الصفحات

الاثنين، 3 يونيو 2013

لعَلْمانية.. من المهد إلى اللحد!.. (رؤية مستقبلية)

قد يثير هذا العنوان إشكالات كثيرة وبالأخص عند العَلْمانيين المؤمنين بأن العَلْمانية هي السبيل الوحيد لتقدم الدول العربية، وزيادة معدلات التنمية فيها مستدلين بذلك على ما فعلته أوروبا مع الدين المسيحي أو مع الكنيسة الممثل الرسمي للمسيحية، وذلك حين فصلت الدين عن السياسة، فتقدمت وتطورت، والخطأ الذي يقع فيه كثير من العَلْمانيين العرب، ولا يزالون يقعون فيه هو اعتقادهم أن العَلْمانية تصلح مع كل دين، وأنها كما صلحت مع المسيحية حين غلَّت يدها عن السياسة، فهي كذلك تصلح مع الإسلام وخاصة أن ما يعاني منه المسلمون من تخلف وضعف يشبه ما كانت تعاني منه أوروبا في القرون المظلمة.

هذا الاعتقاد الخاطئ هو الذي يجعلنا نقول: إن العَلْمانية على الأقل في عالمنا الإسلامي مآلها إلى الافول، ثم تُقبر في لحدها كما قبر الذي سبقها من الأيديولوجيات.

ذلك أن العَلْمانية بدعوتها إلى فصل الدين عن السياسة، ثم في مرحلة أخرى لابد قادمة فصله عن الحياة، هذه الدعوة لن تكتب لها الحياة ولا البقاء في بلاد يحتل الإسلام فيها سويداء القلوب، ويأتمر أهلها بأوامره، وينتهون بنواهيه، وتقوم حياتهم كلها: الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية، والتربوية، بل وحتى الحضارية على قاعدة الحلال والحرام، فكل قول أو فعل لهما جانبان، جانب حلال يرضى الله تعالى عنه، وجانب حرام يغضب الله تعالى ويسخطه على صاحبه.

فالصدق حلال، وهو الطريق إلى البر، والبر عقباه إلى الجنة، ولا يزال الرجل يصدق، ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله تعالى صديقاً، وهو وصف من أوصاف الأنبياء، وخلق من أخلاقهم.

والكذب حرام، وهو السبيل إلى الفجور، والفجور مآله إلى النار، ولا يزال الرجل يكذب، ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله تعالى كذاباً،وهو وصف من أوصاف المنافقين،وخلة من خلالهم السيئة.

وفي الإسلام الحلال بيِّن، والحرام بيِّن في المأكل،. والمشرب، والملبس، والمسكن، والمكسب، والإنفاق، وفي كل شأن من شئوننا.

العدل والإنصاف حلال وفيهما مرضاة الله تعالى.

والظلم والطغيان حرام ويحذر الله تعالى منهما.

وأما في الجانب الاجتماعي، فإن الزواج حلال، وسنة من سنن الرسول (صلى الله عليه وسلم) وفيه أجر عظيم، وتحصين للنساء والرجال، وسلامة لكيان المجتمع.

والزنا حرام لأنه تلويث للأعراض، واختلاط للأنساب، وجناية على الأطفال الذين لا يعرفون لهم أباً ولا أماً، وهم الموصومون باللقطاء.

العَلْمانية لا تستطيع أن تعيش، فضلاً آن يُمَكَنَ لها في بلاد يتعبد أهلها بتلاوة كتاب يقول الله تعالى فيه:} قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين (162) لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين (163) قل أغير الله أبغي رباً وهو رب كل شيء ولا تكسب كل نفس الا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون(164){ سورة الأنعام.

المسلمون يعبدون إلهاً واحداً لا شريك له، وهو سبحانه رب كل شيء ومليكه، ومن باب أولى، فهو رب الإنسان على عمومه، ورب المسلمين على الخصوص، وهم يدينون لله تعالى بالطاعة فيما يأمرهم به، وينهاهم عنه، وهم (أي المسلمون) لا يشركون في سمعهم وطاعتهم مبدأ مهما عظم شأن هذا المبدأ، كما أنهم لا يطيعون إنساناً في معصية مولاهم سبحانه مهما علا مقام هذا الإنسان، وقوي سلطانه.

