الصفحات

الجمعة، 7 يونيو 2013

هل خدع العالم بحقيقة العلاقات بين إيران و أمريكا؟-

يستغرب معظم المراقبين انه في الوقت الذي ظل فيه الرأي العام في المنطقة و العالم يتابع و يترقب بين
لحظة و أخرى اندلاع المواجهة العسكرية بين أمريكا و إيران على خلفية تشغيل مفاعل بوشهر النووي و ما رافقه من ضجة إعلامية كبرى بشأن الاستعدادات العسكرية الهائلة التي قامت بها إيران لمواجهة اي عدوان إسرائيلي او أمريكي لتدمير منشآت إيران النووية، كشف النقاب فجأة عن محادثات سرية هامة قام بها رئيس مكتب رئاسة الجمهورية الإيرانية رحيم مشائي في واشنطن و لقائه مع سفير أمريكا في إسرائيل لتقييم العلاقات بين طهران و واشنطن و معرفة مواقف وخطط تل ابيب حيال برامج إيران النووية!.
و على ذمة النائب الإيراني الياس نادران فان رئيس مكتب رئيس الجمهورية هو على اتصال دائم مع كبار المسئولين في واشنطن منذ عدة سنوات وان رحيم مشائي دعا مؤخراً مئات الأمريكيين و سماسرة تطبيع العلاقات بين واشنطن و طهران الى مؤتمر عقد في العاصمة الإيرانية تم فيه ـ حسب قول هذا النائب في البرلمان الإيراني ـ توزيع افخر أنواع الخمور و إقامة حفلات الرقص الليلي المختلط على أنغام تقييم افضل للعلاقات بين البلدين و الحيلولة دون وقوع حرب بينهما حتى الصباح!.
حقاً اننا نعيش في عالم ملئ بالمهازل السياسية و الإعلامية خاصة إذا كانت تصريحات النائب الياس نادران في البرلمان الإيراني صحيحة خاصة و إنها لم يتم نفيها حتى الآن وانه طالب باستجواب وزير الخارجية منوشهر متكي لمعرفة حقيقة مواقف الحكومة الإيرانية من العلاقات العلنية و الخفية مع أمريكا حتى يكون البرلمان الإيراني على بينة على الأقل.
و يتساءل المراقبون المستقلون منذ أعوام يا ترى ما حقيقة هذه العلاقات ، هل هي علاقات مبنية على العداء الاستراتيجي و السياسي و العقائدي بين ما توصفان بالإمبريالية الأمريكية و الدولة الإسلامية ام انها علاقات خفية و ذات مصالح إستراتيجية واسعة و مشتركة خاصة في العراق و أفغانستان و منطقة الشرق الأوسط؟. و هل ان هذه العلاقات هي في الواقع علاقات أشبه بعلاقات الذئب مع الحمل كما قيل و لا يمكن ان تدوم حتى لعدة لحظات ام إنها علاقات مشوبة بالأسرار و الألغاز خاصة و ان سياسة أمريكا تجاه الملف النووي ساذجة و حمقاء جعلت إيران تدخل عمليا و رسميا في عضوية النادي النووي الدولي في غضون عام واحد فقط؟.
و يا ترى ما هي حقيقة سياسة التهديد و الوعيد الأمريكية او ما تسمى بسياسة العصا و الجزرة حيال الحكومة الإيرانية هل هي نابعة من ذكاء و حنكة الساسة الأمريكيين لتقاسم الحصص و المصالح المشتركة من خلال التسخين الدائم لأزمات الشرق الأوسط و دفع دول المنطقة شراء المزيد من الأسلحة و ارتماء العديد من الأنظمة و الشعوب في أحضان السلطة الأمريكية الناهبة لثروات و خيرات المنطقة، أم إنها سياسة تدل على غباء الإدارة الأمريكية التي جعلت من إيران لاعباً أساسيا في منطقة الشرق الأوسط و وسعت من نطاق نشاطها و دورها في العراق و أفغانستان و لبنان و جعلت الكثير من الدول العربية النفطية تسارع في الخفاء لعقد الاتفاقيات الأمنية مع إيران و رفع مستوى التبادل التجاري و الاقتصادي معها على مدى الأعوام الماضية رغم وجود الحصار و العقوبات الدولية المزعومة؟.
