الصفحات

الجمعة، 3 مايو 2013

حوار مع كافر حول بناء الكنائس في السعودية

 إن إشكالية خلو الأراضي السعودية من كنائس لا تزال حاضرة في نفوس عدد من المسلمين واليهود والنصارى والعلمانيين وغيرهم، وهو من الأسئلة الأكثر شيوعا في الأوساط الحوارية بين المسلمين وغيرهم، ولاحظت أن موقف المسلمين يقتصر على الدفاع، بل والدفاع الهزيل في كثير من الأحيان، ومع الأسف لا تجد لدينا مجامع علمية تعنى بالمواد الفكرية التي لها حضورها في الساحة لتحاول أن تمد الأجيال المسلمة بما تحتاجه من مواد نافعة تكشف الشبهات، وتزيل اللبس والتمويهات، باستثناء ما يسمى بحوار الأديان التي تعقد في أماكن متفرقة من أنحاء العالم، فغاية ما نسمع عنها أنها تبحث عن القواسم المشتركة بين الإسلام وغيره من الأديان لتعزيزها وتعميقها كما يقول شيخ الأزهر الطيب ومفتي الأزهر شوقي ومفتي قطر القرضاوي وغيرهم، ومعنى ذلك تهميش الفوارق الجوهرية، ومحو الولاء والبراء، وإذابتها في أفران تلك الحوارات..، وأفضلها حالا -فيما يبدو –مبنية على مجاملات لا تَصِيدُ صَيْدًا ، وَلا تَنْكَأُ عَدُوًّا ، وَإِنَّهَا تَفْقَأُ الْعَيْنَ ، وَتَكْسَرُ السِّنَّ!، فهي لم ترض جمهور المسلمين ولا جمهور النصارى، بل لم ترض حتى العلمانيين، يقول محمد أركون:(لأنها حوارات مجاملة في معظمها ولا تتجرأ على طرح الأسئلة الحقيقية على العقائد..)
 
ومهما يكن من أمر، فهناك اجتهادات شخصية في تفنيد بعض الشبهات، ومنها شبهة بناء الكنائس في السعودية، ومعلوم لدى علماء المسلمين كافة تحريم بناء كنائس في البلدان الإسلامية، وقد انبرى كثير من الباحثين الشرعيين في بسط الأدلة وحكاية الاجماعات المتوالية في هذا الصدد، لكن يبقى الجانب العقلي وموافقته للجانب الشرعي بحاجة ماسة لبيان لاسيما في ظل ما نشهده من انفتاح هائل، ومخالطة أبنائنا لمن لايؤمن بالوحيين، وإنما يؤمن بمنطق العقل، وإن كنا نؤمن أن أجود البراهين العقلية موجودة في القرآن والسنة، إلا أنه قد لا يوفق المسلم للعثور عليها واستنباطها، وقبل أن أدلي بدلوي أحب أن أستعرض معكم نموذجين ممن حاوروا الكافر في مسألة بناء الكنائس مشافهة أو مكاتبة؛ لعلنا نتمكن من تحليلها وكشف ما فيها، وإن كنا لازلنا في البدايات..
 
فالنموذج الأول للشيخ صالح الحصين-حفظه الله-، والنموذج الثاني:للشيخ عبدالوهاب الطريري-حفظه الله-، وذلك أن هذين الشيخين تطرقا للأجوبة العقلية في المنع من بناء كنائس في السعودية، وسنناقش أراءهم بكل إنصاف إن شاء الله تعالى في السطور الآتية؛ لما في هذه المناقشة والتحليل من إثراء للموضوع وبيان أوجه الخلل وتداركها في المستقبل، فدعونا نضع هذين النموذجين تحت مجهر النقد..
النموذج الأول:للشيخ صالح الحصين رئيس مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني.
 
حيث يعرض لنا فيه شيئا من المشكلة، ثم الجواب عنها بعد ذلك، يقول:(إنّ نقد المملكة في: "عدم قبولها وجودًا دائمًا لأفراد، أو مؤسّسات، أو منشآت، لدين آخر يخالف الإسلام" نقد يتكرّر في كلّ حين، وتُثار مثل هذه المواضيع من قبل الأمريكيّين والأوروبيّين وغيرهم في مواجهة السّعوديّين داخل المملكة وخارجها، ويجرِّئهم على ذلك أنّ القضيّة، وإن كانت في جانب المملكة عادلة وعقلانيّة تستند إلى حجج قويّة مثل الصلب قاطعة مثل مشرط الألماس، إلاّ أنّ المحامي مع الأسف ضعيف.
 
