الصفحات

الثلاثاء، 16 يوليو 2013

بين الامام البخاري وأولغ بيك بسمرقند التاريخ

توقيع:
 "لا أعلم شيئا يُحتاج إليه إلا وهو في الكتاب والسنة"
ما وضعت في كتاب الصحيح حديثًا إلا اغتسلت قبل ذلك وصليت ركعتين""
"ما جلست للحديث حتى عرفت الصحيح من السقيم وحتى نظرت في عامة كتب الرأي وحتى دخلت
البصرة خمس مرات أو نحوها فما تركت بها حديثًا صحيحًا إلا كتبته إلا ما لم يظهر لي"محمد بن إسماعيل البخاري

توطئة:
قال أبو أحمد عبد الله بن عدي الحافظ: سمعت عدة مشايخ يحكون أن محمد بن إسماعيل البخاري قدم بغداد، فسمع به أصحاب الحديث، فاجتمعوا، وعمدوا إلى مائة حديث فقلبوا متونها وأسانيدها، وجعلوا متن هذا لإسناد هذا، وإسناد هذا لمتن هذا، ودفعوا إلى كل واحدٍ عشرة أحاديث ليلقوها على البخاري في المجلس.

فاجتمع الناس، وانتدب أحدهم، فسأل البخاري عن حديثٍ من عشرته، فقال: لا أعرفه، وسأله عن آخر، فقال: لا أعرفه، وكذلك حتى فرغ من عشرته فكان الفقهاء يلتفت بعضهم إلى بعض ويقولون الرجل فهم ومن كان لا يدري قضى على البخاري بالعجز ..

ثم انتدب آخر ففعل كما فعل الأول والبخاري يقول لا أعرفه ثم الثالث وإلى تمام العشرة فلما علم أنهم قد فرغوا التفت إلى الأول منهم فقال أما حديثك الأول فكذا والثاني كذا والثالث كذا إلى العشرة فرد كل متن إلى إسناده وفعل بالآخرين مثل ذلك، فأقرّ له الناس بالحفظ، فكان ابن صاعد إذا ذكره يقول: الكبش النطّاح.

قلت: عندما نسمع مثل هذه القصص، لا يصدقها الكثيرون، ويعتبرونها مبالغة، ولكن من جلس للشيخ محمد الحسن الددو مثلي, وسمع منه حكايات أغرب من هذه عن إخوتنا في موريتانيا من طلبة العلم في العصر الحاضر، ليصدق فورا هذه الروايات الموثقة ، بسبب قوة الحافظة التي يؤتيها الله تعالى لمن يصطفي من عباده.. عبدالعزيز قاسم


ملاحظة: أكرّر على بعض المتصيّدين -يغفر الله لي ولهم- بأن رحلتي لسمرقند وآثارها هي من باب الاستطلاع الاعلامي الصرف، فلا يصرفها أحد بسوء طوية لأي أمور تعبدية، كي لا يقع في إثم وريبة.




وإذ نحن بسمرقند التاريخ هذه ، طلبت من مرافقي الذهاب لقبر الامام الأشهر محمد بن إسماعيل البخاري يرحمه الله، وهو في قرية قريبة جدا من سمرقند، وكثيرون يظنون بأن الإمام البخاري مدفون في مدينته الأصل التي ولد، بخارى، وهي على مقربة مائتي كيلا تقريبا من سمرقند، ولكن الحقيقة أن الامام البخاري خرج من بخارى في آخر عمره، ضنا بعلمه أن يبتذل للولاة، وتأملوا يا طلبة العلم ويا مشايخ كيف اعتزاز هذا الامام بالعلم الشرعي الذي حصله، ولم يبذله لأحد، تحكي كتب التاريخ الحادثة التالية:

كان البخاري شريف النفس فقد بعث إليه بعض السلاطين ليأتيه حتى يسمع أولاده عليه، فأرسل إليه في بيته : العلم والحلم يؤتى ، يعني إن كنتم تريدون ذلك فهلموا إليّ، وأبى أن يذهب إليهم، والسلطان خالد بن أحمد الذهلي نائب الظاهرية ببخارى فبقى في نفس الأمير من ذلك..

فاتفق أن جاء كتاب من محمد بن يحيى الذهلي بأن البخاري يقول لفظه بالقرآن مخلوق،  وكان وقد وقع بين محمد بن يحيى الذهلي وبين البخاري في ذلك كلام ، وصنف البخاري في ذلك كتاب أفعال العباد، فأراد أن يصرف الناس عن السماع من البخاري، وقد كان الناس يعظمون الامام البخاري جدا وحين رجع إليهم نثروا على رأسه الذهب والفضة يوم دخل بخارى عائدا إلى أهله..

وكان له مجلس يجلس فيه للإملاء بجامعها فلم يقبلوا من الأمير فأمر عند ذلك بنفيه من تلك البلاد، فخرج الامام البخاري منها ودعا على خالد بن أحمد، فلم يمض شهر حتى أمر ابن الظاهر بأن ينادى على خالد بن أحمد على أتان ، وزال ملكه وسجن في بغداد حتى مات، ولم يبق أحد يساعده على ذلك إلا ابتلي ببلاء شديد..

