الصفحات

الخميس، 20 مارس 2014

مشاهدات في مدينة العلم والتاريخ "سمرقند" بالصور

( وفى ذكر علماء سمرقند” للعلامة نجم الدين عمر بن محمد النسفي السمرقندي ذكر ما يربو على
ألف من علماء الإسلام من أهل سمرقند )توطئة

مع الأديب الكبير الشيخ علي الطنطاوي وفصل من كتابه الشهير"قصص من التاريخ"

"نادى الغلام : ياقتيبة ( هكذا بلا لقب ) فجاء قتيبة وجلس هو وكبير الكهنة أمام القاضي جُميْع ثم قال القاضي : ما دعواك يا سمرقندي ؟ قال : إجتاحنا قتيبة بجيشه ولم يدعنا إلى الإسلام ويمهلنا حتى ننظر في أمرنا .. إلتفت القاضي إلى قتيبة وقال : وما تقول في هذا يا قتيبة ؟ قال قتيبة : الحرب خدعة وهذا بلد عظيم وكل البلدان من حوله كانوا يقاومون ولم يدخلوا الإسلام ولم يقبلوا بالجزية ... قال القاضي : يا قتيبة هل دعوتهم للإسلام أو الجزية أو الحرب ؟ قال قتيبة : لا إنما باغتناهم لما ذكرت لك ... قال القاضي : أراك قد أقررت ، وإذا أقر المدعي عليه انتهت المحاكمة ، يا قتيبة ما نصر الله هذه الأمة إلا بالدين واجتناب الغدر وإقامة العدل .

ثم قال : قضينا بإخراج جميع المسلمين من أرض سمرقند من حكام وجيوش ورجال وأطفال ونساء وأن تترك الدكاكين والدور ، وأنْ لا يبق في سمرقند أحد ، على أنْ ينذرهم المسلمون بعد ذلك !!

لم يصدق الكهنة ما شاهدوه وسمعوه، فلا شهود ولا أدلة ولم تدم المحاكمة إلا دقائق معدودة، ولم يشعروا إلا والقاضي والغلام وقتيبة ينصرفون أمامهم، وبعد ساعات قليلة سمع أهل سمرقند بجلبة تعلو وأصوات ترتفع وغبار يعم الجنبات، ورايات تلوح خلال الغبار، فسألوا فقيل لهم إنَّ الحكم قد نُفِذَ وأنَّ الجيش قد انسحب، في مشهدٍ تقشعر منه جلود الذين شاهدوه أو سمعوا به...

وما إنْ غرُبت شمس ذلك اليوم إلا والكلاب تتجول بطرق سمرقند الخالية، وصوت بكاءٍ يُسمع في كل بيتٍ على خروج تلك الأمة العادلة الرحيمة من بلدهم، ولم يتمالك الكهنة وأهل سمرقند أنفسهم لساعات أكثر، حتى خرجوا أفواجاً وكبير الكهنة أمامهم باتجاه معسكر المسلمين وهم يرددون شهادة أن لا إله إلا الله محمد رسول الله..

فيا لله ما أعظمها من قصة، وما أنصعها من صفحة من صفحات تاريخنا المشرق، أرأيتم جيشاً يفتح مدينة ثم يشتكي أهل المدينة للدولة المنتصرة، فيحكم قضاؤها على الجيش الظافر بالخروج؟ والله لا نعلم شبه لهذا الموقف لأمة من الأمم.

بقي أن تعرف أن هذه الحادثة كانت في عهد الخليفة الصالح عمر بن عبدالعزيز، حيث أرسل أهل سمرقند رسولهم إليه بعد دخول الجيش الإسلامي لأراضيهم دون إنذار أو دعوة، فكتب مع رسولهم للقاضي أن احكم بينهم فكانت هذه القصة ألتي تعتبر من الأساطير".


لماذا كانت سمرقند محطتي للسفر؟

في العام 1991م وقبل تفكك الاتحاد السوفيتي، كان غورباتشوف طرح البروستريكا ، لانقاذ ما يمكن انقاذه، في ذلك العهد البائد ، وسمح لأول مرة بالزيارة وفتح تلك البلدان المغلقة تماما أمام العالم، وأخذت جمهوريات آسيا الوسطى الاسلامية باستقلالها، واستقل بها ذات الحكام الذين كانوا عليها من قبل السوفييت..

 انفلت مع صديق العمر والجامعة الشيخ ابراهيم حجار يرحمه الله لتلك البلاد بغرض الدعوة والاستطلاع..ووصلنا طشقند عاصمة أوزبكستان، ويا لهول ما رأينا!!

كانت دولة متخلفة –زرنا لاحقا بقية الجمهوريات وألفيناها بذات الوضع- بأكثر من ثلاثين عاما عنا، والصورة التي كانت في مخيلتنا عن الاتحاد السوفيتي العظيم، تبخرت أمام الواقع البائس، هتفت : يا لبؤس الشيوعية التي فعلت بهم هذه الأفاعيل!!..

أتذكر كنا نشتري بالدولار الواحد وبلا مبالغة ما يمكن شراؤه الآن ب100 ريال، كل شيء هناك رخيص، طبعا من منتوجاتهم المحلية ..

عموما ، كانت صدمة حقيقية وقوية لنا، أن ما كنا نظنه الاتحاد السوفيتي، هو بهذا البؤس والتخلف.

أكرمنا الله لخمس سنوات متتاليات، وعن طريق مؤسسة الوقف الاسلامي، بإقامة مناشط تعليمية للدين الاسلامي بتلك الديار، وخصوصا قيرغيزيا وكازخستان، وبنى كثير من المحسنين السعوديين مساجد ودور لطلاب العلم ، كنا نذهب مع مجموعة من الدعاة كل صيف ونمكث حوالي الشهرين لتعليم الناس الدين..وبعد ذلك توقفنا..

كانت هذه الزيارة لتفقد تلك الأماكن التاريخية التي لم يتسن الوقت لنا لمطالعتها ومشاهدتها، فهرعت بعد عشرين عاما لأرى تلك الديار وما حصل فيها..

تنويه :

حفظا لعدم الوقوع في سوء الظن، وشفقة على بعض من يطالع ليصطاد، أقول لهم: هذه الصور والزيارة إنما بغرض الاستطلاع الاعلامي لا الديني، فثمة أضرحة وآثار ، لم أذهب إليها بقصد التعبد، بل الاستطلاع الاعلامي، شفقة مني عليكم ألا تقعوا في سوء الظن وتتأثموا.

