلغوا من الفسادِ والتفرقةِ أمداً بعيداً ، واستطاعوا تمزيقَ الأمّةِ والتفريقَ بينهم ، ولم يتركوا شيخاً أو عالماً أو داعيةً إلا صنّفوهُ وشهّروا بهِ ، إلا هيئةَ كبارِ العلماءِ ؛ وذلكَ لأنّها واجهةُ الدولةِ الرسميّةِ ، وكذلكَ لم يُصنّفوا مشايخهم أو من كانَ في صفّهم ؛ كُل هذا وقوفاً مع الدولةِ وتأييداً لها
ومن المشايخِ الذين أسقطوهم في تلكَ الفترةِ : "سفر الحوالي" ، "سلمان العودة" ، "ناصر العمر" ، "عائض القرني" ، "سعيد بن مسفر" ، "عوض القرني" ، "موسى القرني" ، "محمد بن    عبد الله الدويش" ، "عبد الله الجلالي" ، "محمد الشنقيطي" ، "أحمد القطان" ، "محمد قطب" ، "عبد المجيد الزنداني" ، "عبد الرحمن عبد الخالق" ، "عبد الرزاق الشايجي" ، وغيرهم
وكانَ أساسُ تصنيفهم للعالمِ والداعيةِ هو : موقفهُ من الدولةِ ، فإن كانَ موقفُ الشيخِ مناهضاً للدولةِ ويدعو إلى الإصلاحِ أو إلى تغييرِ الوضعِ القائمِ : فإنّهُ من الخوارجِ ، أو من المُهيّجةِ ، أو من المبتدعةِ الضالّينَ ، ويجبُ التحذيرُ منهُ وإسقاطهُ !!
وعندما أصدرَ الشيخُ "ابنُ بازٍ" رحمهُ اللهُ في سنةِ 1413هـ بياناً يستنكرُ فيهِ تصرّفهم ويعيبُ عليهم منهجهم ، وقامَ الشيخُ "سفرٌ" بشرحهِ في درسهِ في شريطٍ سُمّي لاحقاً "الممتاز في شرحِ بيانِ ابن باز" : طاروا على إثرها إلى الشيخِ رحمهُ اللهُ ، وطلبوا منهُ أن يزكّيهم ؛ حتّى لا يُسيءَ الناسُ فيهم الظنَّ ، فقامَ الشيخُ بتزكيتهم ، وتزكيّةِ المشايخِ الآخرينَ ، إلا أنّهم لِفَرطِ اتباعهم للهوى وشدّةِ ميلهم عن الإنصافِ : قاموا ببترِ الكلامِ عن المشايخِ الآخرينَ ، ونشروا الشريطَ مبتوراً ، حتّى آذنَ لهم بالفضيحةِ والقاصمةِ وظهرَ الشريطُ كاملاً وللهِ الحمدُ
وكان من أشدَّ "الجاميّةِ" في تلكَ الفترةِ وأنشطهم "فالح الحربيّ" و"محمد بن هادي المدخلي" و"فريد المالكيّ" و"تراحيب الدوسريّ" و"عبد اللطيف با شميل" و"عبد العزيز العسكر"
أمّا "فالح الحربيّ" فهو سابقاً من أتباعِ "جُهيمان" ، وسُجنَ فترةً بسببِ علاقتهِ بتلكَ الأحداثِ ، وبعد خروجهُ من السجنِ تحوّلَ وانتحلَ طريقةَ موارقِ "الجاميّةِ" ، وأصبحَ من أوقحهم وأجرئهم
وأمّا "فريد المالكي" فقد انتكسَ فيما بعدُ ، وأصبحَ من أهلِ الخرابِ ، وهو حقيقة لم يكنْ مستقيماً من قبلُ ، ولكنّهُ كانَ يُظهرُ ذلكَ
وأمّا "باشميل" فوالدهُ شيخٌ معروفٌ ومؤرخٌ فاضلٌ ، إلا أنَّ وَلَدَهُ مَالَ عن الحقِّ ، وأصبحَ جامياً ، بل من أخبثهم أيضاً ، ولهُ عملٌ رسميٌّ في المباحثِ ، وباسمهِ كانتْ تُسجلُ التسجيلاتُ في مدينةِ "جدّة" ، وعن طريقه سَلَكَ الأميرُ "ممدوحٌ" وولدهُ "نايفٌ" طريقَ "الجاميّةِ"
أما "عبد العزيز العسكر" فقد فضحهُ اللهِ بفضيحةٍ شنيعةٍ فُصِلَ على سببها من التدريسِ
وأما "تراحيب" فهو مؤلّفُ كتابِ "القطبيّةِ"
وأمّا "صالح السحيميّ" فإنّهُ من غلاة الجاميّةِ ، وأكثرهم شراسةً وتطرّفاً ، وفي محاضرةٍ لهُ ألقاها بجامعِ القبلتينِ جعلَ الشيخينِ "سفراً" و"سلمانَ" قُرناءَ لـ"الجعدِ بنِ درهمَ" ولـ"الجهمِ بنِ صفوانَ" ولـ"واصلٍ بنِ عطاءٍ" في الابتداعِ !!
ثمَّ لاحقاً تسلّمَ دفّةَ قيادةِ الفرقةِ الجاميّةِ المارقةِ "ربيع المدخليّ" ، وتفرّدَ بالساحةِ ، وأصبحَ يُشاركهُ فيها "فالح الحربيّ" ، ولهم مجموعةٌ أخرى من المشايخِ ، إلا أنَّ هؤلاءِ كانوا أشهرهم هنا
وفي تلكَ الفترةِ بدأتْ أماراتُ مرضِ "محمد أمان الجامي" تظهرُ ، حيثُ أصيبَ بمرضِ السرطانِ في فمهِ ، ثمَّ ماتَ بعدَ ذلكَ بقرابةِ السنةِ ، فخلى الجوِّ على إثرِ ذلكَ لـ"المدخليِّ" ، ولم يجدْ من يُنافسهُ
في هذه الفترةِ وبعدَ سجنِ المشايخِ وعدمِ وجودِ من يُنازعُ الدولةَ : بدأ الجاميّونَ يلتفتونَ لأنفسهم ، وأخذوا يقرّرونَ قواعدهم ، ويُأصلونَ لمذهبهم ، ويُنَظِّرونَ لهُ ، وكثرتْ تصانيفهم الخاصّةُ بتقريرِ قواعدِ مذهبهم ، أو الدفاعِ عنهُ ، بعدَ أن كانوا مُهاجمينَ لغيرهم فيما مضى .. وهنا انشرخَ جدارهم الشرخَ الكبيرَ ، وبدأو ينقسمونَ انقساماتٍ كبيرة ، كلُّ طائفةٍ تُبَدِّعُ الطائفةَ الأخرى ، ولا يزالونَ إلى هذا اليومِ في انقسامٍ وتشرذمٍ ، كما كانَ حالُ "المعتزلةِ" والذين تشرّذموا في فترةٍ وجيزةٍ وانقسموا إلى عشراتِ الفرقِ
وأوّلُ انشقاقٍ حدثَ كانَ ظهورُ فرقةِ "الحدّاديةِ" ، وهم أتباعُ "محمود الحداد" ، وهو مِصريٌّ نزيلٌ بالمدينةِ النبويّةِ ، من أتباعِ "ربيعٍ" ، إلا أنّهُ كانَ أجرأ من "ربيعٍ" وأصرحَ ، ولهذا قامً بطردِ أصولهِ وحكمَ على جميع من تلبّسَ ببدعةٍ أن يُهجرَ وتُهجرَ كُتُبُهُ وتَصَانيفهُ ، وأظهرَ دعوتهُ الشهيرةَ لحرقِ كُتُبِ الأئمةِ السابقينَ أمثالَ كتبِ "ابنِ حزمٍ" و"النّوويِّ" و"ابنِ حجرٍ" وغيرهم ؛ وذلكَ لأنّهم مبتدعةٌ ويجبُ هجرهم وتحذيرُ النّاسِ من كتبهم ، أسوةً بـ"سفرٍ" و"سلمانَ" والبقيّةِ !!
