الصفحات

السبت، 4 مايو 2013

«دكتوراة» بلا حياء

ابتُلي بعض السعوديين في السنوات القلائل الماضية بآفة اسمها «الدكتوراة». ولا يمكن الوقوف في
سبيل من يسعى إلى التميُّز بالحصول على هذه الدرجة بالطرق الأكاديمية المعروفة. لكن المؤلم أن توقِع هذه الآفةُ المتكالبين عليها ضحايا لِلُصوص مزوِّرين يقضي بعضهم أحكاماً بالسجن طويلة بسبب نزعاتهم الشريرة نحو الغش والخداع ومخالفة الأعراف الأكاديمية.

وقد تصدت نخبة من الأكاديميين السعوديين لهذه الآفة بإنشاء «وَسْم» في «تويتر» باسم «هلكوني» لبيان خطرها وعواقبها المدمرة وكشف المتكالبين عليها. وحققت هذه الجهود نجاحاً ملموساً جعل بعض ضحاياها يتبرؤون منها.
وسأعرض في هذا المقال لـ«رسالة» أخرى من هذه النوعية الواهمة لا تقل سوءاً عن «رسالة» سبق أن عرضتُها هنا. وتشهد هذه «الرسالة» الواهمة بأن الذي حصل عليها لم يأبه بأية قيمة علمية منهجية أو أخلاقية.

و»الرسالة» المعنية هي «رسالة» الدكتوراة التي يزعم «الدكتور» عبد العزيز محمد قاسم، الإعلامي المعروف، أنه حصل عليها. ويكفي لإسقاطها وإسقاط درجة «الدكتوراة» التي حصل عليها إيراد بعض الملحوظات الشكلية الظاهرة عليه وعليها.
فيتفاخر «الدكتور» قاسم بأنه تقدَّم بـ»رسالته» هذه «للحصول على درجة الدكتوراه (هكذا!) في الإعلام وحصل بمقتضاها على درجة امتياز مع مرتبة الشرف».
ويتنافى حصول «الدكتور» قاسم على «الدكتوراة» من «الجامعة» التي أوهمتْه بها، مع ما يبدو ترفعاً عن «الدكتوراة»، واستهانة بمن يتهافت عليها.

فهو يقول، في كتابه المنشور الذي يَزعم أنه يمثل تلك «الرسالة»(عبد القادر طاش: سيرة حياة»، 1428هـ)، عند تبيينه أهمية هذه «الرسالة» والأسباب التي دفعته لإنجازها، إنه خرج «بيقينة ـــ مطلقة ـــ أن المستوى المعرفي والثقافي للإنسان لا يرتبط أبداً بشهادته، بل بمدى حرصه على الارتقاء بفكره، وتطوير ثقافته، عبر القراءة والتحصيل الشخصي، فكم من الأكاديميين انتهى مستوى ثقافته عند مادة تخصصه، وفيما عداه لا يفقه شيئاً من أمور الكون والحياة (سيد قطب!). فالشهادة ليست كل شيء. أقول هذا لأولئك الذين تبهرهم لمعة الدال، وتأسرهم رونق الشهادة(هكذا!)»(ص24).
وكان حريا به أن يصدق في «تعففه» هذا عن التهافت على درجة الدكتوراة، بالطريقة التي حصل عليها بها، أو أن يحصل عليها، في الأقل، من جامعة محترمة غير الجامعة الوهمية التي أوقعتْه في شرَك «الدكتوراة» المزيفة.

ويلفت النظر إلى أن هذا الاحتقار لـ»الدكتوراة» مشتركٌ بين من حصلوا عليها بالطرق الواهمة. فقد عبَّر «الدكتور» إبراهيم التركي، الذي عرضتُ لـ«رسالته» الوهمية في مقال سابق، عن هذا الاحتقار بأن أقَسَم قسماً غليظاً أنه لم يَحصل عليها «إلا ليضعها تحت قدميه»!! لكن هؤلاء، وعلى الرغم من هذا الاحتقار، أكثر تعلقاً بها من الذين حصلوا عليها بالطرق المشروعة!

وكتب «الدكتور» قاسم، إمعاناً في «تفخيم» أمر «رسالته»، أنه كتبها، على صورة «رسالة علمية» استجابة لنصيحة بعض أصدقائه بأن يكون «الكتاب» الذي سيكتبه عن الدكتور عبد القادر طاش ــ رحمه الله، «رسالة جامعية»، «وأن تخضع مادة الكتاب لمنهج البحث العلمي الرصين والصارم، لأن خلاصته حينئذ ستكون ذات قيمة علمية وتاريخية»(ص23).
لكن كيف يمكن لـ«الدكتور» قاسم تحقيق هذا الطموح بسلوكه طريقاً غير علمي وغير أخلاقي؟ إذ تشهد «الرسالة» التي يقول إنه كتبها بخروجها على أدنى معايير البحث العلمي المعروفة.