فنزح البخاري من بلده إلى قرية يقال لها خرتنك على فرسخين من سمرقند فنزل عند أقارب له بها وجعل يدعو الله أن يقبضه إليه حين رأى الفتن في الدين ولما جاء في الحديث (وإذا أردت بقوم فتنة فتوفنا إليك غير مفتونين)، ولقي الإمام ربه بعد هذه المحنة.

والله دعاء الصالحين بحق سلاح ..اللهم لا تجعلنا نعادي أهل طاعتك..




في الطريق المعبّد والجميل لقبر الإمام البخاري ، وقد جئت هذا القبر قبل عشرين عاما، وكان مهملا جدا، ويأتيه بعض الزوار طلبا للتبرك، والنكتة أن قهوة ملاصقة تماما له، ولم يزره إلا الرئيس الأندونيسي أيام الاتحاد السوفيتي ، نسيت إسمه ربما سوهارتو أو سوكارنو، في السبعينات، ، أتى لزيارة البخاري من موسكو ،  وسط دهشة الناس هناك، فلم يهتم به أحد قبلا..

 ولكن الحكومة الأوزبكية الحالية اهتمت ، وعرفت قيمة هذا العالم ،وأقامت له هذا الضريح – بالتأكيد مخالف للعقيدة الاسلامية- ولكنهم من وحي رؤيتهم للاسلام ، فضلا عن الحسّ القومي لديهم.. ويظنون أنهم يكرمونه بهذا الشكل , وعودة لسرد ما قاله المؤرخون عن هذا الامام:



وهب الله الإمام البخاري منذ طفولته قوة في الذكاء والحفظ من خلال ذاكرة قوية تحدى بها أقوى الاختبارات التي تعرض لها في عدة مواقف.

    يقول البخاري: أُلهمت حفظ الحديث وأنا في الكتّاب، وكان عمره حينذاك عشر سنين. ولما بلغ البخاري ست عشرة سنة كان قد حفظ كتب ابن المبارك ووكيع.
    وقال محمد بن أبي حاتم الورّاق: سمعت حاشد بن إسماعيل وآخر يقولان: كان أبو عبد الله البخاري يختلف معنا إلى مشايخ البصرة وهو غلام، فلا يكتب، حتى أتى على ذلك أيام، فكنا نقول له: إنك تختلف معنا ولا تكتب، فما تصنع؟ فقال لنا يومًا بعد ستة عشر يومًا: إنكما قد أكثرتما عليّ وألححتما، فاعرضا عليّ ما كتبتما، فأخرجنا إليه ما كان عندنا فزاد على خمسة عشر ألف حديث، فقرأها كلها عن ظهر قلب، حتى جعلنا نحكم كتبنا من حفظه، ثم قال: أترون أني اختلف هدرًا وأضيّع أيامي؟! فعرفنا أنه لا يتقدمه أحد.

    وقال ابن عدي: حدثني محمد بن أحمد القومسي، سمعت محمد بن خميرويه، سمعت محمد بن إسماعيل يقول: أحفظ مائة ألف حديث صحيح، وأحفظ مائتي ألف حديث غير صحيح.

    قال: وسمعت أبا بكر الكلواذاني يقول: ما رأيت مثل محمد بن إسماعيل، كان يأخذ الكتاب من العلماء، فيطّلع عليه اطّلاعة، فيحفظ عامة أطراف الأحاديث بمرة.






من كُتب له الذهاب هناك، أنصحه بشرب عصير "الخوخ" المعدّ بطريقة محلية لذيذة جدا، تبيعه سيدة سمرقندية هناك عند البوابة ، ولا أدرى أهي تشبه سمكة (جمال خاشقجي) التي أطربتني في باريس أم لا ،أو أنه نبيذ أبو حنيفة الحلال، ولكني استمزجته بشكل كبير للذته، وطلبت كوبا آخر وثالث، مزمزته ببرودته التي تنزلق للصدر ، فتنشرح نفسك..بالتأكيد عصير طبيعي من انتاج محلي..

هنا المدخل الواسع، وذهلت تماما للتغيير الكبير الذي حدث ، فالزيارة الأولى كانت لمنطقة مظلمة كثيفة الشجر ، وبائسة المنظر ، ولكنها الآن مزارا سياحيا حقيقيا، وأسجل اعتراضي بالتأكيد من ناحية عقدية، ولكن القوم حسبوها من مردود حضاري واقتصادي، وهم ببنائهم هذا لظنوا بأنهم أكرموا إمام الحديث ،

عموما ، المنطقة جميلة جدا ، وبها حديقة رائعة ، وتمنيت صديقي القصيمي يوسف القاسم، بقهوته المميزة مع السكري، ونضع الفرشة هناك على العشب الأخضر، ونتفرج في السابلة أمامنا ..والله إني صادق ، تمنيت ذلك ، لا أروع من ارتشاف القهوة مع أحبة لك ، في أجواء حالمة كتلك ..

ونعود للامام البخاري ونحكي ما قاله المؤرخون عنه:

ظهر نبوغ البخاري مبكرًا، فتفوق على أقرانه، وصاروا يتتلمذون على يديه، ويحتفون به في البلدان.

