الصفحات

الأحد، 1 سبتمبر 2013

العلاقة بين المسلمين وغير المسلمين مناقشة لآراء د. سعيد صيني


الحمد لله، الذي لا إله إلا هو، ولا رب سواه، والصلاة والسلام على رسوله ومصطفاه: محمد بن عبد الله،
وعلى آله وصحبه، ومن والاه.
أما بعد:
فهذه مناقشة لمقال د. سعيد صيني : "فهم بعضنا للإسلام سبب من أسباب ما يحدث في مصر"، وهو مختصر مما كتبه في كتابيه "تساؤلات جدلية حول الإسلام"، و"علاقة المسلمين بغير المسلمين".
ومقصود المقال (فهم العلاقة بين المسلمين وغير المسلمين)، وهو أمر اجتماعي مهم، والحاجة إلى بيانه ماسة، ومستمرة.
ولذلك جاء هذه المناقشة مفصلة؛ بذكر كلام د. سعيد صيني بنصه، مميزًا بقال د. سعيد صيني، ثم مناقشته، مسبوقة بكلمة: مناقشة؛ للفصل بين المقال والمناقشة.
وقد استغرقت المناقشة أسبوعًا، في كل يوم ثلاث ساعات، وهذا كثير بالنسبة إلى حجمها، والسبب في ذلك؛ أنها تطلبت مراجعة وبحثًا خاصًا في كتب كثيرة، في اللغة والتفسير والفقه، لعرض فهم د. سعيد ورأيه عليها، إلا أن هذه المراجعة لم تشمل كتب المعاصرين والمستشرقين؛ لندرتها عندي، وقلة اهتمامي بها، مع أنها مظنة لما يقوله، ولكن القول -في غير النوازل- إذا لم يكن معروفًا عند سلف المسلمين وأئمة الدين؛ دل ذلك على أنه خطأ.
والله الموفق.
مقدمة المقال:
قال د. سعيد صيني:  
 أجبرني فهم الشيخ محمد حسان للقرآن الكريم الذي نزل منذ أربعة عشر قرنًا على الاعتقاد بأن الخطأ في فهم القاعدة الإسلامية في العلاقة بين أصحاب الأديان سبب من أسباب ما يقع في مصر، وذلك إضافة إلى التسرع في الإصلاح الديني، وإلى بعض نوعيات المنتمين إلى "الإخوان المسلمين"... ودسائس أعداء الإسلام والمسلمين من داخل الحزب.
ومما يزيد هذا السبب ضراوة وخطرًا أن كثيرًا من المخلصين لدينهم يستشهدون بالفهم الخاطئ للولاء والبراء باعتزاز، ومثاله ما ورد في رسالة المجموعة (2825) [سماوية] ...
ماذا يقول شيخنا؟ وما التساؤلات التي يثيرها؟
يقول الشيح محمد حسان: إن البر يختلف عن الولاء ويختلف عن البراء. "فأنا أوالي الله ورسوله وأتبرأ من الشرك والمشركين. هذه براءة قلبية.
وأيضًا لا يجوز أن أكون ناصرًا لهم باللسان والأفعال... هذا ينقض أصل الإيمان...
أما البر يجب أن أكون بارًا بهم، ويجب أن أكون محسنًا إليهم...".
وهذا القول من شيخنا يثير تساؤلات حول مفهوم الولاء والبراء والبر شرعًا، منها:
1. ألم يناصر النبي صلى الله عليه وسلم الكافرين؟ فهل نقض أصل الإيمان؟
2. هل الولاء نوع واحد ولا يجوز منحه لغير الله ورسوله؟
3. هل يقصد شيخنا نكره المشركين كما نكره الشرك حيث يضيف البراءة من المشركين إلى البراءة من الشرك؟
ألم يفرق مُنزِل الكتاب بين البراءة من الكفر والبراءة من الكافرين؟
ألا يتعارض "البر" مع "البراء" الذي يعني "الكراهية"  أو العداوة والبغضاء، حسب فهم الكثير؟
وهل يجوز تهمة رب العالمين بأنه يأمر المسلمين بالجمع بين البراءة القلبية والبر (المعاملة الظاهرة) أي يشجع على النفاق؟ تعالى الله عما يصفون.
الإجابات باختصار:
للإجابة على التساؤلات المطروحة، نظرًا لأني لا أشكو إلا من قلة الوقت، أورد بعض ما ورد في الطبعة الخامسة من كتاب تساؤلات جدلية حول الإسلام، والطبعة الثالثة من كتاب علاقة المسلمين بغير المسلمين المتوفرين بالعربية والإنقليزية على الإنترنيت.