 


البدء ، كانت الرحلة من جدة إلى دبي عن طريق الخطوط الاماراتية، ومن ثم أمكث أربع ساعات في مطار دبي ، وأستقل الخطوط الأوزبكية ومنها لطشقند، حيث تستغرق الرحلة حوالي 3 ساعات ونصف تقريبا.. وهناك عن طريق الخطوط التركية ، ولكنك تتوقف تسع ساعات في اسطنبول..وكلها خير..

الصورة في مطار دبي ، وطبعا باللبس الرياضي المريح لنا السعوديين، الله يعين المشايخ بالزي الرسمي المتعب في الرحلات الطويلة ، أو البدلة الرسمية الافرنجية التي لم نعتد عليها ، فتلقانا نتململ طوال الرحلة على مقاعدنا، والله يعين ذوي الأجسام والكرش الضخمة ، ثمة مشاكل مع البنطال..نصيحة: إلبس الرياضي المريح ، وأهم شيء ليس معك إعلامي يصورك كي لا تورط في صورة الموسم بتويتر..



http://www.alm5zn.com/upfiles/kOs94537.jpg

وصلنا طشقند، مطار معقول، على الأقل فيها تلك الخراطيم التي تستغني فيها عن السلالم المهترئة التي تشمت بنا وقتما تلقانا في جدة هازئة..

طبعا مفاجأة من عيار ثقيل، أن مدينة طشقند تطورت خلال العشرين عاما  بشكل مذهل وكبير، وخططت المدينة بشكل هندسي رائع ، وتناثرت الحدائق الخضراء بشكل رائع، كانت مفاجأة تماما ، المدينة البائسة المتخلفة التي تركتها قبل عشرين عاما، تحولت لمدينة عصرية جميلة وفسيحة..وسترون بعضا من صورها في الرسائل القادمة..



http://www.alm5zn.com/upfiles/6nq94537.jpg

في تلك الأزمنة التي ذهبنا فيها قبل عشرين عاما، كانت الفنادق على مستوى متواضع جدا، ولكنها اليوم تزخر بكل الفنادق العالمية الفخمة من الانتركوننتال لراديسون ساس للهيلتون.. وأسعارها معقولة جدا مقارنة بالاسعار العالمية ، حيث الليلة ب450 ريال سعودي تقريبا.

عاد لبست الرسمي هنا ، على الأقل في الأيام الأولى التي تلتقي فيها الناس، وبعد ذلك ، حوّل على الرياضي وما أريحه..








سأعود للحديث عن تركستان الغربية ، وأزوبكستان في رسالة تالية، وأعطي القارئ الكريم صورة متكاملة عن تلك البلاد،  ولكني كنت حريصا على زيارة مدينة سمرقند التاريخية، فهي تحوي آثارا اسلامية عديدة ، ومن حسن الحظ ، ان الحكومة الأسبانية أهدت الحكومة الحالية قطارا فخما وسريعا، حيث نقطع المسافة بين مدينتي طشقند وسمرقند في حوالي الساعتين والنصف تقريبا، في قطار فخم ومريح ..



http://www.alm5zn.com/upfiles/7uE94537.jpg
هنا مع رفيق الرحلة الأخ العزيز عظمت ، وكان مهندس الرحلة وبطلها..في مقصورة القطار..

مدينة سمرقند التي نقصدها قال عنها "ابن بطوطة": " إنها من أكبر المدن وأحسنها وأتمها جمالا، مبنية على شاطئ وادٍ يعرف بوادى القصَّارين، وكانت تضم قصورًا عظيمة، وعمارة تُنْبِئ عن هِمَم أهلها ".

وتعرف لنا الويكيبيديا المدينة بقولها: سمرقند هي مدينة في أوزبكستان يبلغ عدد سكانها 400,000 نسمة وهي ثاني أكبر مدن أوزباكستان. معظم الشعب في سمرقند هم طاجيكيون و يتكلمون اللغة الطاجيكية.

تقع مدينة "سمرقند" في آسيا الوسطى، في بلاد. ومعني الاسم "قلعة الأرض".


سمرقند.. التي تقول أسطورة شعبية يتداولها سكانها إنها بنيت في حديقة جنة عدن، حتى قال فيها أحد الشعراء:

وليس اختياري سمرقند محلة

                                      ودار منام لاختيار ولا رضا

ولكن قلبي حل فيها فعاقني

                                      وأقعدني بالصغر عن فسحة الفضا




http://www.alm5zn.com/upfiles/Y9X94537.jpg
سمرقند مدينة رائعة بحق، ويميز تلك البلاد عموما الأشجار الخضراء والفواكه ..وهنا صورة من ربوة عالية في المدينة، وسأنقل مما وقع في يدي من أقوال المؤرخين عن المدينة ، لمن أراد الاستزادة

في سنة (87هـ ـ 705 م) تم الفتح الإسلامي لمدينة " سمرقند" على يد القائد المسلم"قتيبة بن مسلم الباهلي" ثم أعاد فتحها مرة أخرى سنة (92هـ ـ 710م).. ـ وبعد الفتح الإسلامى قام المسلمون بتحويل عدد من المعابد إلى مساجد لتأدية الصلاة، وتعليم الدين الإسلامى لأهل البلاد.

ـ وفى بداية الغزو المغولى للمدينة ؛ قام "المغول" بتدمير معظم العمائر الإسلامية، وبعد ذلك اتجه "المغول" أنفسهم بعد اعتناق الإسلام إلى تشييد العديد من العمائر الإسلامية، خاصة في العهد التيمورى، وذلك على مدى (150) عامًا هي فترة حكمهم لبلاد ما وراء النهر من (617هـ ـ 1220م) إلى عام (772هـ ـ 1370 م).

ـ وقد اتخذ "تيمورلنك" "سمرقند" عاصمة لملكه، ونقل إليها الصُنَّاع وأرباب الحرف لينهضوا بها فنيًا وعمرانيًا، فكان عصر "تيمور لنك" بحق عصر التشييد والعمران. ـ وفى القرن (19م) استولى الجيش الروسى على بلاد ما وراء النهر ومنها مدينة "سمرقند".