كيف تستطيع العَلْمانية بتشريعاتها القاصرة، وبنظمها التي تحتاج دائماً إلى المراجعة والتعديل والتغيير لأنها عند التطبيق يبدو عوارها، وتنكشف سوءاتها، كيف تستطيع مثل هذه الأيديولوجيا أن تعيش في بلاد أهلها أو معظمهم يقولون لأوامر الله تعالى، ونواهيه}.. سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير{ سورة البقرة.185
وهم ليسوا وحدهم الذين يرفعون لواء السمع والطاعة، بل سبقهم إلى ذلك رسول الله محمد(صلى الله عليه وسلم) فكان لهم خير أسوة، وأعظم قدوة:} آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير{سورة البقرة/.285
فكيف ينأى المسلمون بأنفسهم عما ألزم الرسول الأعظم (صلى الله عليه وسلم) به نفسه الشريفة، ثم بعد ذلك يتبعون بشراً مثلهم يجوز عليه النقص والقصور والضعف والعجز؟
وهذا لا يجوز، بل لا يصح لا عقلا ولا نقلاً.

وحين نقرر أن مصير العَلْمانية في قابل أيامها هو اللحد، فنحن لا نبتدع قولاً جديداً، ولكننا نقدم رؤية مستقبلية للمصير الذي سوف تؤول إليه العَلْمانية، ولنا من واقع الفلسفات والأيديولوجيات السابقة ما يعزز هذه الرؤية، فالشيوعية مثلاً بعد أن كانت ملء السمع والبصر، ويحمل لواء الدعوة إليها دولتان من أعظم الدول، وهما: الاتحاد السوفيتي والصين، وكان الاتحاد السوفيتي يتقاسم زعامة العالم مع الولايات المتحدة الأمريكية، فلما ضعفت شوكته، وتفتت كيانه واستعادت كل دولة من دوله لسيادتها وحريتها غابت شمس الشيوعية عن معظم دول الاتحاد السوفيتي، وأيضاً فقدت الصين صرامتها الشيوعية التي كانت تفاخر بها، وتزعم أنها الدولة الوحيدة التي تطبق المبدأ الشيوعي أكمل تطبيق، وأنها هي الممثل الشرعي للشيوعية.

وايضاً كان للنازية وشقيقتها الفاشية شأن عظيم وإذا بهما يقبران كما قبر غيرهما، ويتحولان إلى خبر يقرأ، وإلى قصة تحكى.

ولا شك أن العَلْمانية سوف تواجه نفس المصير أو قريباً منه، وسوف يؤول أمرها إلى المحق لأنها هذه المرة تواجه خصماً عنيداً قوياً قاهراً يستمد قوته من القوي القهار الذي هو على كل شيء قدير، ويستمد نوره وهداه من نور الله تعالى وهديه:} يريدون آن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون(32)هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون (33) سورة التوية.

ويقدم الإسلام لهم الأنموذج الأعظم نبياً ورسولاً هو في الذروة بين إخوانه من الأنبياء والمرسلين(عليهم جميعاً الصلاة والسلام)، وبين يدي أتباعه كتاباً}لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد{سورة فصلت/42، وفيه الأكمل والأقوم من الحلول لمشاكل الناس:} إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا{سورة الإسراء.9

وتحمل الدعوة إليه أمة مصطفاة أخرجها الله تعالى للناس، وكلفها بأعظم مهمتين: البلاغ والشهادة، وأهّلها لتكون قادرة على الوفاء بما كلفت به، فجعلها أمة وسطا لا تغلبها مشاعرها، ولا تنحرف بها أهواؤها، بل هي التي تتحكم فيهما وتصرفهما عن مراداتهما إلى مرادات الله تعالى:} يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنئان ان قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون{ سورة المائدة/.8
إن العَلْمانية تكتب بيدها شهادة وفاتها، وتحفر بنفسها قبرها، وذلك حين تتعرض لشريعة بلغت الكمال، ولكتاب هو بين الكتب المنزلة في الذروة، حفظاً، وحصانة من التحريف، ورسولا على خلق عظيم، وأمة مصطفاة من بين الأمم، وهي واسطة العقد بين أمم الأرض قاطبة.

وما دامت العَلْمانية نتاج بشري فيجوز عليها ما يجوز على البشر من قوة وضعف، ومن فتوة وشيبة وشيخوخة وموت، وصدق الله العظيم:}..كل شيء هالك إلا وجهه..{سورة القصص/88

...........
أخبار الخليج البحرينية




بقلم: عبدالرحمن علي ال أبن فلاح

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مواضيع مشابهة - أو - ذات صلة :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..