الصفحات

الثلاثاء، 2 أبريل 2013

«كرة ثلج» تكبر على وهج الصراع في سورية وفي مواجهة «حزب الله» / السلفيون في لبنان ... هل خرجوا من القمقم؟

| بيروت - من ريتا فرج |
يتخوّف كثيرون في لبنان من تصاعد المشهدية السلفية لا سيما في مدينتي طرابلس وصيدا وجزء من الأحياء البيروتية.
ورغم أن التيار السلفي ليس اتجاهاً دينياً طارئاً على الساحة اللبنانية، إذ تعود جذوره الى العام 1946، إلاّ أنه اليوم يسير في منحى جديد، تفاعل بسبب عامليْن هما، انفجار الانتفاضة السورية، وتراجُع خطاب الاعتدال لدى كل الطوائف ومن بينهم السنّة.
السلفيون في لبنان اتخذوا مواقف مناهضة للنظام السوري وأعلنوا تأييدهم للحراك الثوري، وقد نظموا في فترات سابقة تظاهرات مؤيدة، إلاّ أنهم في الفترة الأخيرة تصدّروا الدفاع عن «أهل السنّة» بدعوى أن حقوق الطائفة مصادَرة من الموالين لايران وسورية.
هذه «الاندفاعة» السلفية، ربما المفاجئة، أنعشت مخاوف بعض اللبنانيين من تنامي حضور السلفيين في ظل حديث البعض عن إنحسار الاتجاه السني - المدني المعتدل الذي يمثله تيار «المستقبل» وقيادات سنية من بيروت وشمال لبنان.
ما الذي يريده السلفيون في لبنان؟ أيّ مشروع لهم؟ ما ردّهم على هواجس البعض من تنامي دور التيار السلفي في الساحات؟ ما الذي يدفع السلفيين الى الدفاع عن حقوق أهل السنّة المهدورة كما يقولون؟ كيف يمكن مقاربة الحراك السلفي وسط الحديث عن تراجع الاعتدال السني؟ هل دعم التيار السلفي للانتفاضة السورية طابعه ديني/ سني أم سياسي؟ هل يمكن الحديث عن سلفية سنية مقابل سلفية شيعية؟ وأي دور للاعتدال والوسطية وسط حال التمذهب والمخاوف من تنامي الخطاب الديني المتشدد؟
هذه الأسئلة وغيرها حملتها «الراي» الى كل من مؤسس التيار السلفي في لبنان الشيخ داعي الاسلام الشهال والعلامة السيد هاني فحص.

مؤسس التيار السلفي أكد أن هدفه الإصلاح والتغيير وليس تغيير النظام

الشهال: قد نتفق مع «الشيعة» دينياً ونرفض السير في المشروع الإيراني - السوري

رأى مؤسس التيار السلفي في لبنان الشيخ داعي الإسلام الشهال أن السلفيين لا يتخذون موقفاً سلبياً تجاه أحد، مشيراً الى أن حقوق الطائفة السنيّة مصادرة من «حلفاء ايران وسورية».
وأكد الشهال أن التيار السلفي يشكل «صمام أمان قدّم للبلد ولم يأخذ منه»، لافتاً الى أن «مشروعنا الآن هو الدفاع عن أهل السنة وألا يحترق البلد مرة أخرى ويُحكم بجزمة النظام السوري».
• دعم التيار السلفي في لبنان الانتفاضة السورية. ما الأسباب التي دفعتكم لاتخاذ هذا الخيار؟
- الأسباب التي دفعتنا لدعم الشعب السوري هي ظلم النظام لجهة كبت الحريات والاعتداء على الآخرين وطائفيته ضد المسلمين لا سيما أهل السنّة، ولا ننسى ما أحدثه في لبنان من مجازر وطغيان وظلم واعتقالات تعسفية. من حق الشعب السوري أن يُسقط النظام كما أُسقطت عروش بعض الأنظمة العربية.
