الصفحات

الخميس، 23 مايو 2013

ضلالات الرواية"حمام بريدة"أنموذجا (5)

في هذه الحلقة نحاول أن ننظر إلى الطريقة التي أورد بها الروائي الأستاذ يوسف المحيميد بعض النصوص الدينية في روايته التي بين أيدينا (الحمام لا يطير في بريدة).
سنرى في البداية كيف وظفت الرواية قضية تكاد أن تكون مسلمة لدى الناس،وكيف أدخل ضمنها نصا لحديث شريف صحيح.
الحديث هنا عن (عم فهد)وزوج أمه فيما بعد .. والذي تقول لنا الرواية أنه يتاجر بالدين .. ويذهب على نفقة الوزارة للدعوة إلى الله،بينما يقوم بصفقات تجارية .. ويتزوج (من شرق آسيا وأوربا الشرقية أو قرى الهند الفقيرة ){ص 90 (الحمام لا يطير ..}.
ثم تخبرنا الرواية أن (العم) يقوم بتعليم زوجاته الصغيرات .. فيعلم إحداهن .. كيف .. وكيف ..( وتردد دعاء المضاجعة :
"بسم الله اللهم جنبنا الشيطان،وجنب الشيطان ما رزقتنا"){ص 90 – 91 (الحمام لا يطير ..}.
ويضيف .. (ويعلمها طريقة الوضوء ،فيستمتع وهو يقودها إلى كيفية غسل ؟؟؟){ص 91 (الحمام لا يطير ..}.
يبدو أن الانفعال جعل الروائي ينسى أن مس(؟؟ ) من نواقض الوضوء .. وليس من الوضوء!!
إذا : ما العلاقة بين سلوك خاطئ،وبين حديث صحيح؟!!
وهذا السؤال سوف ينقلنا إلى (عبارة) استعملتها الرواية .. وذلك حين وجد (العم) "فهدا"وأخته"لولوة"يلعبان منفردين في غرفة .. صرخ على الأم .. (- كيف تتركينهم مع بعض،والمصطفى يقول فرقوا بينهم بالمضاجع.
- يا ابن الحلال مانامو مع بعض ،النوم كل واحد بغرفته.
- ولو،مراهقين وما يتركون منفردين مع بعض ){ص 105 (الحمام لا يطير ..}.
قطعا هو المصطفى صلّ الله عليه وسلم .. والسؤال عن سر استعمال هذا الاسم تحديدا يبدو وجيها،في ظل سيل من السخرية من الدين .. فالرواية تحدثنا عن عائلة متدينة .. (من شدة الوسوسة والهرطقة يغسلون الديك عن الجنابة حين ينكح الدجاج كي يتطهر){ص 31 (الحمام لا يطير ..}.
(هرطقة) ؟!! هذه أظنها شقيقة (مواعدة)!!
الرواية أيضا تحدثنا عن باب(فاسق) .. أما سبب فسقه فهو أنينه الذي يشبه الغناء .. وقد تم تحذير صاحب الباب – وهو جد بطل الرواية – من (فسق) بابه .. فعالج ذلك الأنين .. ولكن .. (بعد سنوات،أهمل الجد معالجة بابه الفاسق،مر ثلاثة منهم يحملون عصي الشوحط على السفيلاوي،ودقوا بابه،منكرين عليه أنين الباب الخشبي الضخم،الذي حين ينفتح،يصحو كل من في المريدسية،وهو صوت منكر يتوجب إنكاره وإيقافه،وإلا فإن الله سبحانه وتعالى سيصب رصاصا حارقا في أذني الجد علي يوم الحساب.){ص 318 ( الحمام لا يطير ..}.
إنه الإلحاح على فكرة إدخال النصوص الشرعية داخل عمل إما مستهجن – مثل المتاجرة بالدين والخداع – أو ضمن السخرية من صوت طبيعي لباب مسكين .. وهو مسكين لأن أنين (السواني) أقرب إلى الغناء و (الموسيقى)،ولكنه حظ الباب العاثر!!
من غناء الباب إلى زاوية أخرى .. يتحدث "فهد"عن عمه ..( سيأتي بملامح الموت معه،ستموت فيروز،وسيختنق صوتها تماما،ويحضر بدلا عنها الشيخ الحذيفي يتلو سورة الكهف. ستختفي القهوة التركية وتتلاشى رائحتها أمام القهوة العربية ..){ص 64 ( الحمام لا يطير ..}.
إذا فهما كفتان في إحداهما (الشيخ الحذيفي – يقرأ سورة الكهف – والقهوة العربية)،وفي الكفة الثانية (فيروز والقهوة التركية) .. وكأن الروائي – دون أن يشعر – يقدم حجة للقائلين بأن الغناء والقرآن لا يجتمعان!! خصوصا حين لا يقدم أنموذجا وسطا .. يشرب صاحبه القهوة العربية في وقتها والقهوة التركية في وقتها .. مستحيل إما هذه أو تلك!!
بل تنظر الرواية أو بطلها أن الأمر يصل إلى (التدمير) .. مع أن القضية لا تتجاوز تغير رنة جول .. (تفاجأ فهد لأن لولوة وضعت لجوالها بدلا من الرنين دعاء بصوت خاشع : "اللهم إنا عبيدك،بنو عبيدك،بنو إمائك،نواصينا بيدك،ماضٍ فينا حكمك،عدل فينا قضاؤك،نسألك بكل اسم لك"صمتت لوهلة،وقالت بأدب : "هذا شي يخصني،الدعاء راحة وقرب من الرب سبحانه وتعالى (..) أزعجه انسياقها خلف العم : "ضحك عليكم ودمركم،وخرب كل علاقة حب ودفء زرعها أبوي"){ص 265 ( الحمام لا يطير ..}.
