الصفحات

السبت، 19 يناير 2013

قصيدتان نادرتان عن الحسبة للشيخ : عبد الكريم الحميد

كتب فؤاد أبو الغيث
زرت الشيخ عبد الكريم بن صالح الحميد في نفر من أصحابي المدنيين في طريقنا من المدينة النبوية
إلى الرياض في رحلة علمية بعد تحرير الكويت من اعتداء صدام عليها؛ فطرقنا بابه، واستأذنَّا بالدخول إلى بيته؛ فإذن لنا، ولكنه طلب منا أن لا نُدخل معنا شيئًا فيه صورة إنسان أو حيوان؛ يعني النقود وبطاقات الهوية؛ فوضعنا نقودنا وبطاقاتنا في سيارتنا، ودخلنا، وكان ذلك قبل الظهر من ذلك اليوم، وكان بيت الشيخ من بيوت الطين، وليس فيه كهرباء، وقد رأيت في الغرفة التي استضافنا فيها سراجًا معلقًا، وفيها فراش أحمر قديم، فلما جلسنا، سألنا عن عملنا؛ فقلنا: طلاب علم، فذكر لنا فضل العلم، وقرأ لنا من نسخة قديمة من أحد كتب الإمام ابن القيم، مطبوعة على ورق أصفر، ثم تطرق إلى التعليم النظامي، ونقل عن شيخ الإسلام ابن تيمية أنه قال: (إن العلوم المفضولة إذا زاحمت العلوم الفاضلة، وأضعفتها؛ فإنها تحرم).

ولكنه قال: إنه لا يذكر موضعه من كتب الشيخ بالتحديد، وإنه يبحث عنه، ويظن أنه في كتاب الاستقامة.

وقد حملني كلامه على البحث عن هذا النص في كتب الشيخ؛ فلم أظفر به، وأقدم مصدر له: رسائل ومسائل علماء نجد الأعلام التي جمعها العلامة عبد الرحمن بن محمد بن قاسم فيما عرف بالدرر السنية في الأجوبة النجدية، في موضعين: الأول (15/216) في قول الشيخ حمود التويجري في اللعب بالكرة نقلاً من كتابه: "الإيضاح والتبيين لما وقع فيه الأكثرون من مشابهة المشركين" الذي طبع سنة 1384هـ، وهذا النص في (ص 232) من طبعته الثانية التي طبعت عام 1405هـ، والموضع الثاني (16/16) في رسالة للشيخ عبد الله بن محمد بن حميد إلى حضرة معالي وزير المعارف يوصيه بتقوى الله، ويظهر تأسفه الشديد بشأن بث الأخلاق السيئة، ونقلُه فيه زيادة بيان؛ ففي رسالة ابن حميد: قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (إن العلوم المفضولة؛ إذا زاحمت العلوم الفاضلة؛ صارت مكروهة؛ وإن أضعفتها؛ صارت محرمة).

ولعل أشبه نصوص شيخ الإسلام ابن تيمية بهذا النص قوله في كتاب الاستقامة (2/159-161): (جنس عدم العقل والفقه لا يحمد بحال في الشرع، بل يحمد العلم والعقل، ويؤمر به أمر إيجاب أو أمر استحباب، ولكن من العلم ما لا يؤمر به الشخص نوعًا أو عينًا؛ إما لأنه لا منفعة فيه له؛ أو لأنه يمنعه عما ينفعه، وقد ينهى عنه؛ إذا كان فيه مضرة له؛ وذلك أن من العلم ما لا يحمله عقل الانسان؛ فيضره... ومن الكلام ما يسمى علمًا، وهو جهل مثل كثير من علوم الفلاسفة، وأهل الكلام، والأحاديث الموضوعة، والتقليد الفاسد، وأحكام النجوم، ولهذا روي أن من العلم جهلاً، ومن القول عيًّا، ومن البيان سحرًا.

ومن العلم ما يضر بعض النفوس لاستعانتها به على أغراضها الفاسدة...

ومنه ما لا منفعة فيه لعموم الخلق؛ مثل معرفة دقائق الفلك، وثوابته، وتوابعه، وحركة كل كوكب؛ فإنه بمنزلة حركات التغير عندنا، ومنه ما يصد عما يحتاج إليه؛ فإن الإنسان محتاج إلى بعض العلوم، وإلى أعمال واجبة؛ فإذا اشتغل بما لا يحتاج إليه عما يحتاج إليه كان مذمومًا).

وفي آخر المجلس لما حضرت صلاة الظهر أعطانا الشيخ عبد الكريم ورقة كتب فيها قصيدة معارضة لقصيدةٍ لأحد الشعراء؛ يهجو فيها هذا الشاعر رجال الحسبة؛ عنوانها (أعني قصيدة هذا الشاعر) "البحث عن وظيفة"، وطلب منا الشيخ عبد الكريم نشر قصيدته، ولكن لم ينشرها أحد منا منذ ذلك الوقت إلى الآن.

