الصفحات

الأحد، 20 يناير 2013

حرب مالي في نظرية سفر الحوالي

حرب مالي في نظرية سفر الحوالي   الرياض- عبدالواحد الأنصاري:
بالعودة إلى طرح قديم للدكتور سفر الحوالي حول تدريب الجيش الأمريكي في صحراء نيفادا، وتوقعاته آنذاك أن أمريكا كانت تعد العدة للهجوم على الخليج أثناء قيامها بإنزالات على خليج بنما، باعتبارها "بروفة" للإنزال في الخليج، حين أنزلت أكثر من 10 آلاف جندي آنذاك في بنما، وذهب تحليل الحوالي إلى أن ذلك الأمر حين يحين تطبيقه فسيتطلب أكثر من عشرين ضعف هذا العدد عند إنزاله في الخليج! كما أشار الحوالي إلى أن الفرقة 82 من الجيش الأمريكي كانت تتدرب في صحراء نيفادا على أجواء صحراوية شبيهة بأجواء الجزيرة العربية، وأن أكثرية الجنود المشاركين في ذلك كانت لهم سحنات لاتينية وكان بعضهم يلبسون أزياء شبيهة بالأزياء العربية.


إذا كان لنا أن نعد ذلك الذي توصل إليه الحوالي من باب محض الظن أو من باب التوجس، وكان الكلام يومئذ مستبعداً، فإن ما يحصل الآن من التدخل الغربي السافر في صحراء "أزواد" شمال مالي أدعى إلى أن يكون مثيراً للريبة، وغير داخل في الممكن المعقول من حيث واقعيته، وأقرب إلى أن يطابق الذي توصل إليه الحوالي قبل أكثر من عشرين سنة.فالأرض الأزوادية شمال مالي ليست عامرة بالسكان، وليس فيها أهداف عسكرية، فلا توجد فيها طرق سريعة ولا جسور ولا قصور ولا أبراج ولا مستشفيات، ولا تجمعات سكانية ذات شأن، وهي تعدل ثلثي الأرض الماليّة بكاملها، وتعد صحراء شاسعة لا يقطنها رغم سعتها المهولة سوى ما يقل عن ثلاثة ملايين نفس، ولا يزمع قتال فرنسا وحلفائها فيها ما يزيد على ثلاثة آلاف نفس على أقصى تقدير! وهؤلاء الثلاثة آلاف يواجههم في الأصل أكثر من ثمانية آلاف عنصر من الجيش المالي، زد على ذلك ما يعادل ثلاثة آلاف آخرين من الحركة الوطنية الأزوادية التي تتشارك معهم الأرض نفسها وجرت بينهما اشتباكات هي مهيأة لأن تتحول إلى حرب في أي لحظة داخل أزواد، ما يجعلنا نخلص إلى نتيجة مفادها، أن ما يعادل شخصاً واحداً في الألف من سكان (فقط) لهم تتجه كل هذه الحشود من جميع أصقاع العالم إلى قتالهم!


ولعل هذا ما جعل القوات الفرنسية الجوية غير قادرة على أن تبث مقطعاً واحداً لقصفها الأهداف الأزوادية، رغم أنه لا يوجد في الوقت الحالي قصف يتم من دون تصوير، ربما لسبب بسيط هو أنها لا تستطيع أن تحرج نفسها وتجعل موقفها عرضة للتندر، بأن تظهر وهي تقصف خيمة أو ثلاث خيمات، أو سبعة رعاة غنم يقفون على بئر ليغترفوا الماء منه، أو بضع غرف طينية، أو سيارة "جيب شاص" برشاش وحيد، وربما لهذا السبب نفسه طردت القوات الفرنسية جميع الإعلاميين المصورين ولم يكن برفقة جنودها أي إعلاميين بل وحذرت الإعلاميين من الحضور إلى الصحراء!ولئن كان الأمر كذلك فلماذا يا ترى أيضاً أغلقت الجزائر حدودها مع شمال مالي، ولماذا اعتبرت موريتانيا جهتها مع مالي حدوداً عسكريّة، وفيم قامت دولة النيجر باعتقالات مريعة حبست من خلالها كل شخص ذي بشرة غير سوداء يتجه إلى مالي أو تطاولت عليه بالمضايقات والإيذاء كما جرى لأحد ذوي قرابتي الذي اعتقلته دولة النيجر من دون أي ذنب مدة ثلاثة أشهر وابتزت أسرته ولم تطلق سراحه حتى دفع ما يزيد على مبلغ ثلاثة ملايين؟ ولم نفرح بإطلاقه إلا قبيل أقل من أسبوع من بدء الحملة الفرنسية؟
ولئن كان الأمر كذلك، والشأن هذا الشأن، فكيف يدخل في العقل أن هذه المنطقة الشاسعة التي تكاد تكون شبه خاوية من السكان من حيث نسبة الساكن إلى المساحة، والتي تكاد تكون شبه خاوية من المقاتلين لفرنسا من حيث نسبة عدد المقاتلين إلى عدد السكان، لماذا تهاجمها فرنسا جواً وتساعدها بريطانيا وأمريكا جوا، وتؤيد ذلك روسيا والصين، والجزائر والمغرب بالأجواء وإغلاق الحدود! وتوافق تونس! ولماذا تنضم إلى الحرب البرية الفرنسية دول مثل توغو وبنين والسنغال ونيجيريا وبوركينافاسو وتشاد وغيرها وغيرها!