• يحتل التيار السلفي في لبنان المشهد السياسي لا سيما في طرابلس. ما تفسيركم لحضور هذا التيار في الوقت الراهن؟
- مع إهمال وأنانية الطبقة السياسية في غالبيتها الساحقة، من الطبيعي أن يتوجه الناس الى المنبر الصادق والسياسة المتوازنة والتي تعمل من أجل المجتمع ولا تبيع وتشتري في سوق البازار السياسي. وفي الحقيقة بعدما خبر الناس الأحزاب والأفكار والمناهج الشرقية والغربية، لم يجدوا فيها ما يشفي الغليل أو يحقق مطالبهم، فسار الناس الى العقل والدين والأخلاق والقيم، وهم يشعرون بأن التيار السلفي يعمل لصالحهم من غير تجارة. كل ابن آدم خطاء، الجميع يخطئ، لكن في شكل عام أبناء التيار السلفي يحملون القضايا بصدق وجدارة سياسية كانت أو أخلاقية، هم جديون في ما يرفعون من شعارات ويضحون من أجلها.
• ثمة مخاوف من البعض في لبنان في شأن تنامي الحراك السلفي. ما ردكم على ذلك؟
- أقول لهم هذا تهويل لا فائدة منه، وأطمئن الجميع الى أن التيار السلفي في لبنان لا يتخذ موقفاً سلبياً تجاه أحد، وأدعوهم الى مراجعة تاريخ هذا التيار الذي لم يفتِ بقتل الناس ولا سفك دمائهم ولا نهب أموالهم، بالعكس كنا وما زلنا صمام أمان. كل ما في الأمر أننا نعتزّ بما نحمل وما نؤمن به من قيم وشعارات، ومطلبنا العدالة الحقة بكل جوانبها سواء كانت اجتماعية أو سياسية أو غير ذلك.
• يقول التيار السلفي ان حقوق أهل السنّة مهدورة. أين لمستم أن هذه الحقوق مصادَرة أو مهدورة؟
- نحن نتكلم بلسان الحقيقة والواقع ونريد التأكيد أن أهل السنّة مستهدَفون وهم يشكلون رأس حربة في مواجهة المشروع الايراني - السوري، وبالتالي التهديد يطالهم في الدرجة الأولى. وأثناء هيمنة النظام السوري والجيش السوري على لبنان كان لهم النصيب الوافر من القتل والتهجير والسجن والتعذيب. هذا هو الواقع سواء في لبنان أو سورية. يُخشى من أهل السنّة إذا انتفضوا أن يحطموا العقبات ويكسروا هذه العروش الظالمة. حلفاء ايران وسورية يستهدفون أهل السنّة في بيروت والبقاع وعرسال وطرابلس وصيدا، وهذا الحلف يركز على السنّة لأنهم يقفون بوجه المشروع الايراني - السوري، والمطلوب هو رأس السنّة ومن واجب المسؤولية علينا الدفاع عن أنفسنا. للاسف الشديد ان اهمال وأنانية عامة زعماء السنّة خصوصاً الكبار منهم ساعد في شكل كبير في تكبيل أهل السنّة، وانا لا أعفي أحداً سواء كان الرئيس سعد الحريري أو الرئيس نجيب ميقاتي.
• يرى البعض أن خطاب التيار السلفي يقلق المسيحيين والشيعة. ما ردكم على ذلك؟
- هذه المخاوف لا أساس لها من الحقيقة وهي عبارة عن دعاية للتهويل فقط، أنا ابن طرابلس وعملت في الشأن العام لأكثر من ثلاثين عاماً ماذا شاهدوا منا؟ وأتحدى الأجهزة الأمنية والسياسين بل وحتى الذين لهم رأي ضبابي بشأننا، وأضعهم جميعاً أمام هذه الاسئلة، نحن متى نشرنا المسلحين وقتلنا الناس ومتى أقمنا الحواجز؟ متى أفتينا بقتل الناس؟ وإذا كانت هناك أخطاء فلا يتحملها السلفيون بل هي افتراءات قد نسبها الاعلام لنا. في الغالب هناك تضخيم وتهويل منذ السبعينات الى الثمانينات الى الآن. بأي شيء أساء التيار السلفي للآخرين؟ تاريخنا معروف ونحن أبناء البلد ولسنا وافدين وغرباء. يقتضي الإنصاف أن يعترفوا بأن هذا التيار وإن كان يخالفهم في فكر أو رأي أو نهج سياسي أو دين لكنه صمام أمان قدّم للبلد ولم يأخذ منه.