فقد رُويَ أن أهل المعرفة من البصريين يعدّون خلفه في طلب الحديث وهو شاب حتى يُغلّبوه على نفسه ويُجلسوه في بعض الطريق، فيجتمع عليه ألوف، أكثرهم ممن يكتب عنه، وكان شابًا لم يخرج وجهه.

رُويَ عن يوسف بن موسى المروروذي قال: كنت بالبصرة في جامعها، إذ سمعت مناديًا ينادي: يا أهل العلم، قد قدم محمد بن إسماعيل البخاري. فقاموا في طلبه، وكنت معهم، فرأينا رجلًا شابًا يصلّي خلف الأسطوانة، فلما فرغ من الصلاة أحدقوا به، وسألوه أن يعقد لهم مجلس الإملاء، فأجابهم. فلما كان الغد اجتمع قريبٌ من كذا كذا ألف، فجلس للإملاء، وقال: يا أهل البصرة، أنا شاب، وقد سألتموني أن أحدّثكم، وسأحدّثكم بأحاديث عن أهل بلدكم تستفيدون منها.


روي عن أبي الأزهر قال: كان بسمرقند أربعمائة ممن يطلبون الحديث، فاجتمعوا سبعة أيام، وأحبوا مغالطة البخاري، فأدخلوا إسناد الشام في إسناد العراق وإسناد اليمن في إسناد الحرمين فما تعلقوا منه بسقطة لا في الإسناد ولا في المتن.

وقال أحيد بن أبي جعفر والي بخارى: قال محمد بن إسماعيل يومًا: رُبّ حديثٍ سمعته بالبصرة كتبته بالشام ورب حديث سمعته بالشام كتبته بمصر فقلت له: يا أبا عبد الله، بكماله؟ قال: فسكت.





عندما تسمع هذه الحكايات وتقرؤها وتحفظها عن سيرة الامام البخاري، ستدهمك فجأة وأنت إزاء قبره، فتعيش حالة من التاريخ، وتستحضر كل الذي قرأته ، ويمر أمامك كشريط سينمائي ، وتتغشاك حالة استمتاع وترى الصور تتحرك أمامك .. لا أدري ، هل هي حالة خاصة بي أم أنها شائعة لكل من يأتي معالم تاريخية..

مثل هذه الحالات تأتيني أيضا في المتاحف، ففي متحف اللوفر أيضا عشت مثل هذه الحالة ، ولا أنسى ستالين وهتلر وأنا أزور المتحف الوطني الخاص بهم هناك في طشقند..ودعوكم مني ، وهلموا لورع هذا الامام في هذه القصة العجيبة :

    قال محمد بن أبي حاتم الرازي: ركبنا يومًا إلى الرمي، فجعلنا نرمي، وأصاب سهم أبي عبد الله البخاري وتدَ القنطرة الذي على نهر ورادة، فانشق الوتد، فلما رآه أبو عبد الله نزل عن دابته، فأخرج السهم من الوتد وترك الرمي، وقال لنا: ارجعوا، ورجعنا معه إلى المنزل، فقال لي: يا أبا جعفر، لي إليك حاجة مهمة، قالها وهو يتنفس الصعداء، وقال لمن معنا: اذهبوا مع أبي جعفر حتى تعينوه على ما سألته، فقلت: أية حاجةٍ هي؟

قال لي: تضمن قضاءها؟ قلت: نعم، على الرأس والعين. قال: ينبغي أن تصير إلى صاحب القنطرة فتقول له: إنا قد أخللنا بالوتد، فنحب أن تأذن لنا في إقامة بدله، أو تأخذ ثمنه وتجعلنا في حلٍّ مما كان منا. وكان صاحب القنطرة حميد بن الأخضر الفربري، فقال لي: أبلغ أبا عبد الله السلام، وقل له: أنت في حلٍّ مما كان منك، وجميع ملكي لك الفداء، وإن قلت نفسي أكون قد كذبت، غير أني لم أكن أحب أن تحتشمني في وتدٍ أو في ملكي. فأبلغته رسالته، فتهلّل وجهه واستنار، وأظهر سرورًا، وقرأ في ذلك اليوم على الغرباء نحوًا من خمسمائة حديث، وتصدق بثلاث مائة درهم.

    قال ابن أبي حاتم: ورأيته استلقى على قفاه يومًا ونحن بفربر في تصنيفه كتاب التفسير، وأتعب نفسه ذلك اليوم في كثرة إخراج الحديث، فقلت له: إني أراك تقول: إني ما أثبت شيءًا بغير علمٍ قط منذ عقلت، فما الفائدة في الاستلقاء؟ قال: أتعبنا أنفسَنا اليوم، وهذا ثغرٌ من الثغور خشيت أن يحدث حدثٌ من أمر العدو، فأحببت أن استريح، فإن فاجأنا العدو كان بنا حراك.

    وضيّفه بعض أصحابه في بستانٍ له وضيّفنا معه، فلما جلسنا أعجب صاحب البستان بستانه، وذلك أنه كان عمل مجالس فيه وأجرى الماء في أنهاره، فقال له: يا أبا عبد الله، كيف ترى؟ فقال: هذه الحياة الدنيا.