ثبوت نصرة النبي للكافر:
ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لو دعيت به في الإسلام لأجبت" إشارة إلى حلف الفضول الذي تعاهدت فيه عدد من القبائل المشركة على نصرة المظلوم والأخذ بحقه.
وتطبيقا لهذا المبدأ ساعد عليه الصلاة والسلام الأراشي الذي كان مشركا للحصول على حقه من أبي جهل.
ومما يندرج تحت النصرة توسطه لدى المسلمين لإعادة متاع العاص بن الربيع، أثناء شركه، والثناء عليه.
 كما أذن لثمامة أن يبيع قريشا المشركة في وقتها ما تحتاجه من الحنطة، عندما سألته قريش أن يأذن.
وأجاز الأمان الذي أعطته أم هاني لمشركين من ذوي رحمها، عند فتح مكة.
وقال عليه الصلاة والسلام: "إنكم سـتفتحون مصر،... فأحسنوا إلى أهلها، فإن لهم ذمة ورحما.
فهل نقض النبي صلى الله عليه وسلم أصل الإيمان؟
مناقشة:
نصرة الكافر التي تنقض أصل الإيمان نصرته لدينه أو لكراهية الإسلام.
أما نصرة الكافر على قتال المسلم لرحم أو حاجة فينقص بها الإيمان، ولا يكون بها الرجل كافرًا.
وأما نصرة الكافر لكونه مظلومًا؛ بأخذ حقه ممن ظلمه، ومنع الظلم عنه؛ فمشروعة.
ويمكن إدراك حكم بقية صور النصرة بالقياس على هذه...
قال د. سعيد صيني:
 "الولاء" ليس نوعًا واحدًا، يحرم منحها للكافرين جميعًا:
يلاحظ أن المدلول الأساس لكلمة "الولاء" ولمشتقاتها هو وجود نوع من السلطة والوصاية لطرف على طرف آخر. ويمكن أن نطلق كلمة "مولى" و"ولي" على الطرفين، أي الوصي والموصى عليه.
ويلاحظ أنه لا فرق بين الوِلاية بالكسر والوَلاية بالفتح في المعنى الأساس.
مناقشة:
وجود نوع من السلطة لطرف على طرف آخر ليس من المدلول الأساس لكلمة الولاء.
قال ابن فارس في مقاييس اللغة بعدما ذكر مدلولات مادة (ولي): الباب كلُّه راجع إلى القُرْب.
قال د. سعيد صيني:
وتنقسم حالات الولاء أو الولاية إلى أقسام، ومن أبرزها ما يلي:
1. الولاية التي لله على جميع مخلوقاته لأنه مدبر الكون، ولا ينفع أحد أحدا أو يضره إلا بإذنه تعالى. فهي السيادة المطلقة، وقد تصحبها العناية، إذا دل السياق على ذلك.
2. الولاية التي تنشأ برغبة وطواعية بين المخلوقات؛ وقد تكون متبادلة، أي أن كلا الطرفين وصي على الآخر. وقد تكون من طرف واحد. 
3. الولاية التي تنشا بين المخلوقات بسبب ظروف خارجة عن الإرادة المباشرة للطرفين. فقد تكون لفضل وراثي، مثل الولاية بين الأب وابنه أو تكون لفضل مكتسب، مثل الولاية بين الزوج المسلم وزوجته غير المسلمة.
مناقشة:
ينبغي أن يذكر الولاية بين المؤمنين، والولاية بين المسلمين والكفار غير المعادين (الذين لم يترجموا رفضهم للإيمان في هيئة عبارات أو سلوك)، وهي التي لا يرى أنها محرمة، لأن الولاء –في رأيه- لا يقتضي النصرة والمحبة. أو المحبة ليست جزءًا أساسًا من الولاية – كما سيأتي-.
قال د. سعيد صيني:
وأما القول بأن الولاء يقتضي النصرة والمحبة فهو قول يتعارض مع قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُوْلَـئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُم مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُواْ وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}.
فالآية تدل على إمكانية وجود حالة بين المؤمنين حيث لا شيء من الولاية، مثلا للأغلبية المسلمة المستقلة على الأقلية التي لم تهاجر إلى حيث الأغلبية. ومع هذا فإنه يجب على الأغلبية نصر هذه الأقلية في حالة الاستنصار في الدين بشروطها.
ولو قلنا بأن المحبة جزء أساس من الولاية لما استقام المعنى، وذلك لأن المحبة بين المؤمنين واجبة في جميع الأحوال. فعدم الهجرة مبرر لأن لا تكون للأغلبية شيئا من الولاية (الوصاية) ولكن ليس مبررا لإسقاط واجب المحبة والنصرة بين المؤمنين.
