الصفحات

الجمعة، 19 يوليو 2013

مأزق الإخوان في قرار مستقبلهم !

بعيداً عن الجدل الإعلامي حول عزل الرئيس محمد مرسي، هل كان تصحيحاً لمسار الثورة؟
أم تحقيقاً للإرادة الشعبية ؟ أم انقلاباً عسكرياً ناعماً؟ أم كلها مجتمعة؟، بعيداً عن كل ذلك، هناك
سؤال يبدو حاضراً بقوة يتردد بين الأطياف السياسية المصرية ولدى محللين سياسيين عالميين وكتاب رأي في عالمنا العربي حول احتمالات المرحلة المقبلة للمشهد المصري وتداعيات ثورة 25 يناير، مستحضرين نماذج عالمية لحالات مشابهة جرت في بعض الدول، التي شهدت تحولات في تجربتها الديمقراطية، سواءً في الشرق الأوسط كنموذج باكستان أو تركيا، أو في أفريقيا كنموذج الجزائر، أو في أميركا اللاتينية كنموذج فنزويلا، أو في أوروبا كنموذج النمسا. وهي بطبيعة الحال حالات متباينة من حيث تداعياتها بناءً على المواقف، التي اتخذتها الجهات المتضررة من عزل رئيسها أو إسقاط حكومتها أو إلغاء فوزها بالانتخابات.

من يشاهد استمرار حشود مؤيدي مرسي في ميدان رابعة العدوية وميادين أخرى، رغم إصدار الرئيس المؤقت إعلاناً دستورياً للمرحلة الانتقالية، وتعيين محمد البرادعي نائباً له للشؤون الخارجية، وتسمية رئيس الحكومة حازم الببلاوي وتشكيل الوزراء الثلاثين، ودعوة الإخوان للمشاركة فيها، ورفضهم لذلك وعدم اعترافهم بكل ما جرى ويجري، يؤكد حالة الصدمة لدى الإخوان والإسلاميين الذين يصطفون معهم، كما يدرك أن النماذج المشار إليها كسيناريوهات محتملة مرتبطة بردة الفعل الإخواني أو القرار المصيري، الذي سوف يتخذونه في التعامل مع تداعيات المرحلة الحالية، خاصةً أنها تنتقل من طور إلى طور لتجاوز الأحداث الجارية الملتهبة على الساحة المصرية.

وكون الإخوان المسلمون يشكلون الغالبية المؤيدة للرئيس محمد مرسي فإنهم في مأزق ثوري حقيقي، لأن عليهم أن يتخذوا قرارهم الذي سيحدد طبيعة مصيرهم السياسي ومستقبلهم للمرحلة القادمة برمتها، لأن استمرار الاعتصامات وإن كانت لاتزال متماسكة بعد مرور أكثر من أسبوعين، فهي أمام عملية سياسية متسارعة في إجراءاتها، ما يعني أن الوقت المتاح بالنسبة للإخوان ومن يؤيدهم من القوى السياسية لاتخاذ قرار موحد في ظل اعتصامات ومسيرات أنصارهم لا يتجاوز بضعة شهور قبل إجراء الانتخابات البرلمانية، لاختيار مجلس الشورى المنوط به تشكيل حكومة جديدة وتعديل الدستور، وعليه فإنهم أمام مسارات مختلفة في طريقة التعاطي مع ما يجري على أرض الواقع، خصوصاً أن مكامن القوة لاتزال لدى خصومهم متمثلة في العلاقة مع الجيش ووزارة الداخلية ومؤسسة الأزهر والكنيسة وخلفهم قطاع كبير من الشعب ووسائل الإعلام ورجال المال والأعمال.

