الصفحات

الجمعة، 1 مارس 2013

قيم المعلم

قيم المعلم (1)

إسهام المعلم في القيم العقدية المؤدية  لعدم ظهور أو تنامي ظاهرة التطرف لدى النشء

يقوم المعلِّم بغَرْس القيم العقدية في الطلاب - وهو القدوة في ذلك - ليتحقق عدم ظهور أو تنامي ظاهرة التطرُّف لديهم من خلال هذه القيم، وهي تبدأ بالتمسُّك بكتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - فينشأ الطلاب محقِّقين عدمَ ظهور أو تنامي ظاهرة التطرف في حياتهم.

قيمة التمسك بالكتاب والسنة النبوية المطهرة:
يحتل عدم ظهور أو تنامي ظاهرة التطرُّف عند الإنسان أهميةً بالِغة، فيتخذ سبيلاً، ألا وهو التمسك بكتاب الله وسنة نبيِّه - صلى الله عليه وسلم - قال الله - تعالى -: ﴿ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾ [الفاتحة: 7]، وقال - تعالى -: ﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [الأنعام: 153].

التمسك بكتاب الله وسنة النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه هداية للنفس؛ كما قال الله - تعالى -: ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ * وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ ﴾ [يونس: 108، 109]؛ فالتمسك بكتاب الله - تعالى - وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - حصن حصين، وحِرْز متين لمن وفَّقه الله - تعالى - قال - تعالى -: ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾ [آل عمران: 103]؛ فقد أمر الله - تعالى - بالاعتصام بحبل الله، وحبلُ الله هو عهد الله، أو هو القرآن كما قال المفسرون؛ إذ العهد الذي أخذه الله على المسلمين هو الاعتصام بالقرآن والسنة؛ فقد أمر الله - تعالى - بالجماعة، ونهى عن التفرق والاختلاف، وهذا شامل لأصول الدين وفروعه الظاهرة والباطنة.

فالمعلم يكون القدوة في غرس قيمة التمسك بكتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - في الطلاب؛ ليكون سبيل النجاة لهم من الوقوع في التطرف والغلو؛ لذا قال الله - تعالى - : ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾ [طه: 124].

وقال - تعالى -: ﴿ فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ ﴾ [الزخرف: 43، 44]؛ أي: خُذْ بالقرآن المنزَّل على قلبك، فإنه هو الحق، وما يهدي إليه هو الحق المفضي إلى صراط الله المستقيم، الموصل إلى جنات النعيم، والخير الدائم المقيم، ثم قال: ﴿ وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ ﴾؛ قيل: معناه لشرف لك ولقومك، قاله ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، والسدي، وابن زيد"؛ (ابن كثير، 2000: ج4، ص 115).

وتأتي السنة النبوية مصدرًا هامًّا من مصادر التشريع، ولا يمكن على الإطلاق الاستغناء عنها أو تركها أو فصلها، ولقد أبان الرسول الكريم محمدٌ - صلى الله عليه وسلم - أهميتها كما في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إني قد تركتُ فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما: كتاب الله وسنتي، ولن يتفرَّقا حتى يَرِدَا عليَّ الحوض))؛ (الحاكم، 1990: ج 1، ص 93).

ويصبح الإنسان في منزلة الاعتصام ما دام متمسكًا بكتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - وذلك "يوجب له الهدايةَ، واتباع الدليل والاعتصامُ بالله يُوجِب له القوة والعُدَّة والسلاح والمادة التي يستلئم بها في طريقه"؛ (ابن القيم،2001: مدارج السالكين 1/458).

وبقيام المعلِّم بالتمسك بكتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - يتربى الطلابُ على عدم ظهور أو تنامي ظاهرة التطرف، وتصبح الهداية لأنفسهم، والبُعد عن أهل الضلال والزيغ؛ فيتحقَّق لهم عدم التطرف وعدم الغلو؛ لأن القرآن هو حبل الله المتين، والصراط العظيم.

قال الله - تعالى -: ﴿ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾ [فصلت: 42].

والسنة هي المَعِين الذي لا يَنضُب، والبحر الذي لا تكدِّره الدِّلاءُ، ودراستها من أعظم العلوم، وأنفعها وأكثر فائدة في الدين والدنيا.

