الصفحات

الثلاثاء، 27 أغسطس 2013

المصارف الإسلامية ما لها وما عليها

لفظ العنوان يوحى بأن هذه الكلمة سوف تتناول المصارف الإسلامية على وجه العموم وأنها ستتناول
إيجابياتها وسلبياتها ونجاحاتها وإخفاقاتها على وجه الشمول.
هذا بالطبع غير مقصود وغير ممكن، إذ إن المتكلم لا يحيط علمه بجميع المصارف الإسلامية فضلاً عن أن يحيط علماً بأنشطتها وأنواع معاملاتها.
وإنما ستتناول هذه الكلمة فقط التوجه العام الغالب للمصارف الإسلامية.
ولتقييم التوجه العام لأي نظام لابد أن يتم ذلك في ضوء قياس مدى تحقيق النظام لأهدافه والأغراض التي وجد لتحقيقها.
فما هو مبرر وجود المصارف الإسلامية؟
لماذا كان وجودها ضرورياً؟
الجواب:
(1) من أكبر المصائب التي أصيبت بها المجتمعات الإسلامية وجود الربا ممارسة واستحلالاً بوجود مؤسسات للوساطة المالية بين المدخرين والمستثمرين تعتمد أساساً على الربا (البنوك على النظام الغربي).
يتضح خطر هذه المصيبة من قراءة الآيات الكريمة {الذٌينّ يّأًكٍلٍونّ الرٌَبّا لا يّقٍومٍونّ إلاَّ كّمّا يّقٍومٍ الذٌي يّتّخّبَّطٍهٍ الشَّيًطّانٍ مٌنّ المّسٌَ ذّلٌكّ بٌأّنَّهٍمً قّالٍوا إنَّمّا البّيًعٍ مٌثًلٍ الرٌَبّا وأّحّلَّ اللَّهٍ البّيًعّ وحّرَّمّ الرٌَبّا} {يّمًحّقٍ اللَّهٍ الرٌَبّا} (البقرة: 275، 276) {يّا أّيٍَهّا الذٌينّ آمّنٍوا اتَّقٍوا اللَّهّ وذّرٍوا مّا بّقٌيّ مٌنّ الرٌَبّا إن كٍنتٍم مٍَؤًمٌنٌينّ فّإن لَّمً تّفًعّلٍوا فّأًذّنٍوا بٌحّرًبُ مٌَنّ اللَّهٌ ورّسٍولٌهٌ} (البقرة:278 - 279) ويستحيل رفع الربا في المجتمع، بدون زوال مؤسساته ولا يمكن زوال هذه المؤسسات إلا بوجود مؤسسات بديلة تختلف عن المؤسسات الربوية في فلسفة العمل وآلياته وتكون قادرة على منافستها من حيث كفاية الأداء.
(1) فالمبرر الأول: لوجود المصارف الإسلامية أن تكون البديل الحقيقي والقادر عن البنوك الربوية.
(2) المبرر الثاني: تحقيق المباديء القرآنية الثلاثة في التعامل مع المال وهي:
أ- أن يكون المال قياماً للناس ولا يكون محلاً لطيش السفهاء {ولا تٍؤًتٍوا السٍَفّهّاءّ أّمًوّالّكٍمٍ التٌي جّعّلّ اللَّهٍ لّّكٍمً قٌيّامْا} (النساء: 5).
ويتحقق هذا بأن يستخدم المال في وظيفته الطبيعية وهي مواجهة حاجات الإنتاج والتسويق والاستهلاك العاقل وصولاً إلى استقرار الاقتصاد ونموه مأخوذاً في الاعتبار أن أكبر خطر يهدد الاقتصاد المحلي والعالمي في الوقت الحاضر مرضه المزمن الكامن في جذوره وهو عدم الاستقرار.
