الصفحات

السبت، 6 أبريل 2013

تقييد عمل غير السعوديين في السعودية


يطلب مني بعض الإخوة التعليق على تفتيش وزارة العمل ورجال الجوازات عمن يعمل في غير المهنة المقيدة في رخصة إقامته، والقبض عليهم، وترحيلهم، ويسأل كثيرون: لماذا لا يتكلم كبار العلماء عن هذه القضايا؟!
والجمع بين هذا السؤال وطلب التعليق مني عجيب!! فإذا لم يتكلم العلماء؛ فليس لغيرهم أن يتكلم، والمسائل المتعلقة بنظام الإقامة وكفالة الاستقدام مشكلة؛ تحتاج إلى نظر طويل، فقد سئل العلامة عبد العزيز بن باز - رحمه الله – وهو من أعلم الناس – عن: رجل دخل المملكة، ويُقيم فيها بإقامة مزورة، ويسأل عن حكم كسبه، والحال ما ذكر؟
فأجاب:
- الإقامة المزورة على كل حال منكر؛ لا يجوز فعل ذلك، الواجب عليه [أن يقطع] الإقامة المزورة، ويسافر إلى بلدة حتى يأتي بإقامة صحيحة سليمة.
أما كسبه الذي كسبه في هذه الإقامة؛ فهو محل نظر، ولا أدري، والله أعلم، عندي فيه شك، والله أعلم.
- إذاً تنصحونه أولاً بتجديد الإقامة؟
- أن يقيم بطريقة رسمية؛ حتى يسلم من الإثم، وحتى يكون كسبه طيباً سليماً. [يعني ليس فيه شك ].
وسئل عما :
- يقوم به كثير من الناس من بيع الفيز للعمال مقابل كفالتهم، وبعد أن يدخلوا البلاد على كفالة المواطن يقوم العامل بالعمل خارج نطاق عمل كفيله، على أن يدفع العامل مبلغ عشرة ريالات عماني شهرياً للكفيل حسب الاتفاق والرضا، هل ذلك حرام أو لا؟
فقال:
- هذا يؤجل، يؤجل هذا...
والمقصود أن المسائل المتعلقة بنظام الإقامة وكفالة الاستقدام تحتاج إلى نظر وتدبر، وليس المقصود أن العلماء لم يبينوا أحكام المسائل المتعلقة بنظام الإقامة وكفالة الاستقدام؛ فقد بيَّن العلماء أحكام هذه المسائل في بيانات وفتاوى؛ أورد بعضها الأمير عبد الرحمن بن سعود الكبير في رسالة جامعية نادرة بعنوان "الكفالات المعاصرة"؛ أشرف عليها الشيخ صالح بن فوزان الفوزان، وقد منح بها درجة العالِمِيَّةِ العالية في الفقه من جامعة الإمام محمد بن سعود، في السادس والعشرين من شهر شعبان من عام 1421هـ، وطبعت عام 1424هـ، في مجلدين، على نفقته دون ناشر.
وقد سبق أن كتبت عن كفالة الاستقدام على ضوء ما قاله أهل العلم هذه المقالة:    
كفالة الاستقدام عقد مركب من عقدين: عقد كفالة على النفس، وعقد إجارة بين العامل وكفيله، ولا بأس بذلك، ونظام الكفالة وُضع بهدف تنظيم وفود العمالة إلى البلاد؛ بأن لا يدخل إليها إلا أصحاب المهن والأعمال التي تحتاج إليها البلاد أو لا تتوافر في سوق العمل، وأن لا يعمل الوافد مستقلاً، وأن لا يعمل الأعمال الخاصة بالمواطنين؛ كالتجارة، فهذه هي المصلحة المراد تحقيقها بهذا النظام، ولكنه (أي نظام الكفالة) يحتاج إلى إضافة ما يمنع إساءة استعماله، خاصة إذا اختلف الكفيل والمكفول؛ فإن بعض الكفلاء إذا اختلف ومكفوله يحبسه على كفالته، ولا يتركه ينتقل إلى كفالة غيره؛ لأن نظام الكفالة يتطلب موافقة الكفيل على نقل كفالته، وهو لن يوافق على ذلك في حال الاختلاف بطبيعة الحال…
ويظهر أن طلب موافقة الكفيل على نقل الكفالة حتى في حال الاختلاف؛ أي دون استثناء لهذه الحال؛ هو السبب في أكثر الشكاوى والمظالم الواقعة …