مناقشة:
هذا صحيح إذا كان المراد بالولاية في الآية كل معنى الولاية، ولكن المراد بها في الآية بعض معناها باتفاق المفسرين.
فقد استعمل لفظ الولاية في الآية في بعض معناه؛ في معنى المؤازرة والمعاونة أو الميراث.
قال أبو محمد ابن عطية في المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز في تفسير هذه الآية: قال كثير من المفسرين هذه الموالاة هي المؤازرة والمعاونة واتصال الأيدي ، وعليه فسر الطبري الآية، وهذا الذي قالوا لازم من دلالة اللفظ.
وقال ابن عباس وقتادة ومجاهد وكثير منهم: إن هذه الموالاة هي في الميراث، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم آخى بين المهاجرين والأنصار، وكانت بين الأنصار أخوة النسب وكانت أيضاً بين بعض المهاجرين فكان المهاجريّ إذا مات ولم يكن له بالمدينة ولي مهاجريّ وورثه أخوه الأنصاري، وإن كان له ولي مسلم لم يهاجر، وكان المسلم الذي لم يهاجر لا ولاية بينه وبين قريبه المهاجري لا يرثه، قال ابن زيد : واستمر أمرهم كذلك إلى فتح مكة، ثم توارثوا بعد ذلك لما لم تكن هجرة.
قال القاضي أبو محمد: فذهبت هذه الفرقة إلى أن هذا هو مقصد الآية...
ومن ذهب إلى أنها في التآزر والتعاون فإنما يحمل نفي الله تعالى ولايتهم عن المسلمين على أنها صفة الحال لا أن الله حكم بأن لا ولاية بين المهاجرين وبينهم جملة، وذلك أن حالهم إذا كانوا متباعدي الأقطار تقتضي أن بعضهم إن حزبه حازب لا يجد الآخر، ولا ينتفع به؛ فعلى هذه الجهة نفي الولاية.
  وبذلك يكون معنى الآية: والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ميراثهم أو من مؤازرتهم ومعاونتهم من شيء...
فلا يصح الاستدلال بها على أن الولاء بين المؤمنين بالمعنى الكلي له لا يقتضي المحبة والنصرة أو على أن المحبة ليست جزءًا أساسًا من الولاية التي بين المؤمنين.    
قال د. سعيد صيني:
والأكثر أهمية أن الآيات الكثيرة بسياقاتها تؤكد بأن الولاية المحرمة تقتصر على اتخاذ المسلمين أولياء من المعادين للإسلام أو للمسلمين من أجل دينهم، ولا تشمل غير المعادين إلا بالنسبة للولاية الكلية التي تغطي أمور الدنيا والآخرة.
مناقشة:
النهي عن موالاة الكفار لا يقتصر على المعادين للإسلام أو للمسلمين من أجل دينهم، قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء؛ بعضهم أولياء بعض، ومن يتولهم منكم؛ فإنه منهم؛ إن الله لا يهدي القوم الظالمين).
وقال: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوًا ولعبًا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء).
وقال: (يا أيها الذين آمنوا لا تتولوا قومًا غضب الله عليهم قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور).
وقال: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء؛ إن استحبوا الكفر على الإيمان، ومن يتولهم منكم؛ فأولئك هم الظالمون).
 قال د. سعيد صيني:
كما أن انعدام الولاء لا يعني ضرورة البغض أو انعدام درجات المحبة كلها، والتعاون.
فقد شجّع الإسلام على تأليف قلوب غير المسلمين، والتعاون معهم لتحقيق المصالح الدنيوية المشتركة.
وأباح الإسلام الاستعانة بهم وبعلومهم وبخبراتهم ما لم يؤثر ذلك سلبا على مصير المسلم في الآخرة.
مناقشة:
نعم انعدام الولاء لا يعني ضرورة انعدام التعاون والتعامل والعلاقة...
أما أنه لا يعني ضرورة البغض أو انعدام درجات المحبة فلا؛ لأن سبب انعدام الولاء بين المؤمنين والكافرين؛ أن المؤمنين أولياء لله؛ يحبون ما يحب، ويبغضون ما يبغض، والله لا يحب الكافرين، بل يبغضهم ويمقتهم، ولا يصح أن يقال: إن نفي محبة الله للكافرين لا يعني ضرورة بغضه لهم؛ فبطلان هذا معلوم من الدين بالضرورة، كما أن نفي محبة الله للكافرين يعني ضرورة بغضه لهم.
