الصفحات

الأربعاء، 7 أغسطس 2013

الإخوان حين يخطئون التقدير مرة أخرى

  وأتمنى أن يكون هناك عقلاء في الجماعة أو حلفائها، بعيدًا عن "الهوس" الذي يعطل مسارات العقل في قيادات "رابعة"، ينقذون الجماعة من مصير بالغ الخطورة
 
كشفت تجربة العام الماضي عن سلسلة من سوء التقدير للموقف السياسي من قبل مكتب إرشاد جماعة الإخوان، وبناء سلوك سياسي مغامر بناءً على افتراضات ثبت أكثر من مرة أنها كانت خرافية وانتهت إلى كوارث، وختمت بالأخطاء الثلاثة الأخيرة القاتلة: الثقة المفرطة في تقدير أن الجيش في "الجيب"، وسوء فهم رسالة القوات المسلحة في إنذارها الأول، وسوء تقديرها لاحتمالات الحشود التي خرجت يوم 30 يونيه،

وأخشى أن تقع الجماعة في سوء تقدير جديد للواقع الآن، لأن الخطأ هنا قد تكون تكلفته أكثر مما تتخيل أو تحسب، هناك جناح طائش في الجماعة يصور الأمور على أن التعاطف مع الاعتصامات يتزايد مع كل يوم جديد، والاصطفاف الشعبي يتعاظم مع الجماعة والإرادة الشعبية تتنامى في إصرارها على عودة الرئيس المعزول وأن الوساطات الدولية تعني أن "الانقلابيين" في أزمة، وأن الوقت لصالح الجماعة وليس لصالح خصومها، وبناء عليه يتم التشدد في الحوارات والمكابرة في أفكار الحل السياسي الممكن، وتعمد إضاعة الوقت،

هذه باختصار حسابات الجماعة الآن، وهي حسابات خاطئة جدًا وبالغة الخطورة، لأن مسألة اكتساب بعض التعاطف الشعبي ـ بافتراض صحته ـ لا يمكنه أن يحسم خيارًا سياسيًا بحجم عودة رئيس تم عزله بقرار عسكري ودعم شعبي هائل، ولأن الطرف المقابل مستعد للذهاب إلى أبعد مدى لحماية قراراته ولديه أدوات دولة وبدائل متنوعة، أيضًا الرهان على استمرار الاعتصام هو سلاح بحدين، لأن طول الأمد يمكن أن يؤدي في النهاية إلى تآكل الثقة بإمكانية تحقيق المطالب، وتسلل الإحباط إلى مشاعر المعتصمين الذين أوهموهم في البداية أن مرسي عائد بعد ساعات إلى القصر، ثم راحوا يضربون مواعيد أخرى في هستيريا لا صلة لها بأي منطق سياسي عاقل، وبالتالي ستتعاظم تكلفة إقناع المعتصمين بالبقاء إلى أجل غير معروف أمده ولا نتائجه، إضافة إلى تململ قطاعات شعبية جديدة من طول "وقف الحال" وتعطيل مسار الحياة الطبيعية في البلد، وهؤلاء تلقائيًا سينحازون ضد المعتصمين،

وثالثًا فالوساطات الدولية وإتاحة القوات المسلحة والسلطة الجديدة الفرصة أمامها للحوار مع كل الأطراف له أكثر من وجه في التفسير، وأحد الوجوه التي يصعب تجاهلها أنها إبراء ذمة، زكي وماكر، من السلطة الجديدة أمام المجتمع الدولي لتفهم أو تقليل الغضب تجاه أي إجراءات خشنة وعنيفة قد تتخذها مستقبلاً إذا فشلت الوساطات في إقناع الجماعة بقبول الاندماج في خارطة المستقبل وظهر تعنتها،

ورابعًا، وهو الأهم، أن الوقت ليس في صالحك في هذه المعادلة المشحونة بالعواطف والغضب والاستثارة، لأن الأجواء المعبأة بالعنف والغضب، ستولد عما قريب رؤى وأفكارًا ومشروعات "نضالية" أخرى، تولد من رحم الغضب وخطاب التحريض والشهادة، وعندما تبدأ تلك "المشروعات" في العمل ستفقد الجماعة السيطرة تلقائيًا على مجريات الأحداث وضبطها، وجميع أوراق اللعبة ستخرج من يدها، وتصبح في يد آخرين سواء من الطرف الإسلامي أو طرف غاضب في السلطة، وستنتهي لغة السياسة تمامًا لتبدأ لغة السلاح، وهنا سيكون الضحية الأكبر هي جماعة الإخوان بكل أذرعها وكوادرها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدعوية والإعلامية حتى مستويات بعيدة، لأن المواجهة ستصبح بلا سقف والمعادلة ستكون صفرية، الحسم فيها لصالح طرف والإبادة للطرف الآخر،
وستتحمل الجماعة المسؤولية العملية والقانونية عن كل مسارات العنف الجديدة، باعتبارها صانعته والمحرضة عليه، وستدفع كامل الثمن، حتى لو لم تكن مشاركة بشكل مباشر.

بطبيعة الحال، الوقت أيضًا ليس في صالح الطرف الثاني، السلطات الجديدة، وهو طرف يدرك أن استمرار هذه الأوضاع فيه إحراج متجدد له، ونزيف لاقتصاد الدولة وأمنها، وتعطيل لأي مشروع مستقبلي سياسي أو اقتصادي، وهناك ضغوط حقيقية على السلطة الجديدة من قبل أطراف سياسية متعددة لاتخاذ موقف عنيف، وهناك محرضون لن يغرموا شيئًا بالدفع في هذا الاتجاه، وبالتالي فإذا كانت فرصة الحوار متاحة الآن وإمكانية حل المشكلة قائمة بأقل قدر من الخسائر من كل الأطراف، فإن المؤكد أن هذه الفرصة ليست بدون سقف زمني، وبالتالي لا بد من تقدير أن السلطات الجديدة قد تجد تكلفة اتخاذ موقف عنيف أقل كثيرًا من تكلفة شل الحياة الاقتصادية والسياسية وإرباك الحالة الأمنية، وستكون قد أثبتت للرأي العام المحلي والدولي أنها أتاحت الفرصة كاملة للحل السياسي والسلمي فلم يثمر شيئًا،

وبشكل عام، فالوقت ليس في صالح الجميع، والرهان على الوقت من قبل جماعة الإخوان تحديدًا رهان خاطئ تمامًا، وأتمنى أن يكون هناك عقلاء في الجماعة أو حلفائها، بعيدًا عن "الهوس" الذي يعطل مسارات العقل في قيادات "رابعة"، ينقذون الجماعة من مصير بالغ الخطورة، وينقذون الوطن وثورته من مسار قد ينهي الدولة المدنية في مصر لسنوات طويلة مقبلة.

بقلم : جمال سلطان

_______
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..