هذه المسارات لا تخرج عن ثلاثة خيارات رئيسة، فإما (الانسحاب) من المشهد السياسي المصري بحيث يعودون إلى نشاطهم الاجتماعي ومجالهم التربوي، ويرقبون أداء القوى السياسية الأخرى وانتظار تغير مجريات الواقع، كي يحافظوا على مستقبلهم ولا يتعرضوا للإبعاد القسري من المشهد السياسي المصري على يد الجيش كما حدث مع الإسلاميين في تركيا عام 1997م، عندما قام الجيش التركي بإسقاط حكومة نجم الدين أربكان المنتخبة، وما تبع ذلك من إجراءات تعسفية بإلغاء حزب الرفاة واعتقال أتباعه وغير ذلك، فاحتاج الإسلاميون لسنوات كي يعودوا للساحة السياسة والعملية الديمقراطية، من خلال تغيير حزبهم واستراتيجياتهم وشعاراتهم وترتيب أوضاعهم، ومن ثم المشاركة السياسية والفوز بالانتخابات البرلمانية ثلاث مرات، حتى استطاعوا قبل أيام وعبر البرلمان تغيير المادة الخاصة بخدمة أفراد الجيش كي لا تقع انقلابات في تركيا مستقبلاً.
أو أن يقبل الإخوان ومؤيدو مرسي بـالخيار الثاني وهو (المصالحة الوطنية) التي دعت لها الرئاسة المؤقتة، بحيث يحاولون فرض بعض شروطهم التي تحمي عملهم السياسي، ومن ثم يعيدون ترتيب أوراقهم وخوض الانتخابات البرلمانية والرئاسية بالاعتماد الصحيح على جماهيريتهم في الشارع ودعم حلفائهم، وهنا تتأكد حقيقة حجمهم سواءً فازوا أو انهزموا، ولكن خيار المصالحة والمضي فيه هو بكل أبعاده (مجازفة خطيرة) بتاريخهم و(منازلة فاصلة) مع خصومهم، تتطلب أن يكونوا صادقين مع أنفسهم ويقدروا حجمهم الحقيقي، لأن هزيمتهم تعني سقوطهم التاريخي الكبير الذي لا يمكن ترميمه بعد ذلك، أما فوزهم فقطعاً سيكون قاصمة لخصومهم وتعزيزاً لشعبيتهم.

وهذا قريب لما حدث في باكستان بقبول الإسلاميين وسكوتهم على ما فعله العسكر عام 2001م بقيادة برويز مشرف، لكنهم عادو في العام الجاري 2013م وفازوا بالانتخابات.

أما الخيار الثالث فهو (استمرار المواجهة) بأن يواصلوا الاعتصام والتظاهر مع مؤيديهم كوسيلة ضغط على النظام القائم حتى تتحقق مطالبهم بعودة الرئيس كما فعل أنصار تشافيز في فنزويلا ، غير أن هذا الخيار غير معلوم العواقب، فهل من اعتصم أسبوعين يستطيع الاعتصام شهرين؟ كما أن ذلك قد يُعرض مصر إلى الفتنة العامة أو الاقتتال الداخلي في حال انطلقت شرارة فوضى أو عنف هنا أو هناك ــ لا قدر الله ــ لا يمكن السيطرة عليها فتقع الكارثة كما حدث في الجزائر عام 1992م عقب فوز الإسلاميين، ومن ثم استقالة الرئيس الشاذلي بن جديد ما أحدث فراغاً في السلطة تطلب نزول الجيش وإلغاء نتيجة الانتخابات.
ومن بعدها لم يعد للإسلاميين ثقل حقيقي واضح أو أثر سياسي ملموس في الحياة الجزائرية.

إذا ً على الإخوان المسلمين وأنصارهم من مؤيدي شرعية مرسي أن يكونوا واقعيين، ويدرسوا خيارتهم بوعي، ويجعلوا مصلحة مصر فوق كل اعتبار، وأن لا يجازفوا بمستقبلهم، فإن كانوا قد خسروا فرصة الرئاسة فالأفضل أن لا يفقدوا الحياة السياسية برمتها سواءً بيد غيرهم أو بأيديهم.

وأن يدركوا الفارق الكبير بين العمل السياسي وإدارة الجماعة وعدم الخلط بينهم.

لهذا أقول: إن مأزق الإخوان ليس بعزل مرسي إنما في قرارهم التاريخي الذي سيحكم على مستقبلهم وحقهم في المشاركة السياسية وتاريخهم الطويل.

محمد بن عيسى الكنعان

_______
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..