(وإذا أبغض الله عبدًا دعا جبريل، فيقول: إني أبغض فلانًا، فأبغضه... فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلانًا؛ فأبغضوه... فيبغضونه، ثم توضع له البغضاء في الأرض) رواه مسلم.   
قال د. سعيد صيني:
"البراء" حسب المفهوم الشائع يتعارض مع "البر":
يتمثل المدلول الأساس لكلمة "البراء" ومشتقاتها في "الانفصال عن الشيء"، سواء أكانت [سواء أكان الشيء] تهمة أو عيبا، أو دَينا [كذا بفتح الدال]، أو عن الأصل المختلف كما في أبدع، أو نفي العلاقة بين المخلوقات ذوات الحياة (مثل الإنسان) وبين شيء معنوي محدد (مثل الكفر)، أو نفي العلاقة بين مجموعتين من المخلوقات.
ويلاحظ أن كلمة "البراء" لا تتضمن -بالضرورة- العداوة والبغضاء لمن يقوم بشيء يستوجب البراءة. ومن الأدلة على ذلك ما يلي:
1. جاءت الآية التالية للإخبار عن البراءة مما يعمله كل فريق فقط. يقول تعالى:{وَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل لِّي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَاْ بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ}.
مناقشة:
يلاحظ أنه يعتمد في تفسير النصوص على المعنى اللغوي دون مراعاة للفرق بينه وبين المعنى السياقي أو الشرعي.
فإذا كانت البراءة في اللغة لا تتضمن –بالضرورة- العداوة والبغضاء؛ فلا يلزم أن تكون البراءة الشرعية مطابقة لها.
فالداعي إلى البراءة من عمل أهل الكفر والشرك، هو فساده وبطلانه ومناقضته للإيمان والتوحيد، وهو داع شرعي يستدعي بغضه، وهذا البغض علة مناسبة لتعليل البراءة من عمل أهل الكفر والشرك به، وتعليلها بمجرد الإخبار بالاختلاف والانفصال، مع أن المتبرأ منه مكروه كراهية القذف في النار؛ خلاف الأصل، والدليل الذي استدل به عليه، وعلى صرف النصوص الواردة في الولاء والبراء عن ظواهرها سيأتي ذكره ومناقشته في أواخر المقال.
قال الراغب الأصفهاني (ت502ه) في كتابه مفردات القرآن في مادة برأ: "أصل البرء والبراء والتبري: التغصي مما يكره مجاورته"، وقوله: أصل البراء يعني علته، والتغصي: التضايق؛ وعلى هذا فالتضايق المعنوي أو النفسي من الشيء؛ كالغصِّ الحسي بالطعام؛ يقتضي الانفصال والتباعد من ذلك الشيء؛ إذا كان مما تكره مجاورته، وقد ذكر الراغب هذه الآية في بيانه لمشتقات هذه المادة في القرآن.
قال د. سعيد صيني:
2. يفرق رب العالمين بين البراءة من المعتقد، والبراءة من صاحب المعتقد، فقد أضيفت الأخيرة إلى الأولى، في قوله تعالى: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ. كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده.}.
لقد أضيفت البراءة مما يعبدون إلى البراءة من عابديها باعتبارهما أشياء مستقلة، فالبراءة من أحدهما لا تقتضي البراءة من الأخرى [كذا]دائمًا.
مناقشة:
إضافة البراءة مما يعبد من دون الله إلى البراءة من عابديها باعتبارهما أشياء مستقلة لا يدل على أن البراءة من أحدهما لا تقتضي البراءة من الآخر دائمًا.
يقتضي أن البراءة من أحدهما غير البراءة من الآخر، ولكن لا يلزم من أن البراءة من أحدهما غير البراءة من الآخر أن تكون البراءتان متباينتين تمامًا، لا علاقة لإحداهما بالأخرى، كما أن المغايرة بينهما لا تنفي أن يكون بينهما لزوم أو علاقة...   
والأصل أن البراءة من عبادة غير الله تقتضي البراءة من فاعلها؛ لأن عبادة غير الله لا توجد مجردة، إنما توجد بفاعل يجعلها موجودة...
ويفهم من قوله: "فالبراءة من أحدهما لا تقتضي البراءة من الأخرى دائمًا" أن البراءة من أحدهما تقتضي البراءة من الآخر أحيانًا أو في بعض الحالات.
والظاهر أنه يعني بالقيد المفهوم: إذا لم يقتصروا على المخالفة في الدين بعبادة غير الله، بل قاموا بمعاداة الموحد وبغضه. كما قال فيما يلي.