ويتحقَّق عدم التطرف من خلال التمسك بكتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - إذ هما أساس الدين الذي له أثرُه الواضح على النمو النفسي والصحة النفسية، والعقيدةُ حين تتغلغل في النفس تدفعها إلى سلوك إيجابي، والدين يساعد الفردَ على الاستقرار، والإيمان يؤدِّي إلى الأمان، وينير الطريق أمام الفرد في طفولته، عبر مراهقته إلى رشده، ثم شيخوخته.

لذا فقد بدأ النبي - صلى الله عليه وسلم - في تربية أصحابه - رضوان الله عليهم - قبل كل شيء بالجانب الإيماني، فبدأ أولاً بغرس العقيدة الصحيحة الصالحة في نفوسهم؛ ذلك أنه لا يمكن أن يتحقَّق للإنسان سعادة بلا سكينة؛ لأنه لا توجد في الحياة نعمة أغلى ولا أفضل من سكينة النفس وطمأنينة القلب؛ قال - تعالى -: ﴿ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴾ [الفتح: 4].

إن المعلم الذي يقوم بغرس العقيدة في نفوس الطلاب، لا شك أنها تملأ أوقات الفراغ لديهم بكل نافع ومفيد، وبالتالي تجنِّبهم الوقوع في الانحراف، وتُبعِدهم عن كل مظاهر العنف، وتبني شخصياتهم على الخير والعمل الدؤوب، وبالتالي تحقِّق لهم عدم التطرف في أنفسهم بتحقيق حاجاتهم الدينية والنفسية، وهذا يدفعهم للشعور بحاجات المجتمع وقيمه؛ بما يحقق له الأمن والاستقرار.

قيم المعلم (2)

يقوم المعلِّم بغرْس القِيم العقَدية في الطلاب، وهو القدوة في ذلك؛ ليتحقَّق عدم ظهور أو تنامي ظاهرة التطرُّف لديهم، من خلال هذه القِيَم، وهي بتحقيق الوسطية في حياتهم بدون غُلوٍّ ولا تَفريطٍ، فينشأ الطلاب محقِّقين عدم ظهور أو تنامي ظاهرة التطرف في حياتهم.

قيمة الوسطية:
جاء الإسلام بمنهج وسطٍ؛ ليعيش الإنسان حياته بدون غُلوٍّ ولا تفريطٍ؛ قال الله تعالى: ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾ [الفاتحة: 6]؛ أي: الوسط بين طرفي الإفراط والتفريط في كل حياته الرُّوحية والمادية؛ لذلك قال الله تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [البقرة: 143].

فالإسلام راعى الإنسان في جميع ما يحتاج إليه في طبيعته وحدود طاقاته؛ لذا منَع الإفراط المؤدِّي إلى المَلل، أو المبالغة في التطوُّع المُفضي إلى ترْك الأفضل.

فمن سِمات التربية الإسلامية أنها تهتمُّ بالتربية الجسمية والرُّوحية والعقلية، وتَنطلق من التوازن في حياة الإنسان، من خلال إشباع حاجاته المادية والروحية معًا.

فالوسطية ضد الغُلو والانحراف والتطرُّفِ، وعدمُ الابتعاد عن النَّهج القويم؛ لذلك فالوسطية تعني: تنشئة العقول على المفاهيم والمبادئ الصحيحة والقويمة للدين الإسلامي الحنيف، وإيجاد البيئة الآمِنة الخالية من التطرُّف والغُلو والانحراف.

وأساس الأُمة الإسلامية:
الوسطيةُ؛ حيث يتولَّى كل فرد من أفراد المجتمع إشباعَ حاجاته بطريقة مُتَّزنة مشروعة في كلٍّ من النواحي الجسدية - الأكل والشرب، والملبس والسكن والنكاح - والعقلية، وقد اعتبرَه الإسلام مناط التكليف، وأداة الفَهم والاستيعاب، والتفكير والتدبُّر، والتعلُّم والتعليم، والعلم والمعرفة، والإسلام يُشبع الطاقة العقلية، فيَدفعها إلى التأمُّل والبحث والتدبُّر في حكمة الله، وطالَب بالاستفادة من الطاقة المادية التي أودَعها الله في الكون.

وراعى الإسلام الجانب الروحي، وفرَض عليه العبادات التي تُلائمه حسَب مَقدرته وطاقاته، بدون غلوٍّ أو تفريطٍ.

وتكون الوسطية في الاعتقاد في الصفات، وفي الإيمان، وفي القَدَر، وفي السلوك، وفي العبادة، وفي الحُكم على الناس وعلى الأحوال.