السّعوديّون عندما يُواجَهون بمثل هذا النّقد يشعرون بالحيرة والحرج وضعف الحيلة؛ لأنّهم يُسلِّمون منذ البداية بأنّ هذا النّقد منطقيّ، ومسوّغاته صحيحة، وقد يتذاكى بعضهم فيحاول الدّفاع بأنّ: صفة المملكة في هذا مثل صفة الفاتيكان، الذي لا يُسمح فيه بوجود ديانة أخرى غير الكاثوليكيّة، أو أنّ هذا مقتضى القانون الدّاخليّ للمملكة، وللمملكة كغيرها الحقّ في وضع قوانينها الخاصّة، ويجب على الوافدين إليها احترامها.
 
وبسهولة يردّ الآخرون: بأنّهم لا يمانعون أن تُعامل مكة والمدينة معاملة الفاتيكان باعتبارهما مكانين مقدّسين، لكنّ الاعتراض يبقى واردًا على ما عداهما من أرض المملكة، أمّا مسألة القانون الوطنيّ فالاعتراض أصلاً موجّه إليه على أساس أنّه قانون غير أخلاقيّ، ينتهك حقوق الإنسان، التي وافقت المملكة عليها، بصفتها عهدًا دوليًّا.
في مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطنيّ يندر ألاّ يثير شخص أو وفد من أمريكا أو أوروبا هذا الإشكال)
المناقشة:
 
تلاحظون أن الجواب عن إشكالهم هذا بأن السعودية تمنع من بناء كنائس كما تمنع الفاتكان من بناء مساجد وهو جواب غير مقنع لدى أولئك الأوربيين والأمريكيين وغيرهم كما يقول الشيخ صالح-حفظه الله- وهو يؤيدهم في ذلك؛ لأنهم يجيبون أن هذا يصح في مكة والمدينة، لكن لايصح تعميمها على ما سواهما من المناطق؛ لعدم القداسة! 
 
وأضيف على ذلك:أنه يمكن أن يقال:إن هذا قياس مع الفارق أيضا، وذلك أن مساحة الفاتيكان صغيرة جدا مقارنة بمكة والمدينة؛ وعليه كان الأقيس أن يستثنوا منطقة بحجم مساحة الفاتكان لا أضعافها مرات كمكة والمدينة!
 
والمقصود أن هذا القياس الذي تردده كثير من ألسن المبررين لمنع السعودية من بناء كنائس قياس باطل!
 
والحقيقة أنه يلزم من صحة قياس السعودية على الفاتكان لازمين آخرين باطلين:
 
الأول:أنه يلزم من صحة هذا القياس جواز استحداث كنائس في غير السعودية كالإمارات والبحرين وقطر والكويت ومصر والشام وغيرها من بلدان المسلمين، وهذا مخالف لإجماع المسلمين، قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى (28/ 634):(وَقَدْ اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ مَا بَنَاهُ الْمُسْلِمُونَ مِنْ الْمَدَائِنِ لَمْ يَكُنْ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ أَنْ يُحَدثُوا فِيهَا كَنِيسَةً)اهـ. وسماح تلك البلدان ببناء كنائس جرم كبير في الإسلام!
الثاني:أنه يلزم منه أن الفاتكان لو سمحت ببناء مسجد على أرضها لزم من ذلك وجوب بناء كنائس في السعودية!
 