وليس من الصعب أن نكشف عن عدم كفاءة «الدكتور» قاسم العلمية والمنهجية في كتابة «رسالته»، وتكفي بعض الملحوظات العامة لبيان وهمها.
وأول الملحوظات أنه «حصل» على «الدكتوراة» من «جامعة» تعد أشهر «الجامعات الوهمية» في العالم، وهي التي توهم المتهافتين عليها بمنحهم «شهادات دكتوراة»، مع أنهم لم يخطوا خطوة واحدة في «حَرَمها» الجامعي (!)، ولم يتلقوا درساً على أستاذ فيها، ولا يحسنون لغة البلد الذي تعده مقراًً لها.
ويظهر اسم تلك الجامعة الوهمية على غلاف «رسالة» «الدكتور» قاسم(1428هـ). وهو لا يُخفي أنها لم «تمنحه!» «الدكتوراة» وحسب، بل كانت قد «منحته» «الماجستير»(1425هـ). أما تلك «الجامعة» فهي: «الجامعة الأمريكية المفتوحة بلندن: فرع السعودية»!

ويُتوقع، حين توصف هذه «الجامعة» بأن لها فرعا في «السعودية»، أن يكون لها مقر معروف، وعنوان واضح في إحدى مدن المملكة، وإدارة تدير أعمالها الإدارية والأكاديمية، وتعترف بها وزارة التعليم العالي. لكن شيئاً من ذلك لا يتوفر لهذه «الجامعة» الوهمية.
أما ارتباطها بالمملكة فلا يزيد على أن بعض أعضاء هيئة التدريس(التدليس؟!) في بعض الجامعات السعودية «يُشرِفون» على الواهمين الذين «يكتبون» ما يسمونه «رسائل دكتوراة» مقابل مبلغ مالي يدفعونه لتلك «الجامعة» الوهمية ليَحصلوا بالبريد، ربما!، على «شهادة دكتوراة» ممهورة بختمها. والأنكى أن هؤلاء الواهمين يتمادون في غش أنفسهم فيزعمون أنهم «كتبوا» «رسائل» دكتوراة، وتصل بهم قلة الحياء إلى طباعتها، أو أجزاء منها، والافتخار بها في سِيَرهم الذاتية.

ونجد، حين نعود إلى «رسالة» «الدكتور» عبد العزيز قاسم، أن اسم «المشرف» عليها هو الأستاذ الدكتور كامل سلامة الدقس. ومن المضحِك أن يَظهر على غلافها أن هذا أستاذٌ «بجامعة الملك بن عبد العزيز بجدة»!!(ليس غريبا أن يزيِّف هؤلاء اسمَ هذه الجامعة ماداموا يشتغلون بالتزييف!!). ولا يمكن تفسير هذا الخطأ إلا بأن هذا «الأستاذ الدكتور» لم «يشرِف» على هذه «الرسالة»، أو أنه غير كفء في «الإشراف»، أو أنه شهادة على قصور قدرات هذا «الواهم» عن الملاحظة! (أو ذلك كله!).

ولا يمكن أن نستبعد أي شيء على هذا «المشرف»؛ فقد «أشرف!» على عدد من «الرسائل» المزيفة. ومن أكثرها دلالة على خروجه على أدنى المعايير الأخلاقية والعلمية إشرافُه على «رسالة» دكتوراة مشترَكة بين «طالبين»!! وهذا ما لم يُسمع به قط في العالم أجمع!
وليست هذه «الرسالة» الزائفة المثالَ الوحيد لتدليس «الدكتور» عبد العزيز قاسم. فقد ذكر أن «رسالته» التي «كتبها» بعنوان(عبدالقادر طاش كاتبا صحافيا) طُبعتْ «في كتاب ويباع في مكتبة العبيكان».

وحين نرجع إلى هذا «الكتاب» نجد أنه لا يتضمن من «الرسالة» إلا ستا وعشرين صفحة(ص ص120ــــ 145)، شُغل معظمها بصور للدكتور طاش في مناسبات متعددة. أما ما بقي من صفحات الكتاب(279 صفحة) فيتضمن كلمات كتبها بعض أصدقاء الدكتور طاش عنه، كما يحوي كثيراً من الصور التذكارية التي تجعل «الكتاب» تكريمياً لا كتاباً أكاديمياً. فكيف يكون «رسالته»، كما ادعى؟
وحاصل القول أن «دكتوراة» «الدكتور» قاسم الوهمية لا تدل، مثل أشباهها، إلا على احتقار هؤلاء الواهمين لذكاء الناس وعدم احترامهم للقيم العلمية والأخلاقية المرعية.

حمزه المزيني


المصدر

مواضيع مشابهة أو ذات صلة|

عندما نكذب بفلوسنا ! يجي من يحوسنا !


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..