لو كنا نحاور (مفكرا) لا (مبدعا) لسألنا : الدفء لا يمكن أن يوجد إلا مع فيروز والقهوة التركية .. ويستحيل مع (اللهم إنا عبيدك،بنو عبيك ..)؟!!!
ومن القرآن الكريم إلى الصلاة .. تلح الرواية على تقديم الصلاة في خلفية ارتكاب "فهد"للخطيئة – الرواية هي التي استعملت عبارة الخطيئة – بل نجده يرتكب تلك الفعلة بين صلاتين .. فعند دخلوهما الشقة المفروشة ..(أوقف سيارته الهونداي البحري،عند مدخل الشقق،بينما الناس يملؤون الشارع خارجين من صلاة المغرب،أخرج من درج السيارة ورقة مطوية لعقد نكاح مزور){ص 208 ( الحمام لا يطير ..}.
أما عند خروجهما .. (ودخل هو إلى الحمام ليغسل فمه،فسمع الإمام يقرأ"أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور" وحصل ما في الصدور".فكر فهد للحظة بأن يخرج للصلاة كي يمثل على موظف الاستقبال ويخدعه،ولكنه لم يفعل.){ص 215 ( الحمام لا يطير ..}.
وهكذا أغلقت الرواية قوسي لقاء الخطيئة بهذه الآية .. لتقول أن (بطلها) لم يشعر بالندم على خطيئته .. لا بعد ارتكابها،ولا عند سماع آية تنذر بما سيحصل يوم القيامة .. وهذا لا يعني أن البطل لا يصلي .. والعياذة بالله .. بل نرى "فهدا" وهو في طريقه لالتقاط"طرفة" يمر .. (بجوار جامع بحي الغدير يعلو من مآذنه ترتيل الإمام في الركعة الأولى لصلاة العشاء،فنزل ودخل،كانت رائحة الباتيكس تغطي فضاء الجامع،ومزق السجاد الجديد متناثرة في الأنحاء،كان يشعر بأن الصلاة قد تجعل ربه يحفظه من المآزق التي قد تعترضه!كيف ينقذك ومن الخطيئة يا فالح؟){ص 181 – 182 ( الحمام لا يطير ..}.
أما عبارته (ربه) التي تخلو من دلالة – أو قد تخلو منها .. فالإبداع لا حدود له – فسوف تقودنا إلى مقطع آخر .. ولكن قبل نقل المقطع الذي وضع في مستهل الرواية التي بين أيدنا .. وقبل جزئها الأول .. والعبارة هي :
("أقسى العذاب أن توهب عقلا محتجا في مجتمع غير محتج!" : عبد الله القصيمي ).
أما المقطع فهو .. عند الحديث عن موت "أم فهد" .. (كان فهد يمشي وينشج بألم وحرقة،وتركه سعيد يسير أمامه بفوضى دون أن يغفل عنه،كان يمشي ويرفع رأسه كل فينة نحو السماء،كأنه يلوم أحدا هناك في الأعالي،لم فعلت بي كل ذلك؟لم خلقتني إذا كنت تخطط أن تدمر حياتي بعبث؟ ماذا فعلت لتجعلني دمية تتسلى بها؟){ص 331 ( الحمام لا يطير ..}.
الحقيقة أن هذا"شك"بارد .. فلم يكن "فهد"- طول الرواية – يعاني قلقا وجوديا .. وحتى وفاة والديه جاءت (طبيعة) – من المنظور المادي – والده أسرع في سفر،ولم يربط حزام الأمان .. فمات .. وأمه (قُتلت) تحت ضرب أحد الرقاة ... ونحن لا نرى"فهدا"إلا وهو مطارد من قبل الفتيات .. وساعيا نحو (اللذة) .. وتاركا البلد إلى قرية بريطانية .. حيث .. ( تعرف الفرق أنه هناك ما فيه هيئة،ولا أشخاص يترصدون حركاتك،ويحصون أنفاسك،وين رحت،من البنت اللي معك،أمك أو أختك أو حبيبتك){ص 344 ( الحمام لا يطير ..}.
هذا كل ما يهم"فهد"حتى آخر الرواية.
رغم أننا نغلق الحديث عن الدين .. ولكن بقيت لقطة صغيرة تتعلق بـ(اللعن) – الذي نهى عنه الدين – وفيه (لعنة) لم أفهمها .. ولكن قبل ذلك .. تقول "طرفة"الغاضبة من تسميتها على جدتها .. ( "العن جدتي على أبو جدتي!"(..) "يلعنها ويلعن ذكرها،يعني من تكون؟ الليدي ديانا على غفلة؟"){ص 222 ( الحمام لا يطير ..}.
و"طرفة"هذه تقول عنها الرواية .. (وجه طرفة الذي كان يحمل حزن الملائكة ..){ص 181 ( الحمام لا يطير ..}
وتقول حين ضربها والدها .. (الله يلعنك،جعلك للموت آمين){ص 220 (الحمام لا يطير ...}.
أما اللعنة المقصودة فقد أطلقها "فهد"حين عثر على بقايا صوره التي مزقها عمه .. فبدأ يصرخ على أمه وأخته .. ويقول :
(يا ويلي ويلاه!يلعن أبوكم وأبو من جمعكم){ص 127 ( الحمام لا يطير ..}.
أبو من جمعكم؟!!!
إلى اللقاء في الحلقة القادمة .. إذا أذن الله.

أبو أشرف : محمود المختار الشنقيطي – المدينة المنورة

------------------------

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..