    وكان الحسين بن محمد السمرقندي يقول: كان محمد بن إسماعيل مخصوصًا بثلاث خصالٍ مع ما كان فيه من الخصال المحمودة، كان قليل الكلام، وكان لا يطمع فيما عند الناس، وكان لا يشتغل بأمور الناس، كل شغله كان في العلم.





في الباحة الخارجية للقبر..والحقيقة أن ثمة مسجدا فخما ، وأدركتنا صلاة الظهر، ورفضت أن أصلي فيها، لأنني تذكرت في العام 1407 هـ ، وكنت في مدينة (كويتا) الباكستانية القريبة من قندهار، نوزع مساعدات على اللاجئين الأفغان، وكنت بضيافة الشيخ عقيل العقيل مدير عام مؤسسة الحرمين، حيث كان مقيما هناك تلك الفترة ، وأخذنا في جولة سياحية في منطقة جبلية جميلة، وصلينا في مسجد، وما لبث أن طلب منا أن نعيد الصلاة خارج المسجد، وعندما استفسرنا منه، قال بأن ثمة قبر داخل المسجد..عاد نحن وهابية لا نجيز ذلك ، ولكني زحلقتها على مرافقي وقلت : نحن مسافرون نجمع ونقصر هناك في سمرقند..

صحيح البخاري: هو أشهر كتب البخاري، بل هو أشهر كتب الحديث النبوي قاطبة. بذل فيه صاحبه جهدًا خارقًا، وانتقل في تأليفه وجمعه وترتيبه وتبويبه ستة عشر عامًا، هي مدة رحلته الشاقة في طلب الحديث. ويذكر البخاري السبب الذي جعله ينهض إلى هذا العمل، فيقول: كنت عند إسحاق ابن راهويه، فقال: لو جمعتم كتابًا مختصرًا لصحيح سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فوقع ذلك في قلبي، فأخذت في جمع "الجامع الصحيح"

بلغ عدد أحاديث صحيح البخاري مع وجود المكررة منها 7593 حديثاً حسب إحصائية الأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي، اختارها الإمام البخاري من بين ستمائة ألف حديث كانت تحت يديه؛ لأنه كان مدقِّقًا في قبول الرواية، واشترط شروطًا خاصة في رواية راوي الحديث، وهي أن يكون معاصرًا لمن يروي عنه، وأن يسمع الحديث منه، أي أنه اشترط الرؤية والسماع معًا، هذا إلى جانب الثقة والعدالة والضبط والإتقان والعلم والورع.

كان البخاري لا يضع حديثًا في كتابه إلا اغتسل قبل ذلك وصلى ركعتين، وابتدأ البخاري تأليف كتابه في المسجد الحرام والمسجد النبوي، ولم يتعجل إخراجه للناس بعد أن فرغ منه، ولكن عاود النظر فيه مرة بعد أخرى، وتعهده بالمراجعة والتنقيح؛ ولذلك صنفه ثلاث مرات حتى خرج على الصورة التي عليها الآن

قد استحسن شيوخ البخاري وأقرانه من المحدِّثين كتابه، بعد أن عرضه عليهم، وكان منهم جهابذة الحديث، مثل: أحمد بن حنبل، وعلي بن المديني، ويحيى بن معين؛ فشهدوا له بصحة ما فيه من الحديث، ثم تلقته الأمة بعدهم بالقبول باعتباره أصح كتاب بعد كتاب الله. أقبل العلماء على كتاب الجامع الصحيح بالشرح والتعليق والدراسة، بل امتدت العناية به إلى العلماء من غير المسلمين؛ حيث دُرس وتُرجم، وكُتبت حوله عشرات الكتب.



هنا الضريح والله المستعان.. والحمد لله ، ثمة مرشد ديني هناك ، استمعت له وهو يتحدث عن الامام البخاري للسياح الذين يأتون، وغالبيتهم من الاخوة الهنود والباكستانيين، ويوجد من أهل المدينة من يأتي تلمسا للبركة، والحقيقة أنني استمعت له، وكان معتدلا، ولم يقع في الخرافيات، وكان ينصح بشكل معقول، وحاورته ، وكان ملما بتاريخ الامام البخاري يرحمه الله ..

أتذكر في زيارتي الأولى ، ثمة من كان يطوف حول القبر، ولكن الان لا يوجد هذا الطواف ولله الحمد..

من كرم البخاري وسماحته

    قال محمد بن أبي حاتم الرازي عن الإمام البخاري: كانت له قطعة أرض يؤجرها كل سنة بسبع مائة درهم، فكان ذلك المؤجر ربما حمل منها إلى أبي عبد الله قثّاةً أو قثّاتين؛ لأن أبا عبد الله كان معجبًا بالقثّاء النضيج، وكان يؤثره على البطيخ أحيانًا، فكان يهب للرجل مائة درهم كل سنة لحمله القثّاء إليه أحيانًا.

    قال: وسمعته يقول: كنت أستغل كل شهر خمس مائة درهم، فأنفقت كل ذلك في طلب العلم. فقلت: كم بين من ينفق على هذا الوجه وبين من كان خلوًا من المال فجمع وكسب بالعلم حتى اجتمع له! فقال أبو عبد الله: ما عند الله خيرٌ وأبقى.