وقد كانَ "الحدّادُ" في ذلكَ صَادقاً ، ويدعو إليهِ عن دينٍ وعلمٍ ، ويرى أنَّ الأصلَ يجبُ طردهُ ، ولا يمكنُ عزلُ الماضي عن الحاضرِ ، وتعاملُ العلماءِ مع المبتدعةِ واحدٌ ، وقد وافقهُ على ذلكَ "ربيعٌ" في أوّلِ الأمرِ ، ثمَّ لمّا رأى إنكارَ النّاسِ على "الحدّادِ" : أعلنَ الانقلابَ عليهِ ، وتبرّأ منهُ
والسببُ الذي دعا موارقَ "الجاميّةِ" إلى الكفِّ عن تبديعِ الأئمةِ السابقينَ هو أنّهم كانوا أصحابَ هدفٍ مُحدّدٍ ، ولهم وظيفةٌ واحدةٌ ، وهي تنفيرُ النّاسِ عن اتّباعِ المشايخِ المُصلحينَ ، وإسقاطهم ، وما عدا ذلكَ فلا شأنَ لهم بهِ ، وأمّا "الحدّادُ" فقد كانَ رجلاً عابداً ، ويرى أنَّ الدعوةَ لابُدَّ من طَردها وإعمالها جميعاً ، ولم يكنْ يعرفُ مقصدهم ، وأنّهم كانوا مُجرّدَ اتباعٍ للدولةِ فقط ، ولا يهمّهم أمرُ العلمِ من قريبٍ أو بعيدٍ ، ولهذا خرجَ عليهم ، ونابذهم ، وانفصلَ عليهم ، وسُمّيتْ فرقتهُ بـ"الحدّاديةِ" ، ثمَّ سعوا في إخراجهِ من "المدينةِ" ، حتّى تمكّنوا من ذلكَ ، ومعَ مرورِ الوقتِ خمدتْ دعوةُ "الحدّاديّةِ" في بلادِ الحجازِ ، وانتقلتْ حمّاها إلى بلادِ "اليمن" و"مِصر" و"الشام" وغيرها
ولشيوخهم من التهافتِ والجهالاتِ الشيء الكثير
خُذ مثلاً "ربيع المدخلي" ، هذا الرّجلُ الذي يزعمُ "الجاميّةُ" أنّهُ حاملُ لِواءِ الجرحِ والتعديلِ في هذا العصرِ ، ومعَ ذلكَ فقد وجدَ الباحثونَ عليهِ ثغراتٍ كبيرة منهجيّة في علمِ أصولِ الحديثِ ، والذي هو تخصّصهُ ، بل وجدوا عندهُ من السقطاتِ والزلاّتِ ما يجعلُ أحدهم يستعجبُ كيفَ تفوتُ هذه على صِغارِ الطلبةِ ، فضلاً عن رجلٍ يوصفُ بأنّهُ حاملُ لواءِ الجرحِ والتعديلِ !!
و"ربيع" هذا كتبَ مرّةً مقالاً عن "مؤسسةِ الحرمينِ الخيريةِ" ، ونشرها في منتدى "سحاب" ، ووجدتْ صدى ورواجاً وقبولاً عندَ طائفتهِ ، حتّى قامَ بعضُ كِبارِ أهلِ العلمِ باستنكارِ تلكَ المقالةِ ، وردّوا على "ربيع" ، وأنكروا عليهِ ، فما كانَ منهُ إلا أن تبرّأ من المقالةِ ، وأنّهُ لم يكتبها ، وقامَ بنحلها لشخصٍ هناكَ اسمهُ "أبو عبد اللهِ المدني" !! وأنَّ "المدنيَّ" المذكورَ هو من نشرَ المقالةَ وكتبها وليسَ "ربيعاً" !! في تبريرٍ سامجٍ مُضحكٍ ومُخزٍ !!
و"ربيع" هذا هو من أسقطَ "أبا الحسنِ المصري المأربيِّ" ، والطامّةُ الكبرى أنَّ "أبا الحسنِ" قد كانَ من كِبارِ شيوخهم ، ولهُ علاقةٌ قويّةٌ بالأمنِ السياسيِّ في بلادِ "اليمنِ" ، وكانَ في تلكَ الأيّامِ إماماً لـ"الجاميّةِ" ومُنَظِّراً لها ، وهو الذي تولّى نشرَ فتنةِ الإرجاءِ والتصنيفَ فيها ، وبعدما أسقطهُ "المدخليُّ" : تنكّروا له ، وهاجموهُ ، وجعلوهُ مبتدعاً جاهلاً زائغاً مُنحرفاً !! والأعجبُ من ذلكَ كلّهِ أنَّ أغلبَ سقطاتهِ وزلاّتهِ استخرجوها من أشرطةٍ قديمةٍ لهُ في الفترةِ التي كانوا فيها على صفاءٍ وودٍّ !! وهذا دليلٌ واضحٌ على اتباعِ القومِ للهوى ، وغضّهم البصرَ عن أتباعهم ، حتى إذا غضبوا عليهِ : قاموا وفجروا في الخصومةِ ، وأخذوا يجمعونَ عليهِ جميعَ مآخذهِ وزلاّتهِ ممّا كانوا يغضّونَ عنها بصرهم قديماً في فترةِ ولائهِ لهم !!
و"ربيع" هذا رجلٌ غريبُ الأطوارِ جدّاً ، كانَ في الأصلِ من جماعةِ "الإخوان المُسلمين" ، ويُقالُ أنَّ رجوعهُ كانَ على يدِ الشيخِ "سفر" حفظهُ اللهُ ، ومع ذلكَ فهو يتنكّرُ للشيخِ "سفر" أشدَّ التنكّرِ ، ويُبغضهُ أشدَّ البُغضِ ، ويحملُ عليهِ من الحقدِ الدفينِ ما يجعلُ "ربيعاً" يموتُ في اليومِ ألفَ مرّةٍ إذا سمعَ خيراً ينالُ الشيخَ "سفراً" أو رفعةً تُصيبهُ !
وعندما ردَّ الشيخُ العلاّمةُ "بكرُ بنِ عبد الله أبو زيدٍ" على "ربيع" في مسألةِ الشهيدِ السعيدِ "سيّد قطب" رحمهُ اللهُ ، وكانَ ردُّ "أبي زيدٍ" في أربعةِ وريقاتٍ : قامَ "ربيعٌ" بعدها فسوّدَ صحائفَ مئاتِ الورقِ ، وكتبَ ردّاً مليئاً بالسبابِ والشتامِ والإقذاعِ في حقِّ الشيخِ "بكرٍ" !! وقلبَ الموارقُ فيما بعدُ ظهرَ المجنِّ للشيخِ "أبي زيدٍ" ، وصنّفوهُ حزبيّاً ، وأسقطوهُ ، وعدّوهُ من المبتدعةِ
والأنكى من ذلك والأدهى : أنَّ "ربيعاً" قصدَ إلى "علي حسن عبد الحميدِ الحلبي" و"سليماً الهلاليّ" وقالَ لهما : ((أَسقِطَا "المغراوي" ، وإن لم تُسقطاهُ فسَأُسقِطكُم أنتم)) !!
باللهِ عليكَ : هل هذا كلامُ رجلٍ عاقلٍ ؟!! وهل هذا تصرّفُ رجلٍ يبحثُ عن الخيرِ والهدايةِ للمدعو وللنّاسِ ؟!! أم تصرّفُ رجلٍ مَلأ الحقدُ والضغينةُ قلبهُ وأعمى بصرهُ ؟!!
ومن مشائخهم كذلكَ : "مُقبلٌ الوادعيّ" ، وقد توفّي قبلَ سنةٍ في "جدّةَ" ، وهو سابقاً من أتباعِ "جُهيمان" ، ولكنّهُ أُبعدَ عن الدولةِ قبلَ خروجِ "جُهيمان" ، أي في حدودِ سنةِ 1399هـ ، حيثُ كانَ يَدرُسُ الحديثَ في "الجامعةِ الإسلاميّةِ" ، وهو شديدٌ الأخلاقِ ، زَعِرٌ ، يُطلقُ لسانهُ في مخالفيهِ بالشتمِ والسبِّ بأرذلِ العِباراتِ .. فمن ذلكَ أنّهُ قالَ عن الدكتورِ "عبد الكريمِ زيدان" العالمُ العراقيُّ الشهيرُ صاحبُ كتابِ "أصولِ الدعوةِ" وكتابِ "المُفصّلِ في أحكامِ المرأةِ المُسلمةِ" ، قالَ عنهُ "الوادعيُّ" : ((إنَّ علمهُ زبالةٌ)) ! وقد بلغتْ تلكَ العبارةُ للدكتور "زيدان" فجلسَ يبكي بُكاءً مُرَّاً
ولستُ أدري واللهِ كيفَ يجرأونَ على نعتِ مُخالفيهم بهذه الأوصافِ القذرةِ لِمُجَرَّدِ أنّهُ خالفهم في مسألةٍ أو مسألتينِ ! وينسفونَ جميعَ علمهم ! ويهدمونَ كلَّ آثارهِ ومعارفهِ لمجرّدٍ شبهةٍ عرضتْ أو حادثةٍ عنّتْ ؟!!!
