الصفحات

الاثنين، 22 أبريل 2013

الاحتسابُ المجتمعي


لم يَدُرْ بِخَلَدِنا بُرْهَةً أنَّ فئةً من بني قومنا ترقص على جراح أحزاننا،


ولم نصدقْ لحظةً أننا سنشاهد مقاطعَ مُخْزِيةً لأشباه رجالٍ، وربَّات حجالٍ،

يتمايلون طَرَبًا ونَغَمًا مع الشياطين والسفهاء.

يا الله!يا أهلَ التوحيد والصلاة!

أهذا يحدثُ في بلاد الله،

بلا دينٍ يمنع،

ولا راعٍ يردع،

ولا ناصحٍ يُسمع،

ولا حياءٍ يُتَّبع.

والأعجب والأغرب:

أن يُهانَ مَنْ يحْتسِب،

وأن يُدانَ من ينصح،

وأنْ يخوَّن الأمين،

وأنْ تُلفَّق التُّهَم.

وإذا كان أهلُ الشرِّ والإفسادِ يريدون شيوعَ الفاحشة وفشوَّ الرذيلة ونشرَ المنكر،

فنحنُ نحنُ أهلَ الخيرِ والصلاحِ!:

لماذا فينا سمَّاعون لهم؟!

لماذا فينا مطبِّلون لهم؟!

لماذا فينا مشجِّعون لهم؟!

لماذا نكون أعوانًا للمنكر؟!

لماذا نكون ظُهَراءَ للمجرمين؟!

{قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ}.

لماذا نكون خُصَماءَ للخائنين؟!

{وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيماً}.

لماذا ندافع عن المفسدين؟!

{وَلا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّاناً أَثِيماً}.

يا قومي لماذا نكثِّر سوادَ الفسقةِ والعصاةِ؟!

قال أحد السلف: "إنَّ من كثَّر سوادَ قومٍ في المعصية مختارًا فالعقوبة تلزمه".

ما الحلُّ أيها الإخوة؟

وما المطلوب منَّا أن نفعَلَه؟

الحلُّ : سهلٌ جدًّا، يتلخَّص في كلمةٍ واحدةٍ، هي:

"المقاطعة"

مقاطعةُ هذه المنكرات تمامًا.

{وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيّاً}.

هذا هو الاحتسابُ المجتمعي

المجتمع ينبغي أن يقوم بدوره في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

الذين يحضرون المنكر، ويغشون الزور،

عليهم أن يتبوا إلى الله،

وأن يقاطعوا هذه المِهْرَجاناتِ والاحتفالاتِ والمجمَّعاتِ إذا كان فيها منكرات،

لماذا؟ لأن الله قال موجِّهًا الأمَّة كيف تتعامل مع المنكرات:

{وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً}.

يا مسلم يا عبد الله :

إذا رأيتَ منكرًا ماذا تفعل؟

افعلْ ما أمرك به رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:

«مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ» رواه مسلم.

قال ابن رجبٍ رحمه الله: "الرضا بالخطايا من أقبح المحرمات، ويَفُوتُ به إنكارُ الخطيئة بالقلب، وهو فرضٌ على كل مسلم، لا يسقط عن أحدٍ في حالٍ من الأحوال".

يا مسلم:

أضعفُ الإيمان إنكارُ القلب، وليس بعد إنكار القلب إيمان.

فالمسألة خطيرة، إنْ لم تنكرْ بقلبك، فتفارقْ أماكنَ المنكرات، فأنتَ تعرِّض إيمانَك للخطر.

 إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ، من هم؟!

إنَّهم المنافقون والكافرون، {إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً}.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله - بتصرُّفٍ -: "ولا يجوز لأحدٍ أن يحضر مجالسَ المنكر باختياره لغير ضرورة، ورُفِعَ لعمرَ بنِ عبدِ العزيز رضي الله عنه قومٌ يشربون الخمر، فأمر بجلدهم فقيل له: إن فيهم صائمًا، فقال: ابدءوا به، أفما سمعتم الله يقول: {فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ} فبيّن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه أن حاضر المنكر كفاعله، هو شريكُ الفساق فيلحق بهم، ولهذا قال العلماء: إذا دُعِي إلى وليمة فيها منكر كالخمر والزمر لم يجز حضورها، فمن حضر باختياره ولم ينكر فقد عصى الله ورسوله".