    كان يتصدق بالكثير، يأخذ بيده صاحب الحاجة من أهل الحديث فيناوله ما بين العشرين إلى الثلاثين، وأقل وأكثر، من غير أن يشعر بذلك أحد، وكان لا يفارقه كيسه.


هنا قبر الامام أبي عبدالله ..

النشأة: هو محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبه الجعفي ، النسب[3] [4]أبو عبد الله بن أبي الحسن البخاري من مدينة بخارى في خراسان الكبرى ( أوزبكستان حاليا) و أصله من مدينة بخارى [5]، وهو الحافظ إمام أهل الحديث في زمانه، والمقتدى به في أوانه، والمقدّم على سائر أضرابه وأقرانه، وكتابه الجامع الصحيح أجمع العلماء على قبوله وصحة ما فيه.

ولد الإمام البخاري ليلة الجمعة الثالثة عشر من شوال سنة 194 هـ، ومات أبوه وهو صغير، فنشأ في حجر أمه، فتوجّه إلى حفظ الحديث وهو في المكتب، وقرأ الكتب المشهورة وهو ابن ست عشرة سنة، حتى قيل إنه كان يحفظ وهو صبي سبعين ألف حديثاً سندًا ومتنًا. أصيب بصره وهو صغير، فرأت أمه في منامها إبراهيم الخليل يقول: "يا هذه، قد ردّ الله على ولدك بصره بكثرة دعائك (أو قال: بكائك) فأصبح بصيرًا".




يوجد مقهي بجوار بوابة القبر.. لا يفوتكم، يذكركم بألف ليلة وليلة .. حتى المقاهي هناك تراثية فعلا ..
هناك الشاي الأخضر المميز  ، والشاي الأسود، والعادة أنهما بلا سكر، ويضعوا السكر خارجا لمن يريد..

تذكروا أبا أسامة إن أتيتم هذا المقهى، وادعوا لي..






هنا مع الدليل السمرقندي الأخ أكابر .. على يميني شجرة عتيقة عمرها أكثر من 200 عام، أتذكرها في زيارتي الأولى .. يعتقد بها بعض الخرافيين ، ويضعون نذورهم عليها، والحمد لله ، هذه المرة لم أر هذه المظاهر ، ولم أعلم السبب ، هل بسبب الادارة الدينية المشرفة وتوعيتها ، لا أعرف ، ولكني حمدت الله على ذلك ..
  
 وكان أكثر من تأثر به البخاري وتعلم منه هو علي بن المديني

    روى عنه خلائق وأمم كثيرون. وقد روى الخطيب البغدادي عن الفربري أنه قال: سمع الصحيح من البخاري معي نحوٌ من سبعين ألفًا لم يبقَ منهم أحد غيري.
    وقد روى البخاري من طريق الفربري كما هي رواية الناس اليوم
    من طريقه وحماد بن شاكر ومحمد بن بن المثنى بن دينار
    وإبراهيم بن معقل
    وطاهر بن مخلّد

    وآخر من حدث عنه أبو طلحة منصور بن محمد بن علي البردي النسفي، وقد توفي النسفي في سنة تسع وعشرين وثلاثمائة، ووثقه الأمير أبو نصر بن ماكولا.

    وممن روى عن البخاري مسلم في غير الصحيح
    وكان الإمام مسلم بن الحجاج يتلمذ له ويعظمه
    وروى عنه الترمذي في جامعه
    والنسائي في سننه في قول بعضهم

    وقد دخل بغداد ثمان مرات، وكان يجتمع في كل منها بالإمام أحمد بن حنبل فيحثه الإمام أحمد بن حنبل على المقام ببغداد ويلومه على الإقامة بخراسان.





ودعنا الامام البخاري يرحمه الله، وقبل ركوبي السيارة طلبت من المرافق أن يذهب بي للسيدة السمرقندية، كي أكرع من الكوب الكبير عصر "الخوخ" فلذته ، كان ملازما لي طيلة الجولة .. وأنصحكم بعدم تفويتها..

وانفلتنا لحفيد تيمورلنك ، وهو الملك والعالم الفلكي أولغ بيك ( الصورة هو مدخل مرصده الفلكي الشهير ) بربوة عالية وجميلة في سمرقند ..وخذوا نبذة عنه:

میرزا محمد طارق بن شاه رخ المعروف ب(ألوغ‌ بیگ)أو (ألوك بيك) ولد عام 1394 بالسلطانية بإيران وتوفي عام 1449 قرب سمرقند.الابن البكر لمعین الدین شاه رخ التیموري من زوجته المفضلة الفارسية النبيلة المعروفة گوهرشاد وهو حفيد القائد المغولي مؤسس الدولة التيمورية تيمورلنك.

كان أميرا وعالم فلك ورياضيات وضالعا في هندسة الفضائية. لقب بألوك ‌بیگ التي تعني الأمير الكبير منذ شبابه. توج أبوه شاه رخ ملكا عام 1409 وجعل من مدينة هرات التي توجد بأفغانستان الآن عاصمة له وهي التي ألفها لما كان واليا من قبل على خراسان.عينه أبوه واليا على سمرقند وهو ابن ستة عشر سنة ولم يكن مهتما بالسياسة فاستفاد من حنكة أبيه الادراية لينكب على الاهتمام بالعلم.