ولهم غيرُ ذلكَ من التناقضاتِ الواضحاتِ البيّناتِ ، وقد تتبّعَ ذلكَ جمعٌ كبيرٌ من الأفاضلِ وجمعوا فيهِ أجزاءً عدّةً ، ومن أرادَ الوقوفَ عليها فهي موجودةٌ مُتيسّرةٌ ، وللهِ الحمدُ والمنّةُ
وقائمتهم الأخيرةُ التي جمعتْ المُسقـَطينَ والمُنتقدينَ جمعتْ أئمةَ الإسلامِ في هذا العصرِ ، وكِبارَ شيوخهِ ، ولم يسلمْ منهم أحدٌ ، وممن ضمّوهُ لقائمتهم : الشيخ "ابن بازٍ" ، وقد تكلّمَ فيهِ "ربيعٌ" وانتقصهُ ، والشيخ "الألبانيّ" ، وقد تكلّمَ فيهِ "ربيعٌ" وقالَ عنهُ : ((سلفيّتُنا خيرٌ من سلفيّةِ الألبانيِّ)) ، والشيخ "ابن جبرين" ، والشيخ "بكر أبو زيد" ، والشيخ "عبد اللهِ الغُنيمان" ، والشيخ "عبد المُحسن العبَّاد" ، والشيخ "عبد الرحمن البرّاك" ، والدكتور "جعفر شيخ إدريس"
ومن الدعاةِ وبقيّةِ المشايخِ : "محمد المنجّد" ، و"إبراهيم الدويّش" ، و"علي عبد الخالق القرنيّ" ، و"عبد الله السعد" ، و"سعد الحميّد" ، و"عبد الرحمن المحمود" ، و"محمّد العريفي" ، و"بشر البشر" ، و"سليمان العلوان" ، وغيرهم
ولو حلفتُ باللهِ على أنّهم أسقطوا كُلَّ من خالفهم : لَمَا كُنتُ حاثناً ؛ فجميعُ الدعاةِ والمشايخِ والعلماءِ ممّن لم يَدِنْ بدعوتهم أو يسلُكْ طريقهم فإنّهُ من المبتدعةِ ويجبُ هجرهُ وإسقاطهُ
وإنّي أسأل هنا سؤالاً : هل يوجدُ على مَرِّ تأريخِ الحركاتِ الإسلاميّةِ أو سنواتِ المدِّ الإسلاميِّ أن قامتْ مجموعةٌ بتسفيهِ جميعِ أهلِ العلمِ ، والتنفيرِ منهم ، وتحريمِ الجلوسِ إليهم ، مِثلَ ما فعلَ هؤلاءِ الجهلةُ ؟!! وإذا كانَ جميعُ الدعاةِ والهُداةِ والمُصلحينَ مُبتدعةٌ : فمن يبقى إذاً يقودُ الأمّةَ ؟!!
والمقصودُ أيّها الكريمُ أنَّ نشأةَ هذه الطائفةِ بتلكَ الكيفيّةِ المذكورةِ وفي ذلكَ الظرفِ الدقيقِ وتفرّقها وتشرذمها دليلٌ على أنّها فرقةٌ مُنحرفةٌ شاذّة ، همّها الأوّلُ والأخير : الطعنُ في دعاةِ الإسلامِ والتفريقِ بينهم ونشرِ الحقدِ والضغينةِ وإشاعةِ سوءِ الظنِّ ، وفي المقابلِ يحمونَ جنابَ الولاةِ ، ويقفونَ في صفّهم ، ويدينونَ لهم بولاءٍ تامٍ ، ويغضّونَ أبصارهم عن عيوبِ الولاةِ ومساوئهم ، ويجرّمونَ كلَّ من وقفَ ضدَّ الولاةِ أو نصحهم أو حاولَ تغييرَ المجتمعِ
أمّا أصولهم التي بنوا عليها كلامهم : فنحنُ في غنىً عن معرفتِها ؛ وذلكَ لأنَّ مقصدهم لم يكنْ مقصداً شرعيّاً ، بل كانوا حُمَاةً للدولةِ ، ويقفونَ في وجهِ من تصدّى لها أو نقدها ، ولأجلِ هذا الأمر فقد اضطربوا اضطراباً شديداً ، واختلقوا أصولاً جديدةً ومذهباً لا يُعرفُ لهم فيهم سلفٌ ألبتّةُ ، وإنّما ألجأهم إليهِ : حاجةُ الدولةِ في تلكَ الفترةِ إلى وقفِ مدِّ الغضبِ المُتنامي ضدّها عن طريقِ إسقاطِ الرموزِ بكلِّ الوسائلِ والسُّبُلِ المُحرّمةِ والمشروعةِ
إلا أنَّ هذا لا يمنعُ من ذكرِ بعضِ معالمِ فكرهم الساقطِ ، ومنهجهم المنحرفِ ، ويتبيّنُ لكَ من خلالها عظيم مُخالفتهم للعلماءِ والأئمةِ :
فمن ذلكَ : أنّهم يُوَسِّعونَ دائرةَ البدعةِ ، ودائرةَ التعاملِ مع المبتدعِ ، فيُدخلونَ في البدعِ ما ليسَ مِنها ، أو يُلغونَ الخلافَ في بعضِ المسائلِ ، ويُعاملونَ المُبتدعَ مهما كانتْ حجمُ بدعتهُ أشدَّ من معاملتهم للزاني والمُرَابي والمُغنّي والسِكِّير والعِربيد ، ويَرَونَ أنَّ المُبتدعَ مهما دقّتْ بدعتهُ وخفّتْ : أعظمُ على الأمّةِ من أصحابِ المعاصي مهما كبرتْ تلكَ المعصيةُ وعظمتْ !