• ثمة تخوّف لدى بعض الشخصيات السنية من تنامي التيار السلفي في لبنان ويقول البعض إن تراجع الحريرية السياسية كاتجاه معتدل ومدني أتاح الفرصة أمام السلفيين. ما رأيكم في ذلك؟
- لقد حاولنا بناء الجسور مع سعد الحريري وتيار المستقبل وكنا على علاقة معهم، وجزء منهم أراد أن يقطع هذه العلاقة، ولا نعلم إذا كانت هذه اقتناعات شخصية أم مفروضة عليهم، فهذا شأنهم. نحن مددنا ايدينا لكل من يريد العمل للمصلحة العامة، لم ننقصِ أحداً ولم نعمل على مصادرة حق أحد، هل المطلوب أن نقتل أنفسنا حتى يرضى الآخرون؟ ليس لدينا مشروع سياسي يقضي بتغيير النظام بجملة واحدة وهدفنا الاصلاح والتغيير.
• ما المشروع السياسي للتيار السلفي في لبنان؟
- مشروعنا الآن هو الدفاع عن أهل السنّة والحفاظ على أمن البلد وألا يحترق مرة أخرى ويُحكم بجزمة النظام السوري وألا يُحكم من خلال هذا المشروع الايراني - السوري، وأن تتحقق العدالة وأن نكون أعزاء في بلدنا لا رعايا.
• هل لديك علاقات بالتيارات السلفية في مصر؟
- في الحقيقة هناك معرفة وليست علاقات وطيدة كالتنسيق أو التعاون.
• ما موقف التيار السلفي من النظام اللبناني، خصوصاً أن السلفيين على المستوى العقائدي يطالبون بتطبيق الشريعة وإقامة نظام حكم إسلامي؟
- نحن نتعامل مع لبنان كما هو وضعه ونتعاطى مع الشأن السياسي بناءً على الأمر الواقع الموجود ولا ندعو الى الصراع العسكري ونطالب بحرية الرأي المطلوبة للجميع. وفي الواقع إذا اردنا التكلم بتجرد نقول إن لبنان هو محكوم من الخارج ولا يحكم نفسه.
• هل تتخوف من انفجار الأوضاع في طرابلس بسبب الاحتقان السياسي والمذهبي؟
- في الواقع أتباع النظامين السوري والايراني حريصون على إحداث الفتنة السنية - السنية في لبنان وإحداث الفتنة بين السنّة والجيش وهم يريدون تحقيق مشروعهم حتى لو اضطروا الى أن ينزلوا في شكل مباشر الى الساحة.
• ما موقفكم كتيار سلفي من الشيعة؟
- في ما يتعلق في الشأن الديني والعقائدي، هذا شأنهم، وقد نتفق معهم في شيء ونختلف معهم في شيء بل ربما في أمور وأصول كبيرة. وفي ما يتصل بالبعد السياسي نحن على قناعة بأنهم يعملون لمصلحة ايران وسورية وهذا الأمر مرفوض ولسنا مع مشروعهم ونرفضه، وهم يحاولون الهيمنة بهدف السيطرة على لبنان كما سيطروا على سورية والعراق وايران. هم عندهم مشروع واضح يرتبط بايران وسورية والآن انضمّ العراق اليهم ويريدون أخذ لبنان باتجاه هذا الحلف.

«الاعتدال هو المستقبل وكلما عجلنا في تقويته قصّرنا عمر التمذهب»

فحص: الدين لدى المتطرفين ليس سوى ذرائع غايتها الوصول إلى السلطة
 
أكد العلّامة السيد هاني فحص أن السلفية «تتمتع بجاذبية عميقة للتطرف أو الاسلام السياسي الشيعي الذي يجذبها بدوره أيضاً»، معتبراً أن «فشل» الخطاب المدني أدى الى «استيقاظ» الديني المتطرف في لبنان.