وهذا المرض بالنسبة للاقتصاد العالمي مظهره أن هذا الاقتصاد يقوم على أهرامات من الديون يرتكز بعضها على بعض ولكن على غير أساس ثابت وقد تسبب هذا عن حمى المضاربة على العملات والمضاربة على الأسهم حتى أصبح العالم أشبه بكازينو كبير للقمار هذه المضاربة إنما يدعمها الائتمان الربوي حيث أصبح كل واحد يمكنه أن يشتري بدون أن يدفع ويبيع بدون أن يحوز، وفي تدفق النقود بين دول العالم تحظى المضاربة بالنسبة العظمى ولا تحظى التجارة الحقيقية إلا بنسبة ضئيلة.
(إن هذه المضاربة المسعورة والمحمومة قد أتاحها وغذاها الائتمان على الصورة الغربية التي يجري عليها اليوم).
هذا يعني أن المال صار يستعمل في غير وظيفته الطبيعية.
وإذا كان النشاط الاقتصادي غايته الأساسية إشباع حاجات الناس غير المحدودة بموارد محدودة فإن هذه الغاية لن يمكن تحقيقها ما دام المال يستعمل في غير وظيفته الطبيعية على نحو ما هو واقع.
والمفروض أن المصرف الإسلامي الحقيقي - إذا وجد - سيغير هذه الصورة وفي آلية عمله سوف يستعمل المال في وظيفته الطبيعية بأن يكون أداة التعامل ولن يكون محلاً للتعامل وبهذا وبمراعاته القاعدة الشرعية (أن لا يبيع الإنسان ما ليس عنده) سيتفادى استعمال المال في غير وظيفته الطبيعية بالصورة التي نراها اليوم.


ب- أن لا يكون المال دولة بين الأغنياء، وكل أحد يعرف أن النظام الائتماني الغربي ينتهي بالمال إلى أن يكون دولة بين الأغنياء وذلك نتيجة لعدة أسباب منها: أن الربا نظام متحيز لناحية الجدارة الائتمانية، وليس لناحية الجدوى الإنتاجية فكلما كانت الجدارة الائتمانية للشخص أكبر كان معدل الربا الذي يدفعه أقل وفرصته في الحصول على التمويل أعظم.
بمعنى آخر أنَّ المنشأة الكبيرة التي هي أقدر على تحمل عبء الربا تحمل عبئاً أقل وبالعكس فإن المنشأة المتوسطة والصغيرة التي قد تكون ذات إنتاجية أعظم بمقياس المساهمة في الإنتاج الوطني تحصل على مال أقل بسعر ربا أعلى وهذا هو أحد الأسباب في النظام الرأسمالي للنمو السرطاني للمنشآت الكبيرة واختناق المنشئات المتوسطة والصغيرة.
وهذا هو العامل الأهم في انسياب أموال العالم الإسلامي إلى الأسواق المالية الغربية التي هي أقل إنتاجية بحكم حدة المنافسة، وأقل حاجة للمال، وفي أن يحرم منها العالم الإسلامي الذي من المفروض أن يكون الاستثمار فيه أكثر إنتاجية وهو على كل حال أكثر حاجة لرأس المال.
والمفروض أن المصرف الإسلامي الحقيقي - إذا وجد - باطراحه الربا شكلاً وجوهراً وباتخاذه آلية مختلفة للتمويل، سيجبر رأس المال على تغيير مساره.
الربا ظلم
ج- عدم الظلم في المعاملة المالية {فّلّكٍمً رٍءٍوسٍ أّمًوّالٌكٍمً لا تّظًلٌمٍونّ ولا تٍظًلّمٍونّ} (البقرة: 279) وفي العادة يقال إن الربا محرم بسبب ظلم المرابي للفقير باستغلاله حاجته، والواقع أن الربا في ذاته ظلم ولو كانت معاملته بين المرابي والموسر، بل إن المرابي في العادة يتعامل مع صاحب الملاءة ولا يتعامل مع الفقير المدقع لأن الفقير - كما يقال - أقوى من السلطان والمرابي أذكى من أن يتعامل مع شخص لايضمن قدرته على أن يرد إليه رأس المال فضلاً عن الربا، إن الربا ظلم من حيث إن المرابي يأخذ الزيادة عن رأس ماله بدون مقابل، وهذا يتضح بالمقارنة بين القرض الربوي والبيع الآجل، فالبائع مثلاً يقدم قيمة اقتصادية مضافة تتمثل في حيازة السلعة وتخزينها وتسويقها، وهو يقوم بهذا الدور بالقوة إن لم يكن بالفعل.