والبدعةُ عندهم ليستْ شيئاً مُنضبطاً ، بل هي مُصطلحٌ ضبابيٌّ هُلاميٌّ يوسعّونهُ متى ما شاءوا ويُضيّقونهُ متى ما شاءوا ، والدليلُ على ذلكَ أنّهم أنكروا على "الحدّاديةِ" مع أنَّ "الحداديّةَ" ساروا على نفسِ منهجهم وطريقتهم ، إلا أنّهم واصلوا الطريقَ وأدخلوا في ذلكَ جميعَ المبتدعةِ سواء كانَ مبتدعاً خالصاً أو مُتلبّساً ببدعةٍ ، وسواء كانَ مُعاصراً أو من الغابرينَ
في تعاملهم مع الدعاةِ والمشايخِ : يُظهرونَ أنّهم لا يرضونَ منهم إلا كمالاً مُطلقاً لا يشوبهُ شيءٌ من النقصِ أو الزللِ !! وهذا مطلبٌ مُتعذّرٌ حِسَّاً وشرعاً ، والنفوسُ جُبلتْ على التفريطِ والتقصيرِ ، سواء تلبّستْ بمعصيةٍ أو ببدعةٍ ، والكثيرُ من أمورِ البدعِ نِسبيٌّ ، أي وقعَ فيهِ الخلافُ وتنازعَ العلماءُ في كونهِ بدعةً أو لا ، والبدعُ في نفسِها مُتفاوتةٌ مُتباينةٌ ، مِنها البدعُ المُكفّرةُ مثلَ بدعةِ التعطيلِ ، ومنها البدعُ الخفيفةُ
ولا يُفرّقونَ كذلكَ بينَ مُجتمعاتٍ غلبتْ عليها البدعةُ أو أخرى ظهرتْ فيها معالمُ السنّةِ ، والجميعُ عندهم واحدٌ ، والبدعةُ عندهم واحدةٌ
وقارنْ بينَ طريقتهم المُبتكرةِ وبينَ هذا الكلامِ الربّاني عن بعض العلماء من شيخِ الإسلامِ "ابنِ تيميّة" رحمهُ اللهُ : ((إنهم أقرب طوائف أهل الكلام إلى السنة والجماعة ، وهم يُعدون من أهل السنة والجماعة عند النظر إلى مِثل المعتزلة والرافضة وغيرهم ، بل هم أهل السنة والجماعة في البلاد التي يكون أهل البدع فيها هم المعتزلة والرافضة ونحوهم))
وبهذا المقارنةِ السريعةِ يظهرُ لكَ كذبهم وزيفهم ، وأنّهم يتعاملونَ مع المبتدعِ بالتشهّي فقط
وهم عندما ينتقدونَ العالمَ أو الداعيةَ فإنّهم يتحوّلونَ إلى أشخاصٍ انتقائيينَ ، يُمارسونَ أبشعَ صورِ الانتقاءِ والتحيّزِ ، فلا يقعونَ إلا على العباراتِ المُحتملةِ ، ويهوّلونَ الألفاظَ المُشتبهةَ ، ويُضَخِّمونَ الأخطاءَ ، وفي المُقابلِ لا تجد منهم ذكراً للحسناتِ ، أو نشراً لها ، بل يرونَ أنَّ المُبتدعَ (وهو هنا الداعية أو الشيخ) يجبُ أن يُفضحَ ويُكشفَ زيفهُ حتّى لا يغترَّ بهِ النّاسُ ، ويرونَ أنَّ المقامَ مقامُ تحذيرٍ ، ولهذا فلابُدَّ من ذكرِ السيئاتِ دونَ أن يُقرنَ معها الحسناتُ ! بل لا يُذكر هذا الشيخ إلا بالتحذير مُطلقاً ، ولا تُذكر له حسنة أبداً
وهذا المذهبُ لم يقلْ بهِ أحدٌ من النّاسِ بهذهِ الطريقةِ المخترعةِ ، إلا هم والشيطانُ الذي أوحاهُ إليهم ، وذلكَ لأنّها طريقةٌ مُبتكرةٌ مُخترعةٌ ، لا دليلَ عليها أبداً ، وإنّما هي تبعٌ للهوى والرأي
وهم في طريقةِ تعاملهم مع المُخالفِ ممّن يعدّونهُ مبتدعاً ، يسلكونَ طريقاً يدعو إلى التعجبِ والاستغرابِ ، وهو طريقٌ لم يسلكهُ النبيُّ صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّمَ حتّى مع المنافقينَ ، حيثُ يقومونَ بفضحهِ ، والتشهيرِ بهِ ، ويُعلنونَ ذلكَ في كلِّ محفلٍ ونادٍ ، وعلى الملأ ، ويدعونَ إلى هجرهِ والتشنيعِ عليهِ ، ويهينونهُ أيّما إهانةٍ ، ويُغلظونَ عليهِ في القولِ !
من سقطاتهم الكبيرةِ : أنّهم يُضيّقونَ دائرةَ الخلافِ على الأمّةِ ، ويُلزمونها بآرائهم ، ويعنّفونَ على من يخرجُ عن ذلكَ الرأي ، ويتهمونهُ بشتّى التهمِ والأوصافِ ، حتّى لو كانَ الخلافُ في ذلكَ سلفيّاً وأثريّاً
خُذْ مثلاً : مسألةُ العمليّاتِ الاستشهاديةِ ، وهي من المسائلِ الخلافيّةِ ، ومع ذلكَ فالجاميّةُ يُجلبونَ فيها ويُرغونَ ويُزبدونَ ، ويُبالغونَ في النكيرِ على من فعلها ، ويصفونهُ بأقسى النعوتِ وأشدِّ الأوصافِ !! مع أنَّ المسألةَ في غايتها : اجتهادٌ لا غير !! وهذا من جهلهم الشنيعِ بأصولِ الخلافِ ومفرداتِ كلامِ الأئمةِ في التعاملِ مع الخلافاتِ الفرعيّةِ ، بل وحتّى بعضِ مسائلِ الأصولِ المُختلفِ فيها
مثلاً : "الجاميّةُ" يرونَ أن من جاهرَ بالإنكارِ على الولاةِ أو طالبَ بتغييرهم = فهو خارجيٌ !! وهذا من جهلهم العظيم بالفقهِ في دينِ اللهِ ، ولو أنّهم رجعوا إلى أصغرِ كتبِ العلمِ : لوجدوا أنَّ النكيرَ على السلطانِ باللسانِ واليدِ سنّةٌ معروفةٌ عندَ سلفِ الأمّةِ ، حتّى إنَّ الخروجَ عليهم بالسيفِ فيما لو جاروا وظلموا كانَ مذهباً معروفاً قالَ بهِ جمعٌ كبيرٌ من الصحابةِ ، بل جعلهُ "ابنُ حزمٍ" مذهبَ أكثرِ الصحابةِ ، وهو قولُ أكثرِ التابعينَ الذين كانوا مع "ابنِ الأشعثِ" ، وفيهِ رواياتٌ عن "أحمد" ، وهو قولٌ مشهورٌ في مذهبِ "أبي حنيفةَ" و"مالك" ، بل جعلهُ "ابنُ حجرٍ" مذهباً من مذاهبِ السلفِ
وأنا وإن كنتُ أُحَرِّمُ الخروجَ على إمامِ الجورِ ؛ وذلكَ لما فيهِ من الفتنِ العظيمةِ : إلا أنّي لا يحلُّ لي أن أصنّفَ من فعلَ ذلكَ بأنّهُ من الخوارجِ ؛ وذلكَ لأنَّ الخوارجَ لهم نعوتٌ معروفةٌ ، ولهم آراءُ كثيرةٌ ، وأصولٌ قامَ عليها مذهبهم ، وهم وإن وافقوا بعضَ السلفِ في مسألةِ الخروجِ على الوالي الظالمِ ، إلا أنّهُ خالفوهم في أصولٍ أخرى هامّةٍ
وليتَ شِعري لِمَ وصفَ هؤلاءِ الجاميّةُ من يُنكرُ على الولاةِ بأنّهم من الخوارجِ ، ولم يصفوهم بأنّهم من المعتزلةِ أو من الشيعةِ أو من الزيديّةِ ، مع أنّ هذه الطوائفَ تُبيحُ الإنكارَ على الولاةِ علناً وترى تغييرَ منكرهِ باليدِ ؟!!
الجوابُ : أنَّ وصفَ الخوارجِ أسهلُ مأخذاً ، وأشنعُ في اللفظِ ، وأقسى في العقوبةِ ، وذلكَ لأنَّ الخارجيَّ يُقاتَلُ ، وأمّا المعتزليُّ والشيعيُّ فلا
هل رأيتَ كيفَ يتبعونَ الهوى ويرتدونَ حليةَ الجهل وعدم الإنصافِ ؟!
واتّهامهم لمخالفيهم بالخروجِ على ولاةِ الأمرِ يُبيّنُ لكَ أنَّ القومَ مُستأجرينَ ، ولهذا بالغوا في هذه القضيّةِ على حِسابِ قضايا أخرى أهمُّ منها وأجدرُ في البحثِ ، كما أنّهم كذبوا في قضيّةِ الخروجِ على الحكّامِ كذباً مفضوحاً ، وها هي ذي كتبُ السلفِ ، وها هي ذي آثارهم ، كلّهم يذكرُ الأمرَ والنهيَ على الولاةِ والأمراءِ سواءً باليدِ أو باللسانِ ، ولم يقلْ أحدٌ منهم أنَّ هذا من الخروجِ ، أو أنّهُ تهييجٌ على ولاةِ الأمرِ ، بل كانوا يمدحونَ فاعلهُ ، ويُثنونَ عليهِ ، ويخلعونَ عليهِ أزكى العباراتِ وأجملَ النّعوتِ !!