ـ وفى سنة (1918 م) بعد قيام الثورة الشيوعية في روسيا استولى الثوار على مدينة "سمرقند" وظلت تحت سيطرتهم إلى أن سقطت الشيوعية في عام (1992 م). ـ وقد نالت "سمرقند" الاستقلال ضمن جمهوريات رابطة الدول المستقلة بعد تفكك الاتحاد السوفياتي.


http://www.alm5zn.com/upfiles/iil94537.jpg

الأخ "أكابر" المرشد الذي قام بنا بجولة رائعة بتلك المدينة، وهنا الوقود هو الغاز لا البنزين، لأول مرة أشاهد تعبئة الغاز للسيارات..الرائحة تماما كالتي تشمها وقتما تغير اسطوانة الغاز الخاص بالمطبخ..طبعا لبعض السيارات، والا فالأغلب البنزين..

وعودا للتغزل بالمدينة، هنا ما قاله المؤرخون عنها:

وفى ذكر علماء سمرقند” للعلامة نجم الدين عمر بن محمد النسفي السمرقندي ذكر ما يربو على ألف من علماء الإسلام من أهل سمرقند.

وذكر سمرقند ياقوت الحموي في كتابه “معجم البلدان” بقوله: “ليس في الأرض مدينة أنزه و لا أطيب مستشرفاً من سمرقند”.

قال أمين معلوف عن سمرقند في روايته المسماة باسمها سمرقند على انها أجمل وجه أدارته الأرض يوماً نحو الشمس”.

أما عطاء الملك الجويني حاكم بغداد من قبل المغول فيقول سمرقند أعظم بقاع مملكة السلطان مساحة و أطيبها ربوعاً، و قديماً قالوا أنزه جنان الله أربع، وسمرقند أطيبها“. منحت العديد من الألقاب، فهي يوماً “جوهرة الإسلام” و مرة “مرآة العالم”.

كانت سمرقند من أهم محطات طريق الحرير الذي كان عصب اقتصاد العالم جاء على لسان موفد ملك إسبانيا إلى تيمورلنك، و الذي ساقته أقداره إلى سمرقند فمكث فيها مدة من الزمن، وصف لنا الأجواء في تلك المدينة الرائعة، و فصل لنا عن إبداع تيمور لنك في عاصمة إمبراطورتيه، و جوهرة ملكه. يقول السفير روي گونزالز دي كلاڤيو عن سمرقند “إن غنى و ترف هذه العاصمة و مقاطعاتها لأعجوبة تستحق التأمل"





في وسط المدينة تمثال كبير للقائد التتري تيمورلنك ، يطلقون عليه هناك "أمير تيمور" والحقيقة أنه بات رمزا لهم رغم تاريخه الدموي .. وكنت أعجب من ذلك، غير أنني عندما تعمقت في قراءة سيرته، وجدته أنه كان عادلا ، ويكرم رعيته، ويجلّ العلماء والفقهاء وكان صاحب ثقافة ويحب مجالس الحوار والجدال، هنا ترجمة له :

هو تيمورلنك او تيمور الاعرج حيث بترت ساقه وهو صغير فأطق عليه لقب لنك أي الاعرج . ولد تيمور وهو احد احفاد جنكيز خان قرب مدينة سمرقند عام 1336 م ، حيث نشا في بيئة رعوية ، واصبح فيما بعد سلطان بلاد ما وراء النهر حيث اتخذ سمرقند عاصمة له . َ

بدا تيمورلنك يوسع املاكه في مختلف الجهات فغزا جنوب روسيا واخضع قبائل التتار في المنطقة وخاصة القبيلة الذهبية ، ثم توجه غربا الى بلاد فارس واخذ في احتلال مدنها الواحدة بعد الاخرى حيث يقال انه اتبع حرب ابادة في بعض مدنها ومنها مدينة اصفهان التي ذبح من سكانها حوالي 70 الفا لتكون عبرة لغيرها من المدن على طريقة سياسته التي تؤمن بقمع الشعوب واذلالها. َ

في عام 1400 م اكتسع بلاد الكرج « جورجيا الحالية » وواصل مسيره نحو بلاد الشام فاحتل حلب واباحها لجنوده ثلاثة ايام حل بالمدينة خلالها النهب والخراب . وتقدم نحو دمشق فسقطت في يده فجمع أمهر الصناع والفنيين فيها وارسلهم الى سمرقند، ثم دخل في صراع مع الدولة العثمانية في آسيا الصغرى فجرت معركة انقرة عام 1402 م بينه وبين السلطان بايزيد حيث حلت الهزيمة بالجيش العثماني وتم أسر السلطان بايزيد حيث اختلفت الروايات في كيفية معاملته فالبعض يقول ان تيمورلنك احسن معاملته ، بينما يرى اخرون انه أهانه وحبسه في قفص فكان يطاف به على القرى والمدن . َ

كذلك تقدم نحو الهند واستولى على دلهي ودمرها حتى سواها بالأرض وحاول غزو الصين ولكن المنية عاجلته فكانت وفاته عام 1405 حيث دفن في مدينة سمرقند . َ




يحكي المرافق لي بأن تيمورلنك عندما أراد اختيار عاصمة له ، وكان في حيرة وأمامه مجموعة مدن، فطلب أن يذبح في كل مدينة شاة ، وأي مدينة تحفظها لأطول فترة ممكنة ستكون عاصمته، فكانت سمرقند هي المدينة التي ظل اللحم فيها طازجا لفترة أطول..والحق أن هواءها عليل جدا رغم القيظ..

تاريخ مدينة سمرقند:
لقد اختار تيمورلنك سمرقند عاصمة جديدة لفتوحاته لقربها من مكان ولادته كش فقد جمع تيمورلنك امهر الصناع والمعماريين والنحاتين والرسامين والخطاطين وعلماء الرياضيات لتوسيع سمرقند واعادتها لمكانتها السابقة ولقد استطاعت تلك الكفاءات ان تعكس فى بنائها الحضارات الاربع الاساسية لبلدانها مما ادى لقيام نهضة عمرانية فى اسيا الصغرى ليس لها مثيل فاذا سمرقند بمدينة ليست بالعربية ولا فارسية ولا تركية ولا هندية ,بل هى الاربع معاً فى تناغم لتنبثق حضارة التتر

فقد بنى تيمورلنك سوراَ عظيماَ حول سمرقند يبلغ طوله سبعة كيلو مترات وله ستة ابواب وبنى قلعة غرب المدينة وحفر حولها قنوات المياه العميقة وداخل القلعة كان (القصر الازرق) {كوك ساراى} الذى كان مقر تيمورلنك ومركز المالية وبجانبه ادارات الدولة من “مخازن الاسلحة ومصانعه) ولم يكتف معماريو تيمور لنك ببناء القصور بل اقاموا سلسلة من الحدائق وصفها احد زوار تيمورلنك “أرضها من الحجارة الملونة,مطلية بخشب الابنوس والعاج,وجدرانها مزينة بخزف من قاشان,بناها مهندس من دمشق وزينها خزاف من العراق”

وفى محاولة لتأكيد تفوق عاصمته سمرقند على اى مدينة فى العالم بنى تيمورلنك مجموعة من القرى اطلق عليها اسماء اهم المدن المعمورة “القاهرة-بغداد-دمشق-وغيرها غير ان يد الزمن لم تبق لها اثراَ وكل ما وصلنا وصفهم من الرحالة التى مروا بهم.