وهناك لازم ثالث-لا علاقة له بالنصارى- وهو أن البوذيين والهندوسيين وسائر الديانات الكفرية ينبغي أن يسمح لها بإقامة معابدهم على تخوم بلاد المسلمين؛ لأنهم سمحو ببناء مساجد في بلادهم؟
 
والمقصود أن قياس السعودية على الفاتيكان بحجة أن كلا منهما عاصمة للدين أو مقدسة ونحو ذلك قياس باطل؛ وإنما يصح الإلزام من جهة واحدة وهو أن يقال:لماذا منعتم من بناء مسجد في الفاتيكان؟ فإن قالوا:لأنها بلد مقدس، فيقال:ونحن المسلمين عندنا أن كل بلدان المسلمين مقدسة لايجوز بناء الكنائس فيها، فإن قلتم:هذا الجواب شرعي وليس عقلي، قيل لهم:وجوابكم في منع بناء مسجد في الفاتيكان جواب شرعي وليس عقلي، فإن قيل:رقعة الفاتيكان صغيرة جدا لاتساوي نصف أي بلد إسلامي، فكيف بالبلدان الإسلامية مجتمعة؟، قيل لهم:السبب في المنع من بناء مسجد في الفاتيكان أنها مقدسة، وليس من أجل صغر حجمها، وهذه العلة موجودة في البلدان الإسلامية كلها، فإن قيل:قداستها راجعة لأن فيها رأس النصارى البابا الذي له المرجع الأوحد في الدين، قيل لهم:وكل بلد من بلدان المسلمين فيها علماء في الشريعة بلغوا رتبة الاجتهاد، وليس الحلال والحرام حكرا على رجل واحد، وفي الجملة: فأي جواب تجيبون به فهو جوابنا لكم!
 
وهذا الجواب ملزم لمن يرى صحة استثناء الفاتيكان من بناء مساجد لمسوغ شرعي بحت، بأن يقال وديننا يستثني البلدان الإسلامية من بناء كنائس لمسوغ شرعي، وليس شرعنا بدون شرعكم، وتحديد مساحة الاستثناء تحكم شرعي خالص!.
 
لكن كما قررنا سالفا أن الشيخ صالح الحصين يرى عدم صحة القياس أساسا، فطرح جوابين أمام الأمريكيين والأوربيين، دعونا نستعرضهما تباعا..
 
الجواب الأول:
 
بعد توطئة له عن الاعتزاز بالدين والثقة به يقول:( أن تجبر شخصًا على فعل أمر يحرّمه دينه أو تمنعه من ممارسة واجب يوجبه دينه، أو تميّز بين الأشخاص أو المجموعات في الحقوق والرّخص العامة بسبب الاختلاف في الدّين فلا يملك إلاّ الموافقة) ثم ذكر أمثلة..
 
المناقشة:
 


نلاحظ أن هذا الجواب غير مقنع أيضا؛ وإنما هو تحصيل حاصل، وهو يصلح لمن يسأل عن الحكم المجرد، أو لمن يسأل عن علة الحكم وهو يقدس الشريعة ويوقن بصحتها، فهذا يكفيه أن يقول:هذا حكم الشرع، أو هذا حرام في الدين، كما لو سأل مسلم لماذا نمنع من بناء كنائس في بلادنا؟ فتجيبه:لأن الدين يمنع من ذلك ويحرمه، فالمسلم الذي يدين بالإسلام؛ لما تقرر لديه من صدق الرسالة، وتمام الدين، وموافقته للعقل.. يقر بهذا ويصدق ويعلم أن الدين ما شرع شيئا إلا لأنه حق وعقل، ونظير ذلك لو استفسر غير الطبيب من طبيب مختص في أحد الأمراض، فلو أجابه الطبيب بأن الأطباء فلان وفلان-وذكر من يثق بحذقهم- يقولون بهذا، لكفاه؛ لأنه تقرر لديه حذفهم في الطب حتى لو لم يتبين له وجه قولهم من جهة العقل، لكن هذا الجواب لايصلح لمن لايعترف بحذق أولئك الأطباء ولابصحة الدين لاسيما إذا كان يعلم رأيهم مسبقا، وإنما يسأل عنه سؤال مفند لا سؤال مستفيد، وهكذا جواب الشيخ صالح للأمريكيين والأوربيين لايصلح لمن لايثق بصدق الشريعة ولايؤمن بصواب المنع، بل هم يعلمون أن شريعتنا تمنع من ذلك، والجواب إنما هو تحصيل حاصل! لأن حقيقة سؤالهم: لماذا دينكم يمنع من بناء كنائس ونحن نسمح لكم ببناء مساجد في بلادنا، أليس من العدل أن تسمحوا لنا؟؟



عبد العزيز بن سعود التميمي

تتمة :المصدر
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..