ومن أصولهم المنحرفةِ : أنّهم يقفونَ موقفَ الحيادِ من قضايا الأمّةِ ؛ إمّا زعماً بأنَّ الأمةَ لا تقوى على المواجهةِ ، أو تصنيفاً لتلكَ القضايا ضمنَ دوائرَ ضيّقةٍ ، ويعتذرونَ حينها على العملِ معهم باختلاقِ شتّى المبرّراتِ ، ولهذا تجدهم يُحاربونَ المؤسساتِ الخيريّةِ التي لا تقعُ تحتَ نطاقهم ، ويُحرّضونَ على عدمِ التبرّعِ لها ، ولا لقضاياها ، ويُنفرّونَ النّاسَ منها
في مدينةِ "الرياضِ" في فترةِ الحربِ على "طالبان" : كانَ أحدُ شيوخهم يقفُ في المساجدِ علناً ويُحذّرُ من "طالبان" ، ويزعمُ أنّهم منحرفونَ وقبوريّونَ وغيرُ ذلكَ من إفكهِ وكذبهِ
وها أنتَ ترى كيفَ هو موقفهم من مكاتبِ الدعوةِ ، ومن الهيئاتِ الخيريّةِ ، ومن مؤسساتِ الدعوةِ في الخارجِ ، فجميعها عندهم : حزبيٌّ ، يحرمُ التعاملُ معهُ ، ويجبُ تركهُ ، والتحذيرُ منهُ .. ومن تلكَ الهئياتِ والجمعياتِ : المكاتبُ الدعويّةُ التعاونيّةُ ، ومراكزُ تحفيظِ القرآنِ ، ومؤسسةُ الوقفِ الإسلاميِّ ، ومؤسسةُ الحرمينِ الخيريّةُ ، والندوةُ العالميّةُ للشبابِ الإسلاميِّ ، والمنتدى الإسلامي في بريطانيا ، وجمعيّةُ إحياءِ التراثِ ، وغيرها
هل المُحَذِّرُ هو رئيسُ اليهودِ أو رئيسُ النّصارى ؟! أو أنّهُ عدوُّ الإسلامِ والمُسلمينَ ؟!! كلا واللهِ ، بلِ المُحَذِّرُ هو رجلٌ يزعمُ أنّهُ سلفيٌّ !! ومن أتباعِ "محمدٍ" صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّمَ !!!! ومع ذلكَ يقفُ مع اليهودِ والنّصارى في خندقٍ واحدٍ ضِدَّ إخوانهِ المُسلمينَ
ولا أُخفيكَ سرّاً أنّني حينَ أرى شيئاً مكتوباً لأحدِ الجاميّةِ في هذه القضايا فإنّي أشكُّ في ديانتهِ ؛ وذلكَ لأنّهُ يتكلّمُ بكلامٍ يُشابهُ إلى درجةِ التطابقِ كلامَ أعداءِ الدينِ من الذين يُحاربونَ الدعوةَ والمراكزَ الخيريّةَ ، ويؤلّبونَ على حلقاتِ تحفيظِ القرءانِ ، ويُحرّمونَ المُشاركةَ في المناشطِ الدعويةِ جميعاً !!
أليسَ هذا (باللهِ عليك) يُشابهُ طريقةَ اليهودِ والنّصارى في حربها على الدينِ ومُحاولةِ نيلِها من مراكزِ الدعوةِ والهيئاتِ والجمعيّاتِ الخيريّةِ ؟!! وما الفرقُ بينَ "الجاميّةِ" وبين "جورج بوش" وأزلامهِ الذين يُحاربونَ المؤسساتِ الخيريّةِ وحلقاتِ تحفيظِ القرءانِ ويقفونَ ضذّها ؟!!
ولو أنّكَ استقطعتَ شيئاً من وقتكَ وحاولتَ أن تجدَ جُهداً للجاميّةِ في الدعوةِ إلى اللهِ أو في نشرِ الخيرِ أو الأمرِ بالمعروفِ والنهي عن المُنكرِ : فلن تجدَ شيئاً أبداً !! بل ستجد غيرهم هم من مَلَكَ الساحةَ وسعى فيها بالعلمِ والخيرِ ، وأمّا "الجاميّةُ" فقد جلسوا في رُكنٍ قصيٍّ ينتقدونَ هذا وذاكَ ، ولا يتركونَ عملاً إلا شنّعوا على فاعلهِ ، ولا خيراً إلا وثبّطوهُ عنهُ
وموارقُ "الجاميّةِ" من أقلِّ النَّاسِ حظّاً من الدينِ والعبادةِ ، ولهذا يكثرُ فيهم الانتكاسُ والارتكاسُ ، ولا يثبتونَ على الدّينِ إلا قليلاً ، وأكثرهم مُفَرِّطُونَ في العبادةِ ، ولا يأتونَ الصّلاةَ إلا دِبَاراً ، ويترخّصونَ بجمعِ الصلواتِ في بيوتهم ، ويبيحونَ لنفسهم أنواعَ الرّخصِ !!
وأمّا في الغيبةِ : فهو يستجيزونَ غيبةَ العلماءِ والدعاةِ بُحجّةِ التحذيرِ منهم ، ويجلسونَ مجالسَ السّمرِ والمُفاكهةِ : يتحدّثونَ فيها عن العلماءِ ، ويقعونَ في أعراضهم ، ويشتمونهم بأقذعِ الشتائمِ ، ويصفونهم بصفاتِ السّوءِ ، ويتلذّذونَ بذلكَ !!! وليتَ شِعري : هل هذا من الإصلاحِ أو من طريقةِ السلفِ !!
ولقد قالَ أحدُ "الجاميّةِ" المشهورينَ : ((لأن أتركَ ولدي يُماشي اللوطيّةَ أهونُ عندي من أن يُماشيَ السروريّةَ)) !!
وآخرُ منهم انتكسَ وانحرفَ ، فزارهُ بعضهم مُناصحاً ، فقالَ : ((حالي الآنَ وأنا منتكسٌ خيرٌ من حالِ "سفر" و"سلمان")) !!
ولعلّك رأيتَ بعضهم في الساحاتِ حينَ قالَ : ((إنَّ "راشد الماجد" و"محمد عبده" أهونُ خطراً وضرراً من "سفرٍ الحواليِّ")) !
باللهِ عليكَ أي عقولٍ في تلكَ الرؤوسِ الخاويةِ ؟! وأي سلفٍ أولئكِ السلفُ الذين ينتمونَ إليهم ؟! وهل كانَ السلفُ يُعاملونَ أهلَ العلمِ والهدايةِ كما يُعاملهم هؤلاءِ الموارقُ ممّن صاروا أذناباً للسلطانِ وأعواناً لهم وجواسيسَ على أهلِ الخيرِ ينقلونَ أخبارهم إلى رجالِ الدولةِ ويدعونَ إلى اعتقالهم ويحرّضونهم عليهم ؟!!
من القضايا التي اتكأ عليها الجاميّونَ كثيراً : قضيّةُ طاعةِ ولاةِ الأمرِ ، حتّى أفردوا وليَّ الأمرِ بطاعةٍ لم يُسبقوا إليها ، فحرّموا الإنكارَ عليهِ ، ودعوا إلى إلتزامِ أمرهِ حتى لو في معصيّةِ اللهِ ، كما ظهرَ ذلكَ جليّاً في فتوى "التأمينِ" الأخيرةِ ، ومع ذلكَ فهم أبعدُ النّاسِ عن طاعةِ ولاةِ الأمرِ ، فكثيرٌ منهم من بلادِ اليمنِ والجزائرِ وغيرها ولا يحملونَ إقاماتٍ أو أوراقاً ثبوتيّةً ، ومع ذلكَ يُقيمونَ في البلادِ ، ويجلسونَ فيها ، وهذا أعظمُ مُعاندةٍ لوليِّ الأمرِ وخروجٍ على أمرهِ ! ومنهم طائفةٌ تعملُ في الوظائفِ الحكوميّةِ وفي نفسِ الوقتِ تمتلكُ محالاً تجاريّةً ، وهذا ممّا يُحَرِّمهُ النظامُ ، بل ويُعاقبُ عليهِ ، وأمّا هم فيفعلونهُ ولا حرجَ عليهم فيهِ .. فهل فوقَ هذا الهوى من هوىً يُتبعُ ؟!!