قال د. سعيد صيني:
كما يلاحظ أن البراءة من المعادين للدعوة جاءت أولاً.
مناقشة:
قيَّد البراءة بالمعادين للدعوة دون ذكر الدليل على هذا التقييد، كما أنه يعني بالمعادين: الذين يترجمون رفضهم للإيمان في هيئة عبارات أو سلوك. وستأتي مناقشة معنى العداوة عنده.
قال د. سعيد صيني:
ثم أضيفت إليها البراءة مما يعبدون، وليس العكس.
مناقشة:
يعني أن علة البراءة معاداة الدعوة إلى التوحيد، وليس عبادة غير الله.
وهذه الأعمال متلازمة؛ لا تنفك عن بعضها، كما سبق...
قال د. سعيد صيني:
ويعلن إبراهيم العداوة والبغضاء المتبادلة بينه وبين قومه، والذي بدأها قومه، حيث لم يقتصروا على رفض دعوته، بل قاموا بمعاداته وبغضه.
مناقشة:
ليس في الآية أن إبراهيم عليه السلام أعلن العداوة والبغضاء لقومه مقابلة لمعاداته وبغضه؛ بمعنى أنه لولا قيامهم بمعاداته وبغضه لما كانت بينه وبينهم العداوة والبغضاء.
ولا في سائر القرآن ما يدل على أن موجب بغض المخالفين في الدين ومعاداتهم مقابلةُ بغضهم ومعاداتهم؛ إذا أريد ببغضهم ومعاداتهم غير كفرهم بدين الله؛ لأن مجرد كفرهم بدين الله هو بغض ومعاداة له؛ فإن حب الشيء وإرادته يستلزم بغض ضده وكراهته مع العلم بالتضاد؛ ولذلك فإن حب الكافر ما هو عليه من الكفر يستلزم بغض وكراهة ما هو بضده من الإيمان والدين، إذا كان يعلم به...     
قال د. سعيد صيني:
ولهذا، ربط زوالها بالإيمان، ولكن الآية السابعة تركت الأسباب مفتوحة. يقول تعالى: {عَسَى اللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُم وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً، وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}.
فقد تزول هذه الحالة بأن يكف قومه عن بغضه وعداوته، وإن لم يؤمنوا.
 مناقشة:
ربط زوال بغض المخالفين في الدين ومعاداتهم بالموافقة في الدين (الإيمان) دليل على أن عدم الإيمان (الكفر) هو علة البغض والمعاداة، وليس دليلاً على أن البغض والمعاداة (التي هي غير الكفر في رأي الشيخ سعيد) هي علة البغض والمعاداة المقابِلة.
وقول الله تعالى: {عَسَى اللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُم وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً، وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} نزل في المشركين الذين عادوا الله ورسوله؛ مثل: أهل الأحزاب؛ كأبي سفيان ابن حرب، وأبي سفيان ابن الحارث، والحارث بن هشام، وسهيل بن عمرو، وعكرمة ابن أبي جهل، وصفوان بن أمية، وغيرهم؛ فإنهم بعد معاداتهم لله ورسوله؛ جعل الله بينهم وبين الرسول والمؤمنين مودة، وكانوا في ذلك متفاضلين، وكان عكرمة وسهيل والحارث بن هشام أعظم مودة من أبي سفيان بن حرب ونحوه . وقد ثبت في الصحيح: (أن هند امرأة أبي سفيان أم معاوية، قالت: والله يا رسول الله ما كان على وجه الأرض أهل خباء أحب إليَّ أن يذلوا من أهل خبائك، وقد أصبحت وما على وجه الأرض أهل خباء أحب إليَّ أن يعزوا من أهل خبائك، فذكر النبي صلى الله عليه وسلم لها نحو ذلك).
قال ابن تيمية (10/305): ومعلوم أن المحبة والمودة التي بين المؤمنين إنما تكون تابعة لحبهم لله تعالى؛ فإن أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله؛ فالحب لله من كمال التوحيد، والحب مع الله شرك. قال تعالى: { ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادًا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبًا لله} فتلك المودة التي صارت بين الرسول والمؤمنين وبين الذين عادوهم من المشركين إنما كانت مودة لله ومحبة لله، ومن أحب الله؛ أحبه الله، ومن ود الله؛ وده الله؛ فعلم أن الله أحبهم وودهم بعد التوبة كما أحبوه وودوه...اهـ
ولم يرد عن أحد من الصحابة الذين عاصروا تنزيل القرآن، ولا عن أحد من التابعين لهم بإحسان، ولا عن أحد من أتباع التابعين لهم بإحسان - وأولئك خير الناس، وأعلمهم بالوحي- أنه فهم أن الآية تركت أسباب زوال العداوة والبغضاء مفتوحة، وأنها قد تزول بأن يكف قومه عن بغضه وعداوته، وإن لم يؤمنوا.