وإذ شدد على أهمية الوسطية والاعتدال لفت الى أن «الفارق بين السني والشيعي الماضوي ليس كبيراً».
• يشهد لبنان منذ فترة حراكاً سلفياً ملحوظاً في عدد من المدن. كيف تقاربون هذا الحراك في ظل الحديث عن تراجع الاعتدال السني؟
- من المألوف أن يتراجع الاعتدال عندما يتقدم التطرف. والملاحظ أن التطرف الذي يُدعى سلفية قد تقدّم لأن الاعتدال كان قد تراجع، ثم عاد التطرف فتقدم كثيراً لأن الاعتدال تراجع كثيراً. هذه الجدلية أو التبادلية في التأثير لها أسباب كثيرة. وفي لبنان من أسبابها التطرف الشيعي الذي يشبه السلفية، والذي كان في رأس اهدافه ان يؤثر سلبياً على الاعتدال الشيعي والسني معاً، لأن الاعتدال يحرج التطرف وقد يعيقه، ولكنه، كالعادة، استدعى التطرف السني الذي كان كامناً وجاهزاً ومستمداً منشطاته من المحيط العربي، الذي فشل في بناء الحاضر والمستقبل، أي فشِل المدني، فاستيقظ الديني، على أساس التعارض لا على أساس ما يراه المعتدلون من تمايز وإمكانية تكامل بين الديني والمدني.
هذا مع العلم ان السلفية، او التطرف السني، والجهادي منه (اي «القاعدة» وأمثالها وبن لادن وأمثاله) يتمتع بجاذبية عميقة للتطرف او السلفية الشيعية او الاسلام السياسي الشيعي الذي يجذبه بدوره ايضاً. ما يعني انه قد يكون هناك احتياطي ذهبي لكل من التطرفين في رصيد الطرف الآخر، أي أنه لا بأس من ان نتوقع حلفاً بين «حزب الله» و«القاعدة»، بعد تجربة افغانستان. وقبلها عندما أصبح بن لادن نجماً سرياً محبوباً ومدهشا في اوساط «حزب الله» بعد 11 سبتمبر (2001) أثار غضب القيادة وخوفها، وأعقبه ما ظهر لاحقاً من استضافة طهران لأسرة بن لادن وعدد من قيادات «القاعدة».
ولكن حركة التحالف والتعاون العميق بين السلفية السنية الحقيقية والسلفية الشيعية التي تشبه السلفية في كثير من المظاهر بعيداً عن الخلاف القوي في المنظومة العقدية والفقهية، في انتظار الظهور في الصورة معاً، كادت أن تقطع في لبنان او تتعرض لاستحقاقات محرجة، من خلال حركة احمد الاسير الذي اتى من خارج السياق، والذي لم تكن سلفيته من العراقة والرؤية بحيث تحتضنها الحركة السلفية، الى ذلك فانه يومي ومباشر، ما كان من شأنه أن يربك جدلية القطع والوصل بين السلفيات الحقيقية المتصارعة فعلاً من دون قطيعة كاملة أقله على مستوى الايديولوجيا السياسية. من هنا لم تنتصر السلفية السنية للأسير، وعندما وصل الذروة في احتمال تفجير الصراع الشيعي - السني قبل موعده، تصدى له «حزب الله» بحزم، فارتاح السلفيون السنّة وتنفس الاعتدال السني الصعداء ولم ينفذ الاسير وعيده الصيداوي.
لقد قلت هذا الكلام لأقول ان الدين لدى السلفيين او المتطرفين او الاسلاميين عموماً، والمذهب والطائفة، وحتى فلسطين، ليست سوى ذرائع او احتيالات عميقة يصعب تكذيبها او فضحها، غايتها الوصول الى السلطة التي يرخص في سبيلها كل شيء، حتى الزحف على البطون وعلى القاذورات كما اوصى لينين رفاقه الشيوعيين. وعلى ذكر لينين فقد أعجبني اكتشافه او معرفته عن كثب بتناقضات وانتهازيات كثير من الشيوعيين فسماهم «الفجل الأحمر» اي انه حمر في الخارج، أي بلاشفة ثوريون، وبيض في الداخل والعمق، أي مناشفة أو ليبراليون. ورأيي انه ما من سلفية او سلفيين وإنما إملاءات السلطة أو التسلط على الناس والاجتماع او مؤسسات الحكم ومن هنا تأتي الانقسامات بينهم، اي من الصراع على السلطة، لا من الخلاف على المبادئ، التي تبقى مهددة بالتنازل عنها في أي لحظة.