أما المرابي فلا يؤدي عمله إلى إنتاج أي قيمة مضافة تستحق أن تكون مقابلاً للربا أي الزيادة - التي يأخذها من المدين.
(3) المبرر الثالث: إيجاد مناخ استثماري ملائم، ويلاحظ أنه في العالم الإسلامي حيث توجد روادع خُلُقيَّة تجاه الربا فإن عدم وجود قنوات استثمارية غير ربوية ملائمة للمدخرين - ولا سيما صغارهم - لا تشجع الناس على الاستثمار وبدلاً عن ذلك تشجعهم على الاستهلاك الطائش كما يشاهد ظاهراً في دول مجلس التعاون الخليجي.
ثم إنه لخلق مناخ استثماري إيجابي نشط لابد من المحافظة على العدالة والتوازن بين المدخرين والمستثمرين.
وفي التعامل بالربا من الطبيعي أن يعاني المدخرون إذا انخفضت أسعار الفائدة وأن يعاني المستثمرون إذا ارتفعت، وإن الظلم الواقع في توزيع الموارد بين المدخرين والمستثمرين بسبب معدلات الفائدة المتغيرة والثابتة ليؤدي إلى تشويه جهاز الثمن وإلى سوء تخصيص الموارد ومن ثم إلى تباطؤ التكوين الاستثماري.
ويفترض أن المصرف الإسلامي الحقيقي إذا وجد سوف يتفادى هذا لأنه باتجاهه إلى المعاملات المقصودة لذاتها وليس لأن تكون وسيلة للتمويل نسيئة مقابل زيادة لأجل النسأ سوف يحقق العدل بين الممول ومتلقي التمويل سواء تم ذلك في عقود المشاركات أم في عقود المعارضات كالسلم والاستصناع المقصودين لذاتهما.
كما أنه سيتفادى إلى حد كبير التضخم وآثاره المعوقة للتكوين الاستثماري.
(4) المبرر الرابع: تحقيق النمو الاقتصادي:
معروف أن من شروط النمو الاقتصادي وجود الاستقرار الاقتصادي وإن إجابة ملتون فريدمان في عام 1982م على السؤال عن أسباب السلوك الطائش الذي لم يسبق له مثيل في الاقتصاد الأمريكي بأن (الإجابة البديهية هي السلوك الطائش في معدلات الفائدة) تفسر كيف أن الربا من أهم العوامل المخلة بالاستقرار الاقتصادي.


إنَّ التقلبات الطائشة في معدل الفائدة تحدث تحولات لولبية في الموارد المالية بين المستفيدين منها وأن زيادة تقلب معدل الفائدة تحقن السوق المالي بكثير من الشكوك وهذا من شأنه تحويل الممولين ومتلقي التمويل على السواء من الأجل الطويل إلى الأجل القصير في سوق المال.
وإنَّ استمرار التقلب في نصيب الفائدة من مجموع عائد رأس المال على المستثمر يجعل من الصعب اتخاذ قرارات استثمارية طويلة الأجل بثقة، وبصعوبة القيام باستثمارات طويلة الأجل فإن الاقتصاد في النهاية يعاني من هبوط الإنتاجية وانخفاض معدل النمو ومن المعترف به أن الأداء الاستثماري الجيد هو مفتاح النمو الاقتصادي الأسرع.
ومن ناحية أخرى فإن ماتقدمت الإشارة إليه من الآثار السلبية للربا على تخصيص الموارد بحكم أن الربا يتحيز لجدارة الائتمان على حساب الجدوى الإنتاجية للمشاريع يشكل عائقاً جدياً للنمو الاقتصادي.