قال د. سعيد صيني:
3. أضيفت العداوة والبغضاء في جملة مستقلة إلى التبري، وأضيفت البغضاء إلى العداوة، وذلك باعتبارها ثلاثة أشياء مستقلة، أي وجود أحدها لا يلزم وجود الأخريات كما ورد في الآية السابقة. فالبغضاء قد تبقى مخفية دون ترجمة حسية. وقد تترجم في هيئة عبارات أو سلوك فتظهر للآخرين لتسمى العداوة. وقد يحدث السلوك العدائي، بدون بغض، من باب المزاح أو لغرض التربية أو بغير قصد.
مناقشة:
من أمثلة السلوك الذي تترجم به البغضاء المخفية؛ فتظهر للآخرين؛ لتسمى العداوة: الضرب، ومن أمثلة العبارات التي تترجم بها البغضاء التي في القلب؛ فتظهر للآخرين لتسمى العداوة: السب...
وعليه فإن ما يحدث من مثل السب والضرب بدون بغض؛ لا يصح أن يوصف بالسلوك العدائي؛ لأن العداء والعداوة لا تكون إلا ببغض، قال أبو حيان (ت745هـ) في البحر المحيط : "العداوة أخص من البغضاء؛ لأن كل عدو مبغض، وقد يبغض من ليس بعدو. وقال ابن عطية (ت541هـ): وكأنّ العداوة شيء يشهد يكون عنه عمل وحرب، والبغضاء لا تتجاوز النفوس".
هذا الأصل، وإلا فإن البغضاء قد تبدو، مثل أن يتكلم المبغِض بما يدل على تمني الضرر للمبغَض، كما قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالاً، ودوا ما عنتم، قد بدت البغضاء من أفواههم، وما تخفي صدورهم أكبر، قد بينا لكم الآيات، إن كنتم تعقلون).
كما أن العداوة قد تخفى من المُكْرَه، والمستضعف، وقد تخفى لغرض...
والعبرة في وصف السلوك أو تسميته بالقصد منه؛ فيقال: مزاح، أو تأديب، أو خطأ...لأن الأعمال بالنيات...
قال د. سعيد صيني:
فالإسلام يرى أن أصل العلاقة بين المختلفين في الدين أو الحق أن يشفق بعضهم على بعض، وأن يبذل كل منهم جهدًا مخلصًا في إقناع الآخرين بما يعتقد أنه الحق...
مناقشة:
الإسلام لا يرى أن يشفق المخالفين له على من يدين به، وأن يبذلوا جهدًا مخلصًا في إقناع من يدين به بما يعتقدون أنه الحق، وإنما يرى أن يشفق من يدين به على المخالفين له، وأن يبذلوا جهدًا مخلصًا في إقناعهم بأن يدينوا به، ويتبعوه؛ لأنه الحق الذي لا مرية فيه، ولا شك، وما خالفه باطل قطعًا.
وشرع بعد إقامة الحجة على المخالفين له، وبيان المحجة لهم، مع ذلك -لا ناسخًا له، ولا بدلاً عنه، بل معه- بغضهم ومعاداتهم والبراءة منهم، كما شرع بغض ما خالفه ومعاداته والبراءة منه.
والجمع بين الشفقة على المخالفين، وبذل جهد مخلص في إقناعهم بأن يدينوا بالإسلام، وبين بغضهم ومعاداتهم والبراءة منهم؛ ممكن؛ إذا صح تصور معنى كل أمر من هذه الأمور، كما سيأتي.   
قال د. سعيد صيني:
وبهذا يتضح أن الولاء أنواع ولا يعني بالضرورة البراء.
مناقشة:
يريد أن الولاء أنواع، ولا يقتضي بالضرورة أو لا يلزم منها البراء مما يخالفها... 
قال د. سعيد صيني:
فالأمر ليس إمـا ولاء أو براء، ولكن هناك درجات متفاوتة بينهما؛ قد يكون الإشفاق أو الحياد. ويضاف إلى ذلك، أن البراءة لا تقتضي الكراهية أو العداوة أو البغضاء.
وهذه الحقائق تتسق مع قول الله تعالى: {لاَ يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}.
والقائل بإمكانية الجمع بين العداوة والإحسان في المعاملة يحاول الجمع بين نقيضين: السلوك العدائي والإحسان في آن واحد. وهو من المستحيلات.