يا ترى هل ان هذه العلاقات هي علاقات ندية و تنافسية بين أمريكا المتورطة سياسياً و عسكرياً في مستنقع الشرق الأوسط، و إيران التي تقود جبهة العداء للسياسة الأمريكية السلطوية و تنوب عن روسيا و الصين و أوروبا و معظم دول العالم لوضع حد للاستفراد الأمريكي بمصير و اقتصاد المنطقة و العالم، ام انها علاقات ود و تناغم و تبادل الأدوار السياسية و العسكرية لحصد المصالح المشتركة تحت يافطة العداء الاستراتيجي و المواجهة الصاعدة بين الطرفين خاصة و ان تصعيد العداء الأمريكي المزعوم ـ حسب قول المعارضة الإيرانية ـ تزامن مع ادعاء القوى الإصلاحية فوزها الكاسح في الانتخابات الرئاسية الأخيرة و نزول المعارضة الى الشوارع بأعداد هائلة، الأمر الذي دفع الإدارة الأمريكية لتطبيق خطة العداء الوهمي للحكومة الإيرانية و التخطيط لإسقاطها و لكن في لواقع لتمكينها من تصدير أزمتها الداخلية الى خارج إيران و تبرير قمعها للإصلاحيين بشكل واسع النطاق بعد أحداث الانتخابات من خلال الزعم بوجود عدو كاسر و عدوان غاشم يقف على أبواب البلاد و يريد غزوها ؟.
الحقيقة انها ليست المرة الأولى التي يتم فيها الكشف عن وجود قنوات او شخصيات لتقييم و تطبيع العلاقات الثنائية بين أمريكا و إيران ، فقد اعترف الطرفان خلال الأعوام الماضية بإجراء محادثات سرية على الأقل في أربع عواصم أوروبية و بشكل مباشر دون وسطاء و وافقت القيادة الإيرانية خلال العامين الماضيين على إجراء محادثات أمنية و سياسية مع أمريكا لدراسة الوضع القائم في العراق و ان هذه المحادثات استمرت اكثر من عام قبل ان تتوقف رسمياً، و ادعت أمريكا آنذاك ان إيران طالبت أمريكا بتنفيذ عدة شروط مسبقة منها الإفراج عن أموال إيران المجمدة في أمريكا منذ عهد شاه إيران السابق و المطالبة باعتقال و تحويل كافة زعماء و أعضاء ما تسمى منظمة مجاهدي خلق الإيرانية المتواجدة على الأراضي العراقية وعدم تقديم أمريكا اي دعم و مساعدات مادية او سياسية او إعلامية للمعارضة الإيرانية خاصة و ان طهران ادعت ان أمريكا ودول نفطية مثل السعودية رصدت مئات ملايين دولار و في بعض التقارير الرسمية عشرات مليار دولار لدعم المعارضة و القوى الإصلاحية داخل و خارج إيران.
و خلافاً للشعارات الإعلامية المرفوعة من جانب النظام الإيراني فان الرئيس الإيراني احمدي نجاد ظل يدعو نظيره الأمريكي باراك اوباما دوما لتطبيع العلاقات بين البلدين من خلال الجلوس معاً حول طاولة مفتوحة و الإجابة سوياً على أسئلة الإعلاميين خاصة و ان احمدي نجاد لازال يعتقد ان اوباما اصله من جذور إسلامية و أفريقية و عليه ان يقف الى جانب دول مثل إيران و ليس مناصبة العداء لها.
و اشترطت القيادة الإيرانية من خلال طرح مواقفها و بيان تصريحاتها الحوار مع أمريكا، ان يكون الحوار مباشرا و دون شروط مسبقة و ان تعترف أمريكا بقدرة و مصالح النظام الإيراني و ترفع عنه العقوبات و تمنحه المزايا الاقتصادية و التقنية مسبقاً و ان تكف واشنطن عن عدائها لهذا النظام و ان لا تعارض برامجه النووية و حصوله على أسلحة صاروخية و دفاعية.
و خلال الأشهر الماضية رعت و نفذت أمريكا حملة سياسية و إعلامية واسعة النطاق لتطبيق القرار الصادر من مجلس الأمن رقم 1929 ، و زعمت واشنطن من ان هذا القرار سوف يشل قدرة النظام الإيراني و يجعله يركع أمام إرادة المجتمع الدولي او بالأحرى سياسة أمريكا، الا ان هذا القرار واجه حتى الان مصير القرارات المماثلة السابقة و وضع في أرشيف المساعي الأمريكية الفاشلة او نفذ ربما تطبقا للسياسة الأمريكية الرامية للتغطية على المصالح الإستراتيجية المشتركة مع خصومها الوهميين!