                                          

أمام ضريح تيمورلنك ، وأتذكر انني زرته قبل عشرين عاما، وكانت الحكومة الأوزبكية تشرع في بنائه وتشييده ..فيها فن العمارة الاسلامية القديمة، والسواح يأتوها من الغرب بشكل كبير، ولم ألمح أي عربي ، وسألت المرافق فقال: قلة جدا يأتونا من العرب، فهمهمت في نفسي:مما فعل !!

وبالمناسبة، كان يعتبر نفسه مسلما، ويدعو للاسلام ، ويذكر المؤرخون أنه كان يقرب العلماء في مجلسه، وأنه يأمر بعدم ذبح العلماء والصناع فقط، والباقي ، ينبي من جماجمهم حصونا، خصوصا من الذين يستعصون عليه.. وأيضا كان عادلا جدا مع شعبه ويسبغ عليهم كثيرا..

 يذكر المؤرخون أن اللون الازرق هو اللون المفضل لتيمورلنك ,وأصبح يعرف بلون الاسلام فقد جعل مدينة سمرقند مغطاة بالبلاط القيشانى ذى اللون الازرق بكل ما فيه من خيالات و تفرعات مع تداخلات اللون الابيض و القليل من الاخضر كما امر تيمورلنك ببناء اول سوق تباع فيه جميع البضائع وهو عكس ما هو سائر فى تلك الاوقات من العصور الوسطى فقد كان كل سوق مخصص لبيع سلعة واحدة وبذلك فقد انفرد تيمور لنك بهذا الانجاز عما غيره وهو ما يشبه الان (اسواقنا وتم انجاز هذا السوق بكامل قبابه و ارصفته و دكاكينه خلال عشرين يوما بكلفة بسيطة لا تتعدى قطع أربعة رءوس من المهندسين لسرعة انجازه.

ولقد بلغ من شدة الاهتمام بسمرقند أنه كان يراقب شخصياً اعمال البناء بين الحملة و الحملة , جالباً من كل غزوة الكنوز المنهوبة من تلك الاقليم المنكوبة كذلك حرفيوها من أذربيجان و دلهى ,عمال البلاط و الموزاييك من شيراز و أصفهان ,عمال السيراميك و الحرير من دمشق , وعمال الفضة والنحاس من تركيا






وشهد المؤرخين على عظمة سمرقند فى عهد تيمورلنك .لقد بلغت عظمة سمرقند الافاق فيما وصلت إليه فى الفنون و العمارة ومن ثم ترامت الى أذان البلاد من حولها والرحالة و السفراء والمبعوثين.

من هؤلاء “دوكاليفو”-مبعوث هنرى الثالث ملك قشتالة الاسبانى الذى زار تيمورلنك فى أواخر عهده والذى يعود له الفضل فى انه اول من نقل صورة لنا عن ما وصلت إليه سمرقند فى الحضارة وعن تيمورلنك حيث انبهر بها فهو يقول “” لقد كان تيمورلنك جالسا على تخت, و متكئاً على وسادات من الحرير , وقربه نافورة من المياه يسبح فى بركتها التفاح الاحمر , وكان يجلس تيمور وهو مرتدى عباءة من الحرير ذات لون واحد ,وقلنسوة طويلة فوقها تاج مرصع بالزمرد و اللؤلؤ و الاحجار الكريمة”" كذلك كتب عن عدل تيمورلنك مع شعبه فى أن القمح كان متوفراً بأسعار زهيدة وان كل ما يحتاج إليه الرعية متوفر والثروة متعادلة , والابدان صحيحة , والطقس معتدل , و العداءات قليلة , والملذات كثيرة











هنا في الفناء الخاص ، والحقيقة تشعر بأنفاس التاريخ تملأ نفسك ، ولو كنت قارئا لسيرة الرجل ، لتغشتك أحوال عجيبة ، فما أروع أن يحضر التاريخ في ذات المكان..وهنا نروي اجتماع ابن خلدون مع تيمورلنك أثناء حصاره لدمشق:


كذلك اجتمع تيمور لنك مع ابن خلدون اثناء حصاره لدمشق وقد اورد اعجابه بتيمور لنك وتقديره للعلماء:.

وذكر بعض العلماء أن ابن خلدون لما أقبل على تيمورلنك قال له (ابن خلدون) : دعني أقبل يدك ! فقال(تيمور): ولمَ ؟ فقال له: لأنها مفاتيح الأقاليم !

يشير إلى أنه فتح خمسة أقاليم ، وأصابع يده خمسة ، فلكل أصبع إقليم ! وهذا أيضاً من دهاء ابن خلدون….

ثم قال لتيمورلنك: إني ألفت كتاباً في تاريخ العالم . ثم قال له تيمورلنك: كيف ساغ لك أن تذكرني فيه وتذكر بختنضر مع أننا خربنا العالم؟! فقال له ابن خلدون: أفعالكما العظيمة ألحقتكما بالذكر مع ذوي المراتب الجسيمة . أو نحو هذا من العبارات فأعجبه ذلك

بعد هذا يخبرنا ابن خلدون كيف أنه إذ سرى هذا الود بينه وبين تيمورلنك، قرر أن يفاتحه بشيء فقال «أيدك الله لي اليوم ثلاثة وأربعون سنة أتمنى لقاءك. فقال لي الترجمان عبد الجبار، وما سبب ذلك؟ قلت أمرين الأول أنك سلطان العالم وملك الدنيا وما اعتقد انه ظهر الخليقة لهذا العهد ملك مثلك، ولست ممن يقول في الأمور بانجراف.

فإني من أهل العلم وأبين ذلك فأقول «إن الملك إنما يكون بالعصبية وعلى كثرتها يكون الملك وقدره. واتفق أهل العلم من قبل ومن بعد أن أكثر أمم البشر فرقتان: العرب والترك. وانتم تعلمون ملك العرب كيف كان لما اجتمعوا في دينهم على بنيهم. وأما الترك ففي مزاحمتهم لملوك الفرس وانتزاع ملكهم خراسان من أيديهم شاهد من الملك.

