الصفحات

الخميس، 7 مارس 2013

دعوة للحوار مع الليبراليين الجدد

د. يوسف بن عبد الله الأحمد

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أما بعد.
فأدعو إخواني المنتسبين لليبرالية التقليدية أو الجديدة إلى قبول
الحوار الهادئ والنقاش العلمي حول كتاب (الليبراليون الجدد) للباحث الأستاذ: أحمد القايدي.
وفي ظني أنه سيكون سبباً في التصحيح والمراجعة، والحقُ ضالة المؤمن أنّى وجدها فهو أولى بها.
وبعد قراءتي للكتاب ألخص رؤيتي لليبرالية الجديدة في الآتي:
أولاً: ظهر مصطلح الليبرالية الجديدة في الساحة الثقافية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر (2011) وأُعد فيه مجموعة من البحوث والكتب والمقالات، ويعتبر الكاتبان: الأستاذ شاكر النالبلسي (كاتب في صحيفة الوطن السعودية) والأستاذ العفيف الأخضر؛ هما من أبرز منظري هذا الفكر، لذا فإني سأقتصر في هذا المقال في النقل عنهما.
وللنابلسي كتبٌ ومقالات كثيرة حول الليبرالية في السعودية على وجه الخصوص، وصرح باسم أربعين مثقف سعودي يعتبرهم النابلسي من المنتمين إليها كما نقله عنه الباحث، منهم شخصية سياسية بارزة.
ويبرر النابلسي سبب استهداف المشروع للمجتمع السعودي بقوله: “أكبر صخرة للسلفية الأصولية تسد مجرى الحداثة والليبرالية في العالم العربي هي الصخرة السلفية والأصولية الدينية السعودية” اهـ. (الليبرالية السعودية ص104) ويقول في ص100:” انتكاس الليبرالية في السعودية سوف يكون له أثره السيء في العالم العربي، وهذه مسؤولية تاريخية وثقيلة يتحملها الليبراليون السعوديون” اهـ.
ثانياً: بعدما رأى أكثر الليبراليين أن أدوات الحرية الليبرالية تؤول إلى التمكين السياسي للإسلاميين، جاءت فكرة مشروع الليبرالية الجديدة لتستوعب مساحة أكبر من الأطياف الفكرية (الحداثية، القومية العربية والوطنية والعلمانية والتنويرية الإسلامية..) على أن تكون العلمانية هي محور الاجتماع (فصل الإسلام عن الحياة) وأن المشروع لا يمكن أن يتحقق إلا بالوسائل الآتية:
الوسيلة الأولى: القرار السياسي.
من خلال عودة القبضة الأمنية والحاكم المستبد (هكذا) مثل أتاتورك وأبورقيبة وابن علي الذين لا يعرفون من لغة الحوار إلا القمع والسجون وسياسة الناس بالحديد والنار. وكالمأمون العباسي (198-218هـ) الذي عذَّب مئات العلماء ومنهم الإمام أحمد؛ لأنهم امتنعوا عن القول بخلق القرآن.
يقول شاكر النابلسي: “الليبرالية في العالم تنتظر الآن قائداً سياسياً شجاعاً، كالخليفة المأمون.. وكمال أتاتورك والحبيب بورقيبة ليأخذ بيدها ويتقدم بها الصفوف” اهـ. (العرب بين الليبرالية والأصولية ص84).
ويقول أيضاً: “نقول دائماً أن الحداثة والليبرالية تحتاجان إلى قرار سياسي” (الليبرالية السعودية بين الوهم والحقيقة ص38).
الوسيلة الثانية: التدخل الأجنبي عسكرياً وإعلامياً وثقافياً.
يقول النابلسي :”الليبراليون هم فدائيو الحرية فهم الذين أيدوا غزو العراق منذ اللحظة الأولى”اهـ. (سجون بلا قضبان ص32).
ويقول أيضاً ص76:” الحملة الفرنسية على مصر 1798 كانت هي الحادي والمنادي الذي نفخ في رماد العرب آنذاك..”
الوسيلة الثالثة: التحريض الأمني ضد الإسلاميين.
وهو نوعان: تحريض الحكام، وتحريض القوى الغربية.
ومثال الأول قول النابلسي:” لقد تكاثفت وتضامنت منابر الدعوة إلى الإرهاب ونحن عنها غافلون، واستغل بعض رجال الدين المنابر الدينية والإعلامية لنشر أفكار الإرهاب استغلالاً سيئاً، فنرى هذا الفكر منتشراً في كلام خطباء المساجد وفي المدارس وفي المناهج وفي خطب الدعوة والإرشاد وفي المخيمات الكشفية وفي البرامج التلفزيونية الحوارية في قنوات مشهورة ومعروفة تخصصت في نشر فكر الإرهاب باسم الدين” اهـ.