و بالمقابل فان الإدارة الأمريكية ظلت ترسل الإيماءات و الرسائل العلنية و السرية لتطبيع العلاقات مع إيران من خلال اتخاذ مواقف لصالح طهران في العراق و أفغانستان و لبنان و الزعم انها منعت حتى الآن إسرائيل من إرسال طائراتها الحربية لقصف مواقع و مفاعل إيران النووية و أكدت إدارة اوباما و وزارة خارجية أمريكا انهما لا تؤيدان العمل العسكري ضد النظام الإيراني و انهما تمدان اليد مبسوطة لمعانقة هذا النظام و التحاور سلمياً معه. و تقول الحكومة الإيرانية علانية انها تتمنى ان لا يقع الرئيس اوباما في الأخطاء ذاتها التي وقع فيها بوش حينما وصف النظام الإيراني آنذاك انه يمثل الضلع الأساسي فيما نعته بمثلث الشر المعادي لارادة المجتمع الدولي و المصالح الغربية.
و تتوقع أجهزة الإعلام الحكومية في طهران ان يشارك الرئيس الإيراني احمدي نجاد في حوار مفتوح مسئولين أمريكيين خلال زيارته المرتقبة لنيويورك على هامش اجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة بهدف حل الأزمات و الحيلولة دون وصول الأمور الى مواجهة عسكرية، و هي المواجهة التي يستبعد العديد من كبار المسئولين الإيرانيين حدوثها على ضوء المساعي الأخيرة الداعية لاحتواء الخلافات بشأن الملف النووي الإيراني و استعداد طهران المشاركة في محادثات مع مجموعة (5+1) التي تترأسها واشنطن و هي المحادثات التي من المقرر ان تجري قريباً في إحدى العواصم الأوروبية.
و مع هذا يبقى السؤال مطروحاً بشأن حقيقة محادثات الرجل الثاني في حكومة احمدي نجاد و مع كبار المسئولين الأمريكيين خاصة و ان هذا المسئول (رحيم مشائي) له مواقف مؤيدة للإسرائيليين وكان قد وصفهم بالأصدقاء الواقعيين للنظام الإيراني و له تصريحات ناقدة للمسلمين و معارضة للإسلام من خلال ترجيحه علانية القومية الإيرانية على الدين الإسلامي و له إستراتيجية مدافعة عن سياسة أمريكا في المنطقة والعالم من خلال التأكيد من ان العداء لأمريكا ليس مقدسا و لابد من تخطيه و إزالته.
و يقسم المراقبون بشكل عام مواقف المسئولين الإيرانيين حيال العلاقات مع أمريكا الى ثلاث فئات، الأولى القيادة الإيرانية التي تعارض العلاقات مع أمريكا بشكل عام و تعتبرها خطراً على أركان النظام و سيادة البلاد و تحذر من خطر هذه العلاقات لان هدف أمريكا الأول و الأخير حسب هذه الرؤية هو القضاء على النظام الإيراني او احتواء قدرته و جعله عرضة للتغيير و الإطاحة ودعم المعارضة بكافة أشكالها.
الفئة الثانية هي فئة الحكومة التي توزع الشعارات البراقة المعادية لأمريكا بالأطنان و بالمجان يومياً الا انها لا تعارض في الواقع فتح باب تطبيع العلاقات مع أمريكا خاصة في الأوقات العصيبة و الاستفادة من غباء السياسية الأمريكي لمصالحها الفئوية و حتى السماح لامثال مشائي الإدلاء بتصريحات تدافع عن الصداقة و الود مع الإسرائيليين و عدم العداء لسياسة أمريكا السلطوية في المنطقة و العالم.
الفئة الثالثة هي فئة الإعلاميين الرسميين و السياسيين الهامشيين و نواب البرلمان المدافعين عن الحكومة من الذين يصابون بالنشوة و الغرور و يرفعون أصواتهم عالياً لمجرد إشارة الحكومة لانتقادات بالجملة و المفرق لسياسة الإدارة الأمريكية او تحقير مواقفها و سياساتها في داخل و خارج أمريكا لكن هؤلاء يلوذون بالصمت المطبق و يدسون رؤوسهم كالنعام في التراب عندما يسمعون و يرون مندوب حكومة احمدي نجاد يتحاور علانية مع مسئولي البيت الأبيض و يتسامر مع سفير أمريكا في إسرائيل بشأن تعميق العلاقات بين البلدين و البحث سوية عن مخرج لإيهام الرأي العام بحقيقة هذه العلاقات او ربما التمهيد للجهر بها علانية بعد ثلاثة عقود من الغموض و الأسرار الخفية بشان حقيقة ملف خبايا العلاقات بين طهران و واشنطن.
مع المقال صورة لاحمدي نجاد و مشائي نشرت في صحف إيرانية تحت عنوان: يا ترى من هو الرئيس و من هو المرؤوس؟
الصورة توضح ذلك دون عناء!

خليل الفائزي
* كاتب و إعلامي مستقل2010-08-30
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مواضيع مشابهة - أو - ذات صلة :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..