ولا يساويهم في عصبتيهم احد من ملوك الأرض من كسرى أو قيصر أو الإسكندر أو بختنصر. أما كسرى فكبير الفرس ومليكهم، وأين الفرس من الترك؟ وأما القيصر والإسكندر فملوك الروم وأين الروم من الترك؟ وأما بختنصر فكبير أهل بابل والنبط. وأين هؤلاء من الترك وهذا برهان ظاهر على ما ادعيته في هذا الملك.

وأما الأمر الثاني الذي حملني على تمني لقائه، فهو ما كنت اسمعه من الحدثان بالمغرب والأولياء وهو ما كان ابن خلدون سرده حول تنبؤ المغاربة بولادة تيمورلنك ووصوله إلى الحكم وهيمنته على ديار الإسلام. فقال لي «وأراك قد ذكرت بختنصر مع كسرى وقيصر والإسكندر ولم يكن في عدادهم، لأنهم ملوك أكابر وبختنصر قائد من قواد الفرس».

وهنا يشرح ابن خلدون لتيمورلنك مكانة بختنصر. وفيما هم في ذلك الحوار يأتي خبر فتح المغول لدمشق. فحمل تيمورلنك نحو المدينة بعد أن حرمنا من حضرته. ولما بلغ بالقرب منها نزل في تربة منجك عند باب الجابية، فجلس هناك ودخل إليه القضاة وأعيان البلاد ودخلت في جملتهم فأشار إليهم بالانصراف وإلى شاه ملك نائبه أن يخلع عليهم في وظائفهم.

وأشار إليّ بالجلوس، فجلست بين يديه، ثم استدعى أمراء دولته القائمين على أمر البناء فأحضروا عرفاء البنيان المهندسين وتناظروا في أذهاب الماء الدائر في حفير القلعة لعلهم يعثرون بالصناعة على منفذه، فتناظروا طويلاً ثم انصرفوا. ثم انصرفت إلى بيتي داخل المدينة بعد أن استأذنته في ذلك، فأذن فيه.

وأقمت في كسر البيت واشتغلت بما طلب مني في وصف بلاد المغرب ما كتبته في أيام قليلة ورفعته إليه فأخذه من يدي وأمر موقعه بترجمته إلى لسان المغول ثم استمر في حصار القلعة. ونصب عليها الآلات من المجانيق والنفوط والعدادات والنقب، فنصبوا لأيام قليلة ستين منجنيقاً إلى ما يشاكلها من الآلات الحربية الأخرى.

حتى ضاق الحصار بأهل القلعة وتهدم بناؤها من كل جهة.. فما لبثوا أن طلبوا الأمان فأمنهم السلطان تمر ثم ضرب القلعة وطمس معالمها وصادر أهل البلد على قناطر من المال استولى عليها بعد أن أخذ جميع ما خلفه صاحب مصر هناك.






هذه صورة تيمورلنك، وواضح أنه مرعب ، يخرب عقله بنى برج من جماجم أعدائه ، لو كان الآن لطالبته محكمة لاهاي وحكمت عليه بالمؤبد، ودونكم هذه القصة التي تروي فظاعته ودمويته:

في عام 785 هاجم تيمور مدينة سبزوار في خراسان و قد استمات اهل سبزوار في الدفاع عن مدينتهم و لكن في نهاية الامر استولى تيمور على المدينة و اامر برفع الراية السوداء و معناها الامر بالقتل العام الذي استمر حتى الغروب ثم امر بعد القتلى من اهل المدينة فكانوا 90 الف قتيل عندئذ اجبر تيمور الباقين على قيد الحياة من اهالي المدينة بفصل روؤس القتلى عن اجسادهم و امر المعمارين و المهندسين في جيشه بأن يبنوا برجين من هذه الروؤس و قد قام هؤلاء بتنفيذ امره بحيث كانوا يستعملون الروؤس كالآجر مستعملين الملاط في ذلك و تكون سيماء كل وجه الى الخارج بحيث ان الناظر يرى برجين من الوجوه و جعلوا في كل برج درجاً لكي يضيئوا مصباحاً عليه ليلآ

و عندما اكملوا البناء وضع تيمور لوحة امام كل برج كتب عليها بآمر تيمور بني هذا البرج من روؤس اهالي سبزوار ولم يكتفي تيمور بهذا فأمر بدفن 2000 رجل من الاسرى و هم احياء ثم امر بتسوية المدينة بالارض لكي لا تتجرأ المدن الاخرى على مقاومته و قد توغل تيمور بعد ذلك في ايران حتى وصل الى اصفهان و قد قام اهلها بمقاومته ببسالة ذكرها المؤرخون في كتبهم و استعصت المدينة عليه لعدة اشهر لضخامة اسوارها و لكنه تمكن في النهاية من الدخول اليها و قد قاومه اهلها من شارع الى شارع و من منزل الى منزل و قتلوا عدداً كبيراً من جنوده فامر تيمور بتهديم المنازل و ان يقتلوا كل موجود حي في المدينه و ان لا يرحموا امرآة او طفل او عجوز و قد نفذ جنوده اوامره بحذافيرها فكانت مجزرة يندى لها جبين الانسانية






هذا التخت الذي كان يجلس عليه ، وذكره المؤرخون آنفا، والله الكنبة اللي في الكافيه بشارع فلسطين أريح وأفخم منه..بس كيف يا شباب، مناسب لي التخت وأنا بفنيلة أديداس..

      ولقد صورت بعض المصادر العربية و الفارسية شخصية تيمور لنك على نحو مخيف فهو بالغ القسوة يعشق إسالة الدماء وإقامة المذابح ولكنها اغفلت جانبا اخر من شخصية تيمور لنك فقد كان رجلا واسع المعرفة ,يتحدث بلغات متعددة يحب الاطباء و الفلكيين و القضاة , جمع الصناع المهرة من كل انحاء الدنيا فى عاصمته “سمرقند” لتشيد حضارة عظيمة فى بلاده .ولربما اراد ان تكون عاصمته رمز الحضارة والفن لذلك سعى لأحراق وتدمير اى مدينة عريقة  تطأها قدمه .