فلما توفي شاه رخ عام 1447 تولى الملك لكن لم يستتب له الأمر حيث تمرد عليه ابنه البكر عبد اللطيف الذي نجح في اغتياله عام 1449 ونصب نفسه ملكا قبل أن يقتل هو أيضا عام 1450.




هذه المئذنة الفلكية التي بناها ليرصد النجوم ، من تلك الأزمنة، والحقيقة أن الرجل واضح أنه فلكي فذ ، من خلال الدقة في البناء، والزوايا الهندسية التي كانت عليها..وطبعا كانت مهدومة ولا يعرف عنها أحد، حتى اكتشفتها بعثة روسية عام 1908 م  ، ودونكم ما كتبه المؤرخون عن الرجل:

يقع هذا المرصد على رابية في الضواحي الشمالية الشرقية لمدينة سمرقند ، ولقد بنى هذا المرصـد العـالم الفلكـي أولـغ بـك حـفيد تيمـورلنك، وذلـك بعـد أن أصبـح حاكم ترانس أوكسيانيا.

وقـد عـرفت هـذه العاصمة في القرن التاسع الهجري / الخامس عشر الميلادي تحت حكم السـلاطين التيمـوريين تطـورا ثقافياً وفنياً جعل منها المركز الأكثر ازدهاراً في كل الشرق الأدنى.

وكـان أولـغ بـك مولعـاً بـالعلوم ويحب أن يحاط بالعلماء وأن يناقش معهم مسائل علمية، فأنشـأ مرصد سمرقند عام 823هـ / 1420م على غرار مرصد مراغة . وكان المرصد مـربع الشكل في كل ضلع من أضلاعه قاعة للمحاضرات عهد بها إلى مدرس خاص، وقد زودت مكتبته بأحدث ما كتب على غرار مكتبة مرصد مراغة.

وقـام أولـغ بـك بإدخـال أحدث آلات الرصد المتطورة والمتقنة، فكان ارتفاع آلة ذات الربع فيـه تضـارع ارتفـاع مئذنـة جـامع آيـا صوفيا بإستانبول . كما احتوى المرصد على تمثيل للكـرات السماوية العشر مع الدرجات والدقائق والثواني وأعشار الثواني، وللكرات الدوارنية، وللكـرات السـيارة السـبعة، وللنجـوم الثابتة وللكرة الأرضية مع المناخات والجبال والبحار والصحاري.

وقـد عيـن عليـه جمشـيد بـن مسـعود الكاشـي وهو عالم مشهور بالهيئة والأرصاد وكان مسـئولا عـن آلات الرصـد، يعاونـه عـدد مـن الرصـاد الفلكـيين منهم صلاح الدين الرومي المعـروف بقـاضي زاده وكـان مديـرا للمرصـد، وعلاء الـدين عـلي القوشجي الفقيه والعالم بالفلك. وكان تلميذا لأولغ بك وقد أرسله إلى الصين لطلب العلم هناك فضبط قياس درجة مـن خـط النهـار، ومقـدار مسـاحة الأرض ، كما زار إستانبول وخدم السلطان محمد الثاني العثماني. وقد أسند إليه أولغ بك مرصد سمرقند بعد وفاة قاضي زاده.



هذا المكتشف الروسي "فاتكن" الذي كان يبحث بدأب عن المرصد ، حتى استطاع الوصول له:

في عام 1908 تم الكشف عن موقع مرصد أولغ بيك في سمرقند بعد أن كان مطمورا طوال قرون طويلة،  حين نجح ج.ل فاتكن في العثور على وقفية من وقفياته تحدد مكانه بالضبط في المدينة، واستطاع في أثناء تنقيباته الأثرية أن يعثر على قوس كبيرة كانت تستخدم في تحديد منتصف النهار، وتعتبر أهم الأدوات الفلكية في المرصد.

يقع المرصد الذي يبلغ ارتفاعه حوالي 21 مترا على تل ذي قاعدة صخرية، وتبلغ مساحة السطح لذلك التل حوالي 85 مترًا من الشرق إلى الغرب، وحوالي 170 مترًا من الشمال إلى الجنوب.

وتحيط بالمبنى الرئيسي للمرصد حديقة، وأماكن إقامة لغرض السكن.

وهذا ما يدل على فخامة المبنى وعظمته، ويستدل من الاكتشافات الأثرية أن ذلك المبنى كان أسطواني الشكل وذا تصميم داخلي دقيق ومحكم.

ولم يكن دمار مرصد سمرقند وزواله ناجمين، في رأي فاتكن، عن عوامل طبيعية؛ إذ من المحتمل أن يكون بعض الدمار قد نجم عن استخدام رخامه في عمليات بناء أخرى.
وقد وضعت جداول فلكية في المرصد، عرفت بجداول أولغ بك وتعد من أدق الجداول في العالم. ومن المعروف أن قبة المرصد، استغلت في وضع الجداول؛ حيث كان يوجد بها نقوش تحدد الدرجات والدقائق والثواني وأعشار الثواني لأفلاك التدوير، وللكواكب السبعة، وللنجوم المتحيرة، وللكرة الأرضية بتقسيماتها من حيث الأقاليم والجبال والصحارى.