والمفترض أن المصرف الإسلامي الحقيقي إذا وجد بابتعاده عن الربا شكلاً وجوهراً وباستخدام الموارد في معاملات شرعية مقصورة لذاتها سيحول اتجاه التمويل إلى تفضيل الجدوى الانتاجية، وبذلك يوفر العامل الأهم للنمو الاقتصادي.
وعندما يتحقق للعالم الإسلامي ككل بلدان العالم الثالث، النمو الاقتصادي فإنه لن يستفيد وحده من هذا النمو، بل إن العالم المتقدم والبلدان الصناعية سيستفيد من نمو العالم الثالث بصفة موازية إذ سوف يتسع المجال لتسويق سلعها نتيجة زيادة القوة الشرائية للعالم الثالث بسبب نموه الاقتصادي وبالتالي نمو قدرته على شراء صادرات العالم الصناعي.
شروط نجاح المصارف الإسلامية
لتقييم الاتجاه العام للمصرفية الإسلامية تقييماً موضوعياً بعيداً عن الأوهام وعن نوازع العاطفة لابد أن يتم ذلك بمعيار مدى نجاح المصارف الإسلامية في تحقيق الأهداف الأربعة المشار إليها أعلاه:
1 - أن يكون المصرف بديلاً ناجحاً للمصرف الربوي بحيث ينافسه في الكفاية ويختلف عنه جذرياً في الفلسفة وآلية الأداء.
2 - أن يحقق المبادئ القرآنية الثلاثة للتعامل مع المال.
(أ) أن يكون قياماً للناس
(ب) أن لايكون دولة بين الأغنياء.
(ج) وأن يحقق العدل بين طرفي المعاملة.
3 - تكوين المناخ الاستثماري المناسب في العالم الإسلامي.
4 - تحقيق النمو الاقتصادي.
فهل نجحت المصارف الإسلامية في ذلك؟
نلاحظ أولاً أن المصرف ربوياً أو إسلامياً يقوم بوظيفتين أساسيتين: الخدمات، والتسهيلات، ولأجل ذلك يقوم بتعبئة الموارد، واستخدامها فمن حيث تعبئة الموارد فلا شك أن المصارف الإسلامية نجحت في الجملة فهي لاتشكو من شح الودائع تحت الطلب ولكن العامل الذي ساعدها في ذلك عامل خارجي هو التفضيل العاطفي الناشئ لدى المودعين عن كراهية الربا ومؤسساته.
ونجحت في اجتذاب الودائع الاستثمارية عن طريق إبدال الفائدة بنسبة الربح ولكن عاق نجاحها من الناحية العلمية، عدم قدرتها على منافسة البنوك الربوية من حيث قيمة العائد على الاستثمار، وهذا شيء طبيعي لأن أدواتها في استخدام الموارد أقل كفاية من أداة الفائدة المباشرة التي تستخدمها البنوك الربوية في حين أن هدفها في استعمال المال لايختلف عن هدف البنوك الربوية أي إدانة النقود لأجل في مقابل ثمن الأجل.
وفي مجال الخدمات كان أداؤها في الجملة لايقل عن أداء البنوك الربوية، وطبيعي أن يكون هذا النجاح في كلا النوعين على درجات تبعاً لمدى القدرة التكنولوجية للمصرف.
أما من ناحية استخدام الموارد فإن نجاحها في أن تختلف من ناحية الجوهر والحقيقة عن البنوك الربوية كان متواضعاً جداً إلى درجة أنه حال بينها في الجملة وبين تحقيق الأهداف التي وجدت من أجلها.
فرار من صورة الربا
لقد تكررت الإشارة فيما سبق أن المصرف الإسلامي سوف يتميز عن المصرف الربوي في الجوهر والحقيقة، إذا كان يتعامل بالنقود بدلاً من التعامل في النقود، أي إذا كانت استراتيجية أن يستعمل النقود أداة في العقود التي يبرمها مع عملائه مقصودة لذاتها وليس لأن تكون العقود وسيلة لإدانة النقود لأجل في مقابل ثمن الأجل.