ولقد اقام مقبرة تعد اية فى الجمال و الروعة ومثالا  لسمات العمارة فى العصر التيمورى
وبالإضافة إلى شغفه بالعلوم والفنون , شارك بالتأليف والكتابة

فوضع مجموعة من القوانين التى اطلق عليها اسم  ” التزوكيات” وكتب سيرته الذاتية بالغة الجغتائية التى ازدهرت اَدابها فى عصره وعصر خلفائه.
ويعد تيمور لنك  عند الشعوب التركستانية و عند الازوبك بطلا قوميا , ورمزا للشجاعة والعدل و مراعاة المبادئ الاسلامية

فقد كان يحب مجالسة العلماء والفقهاء وحصل “تيمورلنك” من الثقافة على ما يمكن أن يحتمله رجل عمل، فقرأ التاريخ؛ وجمع الفن والفنانين، وصادق الشعراء والعلماء، واستطاع عند الاقتضاء أن يتحلى بأجمل العادات. واستوى غروره مع قدرته، مما لم يتفوق فيه أحد عليه فى زمانه. وقدر “تيمورلنك” على العكس من قيصر، أن القسوة جزء ضرورى من الاستراتيجية، ولكنه، إذا صدقنا ضحاياه، غالباً ما يبدو آثماً متهماً بالقسوة لمجرد الانتقام. فإنه حتى فى إدارته المدنية كان يسرف فى الحكم بالإعدام، حتى على محافظ اتبع سياسة الظلم فى المدينة، أو على جزار تقاضى للحم ثمناً أكثر مما ينبغى . إنه نفذ سياسة القسوة والعنف بوصفها ضرورية لحكم شعب لم يألف القانون بعد. وبرر مذابحه على أنها وسيلة لإرغام القبائل المخالفة للقانون والنظام على اتباع النظام ومتطلبات الأمن فى دولة موحدة قوية. ولكنه مثل سائر الغزاة والفاتحين أحب القوة لذاتها، وأحب الغنائم والأسلاب من أجل العظمة التى يمكن أن تغطى الغنائم تكاليفها





هنا خريطة بمملكته ، وهي الخضراء، والصفراء الدول التي تدفع له الجزية ، ووصل الرجل لموسكو وقهرها ، وكانت تدفع له الجزية ، والصين شرقا، وأخضع تفلس وهي عاصمة بلاد جورجيا الان ، وأوكرانيا، ووصل البندقية وجنوة في ايطاليا، وبلاد البلغار ، والعجيب أن رأس الخيمة كانت تتبع له ، فهي الجزء الأخضر الوحيد في الخارطة التي أمامي من الجزيرة العربية ..

تظل الكارثة الكبيرة هزيمته لبايزيد السلطان العثماني الملقب بالصاعقة في معركة أنقرة الشهيرة، وهي التي أخرت فتح أوربا للأسف..

يحكي لي مرافقي أنه في مكتوب لديهم في تاريخهم عن الرجل، أنه عندما رآى بايزيد وكان أعورا ، قام يضحك ويضحك فسأله عن سبب ضحكه، قال بأن الله أعطى حكم هذا العالم لأعرج وأعور، أعرج يقصد نفسه، وأعور يقصد بايزيد..

بعد ان دانت كل تلك ل تيمور لنك  البلاد قصد ايران فى اغسطس 1392م لإخماد الثورات بها ثم ارسل رسالة الى “”شاه شجاع بن محمد بن مظفر اليزدى”" وعراق العجم يدعوه للطاعة وان يحمل اليه المال  , ومن جملة كتابه ))أن الله سلطنى على ظلمة الحكام وعلى الجائرين من من ملوك الانام ورفعنى على من ناوأنى , ونصرنى على من خالفنى ومن عادانى , وقد رأيت و سمعت , فإن أجبت و اطعت فبها و نعمت والا فاعلم أن فى قدومى ثلاثة أشياء: القتل  و السبى  و  الخراب  وأثم كل ذلك عليك))

وعندما كان “تيمورلنك” فى جنوبى (فارس) جاءته الأنباء بأن  “طقطميش” خان القبيلة الذهبية التترية، إنتهز فرصة غيابه ليغزو بلاد ما وراء النهر الواقعة تحت سلطة تيمورلنك، بل وحتى تجرأ على سلب ونهب المدينة الجميلة (بخارى)، فسار “تيمورلنك” ألف ميل إلى الشمال، ورد “طقطميش” إلى (الفولجا). وسار جنوباً وغرباً وأغار على (العراق) و(جورجيا) و(أرمينية)، وهو يذبح فى طريقه كل السادة, واستولى فى 1393 على بغداد بناء على طلب سكانها الذين لم يعودوا يحتملون ظـُلم سلطانهم “أحمد بن أويس”. ولما رأى تدهور العاصمة أمر معاونيه بإعادة بنائها، وفى نفس الوقت أضاف إلى حريمه نخبة من البغداديات، وأضاف إلى حاشيته واحداً من أشهر الموسيقيين، ولجأ السلطان “أحمد” إلى “بايزيد الأول” سلطان العثمانيين فى بروسة. وطلب “تيمورلنك” تسليم السلطان “أحمد”، فرد “بايزيد” بأن هذا أمر يخدش تقاليد الضيافة عند الأتراك.

وكان من الممكن أن يتقدم تيمور لنك إلى بروسه ، لولا أن “طقطميش” عاود غزو بلاد ما وراء النهر، فاكتسح التترى المهتاج جنوبى (روسيا)، وبينما كان “طقطميش” مختبئاً فى البرية، اجتاح مدينتى القبيلة الذهبية: (سراى واستراخان. ولما لم يجد “تيمورلنك” أية مقاومة، تقدم بجيشه غرباً من (الفولجا) إلى ثم الدون، وربما كان من خطته أن يضم روسيا) كلها إلى مملكته وبدأها بإخضاع جرجان و”مازيدان”وخرب ديار بكر و ارمينية الكرج(جورجيا)  . وأقام الروس فى البلاد الصلوات فى حرارة وحمية، وحملت “عذراء فلاديمير” إلى موسكو، بين صفوف الضارعين الراكعين وهم يصيحون: “يا أم الاله، خلصى (روسيا)”. وساعد فقر السهوب على إنقاذ الروس، إذ عندما وجد “تيمورلنك” أنه لا غنى فى هذه السهول والغابات ولا شئ فيها يمكن سلبه ويستحق الفتوحات والتضحيات بحياة جنوده، فأرتد إلى (الدون) وقاد جنوده المنهوكين الجياع إلى (سمرقند)  وتسمى هذه الحروب  ((حروب السنين الخمس)) وكان يريد مهاجمة بلاد الشام


