الصفحات

الأربعاء، 12 يونيو 2013

هكذا عرف الروس من أين تؤكل الكتف!

كنت ممن اعتقد أن موقف روسيا سيتغير إزاء الثورة السورية بعد تصاعد التطورات العسكرية في الميدان خلال العام الفائت، من حيث وقوفها مع نظام الأسد إلى التخلي عنه،

قياساً بما فعلته مع العراق إبان العدوان الأميركي عليه عام 2003م، أو مع القذافي خلال الثورة الليبية 2012م، وقبلهما مع الصرب في قضيتي البوسنة والهرسك وكوسوفا في التسعينيات الميلادية وما بعدها، وأن تصلب موقفها في سوريا لأجل رفع تكلفة فاتورة شراء هذا الموقف، خصوصاً أن الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية كانت من أوائل المؤيدين وبقوة للثورة السورية منذ بدايتها مارس 2011م، قبل أن يتراجع الموقف الغربي عموماً أو بالأصح يرتخي، فلا يتجاوز في أحسن حالاته عقد المؤتمرات الدولية وإطلاق التصريحات التخديرية، تارةً للمطالبة برحيل الأسد وتارةً أخرى بالدعوة لتسليح المعارضة كي تستطيع وقف القتل المستمر للشعب السوري على الأقل وليس إسقاط النظام لأن ذلك مرتبط بحسابات أخرى.

فما الذي غيّر سياسة الروس وجعلهم يراهنون على صمود نظام بشار الأسد؟، رغم أن غالبية الدول العربية والمجتمع الدولي مع الثورة السورية بخلاف حلفاء روسيا، وهم الصين والعراق وإيران. بل الأغرب من ذلك أن الموقف الروسي تطور بشكل إيجابي لصالح الأسد في الأشهر الأخيرة، فقد نجح الروس في إقناع الأمريكان أن الحل السياسي هو الخيار الأفضل، لدرجة أن البيت الأبيض تراجع عن اشتراطه تنحي الأسد قبل المفاوضات بين النظام والمعارضة المزمع عقدها تحت مظلة مؤتمر جنيف 2. فهل أصبح الروس بين يوم وليلة دهاه السياسة وأبطال اللعبة الأممية؟ وهل غدت روسيا قوة عظمى مهابة الجانب وصاحبة قرار أممي وليس مجرد عضو دائم يملك حق النقض (الفيتو)؟

الواقع أن الروس تعاملوا مع الأحداث في سوريا من خلال محورين رئيسين، الأول مصير نفوذهم في المنطقة العربية، والآخر مصالح الغرب المرتبطة بالدرجة الأولى بإسرائيل. فمن حيث نفوذهم فإن سوريا تعتبر المحطة الأخيرة والوحيدة للروس في الوطن العربي، وأي تفريط في هذه المحطة يعني خروجهم تماماً من بلاد العرب، التي تعد من المناطق الاقتصادية المهمة على المستوى العالمي، وهي في ذات الوقت ساحة صراعات دولية وسوق نخاسة للمواقف السياسية بين الدول الكبرى، سواءً للمقايضة أو التحالف، كما أن المنطقة العربية محاذية تماماً لإيران التي تشكل رأس المصالح الروسية في منطقة الشرق الأوسط، وخروج الروس من سوريا يعني أن مصالحهم في إيران تحت التهديد الغربي بشكل مباشر.

أما من حيث المحور الآخر المتعلق بأمن إسرائيل فالروس يدركون تماماً أن الغرب، الذي غرس هذا الكيان العنصري في جسد الأمة الإسلامية وفي خاصرتها العربية تحديداً، لن يفرط به أو حتى يُعرّض أمنه للخطر من أجل إسقاط نظام ديكتاتوري وقيام نظام آخر حتى لو كان ديمقراطياً وفق القيم الغربية، لأن المصالح مقدمة على المبادئ في عرف وعمل السياسة الغربية العالمية. لهذا راهن الروس وبقوة على بقاء نظام الأسد، فالغرب لن يجازف بخياراته، أو يستعجل سقوط هذا النظام وإن كان دموياً، كما لن يمد الثورة السورية بالسلاح خشية سقوطه بيد أعداء إسرائيل، أو الحركات الجهادية، أو ما يسمى بالجماعات المتطرفة، خاصةً أن نظام الأسد كان حامياً وفياً لإسرائيل من جهة الجولان لأكثر من أربعين سنة هذا من جهة، ومن جهةٍ أخرى فإن الروس يراعون العلاقة التاريخية القائمة بينهم والإسرائيليين، فغني عن التعريف أن الاتحاد السوفيتي (روسيا الحالية) كان أول دولة تعترف بإسرائيل.

كما أن الروس أيقنوا أن الغرب سيبقى يراوح في مواقفه المتباينة لأجل استمرار حالة إنهاك قوى الطرفين وما تجر ورائها من تدمير شبه كامل للبلد، لأن هذا سيصب بنهاية الأمر في مصلحة إسرائيل عندما تستيقظ وإلى جوارها دولة مدمرة تماماً وجيش منهك وكاره للحروب وبنظام سياسي هش، سواءً كان نظام الأسد أو نظاما نابعا من ائتلاف الثورة والمعارضة. فضلاً عن أن الموقف الروسي مدعوم على أرض الواقع بإيران، التي تدعم الأسد بالسلاح والمال والخبراء العسكريين، والعراق الذي فتح مجاله الجوي للإيرانيين ومنافذه البرية لمرور المقاتلين الشيعة من فيلق غدر (بدر) وجيش المهدي للقتال إلى جانب نظام الأسد، وحزب (عدو الله) الذي غير بوصلة مقاومته المزعومة إلى صدور السوريين، في مقابل الثورة السورية التي تحارب من غنيمة انتصاراتها.

لقد عرف الروس من أين تؤكل الكتف في القضية السورية، وأنها فرصتهم التاريخية لاستعادة دورهم العالمي، فبقاء الأسد يُعيد شيئاً من قوة روسيا التي تمرغت في أفغانستان والشيشان. خاصةً أن هذا البقاء أصلاً لا يتعارض مع الموقف الإسرائيلي الذي عبر عنه أكثر من مسؤول صهيوني، لدرجة أنهم اعتبروا أن السقوط هو ما يهدد إسرائيل، ويكفي أن وثيقة في الأمم المتحدة كشفت عن اتصال تم قبل أيام بين القيادة السورية والإسرائيليين لتسهيل مرور دبابات من قوات الأسد عبر الجولان لمحاصرة مقاتلين من الثوار في القنيطرة.


محمد بن عيسى الكنعان

محمد بن عيسى الكنعان  
الجزيرة السعودية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مواضيع مشابهة - أو - ذات صلة :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..