ولذلك فإن استثناء حال الاختلاف من نظام نقل الكفالة، خاصة إذا قضت الجهة المختصة بالنظر والحكم في الاختلاف بين الكفيل والمكفول، وهي مكتب العمل؛ بالحق للمكفول، ونقل الكفالة في هذه الحال دون طلب موافقة الكفيل = يمنع الظلم، ويزيل الأذى الذي يقع على المكفولين بسبب ذلك.
بل نقل الكفالة أيضًا دون طلب موافقة الكفيل، وإن لم يختلفا، بعد مضي سنتين؛ إذا وجد سبب لذلك؛ مثل : تطور العامل، مع ثبات مرتبه، ولم يكن في ذلك ضرر خاص أو عام = من الإحسان إلى العمال، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم؛ فمن كان أخوه تحت يده؛ فليطعمه مما يأكل؛ وليلبسه مما يلبس؛ ولا تكلفوهم ما يغلبهم؛ فإن كلفتموهم؛ فأعينوهم)، وهذا في المماليك؛ فكيف بالعمال الأحرار؟! اهـ المقال السابق.
أما حكم تنظيم وفود العمالة إلى البلاد بهذه الطريقة؛ بأن لا يدخل إليها إلا أصحاب المهن والأعمال التي تحتاج إليها البلاد أو لا تتوافر في سوق العمل، وأن لا يعمل الوافد مستقلاً؟ فلم أر لأهل العلم اعتراضًا عليه، وهذا يدل على أنه جائز عندهم، وأن المصلحة المراد تحقيقها به، وهي توفير الأموال والأعمال والوظائف للرعية (المواطنين، وهم الذين تحت ولاية ولي الأمر، الذي أصدر هذا النظام)= معتبرة...
وبعض الناس يعلل هذا النظام والمصلحة المراد تحقيقها به؛ بقولهم: (الأقربون أولى بالمعروف)، ويشكل على هذا التعليل إخوة المواطن وأقاربه في النسب الذين لم يدخلهم ولي الأمر تحت ولايته باعتبارهم مواطنين، وإنما هم تحت ولايته باعتبارهم مقيمين في بلده إقامة محددة أو مطلقة؛ فهم بمقتضى هذا التعليل أولى بالعمل عند أخيهم أو قريبهم في النسب، ممن يشترك معه في الدخول تحت ولاية ولي الأمر باعتبارهم مواطنين؛ لأنهم أقرب...
والمقصود إبطال هذا التعليل، وليس النظام؛ فالنظام معلل بعلل مركبة...
ومن المسائل المتعلقة بأنظمة الإقامة والكفالة: مسألة دفع العامل لرسوم الإقامة، وفرض رسوم الإقامة على أولاده.
وقد سألني عن ذلك أحد الإخوة تعليقًا على ما كتبته في حكم الضرائب وما شابهها؛ فكان مما أجبته به:
أما دفع العامل لرسوم الإقامة فهو مخالف للنظام، فلا يجوز، ولا يقع غالبًا إلا بمخالفات أخرى، وهي أن لا يكون عمل العامل عند كفيله، أو أن يكون العامل شريكًا لكفيله، أو أن يكون العامل يعمل لحسابه الخاص، وإلا فالغالب أنه إذا كان كفيل العامل هو صاحب العمل؛ لم تقع تلك المخالفة...
والأسئلة الواردة على نظام الإقامة في المملكة وما يتعلق بها كثيرة؛ تحتاج إلى بحث مستقل.
وعلى فرض أن نظام الكفالة ظلم؛ فلا يجوز الخروج على ولي الأمر بسببه، أو فعل الأسباب التي تؤدي إلى الخروج عليه؛ كالتظاهر على الإنكار عليه، أو الإنكار عليه بالخطب، والكتابات العلنية العامة، ونحو ذلك من الأسباب التي تؤدي إلى اختلال الأمن...
وإنما الواجب النصيحة المباشرة برفق أو الكتابة المبينة للحجة، في السر، أو النصيحة المجردة العامة، فإن لم يتغير ما يجب تغييره؛ تعين الصبر...
والله أعلم.


فؤاد أبو الغيث


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..