هنا قبره، وتوجد مقابر أخرى بجانبه، وقبر معلمه الأول ، وكذلك حفيدين من أحفاده ، وأظن زوجته كذلك..أما سبب وفاته فكان التالي:

وقال بن تغري بردى فى المنهل الصافى :

وخرج تيمور لنك من سمرقند في شهر رجب أي من هذه السنة قاصداً بلاد الصين وقد اشتد البرد ، حتى نزل على سيحون وهو جامد فعبره ومر سائراً ، واشتد عليه وعلى من معه الرياح والثلج وهلكت دوابهم وتساقط الناس هلكى ، ومع ذلك فلا يرقُّ لأحد ولا يبالي بما نزل بالناس ، بل يجد في السير ! فلما وصل إلى مدينة أنزار أمر أن يستقطر له الخمر حتى يستعمله بأدوية حارة وأفاويه ، لدفع البرد وتقوية الحرارة ، وشرع يتناوله ولا يسأل عن إخبار عسكره وما هم فيه ، إلى أن أثرت حرارة ذلك في كبده وأمعائه فالتهب مزاجه حتى ضعف بدنه وهو يتجلد ، ويسير السير السريع وأطباؤه يعالجونه بتدبير مزاجه ، إلى أن صاروا يضعون الثلج على بطنه لعظم ما به من التلهب وهو مطروح مدة ثلاثة أيام ، فتلفت كبده وصار يضطرب ولونه يحمر إلى أن هلك في يوم الأربعاء تاسع عشر شعبان ، وهو نازل بضواحي أنزار ولم يكن معه من أولاده سوى حفيده خليل بن أميران شاه بن تيمور ، فملك خزائن جده وتسلطن وعاد إلى سمرقند برمة جده إلى أن دفنه على حفيده محمد سلطان بمدرسته ، وعلق بقبته قناديل الذهب من جملتها قنديل زنته عشرة أرطال دمشقية ، وتقصد تربته بالنذور للتبرك من البلاد البعيدة ، لا تقبل الله ممن يفعل ذلك ! وإذا مرَّ على هذه المدرسة أمير أو جليل خضع ونزل عن فرسه إجلالاً لقبره ، لما له في صدورهم من الهيبة ! وتوفي عن نيف وثمانين سنة ، وخلف من الأولاد أميارن شاه والقان معين الدين شاه رُخّ صاحب هراة ، وبنتاً يقال لها سلطان بخت ، وعدة أحفاد





حكى لي مرافقي أسطورة يتداولونها في سمرقند بأن جوريف ستالين أمر بفتح قبر تيمورلنك ، حنقا منه على هذا الذي دوخ وأذل الروس ، إذ يحملون عليه كثيرا، وعندما فتحوا المقبرة وجدوا مخطوطة بأن لعنة الحرب ستصيب من يفتح القبر، وكانت الحرب العالمية الثانية، وطيف بجثمان الرجل في روسيا، حتى أعيد بعد عام .. وأثناء اعداد هذه المادة مررت على هذا الكلام في موقع روسيا اليوم:

"كل من عليها فان، وسيأتي وقت نرحل فيه جميعا. وجد قبلنا رجال عظام، وسيوجدون بعدنا... إذا تكبر أحد وترفع على الآخرين أو أزعج رفات الأجداد، فليحل عليه أشد عقاب..." هذه الكتابة اكتشفت في 19 يونيو (حزيران) عام 1941 على شاهدة من اليشم لمدفن تيمورلنك"الأعرج العظيم" والقائد العظيم من القرن الرابع عشر .
تقول المخطوطة القديمة ذات الصفحات الحافلة بالحروف العربية: "من يفتح ضريح تيمورلنك يطلق روح الحرب. وستكون حربا دامية ورهيبة لم يعرف العالم نظيرا لها منذ الأزل". رغم كل التحذيرات، فتح في 21 يونيو (حزيران)عام 1941 قبر تيمورلنك في مدينة سمرقند العريقة. وفي اليوم التالي بدأت أرهب حرب عرفتها البشرية أودت بحياة 50 مليون إنسان. شاركت في الحرب 62 دولة. ودارت الأعمال القتالية في أراضي ثلاث قارات ومياه أربعة محيطات. في 20 نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1942 أعيد رفات تيمورلنك إلى سمرقند ووضع في تابوت ودفن من جديد. وليس ثمة ما يدعو إلى الدهشة على الإطلاق أنه جرى في 20 نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1942 انعطاف جذري في معركة ستالينغراد. أكثر من عشرين مليون مواطن سوفيتى سقطوا فى الحرب العالمية الثانية.




في تاريخنا العربي ، يرادف اسم تيمورلنك أنه كافر تتري، لا فرق بينه وبين هولاكو وجنكيز خان، والحقيقة ليست كذلك، فالرجل يدعي الاسلام، ويعمل بروح الاسلام، ويقرب العلماء كثيرا، ولكن العقيدة التي يؤمن بها عقيدة فاسدة، وهنا نبذة مما قاله العلماء عنه:

يقول صاحب كتاب " التشريع الوضعي في ضوء العقيدة الإسلامية محمد بن حجر القرني ، وهوكتاب مقدم إلى جامعة أم القرى لنيل درجة الماجستير " : ( ومن الأمثلة التي توضح وتؤيد أن اعتماد التشريع الوضعي كفر بمجرده - ما كان من شان تيمورلُنك - فإنه كان قد أعلن إسلامه ، وأظهر شعائر الإسلام في بلاده ، ومن ذلك أنه بعث برسالة إلى بعض الحكام يعاتبه فيها على عدم إقامة المساجد وعدم المحافظة على الصلوات ، قال فيها : " إن ولاتك على مذهب سيء ، وليس لديهم أي مسجد ، ولا يحرصون على إقامة الجمعة وصلاة الجماعة مطلقاً ، وإنهم لا يقيمون الفرائض والسنن ، وإذا خرج شخص يؤذن للصلاة يلحقون به الأذى ، وا أسفاه على لقب الرئاسة الذي نلته " ،
وكان مكرماً لعلماء الدين حريصاً على تشييد المساجد والمدارس في سمرقند وأصفهان وتبريز ، لكنه كان يعتمد تشريع جنكيز خـان " الياسا " ويجعله أصلاً في تدبير مملكته . ولأجل هذا أفتى العلماء بكفره ، وفيما يلي أقوالهم :

قال السخاوي رحمه الله في سياق كلامه عن تيمورلنك : ( يعتمد قواعد جنكز خان ويجعلها أصلاً ، ولذلك أفتى جمع جم بكفره ، مع أن شعائر الإسلام في بلاده ظاهرة ) إهـ الضوء اللامع (3/49).
وقال ابن عربشاه رحمه الله : ( كان معتقداً للقواعد الجنكز خانية ، وهي كفروع الفقه في الملة الإسلامية ، وممشياً لها على الطريقة المحمدية ... ومن هذه الجهة أفتى كل من مولانا وشيخنا حافظ الدين البزازي رحمه الله ومولانا وسيدنا وشيخنا علاء الدين محمد البخازي أبقاه الله وغيرهما من العلماء الاعلام وأئمة الإسلام بكفر تيمورلنك ، وبكفر من يقدم القواعد الجنكزخانية على الشريعة الإسلامية ) إهـ عجائب المقدور في نوائب تيمور(455).