لاحِظوا الاخوان في مصر والعلاقة مع الولايات المتحدة، ورعاية «كامب ديفيد» مترافقاً ذلك كله مع سلوك قمعي وتهميشي للاجتماع المصري الآخر والاصيل، ولاحِظوا ايران وعلاقتها العميقة مع الانظمة العلمانية المستبدة، القذافي، بشار الاسد، زين العابدين بن علي وشافيز وغيره.
في الخلاصة، عندما هز «حزب الله» العصا للأسير في صيدا وانتظره على المفارق، قدمت - اي السلفية الاصلية، الشيعية - السنية المختلفة فعلاً ولكنها متفقة فعلاً، منشطاً للاعتدال السني الكسول والذي ما زال يومياً ينتظر حدثاً ما من أجل ان يتقدم أو يتأخر. ولم يرقَ حتى الآن الى مستوى فاعل عميق او مؤسسة تحمل مشروعاً مدنياً حريصاً على الدين والمدنية.
• كيف تقرأ دعم التيار السلفي للانتفاضة السورية؟ وهل هذا الدعم له طابع ديني/ سني أم سياسي؟
- كأنني أجبتُ. وهنا، على غير عادتي، اميل الى التعميم فأقول: ليس هناك ديني، حتى ولا ديني سياسي، هناك سياسي محض، والدين او المذهب ذريعة، ومن دون أن اكون بصدد شتيمة او محاسبة احد فلنقرأ سلوك السادات وشاه ايران ونابليون عندما عقد معاهدة الكونكوردات مع الكنيسة، وقال: لو لم يكن البابا موجوداً لخلقته، وحماس ستالين للاستعانة بالكهنة ليشجعوا الجنود على اجتياز الموانع المائية المتجمدة في البلطيق في مواجهة الجيوش الغازية، ولا استثني احداً ولا نظاماً ابداً. وليست هذه هي المشكلة، بل المشكلة هي المبالغة في الخطاب الديني وما يترتب عليها من مخادعة ومراوغة ودماء.
إن الإسلام والتشيع في ايران حقيقي في مستوى تكوين الشخص الايراني، ولكنهما في السياسة ذريعتان للسلطة، ولم يثبت حتى الآن أن التجربة في مصر او تونس ذاهبة الى نتيجة مغايرة. أما في العراق فقد انكشف الاسلاميون سنّة وشيعة أمنياً وسياسياً وإدارياً وأخلاقياً مبكراً.
هذا الكلام لا يعني أنني معادٍ لأي طرف أو رافض لأي دعم سلفي للانتفاضات العربية وخصوصاً السورية. ولكنني انتظر أن ترقى العلاقات والشراكة بين الحداثيين أو المدنيين العرب او السوريين على اختلافهم الى مستوى تشكيل كتلة تاريخية مختلفة مؤتلفة، من أجل ترجيح السلوك المدني في سورية تمهيداً لبناء الدولة من دون استثناء لأحد ولكن مع فصل كامل بين المحمول العقدي وعمارة الدولة، تماماً كما فعل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في المدينة عندما كتب صحيفتها او وثيقتها او العقد الاجتماعي فيها. ولا ادعو الى استنساخ التجربة او الصحيفة بل الى الارتكاز الى روحيتها لتجديدها مستفيدين من التجارب الحديثة في هذا المجال.