فكيف يتم التعامل في المصرف الإسلامي، أو في النافذة الإسلامية - كما تسمى - في البنك الربوي.


يحتاج العميل لتسهيلات لشراء سيارة مثلاً فيتقدم إلى المصرف الإسلامي طالباً منحه التسهيلات وبعد أن يتفق مع المصرف على أجل الدين وثمن الأجل الذي يحدد في ضوء سعر الفائدة السائد يبرم معه عقد المرابحة حيث يشتري المصرف السيارة المطلوبة من الوكيل بالنقد ثم يبيعها للعميل بأجل نظير زيادة في مقابل الأجل.
كان في إمكان العميل أن يتقدم للبنك الربوي بطلب التسهيلات بقيمة السيارة فيمنحه البنك الربوي ذلك بعد أن يتفق معه على أجل الدين وثمن الأجل الذي يحدد في ضوء سعر الفائدة السائد فيشتري السيارة التي يطلبها بنفسه مع الوكيل.
وقد لايكون العميل محتاجاً فعلاً السيارة لاقتنائها وإنما يحتاج لسيولة لغرض آخر (كالسفر في الصيف للخارج) فيشتري السيارة مرابحة نسيئة ثم يبيعها بالنقد.
فما الذي يحمل العميل على تفضيل التعامل بهذه الطريقة للحصول على التسهيلات من المصرف الإسلامي وما الذي يحمل المصرف الإسلامي على التعامل بهذه الطريقة لمنح التسهيلات لعميله.
إنه فقط قصد الفرار من صورة الربا.
ولكن لا المصرف الإسلامي ولا العميل يستفيدان من هذه العملية فائدة اقتصادية زائدة عن عملية الإقراض بربا.
مثال آخر: شركة طيران تريد التعاقد على صنع طائرة وتحتاج لتسهيلات لدفع ثمن الطائرة فبعد أن تتفق الشركة مع الصانع على شروط صنع الطائرة ومواصفاتها وأجل تسليمها وبغرض حصولها على التسهيلات بثمن الطائرة يكون أمامها طريقان:
(أ) أن تلجأ إلى البنك الربوي فيمنحها التسهيلات المطلوبة بسعر فائدة يحدد في ضوء سعر الفائدة السائد.
(ب) أو تلجأ إلى المصرف الإسلامي (الذي لن يعنيه الاهتمام بمواصفات صنع الطائرة ولا شروط عقد الاستقطاع ولا حتى ثمنها) وبعد أن تتفق معه على شروط التسهيلات المطلوبة ومنها ثمن التسهيلات الذي يحدد في ضوء سعر الفائدة السائد يدخل المصرف الإسلامي في العملية بصفته مستصنعاً للطائرة، وفي الوقت نفسه يبيعها لشركة الطيران بصفته صانعاً.
ويلجأ الطرفان لهذه الطريقة بغرض الفرار من الربا وليس لغرض آخر لأنه لا المصرف الإسلامي ولا شركة الطيران يستفيدان من هذه العملية فائدة اقتصادية لم يكن أي منهما ليستفيدها لو تم منح التسهيلات بطريق الربا المباشر.
أدوات لإدانة النقود
مثال آخر:
يحتاج العميل الحصول على تسهيلات لشراء بيت قد اختاره لأن مواصفاته تتفق مع حاجته هو شخصياً فيكون أمامه طريقان للحصول على التسهيلات: إما أن يطلبها من البنك الربوي بطريقة الربا المباشر أو يطلبها من المصرف الإسلامي، فيمنحها له عن طريق شراء البنك للبيت المعين الذي اختاره العميل ثم يؤجره للعميل إجارة منتهية بالتمليك.
واضح أنه في كل الأمثلة لم يكن للمصرف الإسلامي في شراء السيارة ثم بيعها للعميل، أو إبرامه لعقد استصناع الطيارة أولاً مع الصانع بصفته مستصنعاً ثم مع العميل بصفته صانعاً، أو شراء البيت ثم تأجيره على العميل لم يكن له في كل هذه العمليات غرض سوى إدانة النقود بأجل في مقابل ثمن الأجل أي أن غرض المصرف الحقيقي أن تكون النقود محلاً للتعامل وليس أداة للتعامل.