ومن خصائصهم : تقرّبهم إلى اللهِ بإيقاعِ الأذيةِ في العالِمِ والداعيةِ ، والسعيِّ إلى إيقافهِ وسجنهِ ومنعهِ ، وهم يسلكونَ في ذلكَ شتّى الطرقِ والسُبُلِ ، ويكذبُ كثيرٌ منهم حتى يبلغَ غايتهُ وهدفهُ ، وفي الجامعةِ الإسلاميّةِ كانَ منهم عددٌ كبيرٌ يقومونَ بكتابةِ التقاريرِ ، ممّا أدّى إلى فصلِ العديدِ من الطلاّبِ وإبعادهم من البلادِ
وأنا أناشدكَ اللهَ : أليستْ هذه الطريقةُ النشازُ هي عينُ الطريقةِ التي كانَ مخالفوا الإمامِ "أحمد" و"ابن تيميّة" ينتهجونها معهم ، ويحرّضونَ الخليفةَ والقضاةَ عليهم ويدعونَ إلى اعتقالهم ؟! فلماذا نلومُ أولئكِ الغابرينَ (مع أنَّ منهم العلماءَ والصالحينَ) لأنّهم وقفوا مع الدولةِ ضدَّ "ابن تيميّةَ" و"أحمد" ولا يرضى موارقُ الجاميّةِ أن نلومهم أو ننتقدهم وهم يفعلونَ نفسَ الفعلِ ؟! إلا أنّهم أحقرُ وأحطُّ قدراً عندَ اللهِ وعندَ الخلقِ من أولئكِ السابقينَ ؛ فأولئكَ (وإن خالفوا الحقَّ) كانوا علماء ، وأمّا موارقُ الجاميّةِ فهم جهلةٌ مُستأجرونَ لا يفقهونَ شيئاً إلا المُسارعة في هوى السلاطينِ والتلصّصِ على موائدهم
وهم أيضاً يُعظّمونَ الألفاظَ كثيراً دونَ تحقيقِ ما تحتها من مُسمّىً ، ولا يُعرّجونَ على الحقائقِ أصلاً ، وإنّما المُهمُّ اللفظُ .. ولهذا تجدهم يُسمّونَ أنفسهم وأتباعهم بـ"السلفيّةِ" ، ويُطالبونَ الجميعَ أن يكونوا سلفيينَ ، وعندَ تحريرِ لفظةِ "السلفيّةِ" أو مُسمّى "السلفِ" : لا تجد عندهم كبيرَ فهمٍ لها أو جيّدَ تأصيلٍ فيها ، وإنّما أقصى ما يفعلوهُ أنّهم يجترّونَ كلاماً قديماً لبعضِ العلماءِ ، ثُمَّ يأخذونَ في لوكهِ ومضغهِ ، ولا يفهمونَ منهُ نقيراً أو قطميراً ، وإنّما ترديدٌ أجوفُ فحسبُ
وكذلك تهويلهم لمُصطلحات "البدعةِ" و"الخروجِ" و"التهييجِ" ، مع أنّهم (واللهِ الذي لا إلهَ إلا هو) لا يفهمونَ من معانيها إلا نزراً يسيراً جدّاً ، ولا يعرفونَ لها تحريراً
ومن خصائصهم : اغتفارهم لجميعِ طلباتِ التأهيلِ العلميِّ لدى شيوخهم الخاصينَ ممّا يشترطونَ توافرهم في غيرهم ، فهم يشترطونَ في غيرهم إذا أرادو الأخذَ عنهُ أن يكونَ كبيرَ السنِّ ، وأن يُعرفَ بملازمةِ كِبارِ العلماءِ ، وأن يكونَ ممّن زكّاهُ الكِبارُ ، إلا أنّهم يُغمضونَ أعينهم عن جميعِ هذه الشروطِ في شيوخهم الصِغارِ ، ولا يشترطونَ منهم شيئاً ، بل وينشرونهم وينشرونَ سيَرهم جِهاراً
ألا تذكرُ كيفَ كانوا يصفونَ الشيخَ "سلمانَ" و"سفراً" قديماً بأنّهم حُدثاءُ الأسنانِ وصِغارُ السنِّ ، ويجبُ الأخذُ عن الأكابرِ ؟!!
انظرْ إليهم كيفَ يُخالفونَ الآنَ ، ويُبيحونَ لصغارهم بالتصدّرِ ، كما هو حالُ "عبد العزيزِ الريّسِ" وغيرهم
يبدو أنّي أطلتُ عليكَ جدّاً ، وقد كتبتُ هذا الرّدَّ وأنا في زحمةٍ من الوقتِ ، ويحتاجُ إلى تحريرِ ومراجعةٍ ، وآملُ أن يفيَ بالمقصودِ إن شاءَ اللهُ

تعقيب لنفس الكاتب / الشيخ ماجد البلوشي
وأودُّ أن أشيرَ هنا إلى أمرٍ مهمٍّ ، وهو أنّي لا أتشرفُ بالرّدِّ على أي شخصٍ ، ينتسبُ إلى فرقةِ "الجاميّةِ" ؛ وذلكَ لأنّهم قومٌ خرقى ، لا يُحسنونَ الرّدَّ ولا الكلامَ ، ولا يعرفونَ كيفَ يناقشونَ ، ويكشفونَ (حينَ كتابتهم) عن جهلٍ عظيمٍ ، وتهافتٍ كبير
ولعمري لو أدركَ "الجاحظُ" أو "ابنُ عبد ربهِ" أو "ابنُ الجوزيِّ" أحداً من هؤلاءِ "الجاميّةِ" لجعلَ لهم فصلاً عريضاً في كتبهم الخاصّةِ بالحمقى والمُغفّلينَ ، ولربّما أفردوهم بالتصنيفِ والذكرِ
ولستُ أدري كيفَ يثقُ بعضُ النّاسِ في طرحِ هؤلاءِ برغمِ سطيحتهم الفاضحةِ ، وعميقِ تخلّفهم ، وهم الذينَ يرونَ الإسلامَ تُنقضُ عراهُ عروةً عروةً ومع ذلكَ لا يُحرّكونَ ساكناً ، وإذا وَجَّه أحدُ الصادقينَ سهامَ النقدِ إلى المومياءِ الحاكمةِ أو إلى أحدِ رموزهم المصنّمةِ : أخذوا يُجَهّزونَ سهامَ التصنيفِ ، وسيوفَ التبديعِ ، ولا يرقبونَ وقتها في أحدٍ قرابةً أو شفاعةً
فهل هؤلاءِ يستحقّونَ الرّدَّ أو النقدَ ؟!
إنّي لو كنتُ حاكماً : لحكمتُ في هؤلاءِ "الجاميّةِ" أن تُحلقَ رؤوسهم ، وتدهنَ بالزيتِ ، ثمَّ يُضربونَ بالجريدِ في وضحِ النهارِ ، ويُطافَ بهم في الأحياءِ والمدنِ ، وفي الأسواقِ والمتنزّهاتِ ، ويُقالُ : ((هذا جزاءُ من تجيّمَ)) !!
ودخولُ بعضِ هؤلاءِ في مقالاتي ومقالات غيري ، ورفعُ عقيرتهم بالصراخِ والعويلِ ، والتهويلِ والتبديعِ : يُذكرني بالضفادعِ ونقيقها ، فمن يسمعُ النقيقَ يحسبُ أنّ وراءها أمراً عظيماً ! أو خِلقةً ضخمةً ! حتى إذا نظرها لم يجدها سوى قيدَ أنملةٍ !!