ثم خرجنا إلى صلاة الظهر، فانطلق راكبًا على فرس، وانطلقنا خلفه بسيارتنا حتى وصل إلى مصلى له؛ ليس له جدار، ولا فرش؛ فصلى بنا، ثم انصرف، وانصرفنا.

والقصيدتان المشار إليهما قصيدتان نادرتان؛ فقصيدة الشيخ عبد الكريم لم تنشر من قبل، أما قصيدة ذلك الشاعر؛ فلعلها قصيدة مهجورة أو ممنوعة من النشر، لأني لم أجدها في شبكة المعلومات على سعتها إلا في موقع واحد، وهو شبكة الوزيرة العالمية.  

البحث عن وظيفة

أناخ الشعر في وجهي وجيـــــــــــــدي
     
وذابت مهجتي وذوت خدودي
وأقفرت الرشـــــــــــــــــاقة في قوامي

وفي غصني المهفهف كالعنــــود
وصوّح في اصفرار الشوق وجدي

وطوّح بي الجمـــــــال إلى الصدود
ولم أك عـازفاً للعــــود أشـــــــجــــــي

رفـــاقي في المجـالس والنجــــــود
ولا نجماً ريــــاضيـــــــاً خطـــــــــــــــــيراً

يكمل هجمة النادي السعـــودي
ولا عقــلاً طمــــــوحاً عبقريــــــــــــــــــاً

يضيف إلى الحياة رؤى الخلـــــــود
ولكني خــواء في خــــــــــــــــــــــــــــواء

تحيرت القنــاعة في وجـــــــــودي
سأطلـق لـحيتي وأكــــف ثوبـــــــــــــي

وأرفــــــــع خيزرانــــــي في الحشـود
وأقتحـــــــــــم المتـاجــــر والزوايـــــــــا

لأفـــــــرغ عـقـــدتــــي بين القيـود
سلاحـــــي الخيزران وسمــط بشــــــــت

وجمسي أصيد به عبيــــــــــــــــدي
أطوق بالتعهـــــد كــــل صيـــــــــــــد

وأدبغ من عصى دبغ الجلـــــــــــود
أخـــوف كـل رعـــديـــــــــد جبـــــــــان

وأفضح كل مستـــــــور جديـــــــد
وأمنح سلـطـــــــــتي كــــــــــل المزايـــا

لأسبــــــح فـــوق قـــانـون البنـــــود
ولم أر في الوظـــــائف مثل عضـــــــــو

يجــدد بالعصــــــــــا عصـر القـرود
يطوّف في الشـــــــــــوارع ثم يأوي

إلى بيت القنـــاعة والجمــــــــــــود


معارضة قصيدة "البحث عن وظيفة"

أناخ الشـــــــر في قلب عنيــــــــــــــــد
     
وباح السـر قيحًا مع صديــــــــــــــدي
فصاغ قصيدة لا كالقصيــــــــــدي

ولا تُقْطَف من الشوك الــــــــــــــــورود
كمائن في الصدور بدت صراحًا

وقد نجـــــــم النفـــــــــاق بلا حـــــدود
ألا قـل للـــــــذي كتبت يـــــــــــــــداه

[أناخ الشعر في وجهي وجيدي]
إذا لم تستــــــح اصـــــنــــع ما تــــشاء

لَحَاكَ اللهُ مبخـــــوسَ الجـــــدود (1)
سخـــــــرت بلحيــــة نرغمك فيــــها

ونرغم كل من نقض العهـــــــــــــــــود
عهـــــود المــصطفــــــــى صلى عليه

إلــــــــــه النــــــــــــاس دومًا في مزيـــــد
ومن يحــــلق للــــحـــــــيته فمُـــــــــؤْوٍ

شعـــــــــــار الفسق في وجه طريــــدي
ومسبل ثوبه عــــــــــــاص جهـــــــــــارًا

وكف الثوب منهجنــــــــا الرشيـــــــد
ومن لم يرض في أمــــر ونـــهـــــــــــــي

فذلك مُـــؤْثِـــــرٌ هتك الحــــــــــدود
يريد الجــــــــــوَّ يخلــو في البــــــــلاد

ليفعــــــــــــل مـــــــا يشــاء بلا قيــــــود
دعــــــــــــــاة تحرر نفثــوا سمــــــــومًا

ونابــــــــــــوا عن طواغيـــــت اليهـــــود
نسوا الله الذي في كـــــل يــــــــــوم

لـــــــه شأن يُدَّبر في الوجــــــــــــــــود
فنرجــــــــوه ومــــــــــا يُــرجــى ســـواه

ليكبت كل شيطـــان مريـــــــــــــــــد
وينصــر ديـه نــــصــرًا عـــــزيــــــــزًا

ويقصـم كل جبــار عنيـد

كتبها عبد الكريم بن صالح الحميد

3 جمادى الأولى 1411هجرية

(1)       مبخوس الحظ.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..