فالوسطية:
لا إفراطَ ولا تفريط، وأما التنطُّع والتشدُّد، فيؤدي إلى عُسرٍ في التكليف، وتعطيل للمصالح، وعدمِ تحقيقٍ لمقاصد الشرع، ورفْعُ الحرَج والتيسير ليس غاية في ذاته؛ وإنما هو وسيلة في طريق الامتثال لأوامر الله، تُعين على تحقيق الغاية، وهي تحقيق العبودية لله وحده، فليس معنى اليُسر ورفْع الحرَج أن نَلتَمِس التخفيفات، ونتتبَّع مواطن الرُّخَص، ونَبحث عن الأسهل بعيدًا عن منظور الشرع، ونتلمَّس زَلاَّت وعَثرات العلماء؛ فإن ذلك يؤدي إلى الانسلاخ من الأحكام، والابتعاد عن الشرع، والتهاون في مسائل الحلال والحرام - في المطعم والمَشرب، والمعاملات المالية - فلا يجوز أن تَنقلب الوسائل إلى غايات، ولا أن تتغلَّب الوسائل على الغايات، فالإنسان المسلم مع الوسطية والاعتدال، والتسامح والواقعية، والاجتهاد العقلاني الواعي - يُصبح بعيدًا عن التطرُّف.

إن التوسُّط في أصول الشريعة الإسلامية من وجوهِ محاسنها، التي تُنبئ عن عظَمتها التي ركَّز عليها القرآن والسنة النبوية المطهَّرة، ولقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - مثالاً للقصد في كل شؤونه وأحواله حتى في هيْئاته وخلقته.

فالوسطية دَلالة على الخيرية والعدل والاستقامة، فهي حق بين باطِلين، واعتدال بين تطرُّفين، وعدلٌ بين ظُلمين، وبذلك يصبح الطلاب لديهم المناعة ضدَّ التطرف والضلالات، والأهواء والمذاهب الهدَّامة، ويكون الطلاب محقِّقين الوسطية من خلال تعريفهم بأنها لا إفراطَ ولا تفريط، وأن التنطُّع والتشدد يؤديان إلى عُسر التكليف، وتعطيل المصالح، وعدم تحقيق مقاصد الشرع.

إن للوسطية آفاقًا بعيدة المدى؛ لأنها إيجابية النَّفع، فتكاد السلبيات أو الأخطاء تَنعدم، أو تكون في طريقها إلى الذَّوبان والنسيان؛ وذلك لما تُفرزه من آثارٍ اجتماعية ملموسة؛ من إشاعة المحبَّة، وتنامي المودة، والابتعاد عن التعصُّب والأحقاد، وتوفير الثقة للآخرين، وإحسان التعامل معهم، وصارت أحوال الطلاب في طُمأنينة وشعور بالاستقرار، وتفرُّغ للإنجاز والعطاء، والتزام الحق والعدل، والبعد عن الشر والفتنة والفساد في الأرض.

فما من مشكلة اجتماعية تَثور، إلا وكان سببها شذوذًا في التخطيط والعمل، أو انحرافًا عن المقصد الشريف، أما حال الوسطية، فتكون من أهم الأسباب الداعية إلى الاستقرار والوئام، وإسعاد الفرد والجماعة، وتقدُّم المدنية، وازدهار الحضارة.



قيم المعلم (3)

قيمة عدم التعصب



يقوم المعلِّم بغرس القِيم العَقَدية في الطلاب، وهو القدوة في ذلك؛ ليتحقق عدمُ ظهور أو تنامي ظاهرة التطرف لديهم من خلال هذه القِيم، وهي تبدأ بعدم التعصب لرأي ولا أهواء، فينشأ الطلاب محققين عدم ظهور أو تنامي ظاهرة التطرف في حياتهم.

قيمة عدم التعصب:
جاء الإسلام لكي يعيش الناس في أمن وسلام، والتعصب من الدوافع والانفعالات التي تؤدِّي إلى تحقيق التطرف والغلو، وهو عبارة عن "اعتقاد المتعصب أنه قبض على الحقيقة النهائية التي تَدفَعُ به إلى وجوب الالتزام الكامل برأي أو بمذهب أو جماعة أو قبيلة أو فترة تاريخية معينة، مما يجمع عادة بين الفضيلة والرذيلة، والحسَن والقبيح، والخطأ والصواب"؛ (بكار: 186).