صورة "أولغ بيك" ، والله يا جماعة الخير ، تفرست فيه، ووجدته عالم أكثر منه سياسي، ما عزز الايمان لدي ، بأن السياسة لها أهلها ودروبها ، لأن حياته السياسية كارثة، ودونكم ما سطره المؤرخون عن سيرته السياسية:

لم يكن ألوك بك قويا في السياسة والإدارة مثل براعته في العلوم حيث خسر معارك كثيرة وهاجم بلا رحمة سكان مدينة هرات بعد هزيمته لميرزا علاء الدولة ابن باي سنقر. وبعدها بسنتين ذبحه ابنه عبد اللطيف لما كان في طريقه إلى مكة.




والله حسرة تلبستني وأنا أطالع هذه المخطوطات والكتب المكتوبة باللغة العربية الفصيحة وبالخط القديم ، وفيها حواشي وشروحات ..



هنا خريطة رسمها الرجل في تلك الأزمنة يحكي فيها باللغة العربية طريق السفر، وسبحان الله كيف توصلوا لها ، دون أقمار صناعية ولا طائرات ..



هنا لغة أهل الفلك ، التي اضمحل علمها بشكل كبير، بعد أن كانت ملء السمع والبصر في تلك الأزمنة..


لما ولي على سمرقند حولها إلى عاصمة للعلم والثقافة فبنى مدرسة فيها وفي بخارى واستدعى إليها علماء فلك ورياضيات مثل قاضي زاده الرومي وعلي الدين القوشي ليدرسوا فيها.وكان من بين تلامذته المعروفين الرياضي غياث الدين الكاشي.و قد بنى بيها محطة مراقبة للنجوم وفيها وضعوا الجداول السلطانية التي تسمى بالفارسية الزيج والذي كانت دقيقة جدا.بعد وفاة الوك بيك سافر علي القوشي إلى تبريز فإسطنبول ومن هناك وصلت الجدوال إلى أوروبا.

تمكنوا أيضا من تصحيح وتدقيق موقع 992 نجم واضافوا إليها 27 نجما زيادة على ماذكره عبد الرحمان الصوفي في كتابه "النجوم الثابتة". في عام 1437 تمكن ألوك بيك من تدقيق طول المدة التي تلزم الشمس" للرجوع إلى موقعها" سنويا أي مدة الحركة الظاهرية للشمس كما يلي :

365.2570370d =365d 6h 10m 8s  وكان هامش الخطأ هو +58s

وم تصحح بإضافة 28 ثانية إلا من طرف نيكولاس كوبرنيكوس عام 1525 أي بعد 88 عاماو هي النسبة التي وافقهاأيضا حساب ثابت بن قرة.



للرجل موقعه بين علماء الفلك العالميين ، ويذكر أن العالم الألمانيJohann Heinrich von Mädler يوهان هينريك فون مادلر سمى فوهة صدمية على سطح القمر باسم ألوك بيك "Ulugh Beigh crater"عام 1830 وذلك للتذكير باسهاماته العظيمة في علم الفلك والهندسة الفضائية.





وقفت أمام هذه الصور، وقفة متأمل، أبحلق بعيني صقر ، وأقترب وأبتعد عن اللوحة بتركيز شديد، ومرافقي أعجب بي ، يظنني متمرسا ومحترفا متخصصا، لطول ما أتفرس في اللوحة، ولا يدري أنني مستمتع بفك الخط العربي فقط، وإلا والله أنا والرجل العامي سواء..

الورطة أنه سألني ماذا تعني هذه ، هيا دوّر على أبي أسامة ، وهي مصطلحات فلكية قديمة ، لا أعيها ولا أعرفها ..

طبعا حمحت كما العلماء الكبار، وقلت له : هذه أشياء متخصصة كبيرة ، ولكن حبل الكذب قصير..

كلما رأى لوحة عليها كتابات عربية سألني عنها، وكثير منها آيات قرآنية ، مكتوبة بطريقة الخطاطين الملتفة، فأدير برأسي دورة كاملة مع الخط ، وأنزل معها ، وأرتفع بحسب الخط ، لأعرف الآية..



هنا عملات معدنية من تلك العهود، وعليها نقوش باللغة العربية ..ربما لهواة التحف والعملات سيستمتعوا أكثر..



عاد صاحبنا أولغ بيك ، طلع حق طرب وغناء ، وهذه الالات التي في متحفه ..
لذلك ابنه عبداللطيف ، وجمهرة أهل سمرقند وعلمائها اتهموا الرجل بالزندقة والبعد عن الدين ، وثار ابنه ضد وذبحه..