وأما القائل بأن الإسلام يثيب المسلم على الجمع بين البغضاء في القلب والإحسان الظاهر في السلوك فيتهم رب العالمين بتشجيع النفاق!
سعيد صيني
مناقشة:
يظهر من هذا أن السلوك العدائي في تصوره هو السب والضرب والحرب، فهذه الصور من العداوة هي التي لا يمكن الجمع بينها، وبين البر، ولكن معاداة الكافر بالإنكار عليه، ومخالفته في المظهر والعادات الخاصة به، وإعلان البراءة منه ومن دينه، ومباعدته في عامة الأحيان؛ فلا يتخذ صاحبًا وصديقًا وجليسًا وأكيلاً، وإلزامه بحكم الله عند القدرة = يمكن الجمع بينها، وبين بره والإحسان إليه.   
والجمع بين البغضاء في القلب والإحسان الظاهر في السلوك ليس نفاقًا! لأن الإحسان الظاهر في السلوك إحسان حقيقي؛ علته محبة الإحسان مطلقًا، والبغضاء له في القلب متعلقة بالكفر الذي يقوم به، والإحسان ليس متعلقًا بذلك.
قال الله تعالى: {ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء، وما تنفقوا من خير فلأنفسكم، وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله، وما تنفقوا من خير يوف إليكم، وأنتم لا تظلمون}.
قال ابن تيمية في الفتاوى (31/31): "فبين أن عطية مثل هؤلاء إنما يعطونها لوجه الله، وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (في كل ذات كبد رطبة أجر) فإذا أوصى أو وقف على معين، وكان كافرًا أو فاسقا لم يكن الكفر والفسق هو سبب الاستحقاق، ولا شرطًا فيه. بل هو يستحق ما أعطاه، وإن كان مسلمًا عدلاً، فكانت المعصية عديمة التأثير، بخلاف ما لو جعلها شرطًا في ذلك على جهة الكفار والفساق أو على الطائفة الفلانية بشرط أن يكونوا كفارًا أو فساقًا فهذا الذي لا ريب في بطلانه عند العلماء".
والبغض لا يستلزم الإساءة، والإحسان لا يستلزم الحب.
قال الحافظ ابن حجر في الفتح (5/233) : (البر والصلة والإحسان لا يستلزم التحابب والتوادد المنهي عنه في قوله تعالى : (لا تجد قومًا يؤمنون بالله واليوم والآخر يوادون من حاد الله ورسوله ) الآية؛ فإنها عامة في حق من قاتل، ومن لم يقاتل).
قال القرافي في كتابه "الفروق": "الفرق التاسع عشر والمائة قاعدة بر أهل الذمة وبين قاعدة التودد لهم: اعلم أن الله تعالى منع من التودد لأهل الذمة بقوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق} الآية، فمنع الموالاة والتودد، وقال في الآية الأخرى: {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم} الآية، وقال في حق الفريق الآخر: {إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين} الآية .
وقال صلى الله عليه وسلم: (استوصوا بأهل الذمة خيرًا) وقال في حديث آخر: (استوصوا بالقبط خيرا). [ورد في صحيح مسلم: إنكم ستفتحون أرضًا؛ يذكر فيها القيراط؛ فاستوصوا بأهلها خيرًا؛ فإن لهم ذمة ورحمًا، والمقصود به أهل مصر، ولم أجده باللفظ الأول، أما اللفظ الثاني فقد رواه الطبراني والحاكم].
فلا بد من الجمع بين هذه النصوص، وإن الإحسان لأهل الذمة مطلوب، وإن التودد والموالاة منهي عنهما، والبابان ملتبسان؛ فيحتاجان إلى الفرق.
وسر الفرق أن عقد الذمة يوجب حقوقًا علينا لهم؛ لأنهم في جوارنا، وفي خفارتنا، وذمة الله تعالى، وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم، ودين الإسلام؛ فمن اعتدى عليهم، ولو بكلمة سوء أو غيبة في عرض أحدهم أو نوع من أنواع الأذية أو أعان على ذلك؛ فقد ضيع ذمة الله تعالى، وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم، وذمة دين الإسلام .
وكذلك حكى ابن حزم في مراتب الإجماع له أن من كان في الذمة، وجاء أهل الحرب إلى بلادنا يقصدونه؛ وجب علينا أن نخرج لقتالهم بالكراع والسلاح، ونموت دون ذلك؛ صونًا لمن هو في ذمة الله تعالى، وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم، فإن تسليمه دون ذلك؛ إهمال لعقد الذمة، وحكى في ذلك إجماع الأمة.