وعدم التعصب يكون بإحقاق الحق أينما وجد والعمل به؛ ذلك لأن التعصب يؤدِّي إلى إهدار حقوق الآخرين؛ ولذا قام الإسلامُ ببُغْضه؛ لأنه سبب التفرقة والفُرْقة بين أمة الإسلام.

ولقد صوَّر القرآن الكريم هذه العصبيةَ العمياء بقوله: ﴿ وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ * قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ ﴾ [غافر: 47، 48].

وبهذه الآية حمل الأتباع تَبِعةَ ضلالهم؛ فقد منحهم اللهُ القدراتِ والآلات التي تمكِّنهم من اتباع الهدى، وهم عطلوا ذلك، وساروا في ركاب المضلِّين.

والإسلام منَع التعصُّبَ بحجة الالتزام؛ فهناك فَرْق كبير بين التعصب والالتزام؛ إذ "الالتزام انحياز إلى قطعيات لا تقبل الجدل، أو مبادئ عامة وقع الإجماع عليها؛ كالانحياز لأمهات الفضائل والعقائد؛ فالالتزام يكون بما علا على دوائر الاجتهاد، ويكون التعصب فيما يقبل النظر والتأمل؛ فالتعصب ضرب من ضروب الأنانية، ولا يكون مبنيًّا على أساس"؛ (بكار، مرجع سابق، 187).

وهناك تعصب محمود محبَّب إلى النفس التي آمنت بالله، وهو التعصب للعقيدة الإسلامية؛ إذ هو مظهرٌ من مظاهر الحياة الحرة الكريمة للأفراد، وهي حقٌّ من حقوقهم؛ لأن العقيدة "إذا كانت دينية، فهي أضبطُ المقاييس لأهواء الفرد ونزعاته، وأقوى الروادع بين الجماهير والجماعات، وإن كانت فكرية، فهي دليل الوعي، والوعي دليل الشخصية الحسية التي تعقل وتفكر"؛ (السباعي: 142).

وهناك تعصب مذموم نهى عنه الإسلام، ويعتبره أمرًا غير مرغوب، يؤدي إلى تفرقة الأمة.

وأما "التعصب الذميم، فهو أن تضطهد مخالفِيكَ في العقيدة، وتحقد عليهم، وتسيء معاملتهم، وتسلُبَ أموالهم، وتهين كرامتهم...؛ فهذا سبيل الشقاء والخراب في حياة الأفراد والجماعات، وهذا ما جاء الإسلام للقضاء عليه بين صفوف المتدينين"؛ (المرجع السابق: 144).

إذًا فالتعصب يتطلب التمييز بين قضيتين هامتين:
أ- التعصب لأصول العقيدة والشريعة، وهو التعصب المطلوب؛ لأنه يؤدِّي إلى إحقاق الحق، فهو المؤدي إلى عدم التطرف.

ب- التعصب لفرع من فروع الدين والدنيا، ما لم يرِدْ فيه نص قطعي الدلالة والثبوت، وهو من المجالات التي تتعدد فيها الاجتهادات الفكرية؛ فهذا يؤدي إلى عدم الأمن الفكري؛ إذ المتعصب في هذه الحالة يجسد عدم الأمن الفكري في جديته، وهو يؤدي إلى سلوكيات ومحظورات شرعية.

ومن خلال ما سبق يظهر أنواع التعصب، وهي كما يلي:
1- التعصب لمذهب.

2- التعصب منتميًا إلى بلد، أو قبيلة، أو قومية.

3- التعصب للرأي.

4- التعصب للهوى.

لذا على المعلم أن يُبعِدَ الطلاب عن التعصب؛ لِما له من آثار سلبية على الفرد والمجتمع، ومن أبرزها:
1- يدفع التعصب بصاحبه إلى سلوكيات غير مقبولة، تتنافى مع الفضيلة؛ فقد يظلم ويستبد؛ استخفافًا بالآخرين وبآرائهم، وقد يكذِب انتصارًا لرأيه وفكره ومذهبه.

2- يؤدي التعصب الفكري إلى التطرف والغلو والتشدد؛ كالتطرف الديني أو الفكري أو المذهبي.

3- يؤدي التعصب إلى التمييز على أساس العِرْق أو الجنس أو اللون؛ مما يؤدي إلى حرمان الآخرين من الحقوق والكرامة التي كرَّمهم اللهُ بها، والتي أقرَّها الإسلام، ومنحها لجميع البشر على السواء.