لماذا حصل هذا التدخل السريع قبيل أيام يسيرة من أيام المفاوضات بين الثوار الأزواديين وجماعة أنصار الدين والدولة المالية مع إمكان أن تتفتق تلك المفاوضات عن حل للأزمة؟
إنه لعدد مهول، وتنسيق كبير، واستعجال لافت للأنظار، لم يحصل حتى مع أفغانستان، ولا مع العراق، وإلغاء عاجل لمفاوضات تم الترتيب له، وتحاشد غريب لم يسبق لمثله أن تدخّل دفعة واحدة حتى في الصومال التي يمثل شبابها المقاتلون حالياً قوة ضروساً أشد استعصاءً من جماعة أنصار الدين وغيرها من الحركات الإسلامية المسلحة التي مهما بلغ عددها شمال مالي فإنه قد لا يتجاوز ثلاثة آلاف مقاتل بالتقدير الأعلى، يقودهم شخص كان في السابق معارضاً مسلحاً، ثم انضم إلى الدولة المالية، ثم انشق عنها قبيل العام الماضي، وهذه المعلومة تم التأكد منها بالاتصال مباشرة مع المقيمين في المنطقة!أما من حيث أهداف الحملة فإن الرئيس الفرنسي هولاند نفسه متخبط في تحقيق أهدافها، فهو يذكر في كل مرة أهدافاً مختلفة، فمرة يؤكد على أنه يريد القضاء على الحكم بالشريعة الإسلامية والقاعدة، وهذا ما يرفضه أنصار الدين ولا تعارضه الحركة الوطنية الأزوادية، ومرة يؤكد على أنه يريد الحفاظ على وحدة الأراضي المالية وعدم تقسيمها إلى دولتين، وهذا ما ترفضه الحركة الوطنية الأزوادية ولا يعارضه أنصار الدين. ومرة يقول إنه يريد أن تستعيد الدولة المالية السيطرة على جميع الأراضي الماليّة وهذا هدف لا يرضاه شعب الإقليم الأزوادي برمته فضلاً عن أنصار الدين والحركة الأزوادية الوطنية! مما يؤكد أن الأمر غير مراد لذاته، بخاصة أنّ ما يجري واقعاً هو أشبه بالإغارة على طابور متفرق من النمل بالرشاشات النارية!
لهذا فإن من الأقرب إلى المعقول أن تستحضر هنا نظريّة الحوالي (نيفادا- شبه الجزيرة) وتستبدل بها نظرية (أزواد- شبه الجزيرة العربية/ أو السودان- أو حتى الجزائر).


هل يقصد من هذه العملية بث الرعب في قلوب العرب، وكأن الغرب يقول لهم: إذا أردنا إزهاقكم فسنقرر ذلك في يومين وستدعمنا كل الأطراف الأخرى ؟!
أم هل يقصد من هذه العملية التمهيد لإسقاط حكومة البشير في السودان بغزوة عسكرية تشارك فيها دولة تشاد؟ حيث إن التشاديين هم من يسيطر على قيادة القوات البرية المقتحمة لشمال مالي حاليّا!
أم هل يقصد منها مناورة عسكرية تمهيداً لإسقاط النظام الجزائر العسكري العنيد بتدريبات يشارك هو نفسها فيها بغباء منقطع النظير؟
إنه أمر مستغرب يستحق التأمل، لأن من يعرف المنطقة (وكاتب هذا المقال زارها مرتين) لا يمكن أن يصدق أن هذه الجحافل والحشود وهذا التعاون والتنسيق الذي يشبه مناورات مفتوحة لقوات العالم بأجمعه في منطقة صحراوية لا يمكن أن يكون ضدّ أربعة آلاف نفس فقط!
فإما أن تكون مناورة يتم التدرب من خلالها على غزو بلاد أخرى!وإما أن تكون قصة مكذوبة، من أولها إلى آخرها، وما وراء الكواليس هو أن الأعداد التي ذكر إنزالها لم يتم إنزال شيء منها وأن ما تدخل هو طائرتان أو ثلاث وتم استحضار عدد من الجنود من كل دولة من أجل التهويل الإعلامي المترافق مع رفض السماح بدخول أحد أو خروجه من المنطقة ومنع التغطيات الإعلامية، وهذا يعد في حد ذاته مناورة من نوع آخر، ولكنها لتجربة نوع جديد من أنواع الحرب، وهو أن فرنسا وأمريكا وبريطانيا وروسيا والصين تريد أن تجرب على العالم الثالث مدى إمكان نجاح غزو وهمي مختلق على أذهان المجتمعات في العالم الثالث، حين يتم تحويلها ببعض الضربات إلى مجتمعات بدائية، بحرمانها من الكهرباء والاتصالات، ثم بضرب محطات تحلية المياه فيها، وصحبة ذلك بفبركة إعلامية لحشود وقصوفات وإنزالات عسكرية مكذوبة، لعلها تؤدي بشعوب هذه البلدان من خلال هذا التخويف وتلك الحرب النفسية إلى الاستسلام دون قتال تحت وهم أن العالم كله متجه إليها ليغزوها، وليس ذلك إلا من خلال ثلاثة محاور: قطع الاتصالات، وضرب محطات الكهرباء وتحلية المياه، وتهويل إعلامي ضخم!
............
المثقف الجديد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..