الصفحات

السبت، 23 مارس 2013

احترام الطرف الآخر

(تأملات في الحوار من خلال سورة يوسف)
1- قال - عز وجل -– في حوار يعقوب - عليه السلام - مع بنيه -: ﴿ قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ
وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ ﴾ [يوسف: 11].

إلى أن ردّ عليهم يعقوب - عليه السلام -: ﴿ قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ ﴾ [يوسف: 13].

2- وقوله تعالى: ﴿ وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ ﴾ [يوسف: 18].

3- وقوله: ﴿ فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى أَبِيهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ * قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾ [يوسف: 63-64].

4- وقوله سبحانه - عن يعقوب - عليه السلام -: ﴿ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ﴾ [يوسف: 83].

5- وقوله: ﴿ قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ * يَابَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [يوسف: 86-87].

وعلى الرغم مما فعله إخوة يوسف، فلم يواجههم يعقوب - عليه السلام - بالعبارات النابية، أو الألقاب السيئة، وإنما بادلهم الاحترام، وحاورهم بالتي هي أحسن.

6- قول يوسف للفتيين اللذين دخلا معه السجن: ﴿ يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ﴾ [يوسف: 39].

فحوار يوسف - عليه السلام - معهما كان في غاية الأدب والاحترام، مع أنه يقرر لهما عقيدة التوحيد، وأنهما كانا على الشرك.

7- ثم قال-مرة أخرى: - ﴿ يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا ﴾ [يوسف: 41] فقوله: ﴿ يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ فيه حذف حرف الجر، وتقديره: في السجن.

وهذا الحذف - في الحوار - يشير إلى ملاطفته لهما؛ ليشعرهما أنه قريب منهما؛ فاستخدم هذا الأسلوب أيضاً ليقبلا عليه، ويسمعا منه ما هو أهم عنده، وهذا أقرب إلى قبول حواره وسماع نصيحته، ولهذا قال الله تعالى، عن نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم -: ﴿ وَلَو كُنتَ فَظّاًً غَلِيظَ القَلبِ لَانفَضُّواْ مِن حَولِِكَ ﴾ [آل عمران: 159].

8- قال تعالى: ﴿ فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ * قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ * قَالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي ﴾ [يوسف: 88-90].

ففي هذا الحوار المتقدم بين يوسف - عليه السلام - وإخوته نجد الأدب بين الطرفين، والحنان والشفقة في مواجهة يوسف - عليه السلام - لهم، فلم يخرج عن حدود الأدب والاحترام في الحوار، مع أن إخوته اقترفوا جناية عليه طال مداها، وهم الآن يقفون بين يديه موقف المحتاج والفقير، ومع هذا كلّه فلم يواجههم بالتعنيف أو الكلام الجارح البذيء، بل خاطبهم باستفهام التقرير لا التقريع والتوبيخ؛ رأفة بحالهم، وأدباً منه؛ فكأنه يقيم العذر لهم بقوله: ﴿ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ ﴾  أي: إذ أنتم صبيان صغار في حد السفه والطيش قبل أن تبلغوا أوان الحلم والرزانة.

وكان مراد يوسف - عليه السلام - من ذلك التمهيد تعريفهم بنفسه، إذْ آن أن يصارحهم به، وأراد أن يدعوهم إلى التوبة مما فعلوا، فكان كلامه وحواره معهم، من باب الشفقة عليهم، والنصح لهم في الدين، لا معاتبة وتثريباً، فكان موفقاً في ذلك. خفاجي، تفسير القرآن الحكيم (12/198).

9- قال تعالى: ﴿ قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ﴾ [يوسف: 26].

فلفظ يوسف - عليه السلام -: ﴿ قَالَ هِيَ ﴾ لم يرد فضيحة امرأة العزيز، ولا أذيتها بكلامه، فلم يقل (أنتِ)، فهو خاطبها بضمير الغائب احتراماً لها.

وهكذا أخلاق الأنبياء، فهم يمثلون قمة الأخلاق في تقدير الطرف الآخر، ويظهرون اهتمامهم به، ويحفظون ألسنتهم عما يسوءه من الألفاظ، وذلك أن المقصود بيان الحق، وإزهاق الباطل، لا تعيير الناس أو إذلالهم.

 

د. محمد بن فهد بن إبراهيم الودعان

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..