أيا جاميُّ ضُحكةَ كلِّ رائي ::: فطِنتَ وكنتَ أغبى الأغبياءِ
صَغُرتَ عن المديحِ فقلتَ : أهجي ::: كأنّكَ ما صَغُرتَ عن الهجاءِ
وما فكّرتُ قبلكَ في مُحالٍ ::: ولا جرّبتُ سيفي في هباءِ
ولا أخفيكم سرّاً لو قلتُ أنّي برغمِ ترفّعي عن الرّدِّ عليهم : إلا أنّي أجدُ طرباً ونشوةً لدى قراءةِ كلامهم تُغنيني عن النظرِ في كُتُبِ النَوكَى والممرورينَ والثقلاءِ ؛ فهم بكلامهم يجمعونَ مِنَ التناقضِ ما يحدو النفسَ على الضحكِ ولو حَمَلَتْ همومَ الدنيا ، ويدعوها إلى التبسّطِ ولو كانتْ مُتخمةً باللواعجِ
وهؤلاءِ أيضاً قومٌ درسوا العلمَ فيما مضى ، ثمَّ نسوهُ بعدَ تخوّضهم في أعراضِ العلماءِ ، ثمَّ نسوا أنّهم نسوا العلمَ ، فأخذوا يفتونَ بغيرِ علمٍ ولا هدى ولا كتابٍ منيرٍ !! فجاءتْ منهم طوام عديدةٌ ، وتشرذموا شرَّ تشرذمٍ ، وانقسموا على أنفسهم ، كأنّها خليةٌ سرطانيّةٌ متأيّنةٌ ، تتكاثرُ بجنونٍ وطيشٍ .. وأصيبوا بحمّى التصنيفِ ، فلم يتركوا مخلوقاً إلا صنّفوهُ ، ولا عالماً أو داعيةً إلا وضعوهُ في طائفةٍ أو فرقةٍ
وهم مع كثرةِ تخوّضهم بالحقِّ والباطلِ في أعراضِ أهلِ العلمِ : يضيفونَ إليهِ ورعاً سمجاً بارداً حينَ الكلامِ عن السلطانِ ومخازيهِ ، حتّى لو كانتْ ذنوبُ ذلكَ السلطانِ قد بلغتْ عنانَ السماءِ ، فهل رأيتم أبردَ من هذا الورعِ وأسمجَ ؟!
أمّا أنا فواللهِ لم أرَ ورعاً حينَ الكلامِ عن بلايا السلاطينِ أسمجَ من ورعهم ، إلا ما حكاهُ أهلُ النّوادرِ عن ذلكَ الرجلِ الذي قالَ : ((أفطرتُ البارحةَ على رغيفٍ وزيتونةٍ ونصفٍ ، أو زيتونةٍ وثلثٍ ، أو زيتونةٍ وربُعٍ ، أو ما علمَ اللهُ من زيتونةٍ أخرى)) !! فقالَ لهُ أحدُ الحاضرينَ : ((يا فتى : إنّ اللهُ لغنيٌ عن ورعكَ هذا ! وقد بلغنا أنّ من الورعِ ما يبغضهُ اللهُ ، وأظنُّ ورعكَ منهُ)) !!
وقـد كـانـوا في نعمةٍ وعافيةٍ ، وجماعةُ المسملينَ متصلةٌ ، وحبلُ اللهِ ممدودٌ ، ويدهُ فوقَ أيدهم ، فدخلوا وطلبوا المرضَ ، وأوغلوا في التفرقةِ ، واستمرضوا ، فأمرضهم اللهُ ، وأنزلَ قدرهم ، كصنيعِ ذلكَ الأحمقِ الذي جاءَ إلى "سعدِ بنِ عبد اللهِ" فقالَ لهُ : ((دلّني على شيءٍ إذا أكلتهُ أمرضني ؛ فقد استبطأتُ العلّةَ ، وأحببتُ أن أعتلَّ فأؤجرَ)) !! فقالَ لهُ "سعدٌ" : ((سَلِ اللهَ العافيةَ ، واستدمِ النعمةَ ؛ فإنّ من شكر على النعمةِ كمن صبرَ على البليّةِ)) ، فألحَّ على "سعدٍ" في أن يذكرَ لهُ شيئاً يُمرضهُ !! فقال "سعدٌ" : ((كُل السمكَ ، واشربْ نبيذَ الزبيبِ ، ونمْ في الشمسِ ، واستمرضْ ، يُمرضكَ اللهُ)) !!
وإذا رأيتَ الرّجلَ يهوّنُ من معايبِ السلطانِ ومخازيهِ ، ويدعو إلى الكفِّ عن قتالِ اليهودِ والنصارى ، ويدعو إلى المُهادنةِ والمُوادعةِ ، ويفتّشُ دائماً عن عيوبِ أهلِ الفضلِ والعلمِ والدعوةِ ، وتنشطُ جوارحهُ عندَ الزلاّتِ ، وتعمى عينهُ عن الفضائلِ ، ويُكثرُ من اللجاجِ والحجاجِ ، ويرفعُ شأنَ البدعةِ وإن قلّتْ ، ويحقّرُ المعصيةَ الأخرى وإن جلّتْ ، فاعلمْ أنّ هذا "جاميٌّ" جلدٌ ، فاغسلْ يدكَ منهُ ، وسلِ اللهَ العافيةَ ، وسلْ لهُ من اللهِ عقلاً ؛ فقد أوشكَ أن يُجَنَّ
ملاحظة: فرقةُ الجاميّةِ ليستْ لها علاقةٌ بشخصٍ مُعيّنٍ ، وإنّما هي فكرٌ وداءٌ يُصيبُ الأشخاصَ ، مثلَ داءِ الجربِ الذي يُصيبُ بعض الحيوانات ، وهو داءٌ طاريءٌ على الفطرةِ السويّةِ

وهذا رد للشيخ ماجد على أحد الخلوف
أكتب هذه الكلمات دفاعاً عن نفسي ، وعن غيري من الإخوةِ ، ومن سبقنا من أهلِ العلمِ والفضلِ ؛ وذلكَ بعد تطاولِ هذا الجاهلِ علينا ، ووقوعهُ في عِرضنا ، واتهامهُ لنا في عقائدنا ، وقد قالَ اللهُ تعالى : (((لا يُحبُّ اللهُ الجهرَ بالسوءِ من القولِ إلا من ظُلِمَ))) ، ونحنُ واللهِ قد ظُلمنا من هذا الرّجلِ ظُلماً شديداً ، واصطلينا بنارِ جهلهِ وسفاهتهِ ، وذقنا منهُ الأمرينِ
بما أهجوكَ ؟! لا أدري ::: لِسَاني فِيكَ لا يجري
إذا فكّرتُ في هَجوِ ::: كَ أشفقتُ على شِعرِي
في كتبِ الحيوانِ وأخبارها : أنّ الذبابَ لا يستجمعُ حواسّهُ على شيءٍ مثلَ جمعها على عذرةِ الإنسانِ وغائطهِ ، وأنّهُ أكملُ ما يكونُ شُغُلاً حينَ يكبُّ على عذرةٍ مملوئةٍ نتناً وخُبثاً ، ولهذا إذا أرادَ الزنبورُ أن يصطادها ، قصدها حينَ تجثوا على تلكَ النجاسةِ ، وهي في حالةٍ من النشوةِ والسُكرِ ، فيصيدها بكلِّ سهولةٍ
هذه العادةُ القذرةُ من الذبابِ ، والطبعُ البغيضُ ، تخلّقَ بهِ أحدُ كتّابِ الساحاتِ ، فتحوّلُ إلى ذبابةٍ هرِمةٍ عجوزٍ ، تبحثُ عن مواضعِ الزللِ والسقطِ ، وتستطيبُ القبيحَ والعيوبَ ، ولا تجدُ موضوعاً فيهِ مجالٌ للسبِّ والشتمِ إلا وجدتهُ هناكَ ، يُجلبُ بخيلهِ ورجلهِ ، ويصولُ ويجولُ !
رأى "عمرُ" رضيَ اللهُ عنهُ أُناساً يتبعونَ رجلاً أُخِذَ في ريبةٍ ، فقالَ : ((لا مرحباً بهذه الوجوهِ التي لا تُرى إلا في الشرِّ))
صاحبُنا كاتبٌ هَرِمٌ ، بَلَغَ من العمرِ عِتيّاً ، وضحكَ الشيبُ في شعرهِ ، بَيدَ أنّهُ لم تُفِدهُ التجارُبُ شيئاً ، ولم تصنعْ منهُ الحوادثُ رجلاً حكيماً حصيفاً ، بل على العكسِ من ذلكَ ، تحوّلَ إلى نَزِقٍ أخرق ، مملوءٍ قُحَّةً وطيشاً ، ومُترَعٍ جهلاً وسفهاً
فعندما تُعملُ قلمكَ في نقدِ أحدِ السلاطينِ أو أحدِ العلماءِ الرسميينَ : يأتيكَ هذا الأخرقُ ، وقد اشتاطَ غضباً ، وامتلئ حِقداً ، وتفجّرتْ براكينُ الجهلِ والسوءِ من وجنتيهِ ، وأدركتْ يديهِ رعدةٌ شديدةٌ ، وتناثر اللعابُ من فمهِ وأشداقهِ ، وبرزتْ خنافرهُ ، واضطرمتْ نيرانُ السوءِ فيهِ ، ثمَّ لا ترى منهُ بعدَ ذلكَ إلا أقبحَ الألفاظِ وأحطَّ الصفاتِ !