4- التعصب يعمل على تمزق الأمة الإسلامية وفُرْقتِها واختلافها؛ مما يؤدي إلى انتشار العداوة والبغضاء بين أفراد المجتمع، ويَشغَلهم ذلك عن البحث في القضايا المهمة والأساسية التي تضمن عزة المسلمين ونصرهم.

المراجع:
1- بكار، عبدالكريم محمد (2005): فصول في التفكير الموضوعي، دار القلم، دمشق.
2- السباعي، مصطفى (1999)، أخلاقنا الاجتماعية، المكتب الإسلامي، بيروت.





قيم المُعلم (4)

قيمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر



يقوم المعلم بغرس القِيَم العقدية في الطلاب، وهو القدوة في ذلك؛ ليتحقق عدم ظهور أو تنامي ظاهرة التطرف لديهم من خلال هذه القيمة التالية، وهي:
قيمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
يأمر الإسلام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لأنه أساس في حياة الأفراد، ولولا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لما كانت الخيرية في هذه الأمة، والخيريةُ في هذه الأمة وأمانُها بالتزامها هذا الحبل المتين، وهو صمام الأمان في الأمة الإسلامية.

قال الله - عز وجل -: ﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [آل عمران: 104]؛ أي: "لا بد من جماعة تدعو إلى الخير، وتأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر، ولا بد من سُلطة في الأرض تدعو إلى الخير، وتأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر"؛ في ظلال القرآن: (ج1، ص: 444).

﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [آل عمران: 110]، "وهذا ما ينبغي أن تدركَه الأمة المسلمة؛ لتعرف حقيقتها وقيمتها، وتعرف أنها أُخرجت لتكون طليعة، ولتكون لها القيادة، بما أنها هي خير أمة، والله يريد أن تكون القيادةُ للخير لا للشر في هذه الأرض، ومن ثم لا ينبغي لها أن تتلقى من غيرها من أمم الجاهلية؛ إنما ينبغي دائمًا أن تعطي هذه الأممَ مما لديها، وأن يكون لديها دائمًا ما تعطيه؛ ما تعطيه من الاعتقاد الصحيح، والتصور الصحيح، والنظام الصحيح، والخلق الصحيح، والمعرفة الصحيحة، والعلم الصحيح"؛ المرجع السابق: (ج1، ص: 447).

كما أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من مقتضيات صيانة الحياة من الشر والفساد، ومن مقتضيات المكانة لهذه الأمة.

"وفي أول مقتضيات هذا المكان أن تقومَ على صيانة الحياة من الشر والفساد، وأن تكونَ لها القوة التي تمكِّنها من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فهي خيرُ أمة أخرجت للناس، لا عن مجاملة أو محاباة، ولا عن مصادفة أو جزاف - تعالى الله عن ذلك كله علوًّا كبيرًا"؛ المرجع السابق: (ج1، ص: 444).

وعن أبي سعيد الخُدري - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقُول: ((من رأى منكم مُنكرًا، فليُغيِّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان))؛ (مسلم، كتاب الإيمان، باب النهي عن المنكر من الإيمان، د.ت: ج 1، ص 50).

ومن الآيات القرآنية والأحاديث النبوية ما لا يحصى، وكلها تدل على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على كل من رآه، لا يسقط عنه إلا أن يقومَ به غيره، كلٌّ بحسَبه، وكلما كان العبدُ على ذلك أقدرَ وبه أعلم، كان عليه أوجبَ وله ألزم، ولم ينجُ عند نزول العذاب بأهل المعاصي إلا الناهون عنها.

عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن النبي - صلى اللهُ عليه وسلم - قال: ((إياكم والجلوس بالطرقات))، فقالوا: يا رسول الله، ما لنا من مجالسنا بدٌّ؛ نتحدث فيها، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا أبيتم إلا المجلس، فأعطُوا الطريقَ حقَّه))، قالوا: وما حق الطريق؟ قال: ((غضُّ البصر، وكف الأذى، وردُّ السلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر))؛ (البخاري، كتاب المظالم والغصب، باب أفنية الدور والجلوس على الصعدات: ج2، ص: 173).

فالأمر بالمعروف صمام الأمان لهذه الأمة، فإذا لم تأمر الأمة بالمعروف، وتَنْهَ عن المنكر، يوشك أن يبعث الله عقابًا، فلا يستجاب للأمة الدعاء.