أما عمليات الشراء والبيع والاستصناع والتأجير فما هي إلا أدوات لإدانة النقود بمقابل ثمن الأجل، وقد لُجِئَ إليها فقط للفرار من الربا.
معنى ماتقدم أن آلية العمل في المصارف الإسلامية في منح التسهيلات لاتختلف عن آلية العمل في المصارف الربوية في الجوهر ولا في الآثار الاقتصادية لاستخدام الموارد، إنما تختلف في الشكل والصورة، وبما أنها تتم في المصارف الإسلامية بصورة تشهد لها الهيئات الشرعية، بأنها مباحة فأثرها الهام طمأنينة الضمير الْخُلُقِي للمسلم، بعدم ارتكابه للربا في سبيل حصوله في التسهيلات.
يقال عادة في تصوير ضآلة نسبة المعاملات الشرعية المقصودة لذاتها في معاملات المصارف الإسلامية إن المرابحة تستأثر بما بين 40% و 75% من عمليات استخدام الموارد في المصارف الإسلامية وهذا القول غير دقيق.
لأن عقد الاستصناع وعقد التأجير المنتهي بالتمليك لايختلفان عن عقد المرابحة من حيث الغرض وهو إدانة النقود بمقابل للأجل وإنما يختلفان عن العقد المذكور بالشكل والصورة.


وإذا أدركنا ذلك أدركنا حجم ونسبة المعاملات التي تتم في المصارف الإسلامية لهذا الغرض وأدركنا بالتالي خصائص الاتجاه العام للمصارف الإسلامية، وهو تركيز الهم والعمل على اختراع منتجات تبعد عن صورة الربا، ولكنها لاتبعد عن المقصود منه وبالتالي لاتبتعد عن آثاره الاقتصادية.
وقد انتهى الأمر بالمصرفية الإسلامية إلى اختراع منتج تيسير الأهلي أو التورق المبارك حيث اقتربت آلية استخدام الموارد بهذين المنتجين، من ناحية التخفف من الإجراءات والتكاليف التي تثقل المرابحة والاستصناع والتأجير المنتهي بالتمليك كما تطبق في المصارف الإسلامية اقتربت من آلية استخدام الموارد في البنوك الربوية وأصبح الفارق زيادة بسيطة في عبء التسهيلات يتحمله العميل أو المصرف الإسلامي.
وإذا كان كل ماتقدم صحيحاً، فيجب أن يكون صحيحاً أن الاتجاه العام السائد للبنوك الإسلامية في استخدام الموارد لم يسمح ولن يسمح للمصارف بتحقيق أهدافها الموضحة أعلاه.
فلا يمكن أن يكون المصرف الإسلامي في وضعه الحاضر بديلاً عن البنك الربوي وإنما يمكنه أن يتعايش مع البنوك الربوية بشرط بقاء الدوافع العاطفية للمتورعين عن الربا على تأثيرها كقوة خارجية تسند المصارف الإسلامية في مجال تنازع البقاء.
ومن ناحية ثانية:
فقد عجزت المصارف الإسلامية عن تحقيق أي من المبادئ القرآنية الثلاثة للتعامل في المال.
فاستعمال المال في غير وظيفته الطبيعية بالإغراق في عمليات المضاربة في الأسهم والعملات والمعادن والاستجابة لدواعي الاستهلاك الطائش لدى الناس.
والتحيز لجدارة الامتنان على حساب الجدوى الإنتاجية الذي ظهر في عجز المصارف الإسلامية في تغيير مسار الأحوال الوطنية واتجاهها إلى الأسواق المالية العالمية.
بل ربما أخذت هذه الأموال على يد البنوك الإسلامية طريقاً أسرع انحداراً وأكثر رُحمًا، وحقيقة أن فى الأغلب من عمليات المصارف الإسلامية سواءً في عقود المرابحة أم الاستصناع أم الإيجار المنتهي بالتمليك كان كل العائد الذي تحصل عليه هو ثمن الأجل في التمويل ولا تتقاضى مقابلاً عن أداء أي عمل يمثل قيمة اقتصادية مضافة.
