يتعاطف
كل متدين متجرد مع التيارات الإسلامية ؛ لأنها ترفع شعارات نشر الفضيلة
ومحاربة الرذيلة وإصلاح المجتمعات، وهي أهداف نلتقي عليها جميعًا. ولكن
لايعني ذلك التسليم بصحة كل الممارسات أو المبادرات التي تطلقها هذه
التيارات،
فليس
لنا أن نخلع العصمة على أفراد أو جماعات، كما قد منحنا الله عقولًا؛ لنفكر
بها، ونختار الطريق الأصوب، ونهانا عن التبعية العمياء، وتقليد الآخرين
دون تبصر.
ولكن
مما يؤسف له عند رصد ردات فعل الشباب المسلم ودرجة استجابته لنشاط
التكتلات الإسلامية في أي موطن أنهم يندفعون لتأييد هذا النشاط الصادر من
إخوانهم، والإنكار على مخالفيهم قبل تأملهم في صحة هذه المشاريع ومدى
تحقيقها للمصالح الغالبة وسلامتها من الآثار السلبية.
ونحن
هنا نتحدث عن نقد إيجابي للخطاب الإسلامي لاينطلق من رغبة في تعطيل
المشروع الإسلامي، ولا يكيل الاتهامات، ولايشكك في النيات، بل يعذر الرعيل
الصالح في حماسهم، ويقوم بفريضة النصح لهم.
وعلى
جميع الجماعات الإسلامية تطبيق مبدأ التواضع الإداري، والاستفادة من تجارب
الآخرين وأبحاثهم، فنحن أمة تبحث عن ضالة الحكمة، وتقبلها ممن بذلها بنية
صالحة.
والحقيقة
أن تجربة الربيع العربي تمت مباركتها بكامل أبجدياتها وحروفها بشكل سريع،
وتوقفت الألسن عن متابعة الحدث وتقويم المسيرة!؟ وكأننا جمهور لمباراة
رياضية كان يملأ الأجواء صراخًا لتشجيع اللاعبين، فلما انتهت المباراة عاد
كل واحد إلى بيته، وانقطعت علاقته بهذه البيئة الساخنة!؟
فالعقل يرشدنا إلى التحول إلى مرحلة جديدة وهي مرحلة مابعد تغير النظام، وهي المرحلة الأكثر أهمية وحاجة للنقد والمراقبة.
ولو
طبقنا هذه القناعة على الثورة المصرية وواقع الأحداث المؤلمة التي نالت
جماعة الإخوان والهزات التي يتعرضون لها حاليًا بعد استلامهم للحكم ،
لتوصلنا إلى نتيجة وهي أن الإخوان تخطوا من غير قصد مرحلة هامة قبل
الرئاسة، وهي مرحلة معالجة وترميم أوضاع الوطن المريض بالفساد، والخاضع
لغسيل مخ منذ عشرات السنين!؟ فقد مر على هذا البلد العظيم عقود من الزمان
نخر فيه الفساد في جسده حتى وصل للمفاصل والعظام، واستقبلت فيه عقول
البسطاء كميات هائلة من الإعلام المضلل والمسيس، والذي نجح في إرهاب العقل
الوطني من الحكم الإسلامي وسلطة الإسلاميين، فالصورة الذهنية التي رسمتها
أقلام الكتاب المؤدلجين ودراما الفنانين المنحرفين تمكنت من تغيير المفاهيم
الشرعية في نفوس المتابعين، وجعلتها أسيرة لثقافة كره الديني والدينيين.
فلو
تفكر الإخوان قليلًا قبل ركوب سفينة الرئاسة أن هناك أمواجًا عاتية
ستهاجمهم، وقد تحطم سفينتهم، وأن جماعات القراصنة يترصدون لهم صبح مساء لما
دخلوا في هذه المغامرة في الظرف الحالي. فالعواقب هنا وخيمة وليست على
مستوى ضرر فرد وهو الرئيس، بل تعدت ذلك إلى الجماعة بكاملها، فالأعداء
استغلوا هذا الواقع ليغرقوا سفينة الجماعة الأم ويغتالوا وجودها، وكما
حاكموا مبارك وعصابته سيحاكمون غدًا مرسي وجماعته!؟ مستغلين مشاعر الشعب
الملتهبة وحماسهم المتدفق للتغيير، فحولوا جزءًا منه للرؤساء الجدد، حيث
سوقوا لهم عبر ترسانتهم الإعلامية ومظاهراتهم المدفوعة الأجر بأن الإخوان
حلقة من مسلسل الظلم والاستعباد، ولذلك ركزوا على هذه المفردات كثيرًا؛
لأنها مؤثرة في كسب تعاطف المصريين.
وكم
كان بودي أن الإخوان بقوا في المعارضة وبين الجماهير؛ ليقوموا معهم بإصلاح
آثار الماضي، ويثبتوا براءتهم من تهمة الطمع في الحكم أو السلطوية
والوصولية التي سوق لها خصومهم التاريخيون.
فهل
خفي عن الإخوان فساد القضاء والأجهزة التنفيذية والإعلام قبل أن يقرروا
الزج بمرشحهم الرئاسي!؟ ولماذا هذه العجلة في جمع الغنائم بعد الثورة
والطريق طويل، والتزاحم على موارد الماء شديد!؟ ألم يكن من الأولى استحضار
دروس غزوة أحد وبلاط الشهداء في هذه المرحلة!؟
ولماذا لم نرسم استراتيجية لكسب قلوب الشعب ، تتقدمها خدمتهم عبر مقاعد البرلمان والشورى والبلديات، كما حصل في التجربة التركية!؟
والمشكلة
الكبرى أننا لم نقدر حجم وإمكانات العدو جيدًا، وكنا نظن أن الشعب بكامله
سيسند المشروع الإسلامي! فتبين لنا بعد ذلك أن الشعب منقسم على نفسه،
ولايزال جزء كبير منه ضحية لخطاب معادٍ للإسلاميين منذ عشرات السنين؟ وكان
الأولى تغيير هذا اللبس وتصحيح هذا التصور وتكثير السواد ومنح فرصة للأحزاب
الإسلامية؛ لتكسب نضجًا وخبرة في العمل السياسي!؟
لست
قاسيًا في حكمي هنا، بل هي نتيجة قراءة قديمة بحت بها لمقربين فصدموا
منها، فقلت لهم فستذكرون ما أقول لكم! ويبقى الأمل في الله تعالى أن ينصر
دينه ويعز شرعه، والله على كل شيء قدير.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..