المثال الثاني في تحريض القوى الغربية ضد حكام بعض دول الخليج بشأن تطبيق الإسلام يقول العفيف الأخضر:” في نظري استراتيجياً أنصاروا المشروع الحداثي الديمقراطي يجب أن تركز بالتعاون بين المجتمع المدني العالمي ومع الإعلام العالمي وأيضاً مع الدبلوماسية الدولية، على منع النخب العربية والإسلامية من ممارسة الإسلاموية بدون إسلاميين ؛ أي من سرقة مشروع الأصولية لتطبيقه بالنيابة عنها لمجرد أن تبقى في الحكم” اهـ. (حوار مع العفيف الأخضر منشور عبر الشبكة بعنوان: مبرر وجود الأصولية محاربة الحداثة).
ويقول النابلسي:” ولماذا لم تحفل ولم تستمع الإدارة الأمريكية لدعوة بعض المثقفين العرب الشجعان في ضرورة تدخلها في إعلام الدولة العربية الرسمي، ومن هؤلاء المثقفين المفكر العفيف الأخضر” اهـ (زوايا حرجة ص136).
ثالثاً: موقف الليبراليين الجدد من الإسلام.
يتلخص موقفهم في أن أيَّ نص لا يتوافق مع آرائهم فهو حديث مكذوب أو آية يجب نسخها أو تأويلها.
فهم لا يؤمنون بقول الله تعالى:” الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ” (النور:2) لأنها تعارض الحرية الفردية.
ولا بقوله تعالى:” إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ” (المائدة: 90).
ولا بقوله تعالى:” وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا..” (المائدة:38).
ولا بقوله تعالى:” وَأَحَلَّ اللَّهُ البَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا” (البقر:275).
ولا بقوله تعالى:” وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ” (المائدة:44).
ولا بقوله تعالى:” هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ” (التغابن: 2).
يقول العفيف الأخضر:” ضرورة نسخ جميع الآيات والأحاديث والفتاوى المتعارضة مع تبني المسلمين لمؤسسات وعلوم وقيم الحداثة”اهـ (مسألة الأقليات في أرض الإسلام: بحث منشور عبر الشبكة). ونشر أيضاً مقالاً بعنوان :”نداء لإلغاء الشريعة”.
ويقول أيضاً :” إذا أقحم الله نفسه في الدستور فذلك قد يقود إلى كارثة” اهـ (مقال منشور بعنوان: هل لأقصى اليمين الإسلامي مستقبل).
ويقول أيضاً:” المحرمات الشرعية تعارض حق الفرد الحديث في التصرف الحر في رأسه وفرجه” (محاضرة منشورة بنصها في الشبكة)، ويقول النابلسي:” والليبراليون كافَّة يجيدون التأويل، تأويل كل النصوص” (العرب بين الليبرالية والأصولية ص36).
ويقول شاكر النابلسي عن صحيح البخاري :” كَذَب في معظم ما رواه” (الإسلام وجراب الحادي ص61)، واتهم الإمام البخاري بأنه شعوبي حاقد يكذب في الحديث كما في المصدر السابق ص22.
ويقول النابلسي عن الغناء والرقص العربي الحديث:” أدت خدمة جيدة عندما صرفت بعض الشباب العربي عن الانتحار الإرهابي، وصرفتهم عن الجنس الأخروي المتخيّل إلى الجنس الدنيوي الأرضي، ومِن وهم مضاجعة الحور العين إلى واقع حسناوات الدنيا” اهـ (العرب بين الليبرالية والأصولية ص82). ومثله في التكذيب باليوم الآخر قول العفيف الأخضر:” رمزية النار التي يمكن تأويلها في نظري بأنها ذكرى صدمة الولادة وصدمة الفطام”اهـ (حوار معه منشور على الشبكة)، وهذه النقولات كفر صريح عند علماء الإسلام قاطبة حتى على قول المرجئة.
والمنافقون الأوائل لم يتجرأ أحد منهم على بعض هذا الكلام الذي تَنْهَدُّ له الجبال وتنخلع له القلوب من هوله وشناعته في حق الله تعالى.
أخي القارئ الكريم:
إن ما سطرته هنا لا يتجاوز أن يكون إشارة إلى الموضوع، ولا يصح أن ينطلق الحوار منه لنقصه، وإنما من خلال الكتاب “الليبراليون الجدد” للأستاذ أحمد القايدي الذي استوعب النقولات والموضوعات والكتب والمقالات والمؤتمرات والأسماء والمواقف وفق أصول البحث والنقد العلمي.
ولعل أهمَّ مشاركة أتقدم بها في في هذا الحوار هو دعوتي لمنظّري هذا الفكر والمتأثرين به؛ على اختلاف مستوى التأثر، أدعوهم إلى تدبر كتاب الله تعالى، ومن الحجج العقلية التي بينها الله تعالى في كتابه هو النظر في ملكوت السماوات والأرض وفي خلق الإنسان إلى أصغر ذرة فالذي أبدع هذا الكون العظيم أليس هو المستحق وحده للأمر والحكم والتشريع، قال الله تعالى:” أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ” (المائدة:50)، وقال تعالى: “وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ “(الأحزاب:36)، وقال الله تعالى:” فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا” (النساء: 65). فهل يتجرأ المؤمن على أمر الله وحكمه ويسمي الفساد السلوكي والمجون والتعري (إبداعاً).
ويسمي محرمات الشريعة (عادات وتقاليد).
ويسمي الزنا وشرب الخمر (حرية شخصية)
واستحلال الربا (مصالح اقتصادية).
أو يقول: لا أقبل أوامر الله تعالى فيما يتعلق بالسياسة أو ما يكرره بعض العلمانين من قولهم: (أنا مسلم لكنني لست إسلامياً) أي لا أؤمن بالآيات التي توجب التسليم لحكم الله في السياسة والاقتصاد والقضاء والتعليم والإعلام وغيرها.
قال الله تعالى:” وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلا(150) أُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا” (النساء 150).
فما الذي يجعل الليبرالي لا يؤمن بالآية إلا إذا وافقت رأيه، وإذا خالفت رأيه أعرض عنها؟ هل هو مرض القلب أو الشك أو يخاف أن تكون أحكام الله تعالى ظالمة؟
اقرأ الجواب في قول الله تعالى: “وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ، وَإِن يَكُن لَّهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ، أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ، إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ، وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ” (الرعد 48-52).
وكلُّ مَنْ عُرِضَ عليه الحقّ من الكتاب والسنة فلم يقبل به فهو قطعاً ويقيناً متبعٌ لهواه، قال الله تعالى :”فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ” (القصص 50).
وفرق شاسع بين مَن يقرأ القرآن بحثاً عن الحق الذي يريده الله تعالى من عباده، وبين من يبحث عن المتشابه من أجل تأويله، وتأويل المحكم به، وصرفه عن مراد الله تعالى.
ومن سلك طريق التأويل الفاسد عاقبه الله بالنفاق، قال الله تعالى:” فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ” (الصف5)
وأقول لكل مَن أخاطبهم في هذا المقال: أحبُّ لكم الخير الذي وعده الله للمؤمنين في الدنيا والآخرة، وأوصي نفسي وإخواني بأفضل الدعاء الذي أوجبه الله في كل صلاة بل في كل ركعة، قال ابن تيمية (8/330):” فهذا الدعاء أفضل الأدعية وأوجبها على
الخلق” يريد قول الله تعالى:” إهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيم (6) صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لا الضَّالِّينَ” (الفاتحة).
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

د. يوسف بن عبد الله الأحمد
عضو هيئة التدريس في قسم الفقه
بكلية الشريعة بجامعة الإمام بالرياض
ربيع الآخر 1434هـ
صحيفة المقال

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..