كل هذه الأمور تنافي المبادئ القرآنية الثلاثة للتعامل في المال.
ومن ناحية ثالثة:
لم تتمكن المصارف الإسلامية من تلبية تعطش المدخرين المسلمين إلى قنوات استثمارية ملائمة، وكان ذلك نتيجة طبيعية للآلية التي تعمل بها في استخدام الموارد والتي ماكانت لتسمح لها بالحصول على عائد ينافس العائد الذي تحصل عليه البنوك الربوية إذ كانت الأدوات التي تستخدمها أقل كفاءة من أدوات البنوك الربوية فحين نقارن على سبيل المثال: نظام المرابحة بنظام الفائدة نرى أن نظام المرابحة أكثر كلفة من نظام الفائدة في حين أن عائد المرابحة يقل عن عائد الفائدة أو على الأقل يساويه.
ولذلك فإن دور المصارف الإسلامية في إيجاد المناخ الاستثماري الملائم، في العالم الإسلامي لم يكن أفضل من دور البنوك الربوية. ومن ناحية رابعة:
فإنه نتيجة لكل ماسبق لم تؤثر المصارف الإسلامية الكثير في تنشيط النمو الاقتصادي في العالم الإسلامي، بل إنها لاتستطيع أن تدعي أن أداءها في هذا المجال أفضل من البنوك الربوية.
إذا كانت المصارف الإسلامية لم تستطع حتى الآن تحقيق أهدافها، وكان ذلك بسبب أن الاتجاه العام الغالب لديها في استخدام الموارد لايمكنها من ذلك على نحو ماوضح فيما سبق فإن النتيجة المنطقية لذلك أنها لن تحقق في المستقبل ماعجزت عنه في الماضي.
والواقع يثبت أن المصارف الإسلامية بهذا الاتجاه ظلت تقترب من البنوك الربوية شيئاً فشيئاً.
وأن أوضح شاهد لذلك ما انتهت إليه المصرفية الإسلامية من اعتماد عمليتي (تيسير الأهلي)، (والتورق المبارك).
والظاهر أنه من الناحية العلمية فإنه من المستحيل القول إن الآثار السلبية للربا الاقتصادية والاجتماعية والسيكولوجية التي تتحقق في التمويل بالفائدة لا تتحقق في التمويل (بتيسير الأهلي) أو (التورق المبارك) بل إنه من الناحية الفقهية يستحيل على الفقيه دون أن يخادع نفسه، أن يدعي وجود فارق بين هاتين العمليتين والاحتيال المحرم على الربا.
بهذا الاقتراب من البنوك الربوية فإن المصارف الإسلامية ستفقد هويتها الحقيقية ولا يبقى لها إلا الاسم.
لا أحد يمكن أن يطلب من المصارف الإسلامية أن توقف عملياتها وتتحول إلى العمليات الشرعية بين عشية وضحاها وكل مايطلب منها تغيير هذا الاتجاه العام.
ولا أحد يطلب من المصارف الإسلامية في البداية أن تبتكر عمليات جديدة، بل إن المسح العابر لخريطة التعاملات الجارية حالياً في التجارة الدولية يثبت وجود هامش واسع للعمل والممارسة بما يتفق وروح المصرفية الإسلامية الحقيقية ومميزاتها الأساسية وأهدافها في تحقيق العدل والتنمية واستعمال المال في وظيفته الطبيعية التي خلقها الله لها.
كل مايطلب من المصرفية الإسلامية أن تتخلص من الاتجاه العام الذي يسودها ويتلخص في الرغبة والإرادة والعمل لإدانة النقود لأجل مقابل عوض عن الأجل ودون أن تتضمن عمليات المصرف قيمة اقتصادية مضافة.

معالي الشيخ صالح بن عبد الرحمن الحصين
(المقال منقول من بعض المواقع)


_______
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..