هنا تصميم مصغر للمرصد الفلكي للرجل، والحقيقة أنها غاية في الاتقان الهندسي، والرجل ملم بالرياضيات ، وآتي بأحد علماء الرياضيات الأفذاذ على مر التاريخ وهو غياث الدين الكاشي، وفيما يلي نبذة عن الكاشي:

 أما في الرياضيات، فقد ابتكر الكاشي الكسور العشرية، ويقول سمث في كتابه "تاريخ الرياضيات" : "إن الخلاف بين علماء الرياضيات كبير، ولكن غالبيتهم تتفق على أن الكاشي هو الذي ابتكر الكسر العشري". كما وضع الكاشي قانوناً خاصاً بتحديد قيس أحد أضلاع مثلث انطلاقا من قيسي ضلعيه الآخرين وقيس الزاوية المقابلة له بالإضافة إلى قانون خاص بمجموع الأعداد الطبيعية المرفوعة إلى القوة الرابعة. ويقول كارادي فو في حديثه عن علماء الفلك المسلمين : "ثم يأتي الكاشي فيقدم لنا طريقة لجمع المتسلسلة العددية المرفوعة إلى القوة الرابعة، وهي الطريقة التي لا يمكن أن يتوصل إليها بقليل من النبوغ".

هناك صيغة معروف: \sin 3 \phi = 3 \sin \phi - 4 \sin^3 \phi\,\! التي تستختدم لحساب جيب 1° (وتطبيقات الأخرى)، وهي معروف بـ"صيغة فييت" (Viète's formula) عند الغربيين ونسبوها بفرانسوا فييت (1540–1603م) بطريق الخطأ، ولكن الكاشي هو أول من أكتشف تلك الصيغة.[1]


هنا مؤلف باللغة العربية في الرياضيات وضعه أولغ بيك ، وفيه حساب المثلثات الجيب والجيب تمام
هل تتذكرون الجداول التي كنا نستعين بها قبل الآلة الحاسبة في حساب المثلثات، الرجل وضعها وبشكل دقيق جدا..





صورة للكرة الأرضية بما رسمها الرجل..وهنا نبذة عن تعامله مع العلماء الذين اشرفوا على المرصد..

وكانت المحاضرات تعقد في القاعات الملحقة بالمرصد، وكان مدير المرصد العالم قاضي زاده يدرس محاضرات عامـة في الرياضيات والفلك للطلاب والمدرسين معا، وقد حدث في أحد الأيام أن عزل أولغ بك أحد المدرسين العاملين بالمرصد، فتصدى له قاضي زاده.

ولقـد كان قاضي زاده مشهورا بين معاصريه باحترامه للأساتذة وطلاب العلم وحفاظه على كـرامتهم، ولا يقبـل أي ضغـط مـن ولاة الأمـر عليهـم، فكـان أن انقطـع التدريس وإلقاء المحـاضرات. وكان أولغ بك يحترم قاضي زاده احتراما كبيرا، فشعر بخطئه وذهب بنفسه لزيـارة قـاضي زاده وسأله عن أسباب الانقطاع فأجابه: "كنا نظن أن مناصب التدريس من المنـاصب التي تحيطها هالة من التقديس لا يصيبها العزل، وأنها فوق متناول الأشخاص، ولما رأينا أن منصب التدريس تحت رحمة أصحاب السلطة وأولي الأمر، وجدنا أن الكرامة تقضي علينا بالانقطاع، احتجاجا على انتهاك حرمات العلم والعبث بقداسته، فتراجع عن موقفه.

ومـن أبـرز جهود هذا المرصد هو ابتكار آلة فلكية تسمى طبق الناطق من صنع الكاشي ساهمت في الحصول على تقاويم الكواكب ومعرفة أطوالها وعروضها وأبعادها مع الخسوف والكسـوف . كمـا اسـتطاع الكاشـي مـن خلال آلته هذه التوصل إلى نتائج هامة وهي أن الكـواكب تسـير فـي مدارات إهليلجية وليست دائرية، كما يعتقد من سبقه من الفلكيين، وقـد سـجل الكاشـي نتائجه هذه في الزيج الخاقاني، وقد كان هذا الاكتشاف سبقا فلكيا مهد لكبلر بعده من أن يعدل نظام حركات الكواكب.

ومـن أبـرز جـهود هـذا المرصـد الجـداول الإيلخانيـة التـي هي نتاج ثلاثة عقود من الرصد ووضعـت عـام 841هــ / 1437م. وهـي تشـكل نتائج عمل جماعي مهم، ويضم الزيج حسـابات فائقـة الدقة لمواقع النجوم والكواكب في السماء بالدرجات والدقائق دون الثواني، وفيـه كـذلك حسابات دقيقة للخسوف والكسوف، وحركة الشمس و القمر ، وبيان خطوط الطـول والعرض العائدة إلى أشهر المدن والأقاليم والنواحي الإسلامية المترامية الأطراف، وقد استخدمت نتائج هذا الزيج بشكل واسع في ذلك الوقت.



في سفح التلة التي فيها المرصد والمتحف، يوجد تمثال للعالم الفلكي أولغ بيك ، والحقيقة أنها رحلة تاريخية ، سيستمتع جدا عاشقها وعاشق الطبيعة البكر ..ونلقاكم في الحلقة الثالثة عن مدينة قوقند وحاكمها (خداير بيك)، وحاكمها قبل استيلاء القياصرة الروس على تلك البلاد.. 

تقرير مصور أعده: عبدالعزيز قاسم
إعلامي وكاتب سعودي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..