فما يؤدي إلى إتلاف النفوس والأموال؛ صونًا لمقتضاه عن الضياع؛ إنه لعظيم، وإذا كان عقد الذمة بهذه المثابة، وتعين علينا أن نبرهم بكل أمر لا يكون ظاهره يدل على مودات القلوب، ولا تعظيم شعائر الكفر، فمتى أدى إلى أحد هذين؛ امتنع، وصار من قبل ما نهي عنه في الآية وغيرها.
ويتضح ذلك بالمثل: فإخلاء المجالس لهم عند قدومهم علينا، والقيام لهم حينئذ، ونداؤهم بالأسماء العظيمة الموجبة لرفع شأن المنادى بها؛ هذا كله حرام.
وكذلك إذا تلاقينا معهم في الطريق، وأخلينا لهم واسعها ورحبها والسهل منها، وتركنا أنفسنا في خسيسها وحزنها وضيقها، كما جرت العادة أن يفعل ذلك المرء مع الرئيس، والولد مع الوالد، والحقير مع الشريف؛ فإن هذا ممنوع؛ لما فيه من تعظيم شعائر الكفر، وتحقير شعائر الله تعالى، وشعائر دينه، واحتقار أهله.
ومن ذلك تمكينهم من الولايات والتصرف في الأمور الموجبة لقهر من هي عليه أو ظهور العلو وسلطان المطالبة؛ فذلك كله ممنوع، وإن كان في غاية الرفق والأناة أيضًا؛ لأن الرفق والأناة في هذا الباب نوع من الرئاسة والسيادة وعلو المنزلة في المكارم؛ فهي درجة رفيعة، أوصلناهم إليها، وعظمناهم بسببها، ورفعنا قدرهم بإيثارها، وذلك كله منهي عنه .
وكذلك لا يكون المسلم عندهم خادمًا، ولا أجيرًا؛ يؤمر عليه، وينهى، ولا يكون أحد منهم وكيلاً في المحاكمات على المسلمين عند ولاة الأمور؛ فإن ذلك أيضًا إثبات لسلطانهم على ذلك المسلم.
وأما ما أمر به من برهم ومن غير مودة باطنية: فالرفق بضعيفهم، وسد خلة فقيرهم، وإطعام جائعهم، وإكساء عاريهم، ولين القول لهم على سبيل اللطف لهم والرحمة، لا على سبيل الخوف والذلة، واحتمال أذيتهم في الجوار، مع القدرة على إزالته؛ لطفًا منا بهم، لا خوفًا وتعظيمًا، والدعاء لهم بالهداية، وأن يجعلوا من أهل السعادة، ونصيحتهم في جميع أمورهم في دينهم ودنياهم، وحفظ غيبتهم إذا تعرض أحد لأذيتهم، وصون أموالهم وعيالهم وأعراضهم، وجميع حقوقهم ومصالحهم، وأن يعانوا على دفع الظلم عنهم، وإيصالهم لجميع حقوقهم، وكل خير يحسن من الأعلى مع الأسفل أن يفعله، ومن العدو أن يفعله مع عدوه؛ فإن ذلك من مكارم الأخلاق، فجميع ما نفعله معهم من ذلك ينبغي أن يكون من هذا القبيل، لا على وجه العزة والجلالة منا، ولا على وجه التعظيم لهم، وتحقير أنفسنا بذلك الصنيع لهم.
وينبغي لنا أن نستحضر في قلوبنا ما جبلوا عليه من بغضنا، وتكذيب نبينا صلى الله عليه وسلم، وأنهم لو قدروا علينا؛ لاستأصلوا شأفتنا، واستولوا على دمائنا وأموالنا، وأنهم من أشد العصاة لربنا ومالكنا عز وجل؛ ثم نعاملهم بعد ذلك بما تقدم ذكره؛ امتثالاً لأمر ربنا عز وجل، وأمر نبينا صلى الله عليه وسلم، لا محبة فيهم، ولا تعظيمًا لهم، ولا نظهر آثار تلك الأمور التي نستحضرها في قلوبنا من صفاتهم الذميمة؛ لأن عقد العهد يمنعنا من ذلك؛ فنستحضرها حتى يمنعنا من الود الباطن لهم والمحرم علينا خاصة...
وبالجملة فبرهم والإحسان إليهم؛ مأمور به، وودهم وتوليهم؛ منهي عنه، فهما قاعدتان إحداهما محرمة، والأخرى مأمور بها، وقد أوضحت لك الفرق بينهما بالبيان والمثل، فتأمل ذلك" .

فؤاد أبو الغيث
_______
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..