فعن حذيفة بن اليمان - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لتأمُرُنَّ بالمعروف، ولتَنْهَوُنَّ عن المنكر، أو ليوشكَنَّ اللهُ أن يبعث عليكم عقابًا من عنده، ثم تدعونه فلا يستجيبُ لكم))؛ (الترمذي، أبواب الفتن، باب ما جاء في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، 1987م، ج3، ص 46).

فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عاملٌ من عوامل عدم التطرف، فنصبح في أمن في الدنيا والآخرة، ويتحقق عدم التطرف عند الطلاب.

إن أهم الآثار التي يحققها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو هداية الإنسان؛ فردًا كان أو مجتمعًا، هداية تجعله يحكم مفاهيم الإسلام وقِيمه في عقله وقلبه وإرادته؛ لتكون الأفكار والعواطف والممارسات العملية مطابقةً للمنهج الإلهي في الحياة؛ عن طريق إقامة فرائض الدِّين القويم، وشريعته السمحة.

ومن خلال الالتزام بأداء المسؤولية يتعمق الإيمانُ بالله - تعالى - في العقول والقلوب، وتتوثَّق الصلة مع الله تعالى، والتي تضفي السكينة والطمأنينة على جميع جوارح الإنسان، ومقومات شخصيته، في الفكر والعاطفة والسلوك، فيتحرر من الإلحاد واللا انتماء، ومن الضياع والتخبط، ومن الضلال والعمى والحيرة، ويتخلص من الأوهام والخرافات، ويتوجه إلى الله - تعالى - مستمدًّا منه العون، فيستشعر الأمان والصفاء، وهو عميق الصلة بخالق الوجود، وبالركن الركين الذي تتهاوى جميعُ مظاهر الإسناد أمامه، وتستقيم نفسه ومشاعره.

ويكون الحفاظ على نظام الحياة على أحسن حال عن طريق جلب المصالح ودرء المفاسد، فتصبح الأسرة في قمة السعادة، وهي تسعى إلى الإعمار والبناء الحضاري، ويعم الخير والصلاح في جميع مرافق الحياة، لسموِّ المقاصد، ونبل الأهداف المراد تقريرُها وتحقيقها في الواقع.

والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إن قام به المعلم، فإنه يحقق الأمن والسلام والطمأنينة، فيقضي بواسطة أدائه على جميع ألوان العدوان والاضطهاد والاستغلال، ويتحقق العدل، وتحفظ كرامة الإنسان وحريته، ويتم الحفاظ على سلامة الأرواح والأعراض والأموال، ويُقضَى من خلال أدائه على جميع ألوان الاعتداء، فيعيش الناس آمنين مطمئنين.

فمن آثار أداء مسؤولية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تعميقُ الأواصر الإسلامية، وتوحيد الصف الإسلامي في وحدة العقيدة، ووحدة السلوك، ووحدة المصالح، ووحدة المصير، ويعيش المجتمع حياةَ الإخاء والتعاون والتآزر والتكاتف والتناصر.

ومن آثار أداء مسؤولية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر القضاءُ على جميع ألوان الانحراف والفساد، وإشاعة الأخلاق الحسنة في العلاقات؛ لتقوم على قواعد وأسس الشريعة؛ حيث الصدق والوفاء، والتراحم والتناصح، وأداء الأمانة، والرِّفق والإحسان، والانطلاق لإسعاد المجتمع.

ومن آثاره الاقتصادية إقامة التوازن الاقتصادي، الذي يتحقق عن طريق التكافل والحث على الإنفاق الطوعي في وجوه الخير، والدعوة إلى القناعة والكفاف، وعدم التبذير، والنهي عن الغش وأكل الأموال بالباطل، وأداء الواجبات المالية؛ كالزكاة والخُمُس، إضافة إلى قيام الدولة بواجباتها في إقامة التوازن، فتتحقق الرفاهية للمجتمع بإشباع الفقراء والمستضعفين.

وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يزداد الوعيُ في صفوف المجتمع، وتتفتح آفاق العقول لتنطلق نحو الإبداع الخلاق، وتتقدم العلوم؛ لتكون خادمة للمفاهيم والقيم الإسلامية.

لذا؛ على المعلم غرس هذه الأسس العقدية في الطلاب؛ حتى ينشؤوا عليها، ويتحقق لهم عدم التطرف.

د. علي بن عبده بن شاكر أبو حميدي
 

تاريخ الإضافة:

- 23/12/1433 هجري
8/11/2012 ميلادي

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..