• هل تتخوفون من تفاقم السلفيات المذهبية، خصوصاً أننا بتنا نسمع عن سلفية شيعية مقابل سلفية سنية؟
- رأيي أن هناك أمراً شيعياً في مقابل أمر آخر شيعي أو سني، تماماً كما هو جارٍ من تكوين صعب وغير مضمون النتائج لأمر سني في مقابل الشيعي في العراق. اما انها سلفية سنية، فهي كذلك، وهي التي اختارت نعتها، وأما انها سلفية شيعية فلا أعتقد أن النعت ملائم. هناك مجال سني يأتي من كون المرجعية الأخيرة للمذاهب قديمة جداً، وهي ملزمة في كل الموروث، على خلافات فقهية، ولكن ما هو ومن هو الملزم في المستجدات، ومن هنا تكثر الحركات السنية الى دعوى اتباعها للسلف واستمراره فيها، على جمود رؤيوي عادة، ومرونة عملية غير محدودة ولأسباب تتصل بالنفوذ او الجاه او القوة او السلطة او حتى الثروة. بينما المرجعية الشيعية، مرجعية التقليد على اساس الاجتهاد، بصرف النظر عن الدعاوى والمبالغات في تقديم الصورة المشرقة عن الذات، هي مرجعية ملزمة وقادرة على الإلزام لمَن يلتزم مباشرة ومن دون واسطة، ما يعني ان هناك مركزية تشكل حيز القطع مع السلف والوصل معه في آن.
هذا في المستوى الفكري او الفقهي، او الرؤيوي، اما في المستوى السياسي والناتج التاريخي والاجتماعي، فالفرق بين السني والشيعي الماضوي ليس كبيراً. ولذا يتم اللجوء الى اسلوب استحضار الفوارق الكلية والجزئية واستيلاد فروق اخرى منها والاستعانة بالسياسة اليومية، لتسخين الانقسام والصراع من خلال تركيز الصورة النمطية عن الذات (التقديس) وعن الآخر (الأبلسة) وليست قليلة شراكة المسيحيين لنا في هذا المستوى والمسار. اما اليهود فإنهم معلمون ومصدرون للأزمات، وقد لجمتهم الصهيونية مدة بقومية مصطنعة عنصرية إنتهازية ومرتبكة، ثم ها هم يتقدمون عليها في الحريديم. وقد تكون احداث ميانمار مؤشراً على طلاق بين البوذية وتراثها السلمي بسبب الغيرة من الآخرين أو بسبب العنصرية القومية. في حين ان الهند ماضية في اطفاء وإلغاء العصبيات النابذة، بالتنمية وشروطها الديموقراطية.
• أي دور للاعتدال والوسطية (في لبنان) وسط حال التمذهب والمخاوف من تنامي الخطاب الديني المتشدد؟
- ما زلت عند رأيي بأن الاعتدال الصعب والشجاع والمركب وغير التبسيطي والعلمي والنسبي الديني والمدني والتاريخي الجامع بين المعتدلين المختلفين قادر على صناعة التسويات قبل الحدث او بعده. هذا الاعتدال هو المستقبل والتطرف ذاهب الى الطريق المسدود، وكلما عجلنا في مأسسة الاعتدال وتقويته وتعميقه بالحوار والعيش المشترك كلما قصرنا عمر التمذهب والتطرف وقللنا الخسائر وتفادينا المزيد من الخسائر. وكلما عجلنا بالتسوية التاريخية اي التسوية بين المسائل الاكبر في خارطة الصراع بتدوير الزوايا (سلاح - محكمة دولية مثلاً) وبعيداً عن الربط القاصر والقبيح بالحدث السوري (وأنا منحاز الى المعارضة بشروط) كلما تقدم الاعتدال وألقى ظله على المتطرفين وأفقدهم حججهم وسد عليهم ذرائعهم. اما الخطاب الديني المتشدد فإن فشل الحداثة العربية وانتكاساتها قد اعطاه فرصة ذهبية، والأهم من ذلك هل هناك خطاب اعتدال او خطابات؟ هل هناك نية في تجديد مشروع الحداثة العربية بحيث لا تطلق خصوصياتها مرة أخرى لصالح خصوصيات أقوام آخرين فتضيع وتضيعنا وتستنفر الهويات الفرعية القاتلة؟
......
الراي الكويتية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..