وأخرقُ تُضرمهُ نفخةٌ ::: سِفاهاً وتُطفئهُ تفلةُ
فأخلاقهُ تارةً وَعرَةٌ ::: وأخلاقهُ تارةً سهلةُ
هو واللهِ مجنونٌ ، وجنونهُ أيضاً مجنونٌ ! ولا علاجَ لا لهذا ولا لهذا
جنونُكَ مجنونٌ ولستَ بواجدٍ ::: طبيباً يُداوي مِن جنونِ جنونِ
كنّا نقرأ في أخبارِ الحمقى والمغفّلينَ من أمثالِ "كِلاب بنِ صعصعةَ" و"يزيد بنِ ثروان" الملقّبِ بـ"هبنّقةَ" و"حيّان بنِ غضبان" و"أبي العاجِ" : فنستلقي على القفا ضحِكاً من جميلِ أخبارهم ولطيفِ أجوبتهم ومليحِ عباراتِهم ، حتّى رأينا في زمانِنا هذا حمقى من أمثالِ هذا الهَرِمِ ، إلا أنّا وجدنا كلامهُ هو السمَّ الزعافَ والمرضَ العاجلَ ، ووجدنا فيهِ من المرارةِ والبشاعةِ ما لا مزيدَ عليهِ ، وفيهم من الثقلِ ما يزيدونَ فيهِ على أثقلِ الثقلاءِ .. وقديماً قالوا : ((الأحمقُ أعلمُ بشأنهِ من العاقلِ بشأنِ غيرهِ)) !
إنّ أمثالَ هذا البغيض الثقيل ليُترخّصُ فيهِ فيما لو كانَ على يساركَ في الصلاةِ أن تُسلّمَ تسليمةً واحدةً عن يمينكَ ؛ حتى تسلمَ من رؤيةِ وجههِ ، وتُعافى من عاقبةِ النظرِ إلى تجاعيدِ بشرتهِ المُتهالكةِ
هذا الهرِم الخَرِف لا يرضى منكَ كلمة َ نقدٍ إلى أي صنمٍ من أصنامهِ ، أو طاغوتٍ من طواغيتِ الأرضِ ، وإن فعلتَ ذلك : أصابتهُ الهستيريّةُ الذبابيّةُ ، والنشوةُ الثّوريّةُ ، ثمّ تقاطرتْ من فمهِ عباراتُ السبِّ والإقذاعِ ، وأخذَ يثلطُ بكلامٍ آثمٍ ، في حالةِ هيجانٍ ذبابيٍّ ، وتواجدٍ جامّيٍّ ، ويغلي دماغهُ من هولِ ما رأى ، كأنّهُ طيرٌ ذُبيحٌ ، أو ثورٌ ربيطٌ
خذوا مثلاً : غضبَ عليَّ أنّي دعوتُ على "جمال عبد النّاصرِ" (لا رحمَ اللهُ فيهِ مغرزَ إبرةٍ) بالنّارِ !! وأخذَ يترحّمُ عليهِ ، ثمّ جُنَّ جنونهُ حينَ نقدتُ وزيرَ الأوقافِ السعوديِّ ، ولم يهدأ لهُ بالٌ ، ولم يهنأ له قرارٌ ، إلا بعدَ أن أعملَ مشرطهُ الصدأ في الشيخِ "عبد العزيزِ القارئ" ، وجعلهُ ماتريديّاً حنفيّاً متعصّباً !! وأخيراً : جعلنا من عُبّادِ القبورِ !!
يا مسكينُ !! لقد ولّتْ "الجاميّةُ" إلى غيرِ رجعةٍ ، ولم يبقَ منها إلا بمقدارِ خروجِ الرّوحِ والنزعِ ، وأنتَ لا زلتَ تُدافعُ عنها ، وتكذبُ كذباً يترفّعُ عنه شيخُ الكفرِ "إبليسُ" ، وتنسجُ من الإفكِ ما لم تسمعْ بمثلهِ العربُ
لن نعتبَ على طفلٍ صغيرٍ ، أو شابٍّ في مقتبلِ العمرِ ، ولكن أن يأتيَ هذا العجوزُ فيخلطَ ويخبطَ ويزيدَ وينقصَ : فهذا شيءٌ غريبٌ حقّاً !! على أنّ الدنيا قد صارتْ كلّها عجائبَ ، حتّى كأنّهُ ليسَ فيها عجائبُ
هل تعرفونَ علاجاً لشيخٍ يتصابى ؟!!
وهل رأيتم عجوزاً كهذا لعبتْ بهِ يدُ الجهلِ والحماقةِ والسفهِ حتى صاغتْ منه شخصاً متهوّراً مريضاً ؟!!
وهل طرقَ سمعكم أو وقعَ بصركم على منهجٍ وطريقةٍ أحطَّ من منهجهِ وطريقتهِ ، والتي لم يعرفها من البهائمِ والعجماواتِ إلا أحطّها وأقذرها ، ألا وهو الذبابُ ؟!!
وارحمتا لقرّاءِ مواضيعهِ ! كيفَ صبروا على سفالةِ لفظهِ ، وعقيمِ لغتهِ ، وكثرةِ خرفهِ ، وشدّةِ طيشهِ ، وركّاكةِ لفظهِ ؟! وإن كنتُ أظنُّ أنّ أغلبهم (إن لم يكن كلّهم) يدخلونَ مواضيعهُ وهم يحمدونَ اللهَ على العافيةِ ، ويشكرونَ صنيعهُ فيهم ؛ إذا عافاهم ممّا بلى بهِ هذا المراهقَ العجوزَ ، وصانهم عن مشاكلةِ الحشراتِ والتخلّقِ بطباعها
يا هذا : ارحم جهازكَ ، وخفَّ على نظركَ المُتهالكِ ، وكسّر لوحةَ مفاتيحكَ ، فقد جاوزتَ الخمسينَ ، ورجلُكَ إحداها في الدنيا وأخراها في الآخرةِ ، ومع ذلكَ لا زلتُ تنشطُ في الإثمِ والوقيعةِ ، وتجدُ خفّةً في البهتانِ والنميمةِ ، وتخُبُ وتضعُ في الباطلِ والوزرِ ، وتجمعُ الذنبَ فوقَ الذنبِ ، وتحسبُ أنّكَ ممّن يُحسنُ صنعاً !!
ألا تستحي وترعوي ؟! ألا يُخجلُكَ سنّكَ وتقادمُ عهدكَ وأنتَ تجمعُ بينَ الصلفِ والكذبِ والسعي بالفسادِ والإفسادِ ؟!!
يا هذا : العاقلُ من رَحِمَ نفسهُ ورحمَ غيرهُ ، وقد أثقلتْ علينا بهرائكَ ، وملأتنا بغبائكَ ، وأنتنتَ جَوَّنَا برجيعِ كلامكَ العفنِ ، فارحلْ غيرَ مأسوفٍ عليكَ !!
ذُقْ أبا جهلةٍ مغبّةَ جُرمكْ ::: واجنِ ما أثمرتْ سفاهة علمكْ
ما تعرّضتْ لي وربّكَ حتى ::: قرنَ اللهُ كلَّ نحسٍ بنجمكْ
قد أردتُ الإعراضَ عنكَ احتقاراً ::: لكَ ، لا أنّني جنحتُ لسِلمكْ
فتذكرتُ موبقاتِ ذنوبي ::: فرجوتُ الخروجَ منها بشتمكْ
فاحمدِ اللهِ قد رُزقتَ هِجاءً ::: بعدَ طولِ الخمولِ نوّهَ باسمكْ
هنيئاً مرئياً عليكَ هذه الشهرةَ ، وزادكَ اللهُ رفعةً في الباطلِ ، وضَعَةً عندَ الخلقِ ، وكساكَ من المخازي ما يُشغلكَ بعيبكَ عن عيبِ غيركَ ، ويقطعُ لسانكَ عن الصالحينَ
ودمتم بخير




كتبه / الشيخ ماجد البلوشي (فتى الأدغال)
(طالب علم فذ ، وأديب بارع ، وأحد فرسان منتديات الساحات والساخر وغيرها)

مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..