وقال الشوكاني رحمه الله وهو يتكلم عن جنكز خان وياسقه والتزام المتملم بعد به : " فلزم طريقته الملعونة وتدبيره المشؤوم المتملك بعده من أولاد ، ثم المتملك بعدهم من ولد ولده ... ثم اقتفى هذه الطريقة القبيحة والتدبير الكفري تيمورلنك فإنه كان لا يعمل في تدبير ملكه بغير كتاب الياسا ) إهـ




ابن خلدون يبرئ تيمورلنك من الرفض أو الكفر، بل أثنى عليه :

أهم كتاب يتحدث عن تلك الفترة هو كتاب (العبر وديوان المبتدا والخبر ) لابن خلدون والمعروف بتاريخ ابن خلدون
وذلك لأن ابن خلدون قابله وتحدث معه وكتبها في كتابه على شكل مذكرات تحت عنوان (التعريف بابن خلدون ورحلته غربًا وشرقًا) , وقد التقى به عام803 هـ قبل وفاته بخمس سنوات , وأقام عنده خمسة وثلاثين يوماً .
ويسميه ابن خلدون (تِمُر) ,وذكر ابن خلدون رأيه فيه فيقول "وهذا الملك تِمُر من زعماء الملوك وفراعنتهم , والناس ينسبونه إلى العلم , وآخرون إلى اعتقاد الرفض , لما يرون من تفضيله لأهل البيت , وآخرون إلى انتحال السحر ؛ وليس من ذلك كله في شيء ؛ أنما هو شديد الفطنة والذكاء , كثير البحث واللجاج بمايعلم وبما لايعلم ....الخ





بعد هذه الجولة مع التاريخ وهذا القائد الذي يعدّ من أعظم20 قائدا الذين مروا على البشرية ، وما أروع اسقاط التاريخ على ما تراه ، تنتابك مشاعر خلاقة ، يغيب الزمان والمكان وتحلق في ذلك التاريخ بسكرة لا يعرفها إلا من يعشق التاريخ..

وبعد هذا الجهد لا بد من الأكل البخاري المميز، فقصدنا مطعما فاخرا ، ينسينا مجازر تيمور لنك، ويذكرنا بانجازاته في هذه المدينة التاريخية





لعشاق الأكل البخاري، هذه شوربة "اللغمن" ، والحقيقة أنه مطعم مميز، لا يضاهي أكله إلا والدتي يحفظها الله ، أكلت هنا بما لم آكل، كنت كالمفجوع ، ولا أدري السبب ، ربما استمزاجا لما رأيته ، ونفسيتي التي تكيفت جدا مع هذه المدينة الرائعة، وأشعر أنني زدت 5 كيلو بعد زيارتي سمرقند، من روعتها وروعة أكلها.. وطار أمّ الريجييم، وأي عاقل يمتنع عن اللذة التي أمامه ويحرم نفسه..




عاد هذا "المنتو" الحقيقي ، لا تلك التي يضحكوا عليكم بها في مطاعم البخاري في السعودية، شيء مجنون ، التهمته كما ألتهم جيلاتي باسكن روبنز..

وهناك اللحم المطبوخ في الفرن، وهو أشبه بالمندي ولكن له مذاق خاص، لذلك أحبتي من الجنوب الذين يحبون المندي والحنيذ فهذا اللحم يلبي طلبكم، ولأن الجو هنا يساعد، فهم يتعمدون وضع الشحم في الأعلى واللحم بالأسفل، فيسيل السمن على قطعة اللحم، بشكل شهي جدا..

ان شاء الله تقرأوا هذه السطور قبل الافطار، كي يسيل لعابكم ، وتدعو لي، وإن طابت لكم ، وقررتم السفر، فأنصح أن تأخذوني معكم مرافقا.. طبعا التذكرة والفندق والاقامة عليكم ، وأنا عليّ الارشاد والأكل..





عاد هذا الخبز السمرقندي، ما ألذه، ما يحتاج منك إلا أن تصنع شاي بالحليب، وتغمس هذا الخبر فيه، وتتناوله، ولكأنما تتناول كافيار فاخر.. جربوه ولن تندموا..
مرافقنا السمرقندي الأخ أكابر، همس وقال: لدينا مثل متوارث من الأسلاف، بأن من يشرب من ماء سمرقند ويأكل خبزها، سيأتيها آخرى، وعندما هزأت به، وتذكرت أن الأخوة في مصر يرددون هذا الكلام عن النيل،  قال : ها آنت نموذجا، أتيتنا قبل 20 عاما، فازدردت ريقي وصمت.. أتتني في الجبهة





والعودة الى طشقند بعد يوم حافل، وبقي أسرد لكم في الحلقة المقبلة عن زيارتي للامام البخاري يرحمه الله، والكثير يظن أن الامام البخاري مدفون في مدينة بخارى، وهذا غير صحيح، وسنسرد السبب،  وكذلك مرصد الفلك للعالم المسلم أولغ بيك ، فضلا عن ضريح قثم بن العباس ابن عم رسول الله صلى اله عليه وسلم، ، وهناك الامام الماتريدي كذلك ، وكل هؤلاء وغيرهم  في سمرقند.. قلعة الأرض.

بصراحة ، لي 3 أيام من بعد عودتي ولا أعرف سوى النوم والكسل، وإن لم تتفاعلوا، فلن أكمل لكم عن الامام البخاري وقثم بن العباس .. هذا تحذير..

يسردها : عبدالعزيز قاسم
أعلامي وكاتب سعودي
3 رمضان 1434 هـ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..