يا من  تغضبون لرؤية المنكرات والاختلاط والطرب والزمر!

يا من تخشون ربَّ البريَّات!

كونوا منكرين للمنكر حقيقةً،

ولا تكونوا سَلْبيِّين: تجلسون للحوقلة والحسبلة، ونقلِ الرسائل فقط.

بل كونوا إيجابيين في أمركم بالمعروف ونهيكم عن المنكر.

لماذا لا نخاطبُ المسؤولين، وكبارَ العلماء عن تغيير المنكرات؟

نحن نخاطب أنفسنا برسائل الجوال. هذا لا يكفي،

نريد الاحتسابَ المجتمعيَّ.

صدقوني سيتغيَّرُ المنكرُ بحول الله، وتبرأُ الذمَّةُ بإذن الله،

ولا يثبطَنَّكم الشياطين، يقولون: لن يتغيَّر شيءٌ!!

الدولة وفَّقها الله تستجيب لكثرة الطلبات والفاكسات.

فكنْ أيجابيًّا أخي المسلم وأختي المسلمة، قلْ خيرًا، واكتبْ خيرًا،

اكتبْ مثلًا:

أيها المسؤول الموقَّر: أرفع إلى سموِّكم أو معاليكم أو فضيلتكم ما رأيناه ورآه الناس من منكراتٍ واختلاطٍ وتبرُّجٍ وسفورٍ وغناءٍ وطربٍ وزَمْرٍ وكذا وكذا في مكانِ كذا، ولا يخفى عليكم ما في هذا المنكر الظاهر من محادَّةٍ صريحةٍ لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، ومن مخالفةٍ واضحةٍ لنظام ودستور هذا البلد المسلم. وأنتم ملاذُنا بعد الله في استتباب أمننا في ديننا وفكرنا ووطننا، فنأمُل منكم وفقكم الله أن تسعوا حثيثًا إلى إزالة هذه المنكرات؛ لئلا تَحُلَّ بنا العقوباتُ بسكوتنا عليها، وكيف نسكت وبلادنا بلادُ التوحيد وقبلةِ المسلمين، بل إنَّ ولاةَ أمرنا لهم الفضل بعد الله عز وجل في إنكار المنكرات ودعم الهيئات، ونحن نرفع ذلك براءةً للذمَّة وتذكيرًا بالمسؤولية. والله يحفظكم ويرعاكم

ابنكم (أو ابنتكم) المخلصُ لدينه المحبُّ لوطنه

هل هذا التصرف مستحيل؟! هل هو إجراءٌ خاطيءٌ؟!

ليس في هذا تهييجٌ، ولا تأليبٌ، ولا تشغيبٌ.

بل فيه تنفيذٌ لما استدعاه منَّا ولاة أمرنا،

بل فيه إرضاءُ مولانا، والذودَ عن حُرُماتِ ربِّنا،

بل فيه تحذير الناس من مخاطر تحدق بنا.

نريد لهذا البلد الخيرَ والأمنَ والصلاح: {إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْأِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}.

اكتبْ يا أخي لمن تستطيعُ أنْ تُوصِلَ له رسالتك أو برقيتك،

اكتبْ، أفليس هذا بلدَك؟ أليس من حقِّك أن تعيش فيه بسلامٍ وإسلامٍ؟

ألسنا في سفينةٍ واحدة؟ هل يُسْعِدُك أن تغرقَ سفينتُنا بسكوتنا عن المنكرات؟!

إذًا فأين غيرتك؟ أين دينك؟ أين احتسابك؟ أين وطنيتك؟ أين نصيحتك؟

قال صلى الله عليه وسلم : «الدِّينُ النَّصِيحَةُ» قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ: «لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ» رواه مسلم.

وقال صلى الله عليه وسلم: «مَثَلُ القَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالوَاقِعِ فِيهَا، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاَهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ المَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا، وَنَجَوْا جَمِيعًا» رواه البخاري.


ناصر العلي



 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..